“بيت بيروت” متحفٌ للذاكرة الجماعية
نجا “بيت بركات” أو “البيت الصفر” الذي يكاد يبلغ قرناً من العمر، من الحرب اللبنانية التي صدّعته وهدمت أجزاءً منه. كما نجا من خطر أكبر، هو خطر الهدم الذي طال مباني أثرية كثيرة في بيروت. وبعد حملات قادها ناشطون ومعماريون للحفاظ عليه، وإستملاكه من جانب بلدية بيروت في العام 2003، وبدء عمليات الترميم، أو ما يصفه مهندس المشروع يوسف حيدر بـ”عملية جراحية” منذ سبع سنوات، ها هو “البيت الأصفر” يخرج بحلّته شبه النهائية كمتحف للذاكرة الجماعية ومركز للثقافة والفنّ، ليتحوّل من “بيت بركات” إلى “بيت بيروت”، حيث إفتتح، بشكل أولي، في 27 نيسان (إبريل) الفائت، رغم أنه ليس مكتملاً بعد، بحضور عدد غفير من المهتمين.
وقد مرّ المبنى في مراحل عدة. فهو شيّد في العام 1924، ثمّ أضيف إليه طابقان آخران في العام 1936. خلال الحرب اللبنانية، ونظراً إلى موقعه على خط التماس في منطقة السوديكو، تحوّل إلى مركز عسكري، بنيت فيه متاريس المقاتلين التي حافظ عليها حيدر، لأنها تمثّل جزءاً من ذاكرة المدينة. أصرّ حيدر على المحافظة على “ندبات” المبنى و”جروحه” و”آثاره”، ذلك “أنني تعاملت معه على أساس أنه إنسان وليس كومة حجارة، فلم أرغب في إعادته شاباً في عمر العشرين، إنما الإبقاء على معالمه القديمة، وإضافة أعضاء إصطناعية إليه حيث يلزم، فمحي الآثار هو محي للذاكرة”، وفق حيدر، الذي إنطلق في عمله من مبدأ “واجب الذاكرة” التي جرى طمسها في لبنان بعد الحرب.
أُضيف إلى المبنى القديم المؤلّف من أربعة طوابق، مبنى جديد من 11 طابقاً ملاصقاً له، يمثّل مرحلة “الحداثة” في بيروت، لتعبر هذه الطوابق، مع طوابق المرحلتين السابقتين، عن ذاكرة بيروت الثقافية والمعمارية بما فيها من قديمٍ وحديث. وهنا يشير حيدر إلى “أننا تقصّدنا ألّا نركّز على التاريخ المتعلّق بالحرب فقط، لأن ذلك يعني خسارة معاني كثيرة أخرى”. وإنطلاقاً من مبدأ الحداثة، سيضم المبنى الجديد “مرصداً مدينياً”، يرصد تحوّلات المدينة وتغيّراتها، بالإضافة إلى مركز للأبحاث، وقاعتين للمؤتمرات، ومكتبات تحتوي أرشيفاً حول كلّ ما يتعلّق بالمدينة، منها ما سيكون متاحاً للجميع، ومنها ما سيُخصص للباحثين فقط.
المبنى مجهّز لاستضافة معارض للفنانين، بالإضافة إلى معرض دائم سيضم مقتنيات العائلات التي سكنت المبنى والتي تُركت في “تتخيتاتهم”. وقد استخرج من “نفايات” إستديو تصوير كان موجوداً في المبنى 60 ألف “نيغاتيف”، “تحكي قصص سكان بيروت من خلال أعراسهم وأعياد ميلادهم ومناسباتهم”. وقد وضع في الشارع، في مقابل المبنى “Projectors” (كاشفان ضوئيان) من أجل الإضاءة، ويُضاف إلى ميّزات المبنى المستحدث أنه أخضر وصديق للبيئة، فهو يعتمد على الطاقة الشمسية من أجل التكييف، وعلى الاقتصاد في الإضاءة.
“لكلّ مرحلة لغتها”، هذا ما هدف حيدر إلى إظهاره من خلال عمارة “بيت بيروت”. فالمرحلة الأولى تتجلّى من خلال هندسة الطابقين الأرضي والأول من المبنى القديم اللذين يحويان على قناطر تمّ الحفاظ عليها، وعلى أجزاء من البلاط القديم. أما ما فقد خلال السنوات الماضية من بلاط وأعمدة وأسقف، فقد أستعيض عنه بأجزاء عملية حديثة الصنع، ليجد الزائر أرضية وجدراناً مرقعة تتماوج بين الحجري والمعدني، بين القديم والحديث، وذلك “من أجل إظهار النقص في المبنى”، وفق حيدر، الذي يشرح أنه في “مرحلة بدء الحداثة تمّ الإستغناء عن القناطر، وهذا ما يظهر في الطابقين الثاني والثالث، اللذين صممهما المهندس فؤاد فرح.
أرادت بلدية بيروت (القديمة)، التي موّلت المشروع، تدشينه قبل إنتهاء ولايتها. وهي إفتتحته في 27 نيسان (إبريل)، رغم أنه ليس مكتملاً بعد. أما الإفتتاح الرسمي فسيتمّ في أيلول (سبتمبر) 2016، وسيتخلّله معرض، كما سيضم تجهيزات سمعية وبصرية تشرح تاريخ المكان وقيمته، وهي ما زالت غير جاهزة بعد.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.