هل أوباما مرتاحٌ للدور الروسي في سوريا؟
منذ إنطلاق الأحداث في سوريا، لم تُبدِ إدارة أوباما الإهتمام المطلوب من دولة عُظمى للسيطرة على الوضع المأسوي ووأد الأزمة في مهدها، الأمر الذي ترك الساحة للاعبين إقليميينً لملء الفراغ. ولكن هل هذا المسار الإنحداري للنفوذ في شرق البحر المتوسط هو قرار أميركي أم أنه تكتيك موقت؟
أنقرة – عبد الكريم كحيل
أدّت الإتصالات التي جرت في أواسط الشهر الجاري بين المسؤولين الأتراك والروس والإيرانيين إلى تكهنات بأن الدول الثلاث تسعى الى ترتيبٍ لإنهاء الصراع السوري. علماً بأن الولايات المتحدة كانت غائبة عن المناقشات.
بعد قمة الثامن من آب (أغسطس) بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، زار وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أنقرة، حيث إلتقى نظيره التركي مولود جاويش أوغلو. وأكد الرجلان أن بلديهما سوف يتعاونان للحفاظ على “وحدة الأراضي” في سوريا، وهذا يعني أنهما سيعارضان أي كيان كردي هناك.
في 15 الشهر الجاري، أعرب رئيس الوزراء التركي بينالي يلديريم عن تفاؤله بأن دول المنطقة يمكنها إيجاد حل سياسي في سوريا. وإقترح خريطة طريق من ثلاث نقاط يمكنها أن تؤدي في هذا الإتجاه: الدفاع عن الوحدة الترابية لسوريا، بما في ذلك رفض الخطط الكردية لفرض هيكل إتحادي؛ وإعادة تشكيل الدولة السورية، ولكن ليس على أسس طائفية أو عرقية أو جغرافية؛ وعودة اللاجئين في إطار خطة واضحة المعالم.
وعلى الرغم من الأمل، فإن الطريق نحو تسوية في سوريا ما زال مُعقّداً للغاية. لشيء واحد، لا يوجد حتى الآن إتفاق حول مستقبل الرئيس بشار الأسد. وتهدف تصريحات يلدريم حول إعادة بناء سوريا على أسس أخرى غير طائفية على وجه التحديد إلى تهيئة الظروف لرحيل الأسد في نهاية المطاف من السلطة. لكن روسيا وإيران حافظتا على لفّ نواياهما بكثير من الغموض.
كما لم يكن هناك تناغم إقليمي واضح في حلب. فقد قامت تركيا، حسب معلومات متطابقة، بتسليح المتمردين بالسلاح قبل آونة من الهجوم المضاد في المدينة. وهذا ما سمح لهم بكسر الحصار المفروض على الأحياء الشرقية، وتطويق مناطق النظام.
في الوقت عينه، تدعم واشنطن القوى التي تعارضها تركيا وإيران. إن النصر الأخير ضد تنظيم “ألدولة الإسلامية” (داعش) في منبج الذي حققته القوى الديموقراطية السورية التي تدعمها الولايات المتحدة — وهي تحالف كردستاني -عربي يهيمن عليه الأكراد — رَنّ ناقوس الخطر في أنقرة وطهران. وتخشى العاصمتان من أن يكون الأكراد، تحت ستار مكافحة “داعش”، يسعون إلى توحيد المناطق الكردية في شمال سوريا.
في مقابلة مع صحيفة “الحياة” (في15/08/2016)، إعترف صالح مسلم، رئيس حزب الإتحاد الديموقراطي الكردي، علناً بأن الأولوية الكردية اليوم كانت للتحرك في إتجاه عفرين، المنطقة الغربية التي يسيطر عليها الكرد في شمال سوريا، وليس الرقة، التي يفضّلها الأميركيون. إن النجاح الكردي يمثل خطاً أحمر بالنسبة إلى تركيا، كما أيضاً إلى إيران، لأن البلدين يحاربان الأكراد الإنفصاليين في عقري داريهما.
والآن بعدما سقطت منبج فقد طلب الأتراك من الولايات المتحدة إجبار الكرد على الإنسحاب شرق الفرات. ولكن كيف يمكن للأميركيين إدارة المصالح المتضاربة مع مختلف القوى في سوريا، مع الحفاظ أيضاً على الضغط على تنظيم “الدولة الإسلامية”؟ لا يبدو الأمر واضحاً حتى الآن. لكن الرئيس باراك أوباما سيترك منصبه قريباً، وبالتالي فإن حل هذه المشكلة قد يكون من مهمة شخص آخر.
مع ذلك، هناك شيء واحد قد أظهره هذا الواقع الجديد بالفعل هو أن إستراتيجية إدارة أوباما التي تركّز على تنظيم “داعش” قد سمحت لدول أخرى بالإلتفاف عليها في أي تحركات ديبلوماسية حول سوريا. ومن الملحوظ والمُستغرَب بأن وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، ما زال يلاحق رسمياً عملية جنيف، في وقت قد تكون الإتصالات الإقليمية تتحرك أبعد من ذلك.
في 13 آب (أغسطس) الجاري، صرّح نائب وزير الخارجية الايراني منوشهر متكي أن إيران وتركيا قد وافقتا على الإطار العام للتوصل إلى حلّ في سوريا، وهو يتضمن الحفاظ على سيادة البلاد وسلامة أراضيها وإقامة حكومة سورية موسَّعة للسماح للسوريين أنفسهم بإتخاذ القرار المناسب بشأن مستقبل بلادهم. ولم يتم ذكر مصير الأسد علناً، وهو حجر الزاوية في حوار جنيف.
ولأن الولايات المتحدة ليست طرفاً مباشراً في المحادثات فإن ذلك يشير إلى أن قدرتها على صياغة النتيجة في سوريا هي محدودة. إن علاقات واشنطن مع تركيا وايران وروسيا في الآونة الأخيرة سادها الإضطراب، وبات كيري يعاني ويشعر بصعوبة للدفاع عن الأولويات الأميركية. بالنسبة إلى إدارة أوباما التي تدّعي أنها “واقعية” من الناحية السياسية، فإن الحقيقة هي أنه لا يبدو، حتى الآن، أن الولايات المتحدة مستعدة أو قد تكون على الطاولة.
مع إئتلاف يتم تشكيله لمعارضة المكاسب الكردية في سوريا، فإن الأميركيين قد يجدون قريباً أن حصصهم في البلاد ستتم مقاومتها مباشرة. ويأتي ذلك في الوقت الذي أشار الروس إلى أنهم ينوون تحويل قاعدة “حميميم” الجوية السورية إلى منشأة عسكرية روسية كاملة وتوسيع بنيتها التحتية. ويبدو أن بوتين يرى أن أمامه فرصة حالياً لدفع الولايات المتحدة للخروج من شرق البحر الأبيض المتوسط.
قد لا يُزعج هذا الأمر واشنطن، التي ربما تعتبر روسيا كثقل موازن لإيران في منطقة تعتقد إدارة أوباما أن لديها مصالح إستراتيجية قليلة خارج إسرائيل. ولكن تقزيم الدور الأميركي قد لا يُرضي خليفة أوباما، الذي (أو التي) سيجد صعوبة في إعادة التأثير الذي كانت تتمتع به أميركا سابقاً.
من ناحية أخرى، بدأ العديد من دول المنطقة يعتبر روسيا كدولة أساسية لنتائج الأزمات الإقليمية، حيث لعقود كان الدور محصوراً بالولايات المتحدة. قد يكون هذا ما يريده أوباما، ولكن لا ينبغي لأي بلد أبداً أن يأخذ متعة في تهميش دوره.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.