المغرب يتعافى من عاصفة ال2020 العاتية

على الرغم من تحدّياتٍ عدة، من المتوقع أن ينتعش الاقتصاد المغربي هذا العام، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 4.5٪ قبل أن يتراجع إلى 3.9٪ في 2022 و 3.6٪ في 2023. ومع ناتجٍ محلّي إجمالي إسمي يبلغ 124 مليار دولار، سيكون المغرب خامس أكبر اقتصاد في إفريقيا في العام 2021.

الإقتصاد المغربي: ينتعش رُغمَ التحديات

ناصر السعيد*

مثل العديد من البلدان الأخرى، عانى الاقتصاد المغربي من انتكاسةٍ كبيرة في العام 2020. تسبّب الجفاف الشديد، إلى جانب تأثير كوفيد-19، في أسوأ ركود عرفته البلاد على الإطلاق. ومع ذلك، فقد شهد الوضع في المغرب بالفعل تحسّناً في العام 2021، حتى مع استمرار تعرّض القطاعات الرئيسة مثل السياحة لضغوط شديدة.

كان الاقتصاد تحت الضغط حتى قبل انتشار الوباء، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي من 4.2٪ في 2017 إلى 3.1٪ في 2018 و2.5٪ في 2019. أبلغت المندوبية السامية للتخطيط في المغرب عن انكماشِ الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6.3٪ في العام 2020، مُقابل توقّعات صندوق النقد الدولي بانخفاضٍ نسبته 7.2٪، حيث أدّى التدنّي الكبير في الإنتاج الزراعي إلى جانب الضربات المتتالية لقطاعات الخدمات والقطاعات الصناعية إلى خلقِ عاصفةٍ اقتصاديةٍ مثالية.

يقول خافيير دياز كاسو، الخبير الاقتصادي في البنك الدولي :”إنهار الناتج المحلي الإجمالي الزراعي في العام الفائت. لقد انخفض بنسبة 8٪ بسبب الجفاف أكثر منه بسبب الوباء. وبهذا المعنى، فإن المغرب هو استثناء. في العديد من البلدان الأخرى، رأينا أن الأزمة لم تكن سيئة للغاية بالنسبة إلى الزراعة لأن القطاع كان قادراً على التكيّف. لم يكن هذا هو الحال في المغرب”.

الجفاف

من الصعب عدم الإعتراف بتأثير هذا الجفاف في الاقتصاد. كمُساهمٍ في الناتج المحلي الإجمالي، تتضاءل الزراعة مُقارنة بالصناعة والخدمات، حيث شكّلت أكثر بقليل من 11٪ من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في العام 2019، لكنها تُمثِّلُ قطاعَ توظيفٍ واستخدامٍ رئيس ودعامة اقتصادية أساسية لسكان الريف في البلاد، الذين عانوا فعلياً من انتشار الوباء.

أفادت المندوبية السامية للتخطيط أن 70٪ من سكان الريف و77٪ من المزارعين شهدوا انخفاضاً في الدخل في العام 2020، مقابل 59٪ يعيشون في المدن. كانت خسائر الوظائف كبيرة عند حوالي 500,000 في النصف الأول من العام 2020 وحده.

أثّرَ الوباء بشكلٍ كبير في قطاع السياحة في البلاد، وهو أحد أكبر قطاعات الضيافة في المنطقة. إنخفض عدد السياح الوافدين بنسبة 78.5٪ في 2020، و79.8٪ في الربع الرابع وحده، بما في ذلك انخفاض بنسبة 92٪ في عدد الوافدين من السائحين الأجانب، وتراجعٍ بنسبة 59٪ في عدد الوافدين من المغاربة المُقيمين في الخارج. بين نيسان (أبريل) وكانون الأول (ديسمبر) 2020، انهارت أرباح السياحة بنسبة 70٪. ومثل الزراعة، يُعَدُّ القطاع مصدراً مُهمّاً للتوظيف، حيث مثّل ما يقرب من 550 ألف وظيفة مباشرة و7٪ من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2019.

تضرّر قطاع التصنيع الناشئ في البلاد –لا سيما في مجالَي السيارات والطيران– من إغلاقٍ شبهِ كامل وتراجعِ الطلب العالمي. وانخفضت الصناعات التحويلية بنسبة 6٪ في النصف الأول من العام 2020، والنشاط غير الزراعي بنسبة 5.8٪ طوال العام مُقابل 3.9٪ نمو في العام 2019.

على الرغم من هذه التحدّيات، من المتوقع أن ينتعش الاقتصاد المغربي هذا العام، بعد أن تحرّكت البلاد بسرعة لتأسيس تدابير الدعم الاقتصادي في المراحل الأولى من الأزمة. يتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 4.5٪ قبل أن يتراجع إلى 3.9٪ في 2022 و 3.6٪ في 2023. ومع ناتجٍ محلّي إجمالي إسمي يبلغ 124 مليار دولار، سيكون المغرب خامس أكبر اقتصاد في إفريقيا في العام 2021.

إستجابةٌ صارِمة

كانت جهودُ الحكومة المغربية للحدّ من انتشار الفيروس من بين أكثر الجهود صرامة في العالم، وشملت عمليات الإغلاق وإقفال الحدود وحظر التجوّل وإجراءات الإنفاذ الصارمة التي شهدت اعتقال أكثر من 1.5 مليون شخص لخرقهم القواعد بين تموز (يوليو) 2020 ونيسان (أبريل) 2021.

على الرغم من الإنتقادات ضد هذه الإجراءات لكونها قاسية للغاية، إلّا أنها قد آتت ثمارها: فقد توفي أقل من 10,000 شخص في بلد يزيد عدد سكانه عن 36 مليوناً بسبب الفيروس اعتباراً من حزيران (يونيو) 2021. وهذا يقُارَن بشكل إيجابي مع جارتها الشمالية إسبانيا، على سبيل المثال، التي سجّلت أكثر من 80,000 حالة وفاة بين سكان يبلغ تعدادهم حوالي 47 مليون نسمة خلال الفترة عينها.

في نيسان (أبريل) 2020، أعلنت الحكومة عن إنشاءِ صندوق تضامن خاص لإدارة الوباء. دعا الملك محمد السادس في الأصل إلى تمويلٍ بقيمة 1 مليار دولار، ولكن تمّ تشجيع الأفراد والقطاع الخاص أيضاً على المساهمة، وقد لبّ كثيرون الطلب، وكانت النتيجة النهائية 3 مليارات دولار لتحديث البنية التحتية الصحية، وشراء المعدات الطبية، والصناديق الاجتماعية لدعم المواطنين المُعَرَّضين للخطر.

يقول سيدريك بيري، المحلل في وكالة فيتش للتصنيف الائتماني: “كان المغرب قادراً على التخفيف من هذا التأثير من خلال القروض المضمونة لقطاع الشركات والتحويلات المباشرة إلى الأُسَر. ما فعلته الحكومة كان مهماً. لقد عرضت تحويلات مباشرة، حتى للأشخاص في القطاع غير الرسمي الذين يمثّلون حوالي 1.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وكان ذلك مُساعداً جداً، نظراً إلى أن المستفيدين يميلون إلى أن يكونوا من ذوي الدخل المُنخفض. وقد ساهم هذا في تخفيف الضربة”.

تتطلع البلاد الآن إلى حوافز جديدة لدعم الانتعاش التدريجي، بما في ذلك من خلال صندوق استثمار محمد السادس الذي تبلغ قيمته 1.7 مليار دولار. أُطلِقَ الصندوق في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، وهو مبادرة طموحة تم تنفيذها أيضاً بدعمٍ من مُساهمين من القطاع الخاص، بما في ذلك البنوك. وسوف يأخذ الشكل القانوني لشركةٍ ذات مسؤولية محدودة، أو شركة مُغفّلة، ويهدف إلى تمويل المشاريع الصناعية والبنية التحتية والسياحية والزراعية الكبرى.

إنتعاشٌ في العام 2021

أحد العوامل المهمة الذي يدعم عودة المغرب إلى النمو في العام 2021 هو النهاية التي طال انتظارها للجفاف الذي استمرّ عامين في البلاد. عادت الأمطار في العام 2021، ويتوقع البنك الدولي انتعاشاً كبيراً في قطاع الزراعة نتيجة لذلك. إلى جانب الانتعاش التدريجي في قطاعَي الخدمات والصناعة، اللذين شكّلا 50٪ و 26٪ من الناتج المحلي الإجمالي، على التوالي، في العام 2019، يسير المغرب على الطريق الصحيح لاستعادة مكانته.

ويقول دياز كاسو، من البنك الدولي : “توقعت وزارة الزراعة أن يتضاعف إنتاج الحبوب ثلاث مرات هذا العام. كما أن لديها أيضاً توقعات جيدة للمحاصيل ذات القيمة المُضافة الأعلى، وزيادة بنسبة 30٪ تقريباً في الحمضيات، وموسم جيد للتمور والزيتون والمحاصيل النقدية الأخرى المُوَجَّهة للتصدير. لذلك، نحن نخطط لنموٍّ مرتفع للغاية للقيمة المُضافة الزراعية هذا العام، ونمو مزدوج الرقم، والذي سيكون عاملاً يساعد على الانتعاش”.

ومع ذلك، في وقت كتابة هذا التقرير، كانت النظرة المستقبلية لقطاع السياحة أقلّ إيجابية، حيث لا تزال قيود السفر الدولية في الأسواق الرئيسة سارية.

إرتفاعُ التحويلات

تلعب التحويلات التي تُرسلها العائلات المغربية التي تعيش في الخارج إلى أقاربها في البلاد دوراً مهماً، حيث تتجاوز 5٪ من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً منذ العام 2000. ولكن مع اندلاع الوباء، ظهر اتجاهٌ مُثيرٌ للفضول. أفاد صندوق النقد الدولي أن التحويلات ارتفعت بنسبة 6.5٪ على أساس سنوي في العام 2020 على الرغم من حقيقة أن العديد من المغاربة الذين يعيشون في الخارج يُقيمون في أوروبا، التي واجهت آثاراً اقتصادية مُدمّرة بالقدر نفسه التي عانى منها المغرب وفقدان الوظائف عند بداية الوباء.

إستمر نمو هذه التحويلات حتى الآن في العام 2021، حيث أفاد مكتب الصرف المغربي بأن تحويلات المغاربة المُقيمين في الخارج بلغت قرابة 3.3 مليارات دولار خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام 2021، بزيادة 45.3٪ على أساس سنوي.

كان الاقتصاديون في البداية في حيرة من أمرهم بشأن سبب ارتفاع التحويلات، لكن الإجابة تكمن في إجراءات الإغلاق الصارمة التي اتخذتها الحكومة. يقول دياز كاسو: “في كل صيف من كل عام، يعود مئات الآلاف [من المغاربة] إلى بلادهم، لكن هذا لم يكن من الممكن أن يحدث في العام الفائت، لذلك كان هناك نوعٌ من تأثير الاستبدال. أعتقد أن آفاق التحويلات ستكون مُرتبطة بما إذا كان المهاجرون سيتمكنون من السفر أم لا. سوف يعتمد على ما إذا كان سيتم رفع قيود السفر”.

كان لانخفاضِ أسعار النفط العالمية في المرحلة المُبكرة من الوباء تأثيرٌ إيجابي أيضاً على عجز الحساب الجاري للمغرب، الذي انخفض إلى 1.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2020، مُقابل 4.9٪ في العام 2019. وأوضح هبوط أسعار الطاقة الانخفاض، مع وفورات بلغت بما يقارب 2.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي. وانخفضت الواردات بشكلٍ عام نتيجةَ الإغلاق، وبينما ارتفع عجز الموازنة –من 3.6٪ من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2019 إلى 7.6٪ في العام 2020– كان هذا يرجع أساساً إلى الانخفاض الكبير في الإيرادات الضريبية.

أجندة الإصلاح

بينما تتطلع الحكومة المغربية إلى مستقبلِ ما بعد الوباء، فهي تسعى إلى ترجمة الانتصارات المؤقتة إلى نجاحاتٍ طويلة المدى. وقد أطلقت بالفعل خططاً لإصلاحٍ اقتصادي في العام 2019، مع إنشاء لجنة خاصة لمراجعة نموذجها التنموي الحالي. وقد نشأ هذا من تصوّرٍ أن نموذجَ البلد لم يكن شاملاً، وفَشِلَ في الحدّ من عدم المساواة ويُمكن أن يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية.

مع اقترابِ نهاية الأسوأ بالنسبة إلى حالات الوباء، تعود السلطات المغربية إلى تلك الخطة. إنها تنتهز هذه الفرصة حقاً لمحاولة تغيير أشياء كثيرة وتنفيذ العديد من الإصلاحات المهمة. “أعتقد أنها تُحاول إعادة بناء العقد الاجتماعي في المغرب”، يقول دياز كاسو.

يسعى النموذج الجديد إلى توسيع وتعزيز إطار الحماية الاجتماعية من خلال اعتماد الرعاية الصحية الشاملة، وشبكة ضمان اجتماعي أوسع وإصلاحات لبرنامج التحويلات النقدية الحالي، وكذلك إصلاحات المعاشات التقاعدية والعلاوات العائلية.

كما أن إصلاحات القطاع الخاص، بما فيها التغييرات في الشركات المملوكة للدولة المُتثاقِلة في البلاد، هي أيضاً على جدول الأعمال. الهدف هو إدارة هذه الشركات مثل الشركات ذات المهام المُحَدَّدة، مع فتح البلاد أمام استثمارات جديدة للقطاع الخاص من خلال الحدّ من المركز المهيمن والذي غالباً ما يبحث عن الريع للمؤسسات المملوكة للدولة.

“لقد تَجاوَزَ الكثير من الإجراءات المُعتَمَدة خطط ضمان القروض الفورية والتحويلات، مع إنفاقٍ إضافي على الصحة والتعليم، والذي يتماشى جيداً مع توصيات المؤسسات المتعددة الأطراف وما يمكن أن يُحسّن آفاق النمو في المدى المتوسط. السؤال في هذه المرحلة هو: كيف سيموّلون هذا الإنفاق الإضافي؟”، يقول بيري من وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية.

زيادة الثقة

في الواقع، ستكون إصلاحات العقد الاجتماعي باهظة الثمن، وقد قفزت نسبة الدين المغربي إلى الناتج المحلي الإجمالي بالفعل من 65.2٪ في 2019 إلى 77.1٪ في 2020.

وقد أخذت وكالات التصنيف علماً بذلك. في تشرين الأول (أكتوبر) 2020، خفّضت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني التصنيف الافتراضي لمُصَدِّر العملة المغربية في المدى الطويل إلى درجة واحدة أقل من درجة الاستثمار، وفي نيسان (أبريل) 2021، حذت ستاندرد آند بورز حذوها ، مُشيرةً إلى تزايد عجز الموازنة والخطط لزيادة الإنفاق على المنافع الاجتماعية.

لا يزال المُستثمرون حتى الآن غير مُنزعجين. أصدر المغرب سندات يوروبوند بقيمة مليار دولار في أيلول (سبتمبر) 2020، وعاد إلى أسواق السندات بالدولار الأميركي لأول مرة منذ سبع سنوات في كانون الأول (ديسمبر)، بإصدارٍ بقيمة 3 مليارات دولار. وقد تجاوز الاكتتاب في كلا الإصدارين المبلغ المطلوب بشكل كبير.

يقول دياز كاسو: “كانت البلاد قادرة على الوصول إلى الأسواق بشروطٍ مواتية للغاية، مع قسائم مُنخَفِضة وآجال استحقاق طويلة. إنها تستفيد من تصوّرٍ أن الأسواق واثقة تماماً من السياسات والتدابير والنهج التي اتخذها المغرب لمعالجة الأزمة. إنها علامة على الثقة بالمغرب”.

  • ناصر السعيد هو مراسل “أسواق العرب” في المغرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى