لبنان والمنطقة بعد كلمة نصر الله

عرفان نظام الدين*

تنفَّسَ اللبنانيون والسوريون والعرب بشكلٍ عام الصعداء بعد سماعهم كلمة السيد حسن نصر الله، الأمين العام ل”حزب الله”، حول الموقف من أحداث غزة الدامية والغزو الاسرائيلي البري وما ارتكبه من مذابح يندى لها جبين الإنسانية. عاش الجميع ساعات حرجة من القلق والخوف وطرح السؤال المصيري: حربٌ أو لا حرب، وإلى أي مدى، وإلى أين؟
منهم مَن تموَّنَ بالأغذية، ومنهم مَن نزحَ، ومنهم مَن سافرَ ومنهم مَن اضطرَّ للبقاء ولزوم مكانه مُسَلِّمًا بأمرِ الله وقدره. وكانت المفاجاة في تقلّبِ الأعصاب بين تسخينٍ وتبريدٍ بعد تصعيدٍ وتهديدٍ وتوجيهِ إنذاراتٍ ورسائل لإسرائيل. أما الخلاصة التي وصلنا إليها أنَّ كلَّ شيء سيبقى في مكانه وعلى حاله حتى إشعارٍ آخر، أي مناوشات وتبادل القصف وإطلاق صواريخ ضمن خطوط حمراء تُنَظِّمُ قواعدَ القتال على هامش تداعيات المعارك في غزة.
ذكّرني هذا الواقع بزميلٍ كبيرٍ كان يفردُ صفحةً كاملةً في جريدته للتعليق على حدثٍ كبير. وبين كَرٍّ وفَرٍّ وتعداد الاحتمالات وطرح ردود فعل متباينة إلى أن يختمَ مقاله بشعار: كل الاحتمالات واردة. وعندما كنّا نسأله عن سرِّ ترداده هذه العبارة كان يجيب بين الجد والمزاح: هذا هو واقعنا وهذا هو حالنا من الآن وحتى يقع التغيير الجذري، بينما أكتفي بادّعاء كشفي للنتائج قبل حدوثها مهما كان شكلها.
هذا هو حالنا اليوم، أي أنَّ مَن كان قلقًا سيبقى قلقًا حتى إشعارٍ آخر، ومَن كان خائفًا ستتمدد فترة خوفه، فجنوب لبنان وسوريا والمنطقة ستبقى في انتظار “غودو” الحرب والسلام، وتعيش في أرجوحة الهدوء والتوتر والتصعيد، إلّا أنَّ الأمرَ المُرَجَّح اليوم يؤكد أنَّ الحربَ الإقليمية ستبقى مُجَمَّدة من دون أن يتمكّنَ أحدٌ من توقّع الخطوة التالية وتحديد أشكال الفعل الذي يفجر الحرب ومَن هو المنفّذ والمُحَرّض والمستفيد
حتى هذه اللحظة، يبدو أنَّ كلَّ الأطراف حريصة على لجم الأخطار والبحث عن مخارج من خلال مفاوضاتٍ سرّية واتصالاتٍ وضغوطٍ على أطراف القتال للوصول إلى حلٍّ دائم يبدأ بوقفِ إطلاق النار، خصوصًا بعد تعثّر الهجوم البري الإسرائيلي. وهنا لا بدَّ من انتظار نتائج المحادثات التي أجراها وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان في واشنطن للتوصّل إلى اتفاقٍ استراتيجي يشمل العلاقات بين البلدين وأوضاع المنطقة وإمكان تنفيذ حل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية لإرساء حالة سلام ثابتة في الشرق الأوسط.
في المقابل لا بدَّ من رصد تحركات إيران التي تحمل أوراقًا مهمة وملاحظة أنها نأت بنفسها عن هجوم “حماس” على غلاف غزة وتحريك الجبهات، كما إنَّ نصر الله أعطى وثيقة براءة بإعلانه عدم علم “حزب الله” وقوى “الممانعة والمقاومة” الموالية لإيران بالهجوم. ويبقى السؤال المصيري عن المستقبل وخارطة طريق الحلول، والمؤكد أنّ خطورة الحدث لا تسمح بأقلِّ من انسحابِ إسرائيل من غزة ووقف القتال، وهذا ما عبّر عنه نصرالله بتوجيه رسالة للولايات المتحدة يطالبها فيها بفرض الانسحاب.
وتبقى كلمة أخيرة لأصحاب الحق والقضية؛ اصبروا. واصمدوا فالله معكم مهما طال الإجرام الإسرائيلي، فأوراق النصر في أيديكم وقلوبكم.

  • عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومحلل سياسي عربي مقيم في لندن. كان سابقًا رئيس تحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى