قسِّموا العراق لكي يبقى مُوَحَّداً

تعوّد القادة الأميركيون على إستبدال الحقائق غير السارة في العراق بتقييمات وردية بناء على إفتراضات مشكوك فيها. في العام 1991، بعد حرب الخليج، أمِلت إدارة جورج بوش الأب بأن ينتفض العراقيون ضد صدام حسين وشجّعتهم على القيام بذلك، فقط للتخلي عنهم وتركهم لقمة سائغة لقمع الحرس الجمهوري. في العام 1998، وقّع الرئيس بيل كلينتون قانون تحرير العراق، الذي يحتضن رسمياً تغيير النظام ونقل ملايين الدولارات إلى مُختلِس مُدان مدعوم من إيران، أحمد الجلبي. وفي العام 2003، إعتقدت إدارة جورج دبليو بوش (الإبن) أن إسقاط صدام سيؤدي إلى الإستقرار بدلاً من الفوضى عندما إجتاح الجيش الأميركي العراق ووصل خلال ساعات الى بغداد. وفي العام 2005، فيما إنحدرت البلاد إلى العنف، أصرّ نائب الرئيس الأميركي آنذاك ديك تشيني أن التمرّد “يلفظ أنفاسه الأخيرة”.
في العام 2010، وكان نجاح عملية “زيادة” القوات التي أقدم عليها بوش ما زال سارياً، توقع نائب الرئيس الأميركي جو بايدن بأن سياسة الرئيس باراك أوباما تجاه العراق “ستكون واحدة من أعظم إنجازات هذه الإدارة”، مشيداً بالعراقيين لإستخدامهم “العملية السياسية، بدلاً من الأسلحة، لتسوية خلافاتهم”. وفي العام 2012، حتى فيما كان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يمارس في شكل متزايد نظاماً سلطوياً ومختلاً وظيفياً، فقد واصلت الإدارة الأميركية حديثها المتفائل. “توقع الكثيرون أن العنف سيعود وأن العراق سينزلق نحو حرب طائفية”، قال انتوني بلينكن، مستشار الأمن القومي في حينه لبايدن. “تلك التوقعات أثبتت أنها خاطئة”.
اليوم، بطبيعة الحال، يبدو الجيش العراقي أنه قد إنهار تقريباً، على الرغم من المساعدات الأميركية التي بلغت 25 مليار دولار. والميليشيات الشيعية التي أقسمت الولاء للمرشد الأعلى الإيراني تعمل بحرية من دون أي عقاب. وتنظيم “الدولة الإسلامية” (أو داعش) يهيمن على أكثر من ثلث العراق ونصف سوريا. إن خليفة أوباما سيكون بالتالي بالتأكيد الرئيس الأميركي الخامس على التوالي الذي سيقوم بقصف العراق.
مع ذلك، فإن المقيم المقبل في البيت الأبيض يمكنه أن يختار تجنب الوقوع في أخطاء الذين سبقوه من خلال رفضه دعم وتمكين القادة العراقيين الفاسدين والمسببين للإنقسام من دون قيد أو شرط على أمل أنهم سوف يخلقون بلداً مزدهراً مستقراً إلى حد ما. إذا إستمر العراق في دوامته المنحدرة الحالية، كما هو مؤكد تقريباً، ينبغي على واشنطن قبول الوضع المنقسم على أرض الواقع، والتخلي عن تثبيت الحدود المصطنعة، والبدء بالسماح للأجزاء المختلفة في العراق وسوريا بالشروع في رحلة تقرير المصير. مما لا شك فيه أن هذه العملية لن تكون عملية سهلة، بل دموية، ولكن في هذه المرحلة، فهي تمثل أفضل فرصة لإحتواء العنف الطائفي وحماية ما تبقى من منطقة الشرق الأوسط من الإنزلاق إلى مزيد من الفوضى.

حيدر العبادي: إصلاحاته صوتية
حيدر العبادي: إصلاحاته صوتية

بغداد – محمد العمري

منذ تأسيس العراق الحديث في العام 1920، نادراً ما شهدت البلاد سلاماً وإستقراراً مستمرّين. في ظل الإمبراطورية العثمانية، قسَّم السلاطين الأرض إلى ثلاث ولايات منفصلة، أو محافظات، مع 3 حكام يشرفون بشكل مستقل على الموصل في الشمال، وبغداد في الوسط، والبصرة في الجنوب. مع ذلك، بعد إنتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى وإنهيار الإمبراطورية العثمانية، أنشأت معاهدة “سافر” (Sèvres) حدوداً جديدة ومُصطَنعة لتقسيم الغنائم. فقد تولّت فرنسا بموجبها إدارة لبنان وسوريا، فيما كان البريطانيون مصممين على إقامة منطقة نفوذ في بلاد ما بين النهرين الغنية بالنفط، حيث عيَّنوا عضواً من سلالة النبي محمد، فيصل بن الحسين، أول ملك على العراق في 1921.
بحلول 1932، العام الذي صار فيه العراق مستقلاً وإنضم إلى عصبة الأمم، إنتهى الملك فيصل الأول إلى نتيجة بأن بلده كما هو لا معنى له كأمة: “في هذا الصدد وقلبي ملآن أسى إنه في إعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل توجد كتلات بشرية خيالية خالية من أي فكرة وطنية، متشبِّعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينها جامعة، سمّاعة للسوء، ميّالة للفوضى، مستعدة دائماً للإنتفاض على أي حكومة كانت”.
أثبتت هذه الكلمات بأنها كانت نبوية، ففي العام 1958، قُتل حفيده فيصل الثاني مع العائلة المالكة في إنقلاب، تبعته ثلاث ثورات وإنقلابات مضادة قبل تولي حزب البعث العربي الإشتراكي الحكم في العام 1968، حيث إستولى صدام حسين على السلطة وسيطر بشكل كامل على البلاد في العام 1979.
وفيما كان يُعتبر مركزاً إقليمياً للسياسة والعلوم والثقافة والتجارة، فقد تراجع العراق على كل الجبهات في عهد صدام حسين. في ثمانينات القرن الفائت، أبادت حملته التي شنَّها في الأنفال عشرات الآلاف من الأكراد، وحربه الكارثية مع إيران تركت مئات الآلاف من القتلى وملايين من المهجّرين. كما أن توغل جيشه الكارثي أيضاً في الكويت في العام 1990 أدّى إلى حرب خاسرة، وقمعٍ لم يرحم التمردات الكردية والشيعية، وإثنتي عشرة سنة من العقوبات المدمِّرة، و130 مليار دولار من الديون. حتى أن مؤيدي صدام الأساسيين من أهل السُنَّة لم يكونوا في مأمن من المذابح المتكررة؛ فقد تمت تصفية عدد لا يحصى من أقارب صدام، ومسؤولي حزب البعث والضباط ومشايخ القبائل على مر السنين. وتسببت هذه العقود من سوء الإدارة والحكم إلى رفض ومعارضة غالبية العراقيين –وليس فقط الأكراد والشيعة ولكن الإسلاميين المنفيين والعلمانيين السنة — للحكم في بغداد.
كان من المُفترَض أن يكون العراق ما بعد صدام، الذي ظهر بعد الغزو الأميركي في العام 2003، مختلفاً. فبعدما فشلت في العثور والكشف عن أسلحة الدمار الشامل، فقد أنفقت الولايات المتحدة قدراً غير عادي من الموارد للتعويض عن الخطأ ومتابعة التركيز على إحلال التعددية والإستقرار والرخاء والديموقراطية والحكم الرشيد. نحو 4500 جندي أميركي قُتلوا وجُرح 32,000 آخرين، ناهيك عن تريليونات من الدولارات من التكاليف المباشرة وغير المباشرة، وملايين العراقيين بين قتيل ونازح. مع ذلك، فقد فشل التدخل في نهاية المطاف، لأنه دعم وعزّز مجموعة جديدة من النُخَب التي رسمت شرعية بحتة تقريباً من أجندات عرقية طائفية مُقَسِّمة بدلاً من إعتماد مسار السلام والإستقرار والمصالحة وسيادة القانون والوحدة الوطنية.
بعد فترة وجيزة على الغزو، ضغط سياسيون عراقيون “مكيافيليون” على المسؤولين الأميركيين لحل الجيش العراقي فيما إختطفوا هيئة إجتثاث البعث التي أنشاتها واشنطن وإستخدامها للإبتزاز أو تطهير البلاد من المعارضين السياسيين العلمانيين من السنّة والشيعة على حد سواء. وقد أدى هذا الأمر إلى ترك مئات الآلاف من العاطلين من العمل بشكل دائم، الذين شعروا بالمرارة، وعملوا بعدها على التجنّد للإنتقام العنيف ضد النظام الجديد.
في منطقة الشمال الجبلية، سعى القادة الأكراد إلى تعزيز المكاسب الكبيرة التي حققوها من خلال الحكم الذاتي بعد إصدار قرار حظر الطيران فوق منطقتهم في العام 1991. بعد حرب أهلية شرسة في منتصف تسعينات القرن الفائت، أسسوا إقليم كردستان شبه المستقل، مؤمّنين السلام وجذب الإستثمار الأجنبي. وبعدما خُلِع صدام، سيطروا على مناصب رئيسية في بغداد بموجب نظام الحصص العرقي والطائفي الجديد كوسيلة للتحوّط ضد مزيد من القمع.
في الجنوب، بدت الأحزاب الإسلامية الشيعية — التي حاربت حزب البعث العلماني وصدام على مدى عقود، وغالباً مع دعم إيران السري – منتصرة حيث سعت إلى التعويض عن القمع الماضي. وقد أكّدت إرادتها كغالبية بتحدّيها محرّمات البعث من طريق إحداث العديد من الأعياد الدينية الرسمية، ومدعّمة علاماتها المعروفة من القيم الدينية في المناهج المدرسية الوطنية، وواضعة أعضاء من الأجنحة المسلحة لأحزابها السياسية الدينية في الوظائف الحكومية. في أروقة السلطة في بغداد، صارت كلمة آية الله العظمى علي السيستاني، أعلى سلطة في الإسلام الشيعي في البلاد، هي السائدة.
من جهة أخرى، وجدت الأقلية السنية في العراق، التي شكّلت النخبة الحاكمة في البلاد لقرون عدة، نفسها في حالة من الفوضى. لتصحيح المظالم المعروفة، إستقرت في النهاية على إستراتيجية مقاطعة الديموقراطية لصالح التمرّد والإرهاب. منقسمون بشكل ميؤوس ويفتقرون إلى القيادة والرؤية، فقد سقط العرب السنّة في كثير من الأحيان في فخ مقاتلة ومقاومة الإحتلال العسكري الأميركي والنفوذ المتنامي للعدو التاريخي اللدود، إيران الفارسية الشيعية، من خلال التوصل الى إتفاق مع الشيطان: “تنظيم القاعدة”.
هكذا بدأت دوامة لا نهاية لها من القتل بين متطرفين متشدّدين من جميع المشارب، من بقايا حزب البعث إلى “تنظيم القاعدة في العراق” إلى الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران. ومع كل إتهام ديني يُطلّق حول كلٍّ من الفظائع، كانت الهوية الوطنية العراقية تضعف أكثر، فيما كان الشعور الخاص العرقي والقبلي والديني الذي يعود إلى آلاف السنين ينمو أقوى.
بين جميع القوى الرئيسية، ربما كان الوحيد الأكثر تآكلاً هو نوري المالكي، السياسي الإزدواجي والمُفسِد والمُقَسِّم الذي شغل منصب رئيس الوزراء في بداية العام 2006. وبعدما خسر الإنتخابات في العام 2010، تمكّن من البقاء في الحكم من خلال إتفاق لتقاسم السلطة مدعوم من واشنطن وطهران، حيث وطّد سلطته بالإحتفاظ بالسيطرة الشخصية على وزارات الداخلية والدفاع والمخابرات، بين الهيئات المهمة الأخرى. ومع إنشغال أوباما بالإنهيار الإقتصادي العالمي، والذي نصحه وأفاده كبار مساعديه بأن المالكي هو رجل قومي وليس طائفياً، فقد ضمن رئيس الوزراء العراقي دعماً إيرانياً وأميركياً غير مشروط تقريباً، حيث أقال الضباط المهنيين المحترفين لصالح الموالين له غير الكفوئين وغير المؤهّلين. لقد حرَّض عمداً أجهزة الدولة ودائرته الإسلامية الشيعية المتشدّدة ضد كل أنواع المعارضين من العلمانيين الشيعة والإسلاميين والعلمانيين السنّة، والأكراد، وحتى المنافسين الشيعة الإسلاميين.
على الرغم من أن المالكي قد حقق العديد من النجاحات خلال فترة ولايته الأولى، والتي تزامنت مع تصاعد عملية زيادة القوات الأميركية خلال ولاية بوش، فإن فترة ولايته الثانية 2010-2014، كانت كارثية. لقد إرتفع العنف من أدنى مستوياته بعد العام 2003 إلى آفاق جديدة. أقسامٌ كاملة من الجيش العراقي ذابت في مواجهة قوى أصغر بكثير، تاركة المليارات من الدولارات من المركبات والأسلحة والذخائر الأميركية خلفها لإستخدامها من قبل الإرهابيين. ووقع مجمل معقل السنّة في العراق في أيدي تنظيم “الدولة الإسلامية”.
إنهارت العلاقات بين بغداد وإقليم كردستان والمحافظات السنية، وفقدت الحكومة المركزية السيطرة على أكثر من نصف أراضيها. والميليشيات الشيعية المدعومة من إيران التي سحقها المالكي سابقاً إنتعشت بشراسة في وجه إعتداءات “داعش” والتي من المرجح أن عددها الآن يفوق عدد قوات الأمن العراقية الرسمية. والأشد غرابة هنا هو أن كلاً من تنظيم “الدولة الإسلامية” والميليشيات الشيعية الآن يستخدم الأجهزة العسكرية الأميركية المتقدّمة والحديثة لإرتكاب الفظائع في جميع أنحاء العراق.
في الكثير من أنحاء الشرق الأوسط اليوم، هناك حقيقة مُحزنة تسود: لقد تسبّبت عقود من سوء الإدارة والحكم بتقسيم مجتمعات متنوِّعة غنية على أسس عرقية طائفية. في العراق، صار الآن واضحاً أن الإسلاميين الشيعة لن يقبلوا بالحكم العلماني القومي السني أو الشيعي، كما أنه لن يقبل أحدٌ بحكم الإسلاميين السنّة، خصوصاً النسخة الراديكالية التي يتبناها تنظيم “الدولة الإسلامية”. في الوقت عينه، فإن الأكراد العلمانيين نسبياً غير مستعدين للعيش تحت حكم عربي من أي نوع. بإختصار، إن رؤى هذه الجماعات القوية للحياة والدين والسياسة تتعارض جذرياً. أما بالنسبة إلى الأقلية المسيحية والشبك واليزيديين والصابئة، والجماعات اليهودية التي كانت سابقاً في الأزمنة الغابرة تعد بالملايين وعاشت في بلاد ما بين النهرين منذ آلاف السنين، فقد واجهت مصيراً شاملاً مشتركاً: الموت العنيف أو النزوح الدائم.

من سيِّىء إلى أسوأ

على الرغم من بعض المكاسب التكتيكية، مثل تحرير تكريت، فإن الوضع الإستراتيجي زاد سوءاً منذ أن حلَّ رئيس الوزراء حيدر العبادي مكان المالكي في أيلول (سبتمبر) 2014. خلال العام الفائت، عزز تنظيم “داعش” موقفه، حتى في مواجهة حملات قصف التحالف التي أرّخها على “تويتر” كبار المسؤولين الأميركيين الذين — مرددين ما فعله الجنرال وليام ويستمورلاند خلال حرب فيتنام — إستشهدوا بعدد القتلى وعدد الغارات الجوية كمقاييس للنجاح. وقد وقعت مدينة الموصل في قبضة “الدولة الإسلامية” في حزيران (يونيو) 2014؛ واليوم، هناك عدد قليل يتحدث عن تحريرها في أي وقت قريب، كما إندفع الإرهابيون إلى الأمام للسيطرة على الرمادي عاصمة محافظة الأنبار العراقية. إن البرابرة الذين وصفهم أوباما ب”مجموعة إرهابية صغيرة” هم الآن على بعد بضع عشرات الأميال من أبواب بغداد، كما أنهم يوسّعون إنتشارهم في سوريا ويقيمون فرقاً تابعة في جميع أنحاء أفريقيا وآسيا. في وقت سابق من هذا العام، عندما سألتُ أحد نواب رئيس الوزراء العراقي كيف تبدو بغداد، إقشعر وقال: “كيف لي أن أعرف؟ لا أستطيع مغادرة المنطقة الخضراء”.
لقد أدّى إنهيار قوات الأمن العراقية وصعود الميليشيات الشيعية إلى زيادة إضعاف قبضة بغداد الضعيفة أصلاً في البلاد وتمكين طهران، لأن الميليشيات تدين بالولاء إلى المرشد الأعلى الإيراني وتوَجَّه من قبل فيلق “القدس” التابع للحرس الثوري الإسلامي الإيراني. وقد أطلق قادة عسكريون أميركيون ناقوس الخطر بشأن تنامي قوة وشعبية هذه الجماعات الإرهابية، التي تُعتبر مسؤولة عن تفجير سفارات الولايات المتحدة والدول الحليفة وقتل وتشويه الآلاف من الجنود العراقيين والأميركيين وقوات التحالف. في كل مرة تتوغل الميليشيات الشيعية في الجيوب السنية، فإنها تنفذ فظائع جديدة وتهجّر المزيد من الناس، الأمر الذي يؤدي إلى تعزيز جاذبية تنظيم “الدولة الإسلامية”. وفي كل مرة يفجّر “داعش” أمكنة ويقتل مدنيين شيعة أبرياء، فإن الميليشيات الشيعية تنمو أقوى، والحكومة العراقية تنمو أضعف.
من جهة أخرى، فقد ضاعف من كابوس بغداد غرق أسعار النفط، الذي ترك حكومة العبادي مع عجز كبير في الموازنة وصل إلى عشرات المليارات من الدولارات، وقدرة محدودة على الإقتراض من أسواق رأس المال الدولية، وإحتمال ركود تضخمي. كما بقي معدل البطالة بين الشباب مرتفعاً بشكل مزمن. في صيف هذا العام، مع إرتفاع أالحرارة إلى أكثر من 120 درجة فارونهايت وتلقي الأسر ما لا يزيد عن بضع ساعات من الماء والكهرباء في اليوم الواحد، زاد غليان الغضب لدى السكان الذين هددوا بالإنفجار.
وهذا هو بالضبط ما حدث. في تموز (يوليو)، ملأت عشرات الآلاف من المتظاهرين السلميين والعلمانيين الساحات العامة في جميع أنحاء بغداد وعواصم المحافظات في جنوب العراق، حيث شجبوا الطائفية والفساد وإنعدام فرص العمل، والخدمات الحكومية غير الموجودة. وقد أحرق المتظاهرون الغاضبون دمية تمثل المالكي، الذي كان حتى الآن واحداً من ثلاثة نواب للرئيس العراقي لكنه لا يزال يسيطر على مقاليد الحكم من وراء الكواليس في محاولة لتقويض العبادي. وقد أُقيل مسؤولون حكوميون في مسقط المالكي، وهددت الحشود الشعبية بأعمال عنف ضد شركات النفط الدولية في البصرة، التي تمثل شرايين الحياة الإقتصادية الوحيدة في العراق.
بعدما أعلن العبادي عن إصلاحات محدودة، إستشعر السيستاني عن بُعد الإضطرابات الجماعية والتهديد الناشىء من رجال الدين المنافسين في إيران، فأعطى تعليمات لممثليه أن يدعموا العبادي من خلال الخطب الأسبوعية و “أن يكون أكثر جرأة وشجاعة”. ورداً على ذلك، أعلن العبادي سلسلة من الإصلاحات الرئيسية، بما في ذلك إلغاء مناصب نواب رئيس الوزراء الثلاثة ونواب رئيس الجمهورية الثلاثة، جنباً إلى جنب مع 11 من 33 من المناصب الوزارية. وللتغلب على الشلل ومحاسبة المسؤولين، وعد العبادي بالقضاء على المحاصصة العرقية والطائفية في الحكومة ومحاكمة عشرات من كبار القادة المدنيين والقوات النظامية بسبب فسادهم وتقصيرهم في أداء واجباتهم في مواجهة إعتداء تنظيم “الدولة الإسلامية”.
في عرض نادر للوحدة، وافق البرلمان بالإجماع على التدابير التي أعلنها رئيس الحكومة في 11 آب (أغسطس) الفائت. وإندلعت تظاهرات حاشدة في بغداد، حيث كان المتظاهرون يهتفون “كلنا العبادي”. لكن المالكي ونائبي رئيس الجمهورية الآخرين رفضوا التنحي، مصرّين على أن مواقعهم ينص عليها الدستور. وهكذا إستمر الشلل في بغداد.
بعد أسبوع من الموافقة على الإصلاحات، أصدر السيستاني تحذيراً مباشراً أليماً حمّل فيه السياسيين “الذين حكموا البلاد خلال السنوات الماضية” مسؤولية تفشّي الفساد، والذي إعتبره عاملاً ساهم في سيطرة تنظيم “الدولة الاسلامية” على مساحات واسعة من البلاد في حزيران (يونيو) 2014. مضيفاً: “اليوم، اذا لم يتحقق الإصلاح الحقيقي من خلال مكافحة الفساد بلا هوادة وتحقيق العدالة الإجتماعية على مختلف الصعد، فان من المتوقع ان تسوء الأوضاع أكثر من ذي قبل، وربما تنجر الى ما لا يتمناه أي عراقي محبّ لوطنه من التقسيم ونحوه لا سمح الله”.
هكذا بدأ الفصل الأخير من القرون الطويلة للمنافسة الشيعية الداخلية، فيما يواجه السيستاني والعبادي المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي ووكلاءه المُفضَّلين في العراق، وبالتحديد المالكي وقادة الميليشيات، من أجل السيطرة على بلاد ما بين النهرين.
على الرغم من أن قلةً إنتبهت أو فَهِمت في الغرب، فينبغي التذكير بأنه لا يمكن لأي جماعة عرقية طائفية كبرى أن تكون متجانسة أبداً؛ فقد إستمرت المنافسات الفارسية –العربية، والشيعية – الشيعية، لقرون عدة، مُؤلِّبةً النجف الإكليريكية في العراق ضد نظام قم الإيرانية. وفي وقت كتابة هذا التقرير، هاجم السيستاني بتكتم في النجف الميليشيا العراقية التابعة لإيران، “كتائب حزب الله”، لتورّطها المزعوم في خطف 18 مدنياً تركياً وتهديدها بإستهداف السفير الأميركي في العراق. من جهتها، غير آبهة، تسعى طهران إلى تعزيز مكاسبها في أنحاء العالم العربي، حيث، كما أعلن وزير الإستخبارات الإيراني السابق علي يونسي في آذار (مارس): “أصبحت إيران إمبراطورية. . . وعاصمتها الحالية بغداد”.
الواقع أنه نظراً إلى التركيبة الجهنمية للحروب الإقليمية التي تجري بالوكالة والصراع بين السنة والشيعة في العراق وبين العرب والأكراد –وداخل كل مجموعة أيضاً- فإن أخطر عهد من التاريخ العراقي الحديث قد يكون بدأ لتوِّه.
من الصعب رؤية كيف يمكن لأعضاء النخبة السياسية الوطنية العاجزين، الذين بنوا سمعتهم من طريق بذر الكراهية العرقية والطائفية، أن يلبّوا مطالب المحتجين الفاقدي الصبر في الأشهر المقبلة. بعد عقود من سوء الحكم في عهدي صدام حسين ونوري المالكي، فإن هناك سبباً وجيهاً للإعتقاد بأن مجموعة مهمة من الوطنيين العراقيين المتعددين لا تزال موجودة لإنقاذ الهوية الوطنية العراقية. إن الإنقسامات الآن صارت عميقة جداً. وكما قال لي مسعود برزاني، رئيس إقليم كردستان، مرة: “يخشى الشيعة من عودة القمع الماضي، ويخشى أهل السنّة من القمع المستقبلي، ونحن الأكراد نخشى من الإثنين على حد سواء”.
من ناحية أخرى، ليس هناك ما يدعو إلى الإعتقاد بأن العراق يمكنه التخلّص من الفساد الذي هو متأصل جداً في الحمض النووي لنظام ما بعد العام 2003. يقول مسؤول أميركي عمل في العراق: “السنّة والشيعة، العرب والأكراد، العلمانيون والإسلاميون – مهما تنوّعت إختلافاتهم، فكلهم يتوحّدون ليس بالله ولكن بالجشع. إن النهم من أجل السلطة، والمال الذي ينضح من كل زعيم وطني تقريباً إلتقيته خلال أكثر من 2100 يوم من خدمتي مع الحكومة الأميركية في العراق ما زال يصيبني بالذهول: سيارة مسؤول كردي “بوغاتي فيرون” التي يبلغ سعرها مليوني دولار متوقفة إلى جانب سيارات فاخرة أخرى في فيلته على شاطئ البحر في الخارج، الطائرات الخاصة لمموِّل سني سري تقوم بخدمة أعضاء مجلس الوزراء لتمرير صفقاته، وساعة يد مسؤول إسلامي شيعي صغير من نوع “بريكيت” التي يبلغ سعرها 150 ألف دولار جاءت لتكمل راتبه الشهري البالغ 5000 دولار من مكتب رئيس الوزراء. هؤلاء هم أسماك صغيرة”.
وكما قال لي صديق، وهو موظف مدني عراقي دؤوب ولكنه محاصَر، في أوائل الحرب: “في عهد صدام حسين، وزراؤنا كانوا يحلمون بسرقة الملايين. إذا ضبطهم صدام، كانوا يُعدَمون على الفور. كان صدام وأبناؤه فقط يتجرّأون على السرقة بشكل جماعي. هؤلاء الناس الذين أتى بهم الأميركيون لحكمنا، فهم يسرقون المليارات”. صديقي في المناسبة يكسب حوالي 500 دولار شهرياً، راتب متوسط. سنوات بعدما زار البيت الأبيض، تعرّض منزله للقصف بطريق الخطأ من قبل الطائرات الأميركية، فضاعت مدّخرات عمر عائلته. من جهتها لم تقدم وزارة الدفاع الأميركية إعتذاراً له ولا عرضت عليه تعويضات. كما أن خطيبته قد أُصيبت في الرأس جرّاء إطلاق النار من قافلة أمنية أجنبية؛ وتعرّضت بالتالي لأضرار دائمة في الدماغ وأصيبت بالشلل. إبن لأب سني وأم شيعية، مثل ملايين العراقيين من أصل مختلط، يخشى الخطف والقتل من قبل كلٍّ من أهل السنة من “الدولة الإسلامية” والشيعة من فرق الموت المدعومة من إيران.

سلام منفصل

ليس هناك من شك الآن أن جورج دبليو بوش شنَّ حرباً سيِّئة التصميم والتنفيذ والأبعاد. كما لا يوجد أيضاً أي سؤال الآن أن أوباما بطريقة متهوِّرة وغير مسؤولة إنسحب من العراق بعدما دعم زعيماً فئوياً مُقسِّماً نوري المالكي. وقد تجاوز فشل السياسة الاميركية في العراق الإدارات والأطراف في واشنطن. لكن الرئيس المقبل لديه فرصة ليفعل ما هو أفضل من ذلك.
في عالم مثالي، فإن العبادي سينجو من محاولات الإغتيال والإنقلاب التي تلوح في الأفق، والحكومة العراقية الحالية سوف تبقى على حالها، ليس فقط حتى 2017 ولكن أيضاً ستصبح فاعلة وعاملة. وبغداد سوف ترمّم الإنقسامات العرقية والطائفية في البلاد، وتقضي على الفساد من خلال ملاحقة وسجن كبار المسؤولين (بدءاً من كبار الشخصيات القضائية ومجلس الوزراء)، وعكس تقدم تنظيم “الدولة الإسلامية” والميليشيات الشيعية. إذا حدث هذا الأمر بطريقة أو بأخرى، يجب على واشنطن عندها مكافأة قادة العراق من خلال الإستمرار في إستراتيجية بوش – أوباما بتقديم الدعم الديبلوماسي لحكومة مركزية قوية مع توفير المساعدة العسكرية ومكافحة الإرهاب وهذا ينبغي أن يكون مشروطاً بشكل صارم بمزيد من الإصلاحات.
مع ذلك، من المرجح أكثر بكثير أن يواصل العراق تراجعه الحالي وسوف تبقى حكومته فاشلة وغير قادرة على الوفاء بإلتزاماتها الأساسية لتوفير الأمن والخدمات. في هذه الحالة، ينبغي على الرئيس الأميركي المقبل أن يتصرّف بشكل حاسم لمنع العراق من التحوّل والإنزلاق إلى سوريا ثانية، دولة في غيبوبة تُرعب مواطنيها وتصدّر ملايين اللاجئين وتحتضن “الجهاد”. وهذا يعني علناً تشجيع اللامركزية الكونفديرالية في العراق وسوريا- أي نقل الصلاحيات من بغداد ودمشق إلى المحافظات مع الحفاظ على السلامة الإقليمية للبلدين. في الظروف القصوى، قد تلجأ واشنطن إلى تبني التقسيم على غرار البلقان ونظام سياسي إقليمي جديد.
طبعاً ستمثّل هذه السياسة خروجاً حاداً لنظام الأمن القومي الأميركي، والذي، من بين أمور أخرى، يواجه صعوبة في التكيّف مع الأحداث غير المتوقّعة والتعامل مع الجهات الفاعلة غير التقليدية. ولكن بالتحديد بسبب فشل نظراء واشنطن السلطويين التقليديين بشكل مذهل، فإن الجهات الفاعلة غير الحكومية تهيمن الآن على الشرق الأوسط. ونتيجة لذلك، فقد أصبح في جميع أنحاء المنطقة الملايين من الشباب محبطين وراديكاليين، ولقد استغل الإسلاميون المتطرفون فراغ السلطة لإعلان “الجهاد” العابر للحدود.
كما تفيد وتقرّ الحقائق المتقيِّحة على أرض الواقع اليوم، فإن الولايات المتحدة سوف تضطر إلى إعتماد إستراتيجية شاملة للشرق الأوسط، واحدة تذهب إلى ما هو أبعد من نهج أوباما الذي يركّز على مكافحة الإرهاب. في العراق وسوريا، فقد تم محو الحدود المُصطَنعة، وفقدت حكومتا بغداد ودمشق الشرعية في أعين الملايين من المواطنين. ولأن واشنطن لم تعد قادرة على التعامل مع هاتين الحكومتين كممثلتين حصريتين لشعوبهما، سوف تضطر إلى العمل مع القوى العظمى الأخرى في العالم والقوى الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط – إيران، إسرائيل، مصر، تركيا، والملكيات العربية — لتحديد مناطق نفوذ جديدة.
هذه العملية سوف لن تكون سريعة أو سهلة، وسوف تشمل المئات من المناورات الحساسة. بادئ ذي بدء، مع ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تعمل من خلال مجلس الأمن الدولي لإطلاق مبادرة إنفراج للشرق الأوسط التي تجمع الجميع الى طاولة المفاوضات، وذلك كما فعل الرئيس بيل كلينتون عندما دعا مختلف أصحاب المصلحة إلى “محادثات دايتون للسلام” لإنهاء الحرب البوسنية. على الرغم من أن هذه الخطوة لا تخلو من المخاطر، فإن الإستراتيجية ستقوم على إحتضان الحق العالمي في تقرير المصير الذي يكفله ميثاق الأمم المتحدة.
تحقيقاً لهذه الغاية، ينبغي على القوى العالمية والإقليمية الإتفاق على نظام سياسي جديد، ومحاولة التوسّط لوقف إطلاق النار ونشر قوات حفظ سلام، وفقاً لما تسمح به الظروف الإدارية والأمنية، والسماح لكل منطقة في العراق وسوريا بإجراء سلسلة من الإستفتاءات التي تراقبها الأمم المتحدة. وعلى الرغم من أن إيران قد تلعب دور المُفسد والسعي إلى الحفاظ على قدرتها لمهاجمة إسرائيل من خلال تأمين وضمان جسر بري عبر العراق، وسوريا، ولبنان، فإنه يمكن في نهاية المطاف تحييدها من طريق ضغط عالمي جماعي، كما أثبتت الصفقة النووية الأخيرة. وبعض القوى السنية سوف يستخدم بالتأكيد حيلاً قذرة في محاولة لتحديد النتائج لصالحه؛ لذا يتعيّن على القوى العالمية أن تجعل من الواضح أنه سيكون هناك عدم تسامح مع مثل هذا السلوك، والأهم من ذلك، أنها مستعدة لإلحاق الأذى إذا ما إستمرت الأعمال السيئة. ويجب أيضاً أن يكون الأمر صريحاً بأن العالم المتحضّر هو الآن في حالة حرب مع الإسلاميين المتشددين المتطرفين وأن رعاية دولة لهؤلاء الإرهابيين، سواء كانوا من السنة أو الشيعة، لن يكون مقبولاً.
في ظل الظروف الحالية، يمكن للمرء أن يتصوّر أن السوريين سيصوّتون لإنشاء جيوب علوية ومسيحية ودرزية على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط، وحكومة عربية سنية أو أكثر في قلب البلاد (التي ستواجه تنظيم “الدولة الإسلامية” وينبغي إعتماد خطة حملة مناسبة على غرار “الصحوة القبلية” في العراق)، ومنطقة كردية شبه مستقلة في شمال البلاد. ستقع الأولى تحت مناطق نفوذ إيران وروسيا، في حين أن الأخيرتين ستقعان ضمن مجالات النفوذ التركية والعربية والغربية. بعيداً من الوقوع في براثن ديكتاتور لا يتورّع عن الإبادة الجماعية، يمكن لسكان سوريا المتنوِّعين والكادحين البدء في إعادة بناء بلادهم، كما فعل قبلهم سكان ألمانيا واليابان وكوريا الذين مزّقتهم الحرب. ولتعزيز وتقوية السلام والإستقرار والمصالحة، سيتعين على مجلس الأمن ضمان عفو شامل، أو في حالة موافقة الجهات المعنية، فإن المحكمة الجنائية الدولية ستحتاج إلى بدء توجيه الإتهامات إلى مرتكبي جرائم الحرب من جميع الفصائل في محاولة لردع مزيد من إراقة الدماء.
في العراق المجاور، يبرز نمط متطابق فعلياً تقريباً على أرض الواقع. المحافظات الشيعية من المرجح ان تختار أن تشكل ما بين محافظة وتسع محافظات؛ إن البصرة الغنية بالنفط، على سبيل المثال، هدّدت بإعلان الحكم الذاتي منذ عشر سنين في مواجهة فشل بغداد في توفير الأمن والخدمات. كما أن المحافظات السنية قد تشكل ما بين إقليم وثلاثة أقاليم حيث عليها تطهير أراضيها من تنظيم “الدولة الإسلامية” من خلال إعادة تنشيط “الصحوة القبلية” بدعم دولي. ومما لا شك فيه أن إقليم كردستان العراق سيواصل السير على طريق الإكتفاء الذاتي الإقتصادي، والإستفادة من الفرصة المتاحة لتصدير النفط والغاز إلى تركيا والإتحاد الأوروبي. ويمكن أيضاً منح وضع مستقل خاص لمحافظات متنوعة وحساسة من الناحية الجيوسياسية: بغداد، وديالى، وكركوك (على مثال مقاطعة كولومبيا في الولايات المتحدة)، في محاولة أخيرة للحفاظ على التعددية فيها. وخلافاً لما حدث في سوريا، فإن كثيراً من هذه العمليات في العراق يسمح بها فعلياً الدستور.
كما أثبت إقليم كردستان العراق خلال تسعينات القرن الفائت، فإن التحوّلات إلى تقرير المصير غالباً ما يصاحبها تدخل إقليمي، وأمراء الحرب، والفساد، والمحسوبية، والصراع الداخلي. مع ذلك، وكما تُظهر هذه الحالة أيضاً، مع مرور الوقت –ومع مكافآت دولية مستمرة لحسن السير والسلوك والعقوبات لسوء السلوك – فإن تقرير الحكم الذاتي ينتج دائماً نتائج أفضل من الإستبداد. لو أن صدام حسين ما زال يرهب الأكراد اليوم، فإن التمرد الكردي كان سيستعر أقوى من أي وقت مضى. بدلاً من ذلك، فإن الحكم الذاتي في كردستان، وإن كان بعيداً من الكمال، قد ساهم في تحقيق الأمن النسبي وتطوير البنية التحتية الأساسية والفرص الإقتصادية. وهذا ينبغي أن يكون نموذجاً لبقية العراق وسوريا.
في الواقع، أولئك الذين يتطلعون إلى تدمير تنظيم “الدولة الإسلامية” بأي ثمن يجب أن يتذكّروا بأن “تنظيم القاعدة” في العراق هُزم ليس على أيدي القوات الأميركية العسكرية والإستخباراتية، ولا بواسطة البشمركة الكردية، أو وكلاء إيران ولكن على أيدي العراقيين العرب السنّة، الذين قادوا المعركة مع دعم من المنظمات الدولية. وبالمثل، إن خليفة “تنظيم القاعدة” في العراق، “الدولة الإسلامية”، لا يمكن أبداً أن يُهزَم بواسطة الغارات الجوية أو الجنود الأجانب على الأرض وحدهما. إن السبب الجذري لوجود “الدولة الإسلامية” – جراء سوء الحكم والإدارة- هم السكان الأصليون. وبالتالي فإن جذور حلها – بواسطة حكم جيد – يجب أن تكون من السكان الأصليين. الحقيقة أن الفاعلين المحليين فقط يمكنهم كسر الحلقة المفرغة للفقر، وخيبة الأمل، واالراديكالية، والتطرف وإشعال دورة فاضلة توفّر الأمن وفرص العمل والتعليم والإعتدال والكرامة، والأهم من ذلك، تولد الأمل بأن الغد سيكون أفضل من اليوم.
إذا لم تحدث معجزة، فإن اللامركزية الكونفيديرالية في العراق وسوريا قد تكون قريباً الطريق الوحيد للحل في هذين البلدين. الرئيس المقبل في الولايات المتحدة يمكن أن يختار للرد على الأزمات الحتمية هناك بإتباع مسار إيديولوجي، كما فعل أسلافه أو محاولة إدارتها بفعالية وعقلانية. مع أو من دون واشنطن، إن واقعاً جديداً بدأ يُشرق في بلاد ما بين النهرين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى