لماذا لم توافق واشنطن بَعد على بيع عشرات الطائرات الحربية إلى قطر؟

على الرغم من تقديم دولة قطر طلباً لشراء 73 مقاتلة أميركية حديثة منذ عامين تقريباً، لم يستطع البيت الأبيض حتى الآن أن يقرر ما إذا كان سيوقّع، أم لا، على هذه الصفقة التي تقدر بمليارات الدولارات مع الدولة الحليفة التي يزعم بعضهم في واشنطن أن لها علاقات وثيقة مع المتشددين الإسلاميين وإيران.

قاعدة العيديد الأميركية في قطر: مُدّد عقد إيجارها لعشر سنين جديدة
قاعدة العيديد الأميركية في قطر: مُدّد عقد إيجارها لعشر سنين جديدة

واشنطن – محمد زين الدين

تبدو إدارة الرئيس باراك أوباما مشلولة أمام أخذ قرار ببيع عشرات الطائرات المقاتلة الأميركية المتقدّمة إلى قطر، الدولة الخليجية الحليفة التي تستضيف قاعدة جوية إستراتيجية أميركية لكنها تُقلِق واشنطن بسبب حفاظها على علاقات مع مجموعة من الجماعات الإسلامية المتشدّدة.
الصفقة المُحتملة، التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات وتتضمن شراء 73 مقاتلة من طراز “إف-15 إي سترايك إيغل”، كانت قُدمت إلى واشنطن منذ أكثر من عامين. وقد واجه البيت الابيض على أساسها إنتقادات بسبب التأخير غير العادي من بعض المشرّعين الأميركيين، الذين يتهمون الإدارة بالتردد والنقض بوعدها لتسريع مبيعات السلاح لحلفائها في الخليج القلقين من التهديد الذي تشكّله منافستهم الإقليمية إيران – وخصوصاً فيما تخرج طهران من العقوبات الإقتصادية وتُحبّر صفقات أسلحة مع دول مثل روسيا.
وأبدت إسرائيل أيضاً تحفظات خاصة بشأن الصفقة بسبب علاقات قطر مع جماعات إسلامية مثل “طالبان” و”حماس” و”جبهة النصرة”، وبسبب المخاوف من أن التفوّق العسكري الإسرائيلي في المنطقة يمكن أن تقوّضه عملية البيع هذه. كما عبّرت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودول الخليج الأخرى عن مخاوف مماثلة بشأن علاقات قطر بالجماعات الإرهابية وعلاقتها الحميمة المتزايدة مع طهران.
من جانبها تقول الدوحة أنها تريد الطائرات لفرض نفسها كقوة عسكرية في منطقة تعاني من الصراعات وعدم الإستقرار. سلاحها الجوي الحالي صغير، حيث يملك مجرد عشرات من طائرات الميراج الفرنسية القديمة، لذا من شأن هذه الصفقة المُقترحة أن تمثّل زيادة قوة البلاد العسكرية ستة أضعاف. وتأمل الحكومة القطرية من ناحية أخرى الإستفادة من المساعدات التي قدّمتها لواشنطن – من إستضافة قاعدة جوية تستخدمها الولايات المتحدة لشن ضربات ضد “الدولة الإسلامية”، إلى التفاوض بشأن الإفراج عن الجندي الأميركي الأسير باو بيرغدال – لتأمين صفقة الطائرات.
في مواجهة هذه المعضلة المشحونة سياسياً التي يمكن أن تُغضب قطر أو إسرائيل وحلفاء آخرين في الخليج العربي، لم يتمكن البيت الأبيض حتى الآن من إتخاذ أيّ قرار. وقال مساعدون في مجلس الشيوخ وخبراء في الصناعة الدفاعية أن كلاً من وزارتي الدفاع والخارجية ليست لديها إعتراضات على المبيعات، والمشرّعون من كلا الحزبين ضغطوا على البيت الابيض للموافقة على عملية البيع. ومع ذلك لم تُعطِ الإدارة إشارة إذا، أو متى، ستفعل ذلك.
كثيرون من المشرّعين الأميركيين، بمن فيهم أولئك الذين لديهم وجهات نظر قوية موالية لإسرائيل، كانوا في حيرة لتفسير أو فهم هذا التأخير في صفقة قطر – فضلاً عن صفقة مُعلّقة مع الكويت – وحثّوا الادارة للتحرك والموافقة على الصفقتين.
“هذه المبيعات قد علقت في عملية صنع القرار السياسي في البيت الأبيض لفترة طويلة الآن”، قال السناتور الجمهوري بوب كوركر، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ. مضيفاً: “الكثير منّا يود أن يتّخذ البيت الأبيض القرار قريباً لتحريك هذه العملية قُدُماً”.
لكن مشرعين آخرين قالوا بأن لديهم تحفظات على بيع الولايات المتحدة أسلحة الى قطر، نظراً إلى سجلّها الحافل في دعمها العلني لحركة “حماس” وغضّها الطرف عن الجهات القطرية المانحة للأموال للمتطرفين في سوريا. في العام 2014، إتخذت وزارة الخزانة الأميركية خطوة غير معتادة بتوبيخها العلني للدوحة لفشلها في إتخاذ إجراءات حاسمة ضد المواطنين الذين يُقدّمون الأموال إلى الجماعات الإسلامية المسلحة، بما في ذلك تنظيم “جبهة النصرة” في سوريا المرتبط بتنظيم “القاعدة”. في العام الماضي، في الوقت عينه، فرضت الوزارة عقوبات على إثنين من المموّلين القطريين بزعم أنهما يجمعان المال لناشطي “القاعدة” في سوريا وباكستان والسودان.
“لقد أظهر القطريون تسامحاً مع التطرف بين المجموعات التي دعموها داخل سوريا التي تسببت ببعض الاحتكاك الحقيقي مع حلفائنا الإقليميين الآخرين ومع الولايات المتحدة”، قال السناتور الديموقراطي كريس كونز. وأضاف بأن قطر تحتاج إلى إظهار أدلّة ملموسة على أنها غيّرت سلوكها قبل الموافقة على الصفقة.
من جهتها أعلنت قطر بأنها لم تموّل إرهابيين لكنها دافعت عن علاقاتها مع “حماس” (التي تضعها الولايات المتحدة على قائمة المنظمات الإرهابية) والحركات الإسلامية الأخرى كجماعات لديها دعم سياسي شعبي.
وقد أظهر النظام القطري قدرة ماكرة للعب على كلا الجانبين في منطقة الشرق الأوسط المُنقسمة، حيث رحّب وإستضاف قادة “حماس” وجماعة “الإخوان المسلمين” جنباً إلى جنب مع جنرالات القوات الجوية الأميركية وأساتذة الجامعات الأميركية. وقنواته المفتوحة مع جماعات إسلامية مختلفة – في حين تُسبب إنذاراً – قد حوّلت الإمارة في كثير من الأحيان إلى شريك أميركي حاسم في ديبلوماسية القنوات الخلفية وتأمين إطلاق سراح رهائن.
عندما أشارت الولايات المتحدة إلى أنها مستعدة لمبادلة قادة طالبان المُحتجَزين في مركز الإعتقال في قاعدة “غوانتانامو” مقابل الرقيب باو بيرغدال، وهو جندي أميركي إعتقل في افغانستان وإحتجز كرهينة من قبل المتمرّدين، إتصلت واشنطن بقطر للتوسط في التعامل مع متمردي طالبان. وقد لعبت الدوحة دوراً رئيسياً أيضاً في تأمين الإفراج عن عدد من الرهائن الغربيين كان يحتجزهم تنظيم “جبهة النصرة” أو غيره من المتمردين السوريين، بمن فيهم الصحافي الأميركي بيتر ثيو كورتيس قبل عامين. وعندما كان وزير الخارجية جون كيري يحاول التفاوض لانهاء القتال بين اسرائيل و”حماس” في العام 2014، سعى إلى الإتصال بقطر في تشرين الاول (أكتوبر) للمساعدة في التوسط لوقف إطلاق النار.
من ناحية أخرى، إن العلاقات بين وزارة الدفاع الأميركية مع قطر هي أكثر عمقاً. في العام 2013 جدّد البنتاغون إتفاقية التعاون الدفاعي مع الإمارة الخليجية التي تَمَدَّدَ بموجبها عقد إيجار الولايات المتحدة لقاعدة العيديد الجوية لمدة 10 سنين أخرى. وقد سمح الإتفاق لأميركا الحفاظ على تشغيل مركز عملياتها الجوية العسكرية من القاعدة الصحراوية غرب الدوحة، حيث يتواجد ضباط من 30 دولة للإشراف على الحرب الجوية التى تقودها الولايات المتحدة في العراق وسوريا ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش). في العام 2014 أعلنت واشنطن عن بيع أسلحة لقطر بقيمة 11 مليار دولار تتضمن بطاريات صواريخ باتريوت وطائرات هليكوبتر هجومية من طراز أباتشي وغيرها من الأسلحة.
وقد وفّرت الطائرات القطرية دعماً لوجستياً وطلعات مراقبة جوية للحملة ضد “الدولة الإسلامية”، وشاركت طائراتها في الحملة الجوية التي قادها حلف شمال الاطلسي في ليبيا في العام 2011 التي أطاحت الديكتاتور معمر القذافي.
إن التأخير الطويل للموافقة على الصفقة مع قطر شرّع الأبواب على مصراعيها لتوجيه الإنتقادات إلى البيت الابيض حيث إعتبر بعضهم الأمر بأنه تراجع عن وعوده التي قدمها في العام 2015 لزيادة المساعدات الأمنية لدول الخليج العربي التي تقاتل “الدولة الإسلامية” وتتطلع إلى ردع إيران. في أيار (مايو) 2015 وخلال إجتماع مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي في كامب ديفيد، تعهد الرئيس باراك أوباما بإتخاذ خطوات حاسمة مثل “بيع الأسلحة السريع”.
كان من المفترض أن يكون ذلك الإجتماع لطمأنة الحلفاء العرب الخليجيين التقليديين، الذين كانوا يخشون من إنسحاب واشنطن من المنطقة والذين لا يثقون بالاتفاق النووي بين القوى العالمية وإيران.
ولكن مع عدم إعطاء الضوء الأخضر لبيع المقاتلات لقطر والكويت فإن مصداقية الولايات المتحدة في المنطقة قد تضررت، وفقاً للسناتور الجمهوري جون ماكين، رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ.
“في الخليج، فشل الرئيس في الإرتقاء إلى مستوى الوعود التي قطعها في قمة كامب ديفيد في أيار (مايو) 2015″، قال ماكين في جلسة إستماع في الشهر الفائت.
وقال ديفيد مكيبي، المتحدث بإسم مكتب وزارة الخارجية للشؤون السياسية والعسكرية، أنه من الطبيعي والمناسب أن تخضع صفقات الأسلحة الكبيرة على نطاق واسع “للتمحيص، ودراسة كل الإعتبارات، والتشاور”. وأضاف: “لا تزال الولايات المتحدة مُلتزمة بأمن وإستقرار منطقة الخليج”.
فيما كانت تزن وتدرس مبيعات الأسلحة إلى منطقة الخليج، فإن إدارة أوباما أيضاً كانت تتفاوض على مذكرة تفاهم مفصّلة مع تل أبيب التي سوف تحدد حزمة المساعدات العسكرية الأميركية لمدة 10 سنين للدولة العبرية.لقد إتخذت المذكرة أهمية إضافية في ضوء المعارضة الإسرائيلية للاتفاق النووي الإيراني، الذي مكّن من رفع العقوبات الإقتصادية عن طهران. وتخشى إسرائيل من أن ايران ستكون قادرة على الإستثمار في أسلحة جديدة – بما في ذلك الصواريخ البالستية – التي يمكن أن تستهدف مدنها وقواعدها العسكرية.
وتفيد التقارير بأن المذكّرة يمكن أن توفّر مساعدات عسكرية أميركية لإسرائيل تصل إلى حوالي 50 مليار دولار على مدى عشر سنين، ولكن بيع عشرات الطائرات المقاتلة لقطر يمكن أن يُعطي الإسرائيليين ذريعة وأساساً منطقياً للضغط من أجل تعزيز المساعدة وزيادتها أكثر، كما قال خبراء ومساعدون في الكونغرس الأميركي.
يتوجه الرئيس الأميركي باراك اوباما الى الرياض في أواخر الشهر الجاري لحضور إجتماع قمة لدول مجلس التعاون الخليجي، ويمكن لهذا الاجتماع أن يوفر فرصة للإدارة لكي تعلن قراراً بشأن صفقة الأسلحة مع قطر.
على الرغم من أن المشرّعين الأميركيين يستحضرون الجغرافيا السياسية في دعم مبيعات الأسلحة، فإن كثيرين منهم تتجه عيونهم على السياسة الداخلية، فيما الآلاف من الوظائف الأميركية يمكن أن تكون على الخط إذا تم رفض الصفقة أو بقيت متأرجحة.
عملاقة صناعة الطيران “بوينغ” هي التي ستصنع الطائرات التي ستُباع إلى قطر أو الكويت في ظل الصفقات المُعلّقة. ويقول المسؤولون التنفيذيون فيها ومسؤولو البنتاغون أن خطوط الإنتاج في ولاية ميسوري لكل من الطائرتين القديمتين “F-15” و”F / A-18″، التي من المقرر أن يتم التخلص التدريجي منها لمصلحة طائرات أكثر تقدماً، قد تُغلق في غضون بضع سنوات إذا لم تمر الصفقة مع قطر والكويت. وهذا يعني تسريح آلاف العمال الذين يبنون هذه الطائرات.
الواقع أن الصناعة الدفاعية، من خلال نشرها لوظائف تصنيع الأسلحة في مصانع في ولايات عديدة، فإنها تمارس تأثيراً كبيراً في الكونغرس. وقد ساهمت جهات مانحة ولجان العمل السياسي في الصناعة بأكثر من 27 مليون دولار للمرشحين السياسيين في دورة الحملة الانتخابية في العام 2012، وفقاً لمركز “السياسة المستجيبة” (Center for Responsive Politics). وخلال العام الماضي، صُنّفت “بوينغ” في المرتبة الثالثة بين المساهمين السياسيين في الصناعة الدفاعية، بتبرعها ب1,610,000 دولار لمختلف المرشحين والجماعات.
مع ذلك، كان بيع صفقة قطر إلى الكونغرس للفوز بالموافقة صعباً لأن الأسرة الحاكمة في الدوحة قد تلقت إنتقادات ثابتة من مسؤولي الحكومة الأميركية الذين يقولون أنها سمحت بجمع التبرعات من مواطنيها لصالح المتطرفين الإسلاميين العنيفين.
بعدما إنتقدها علناً في العام 2014، وصف ديفيد كوهين، وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية في ذلك الوقت، الذي هو الآن نائب مدير وكالة المخابرات المركزية، قطر بأنها “بيئة متساهلة لتمويل الإرهاب”.
في أيلول (سبتمبر) 2014، قال مسؤولو وزارة الخزانة بأن قائداً في تنظيم “الدولة الإسلامية”، المعروف ب “أمير الإنتحاريين”، تلقى مليوني دولار نقداً من رجل أعمال قطري. وقد فرضت وزارة الخزانة عقوبات على إثنين من المموّلين القطريين بعد أقل من سنة على ذلك.
وعلى الرغم من فرض العقوبات الاميركية على بعض المواطنين القطريين والإنتقادات، فإن الشركات والبنوك الغربية لم تبتعد من ممارسة الأعمال التجارية في البلاد. إن إستثمارات شركات النفط الأميركية وغيرها مكّنت الإمارة من إستغلال إحتياطاتها الضخمة من الغاز الطبيعي للتصدير المربح، مع نمو الناتج المحلي الإجمالي من 35 مليار دولار في العام 2000 إلى 185 مليار دولار في العام 2012.
في حزيران (يونيو) 2013، تنازل أمير قطر، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، لصالح نجله الشيخ تميم بن حمد. وأثار الزعيم الجديد الآمال بين المسؤولين الغربيين بأن البلاد ستأخذ مساراً أكثر إعتدالاً عندما يتعلق الأمر بعلاقاتها مع الجماعات الإسلامية. لكن وزارة الخزانة الأميركية لم تصدر حتى الآن أي تصريح علني يشير إلى أن قطر قد غيّرت توجهاتها.
قال ماثيو سبنس، أحد كبار المسؤولين السابقين في البنتاغون لمنطقة الشرق الأوسط في إدارة أوباما، إن مبيعات الأسلحة الأميركية توفّر وسيلة لممارسة بعض التأثير البنّاء في بلد مثل قطر.
“قطر هي حقاً بلدٌ يتطور، وينبغي علينا البحث عن سبل لتشكيل الطريقة التي ينبغي أن يتطور بها”، قال. وأضاف: “اذا لم تساعد الولايات المتحدة في تشكيل إتجاهها، فإن قطر ستتحول إلى مكان آخر”.
وقد بدأت الإمارة تنفيذ ذلك فعلياً. كانت قطر قد إشترت في وقت سابق طائرات حربية فرنسية لأسطول سلاحها الجوي الصغير. ووسط حالة عدم اليقين بشأن الصفقة مع الولايات المتحدة، فقد أعلنت الدوحة في العام الفائت أنها ستشتري 24 مقاتلة من طراز رافال من فرنسا بقيمة 7 مليارات دولار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى