هل تسعى مصر إلى إنتاج سلاح نووي لتعزيز نفوذها؟

على الرغم من إعرابها عن أملها بأن يحول الإتفاق النووي الدولي مع طهران دون حدوث سباق تسلح في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن مصر قد دخلت نطاق الدول التي أشير إلى أنها ستسعى بعد توقيع الإتفاق الإيراني إلى التسليح النووي.
فقبل توقيع هذا الاتفاق حذرت تل أبيب من جهود القاهرة في هذا النطاق ردًّا على هذا الإتفاق، حيث حذر مدير الشؤون السياسية والعسكرية في وزارة الدفاع الإسرائيلية عاموس جلعاد من إمكانية توصل مصر لإمتلاك السلاح النووي في الفترة المقبلة، بل أكد على إمتلاك مصر بالفعل للمعرفة والموارد التي تؤهلها لتحقيق قدرات نووية، حسب ما جاء في صحيفة “جيروزالِم بوست” الإسرائيلية.
وقال القيادي السابق في المخابرات الإسرائيلية (الموساد) في مؤتمر عقد في معهد السياسة والإستراتيجية في هرتسيليا: “بمجرد حصول إيران على السلاح النووي ستطور مصر سلاحها الخاص بها، وستشتري السعودية نظيرًا له من باكستان”. فإلى أي مدى يصح هذا الكلام؟

الرئيسان عبد الفتاح السيسي وفلاديمير بوتين: هل يحل حلفهما مكان حلف الأخير مع تركيا؟
الرئيسان عبد الفتاح السيسي وفلاديمير بوتين: هل يحل حلفهما مكان حلف الأخير مع تركيا؟

القاهرة – هدى أحمد

في 19 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، بعد أقل من ستة أشهر على صفقة إيران التاريخية مع مجموعة الدول الخمس (الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، الصين وروسيا) زائد ألمانيا، وقّع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إتفاقيتين مع روسيا لتمويل وبناء أول محطة للطاقة النووية في مصر. وبموجب هذه الإتفاقية، سوف يبني ويدير ويشغّل البَلَدان أربعة مفاعلات نووية بقدرة 1200 ميغاواط في شمال غرب مدينة الضبعة على ساحل البحر المتوسط.
وجاء هذا الاعلان قبل أيام من إسقاط السلطات التركية قاذفة “سوخوي 24” روسية بزعم إنتهاك مجالها الجوي. لذا يتوقع الخبراء الآن أن تؤدي الأزمة الروسية – التركية التي تتكشّف إلى تعزيز مكانة القاهرة في إطار سعيها إلى المشاركة في تشكيل الأحداث الإقليمية من طريق ترسيخ مكانتها كلاعب فاعل لا يُستهان به داخل التحالفات المتغيّرة في المنطقة. الواقع أن موسكو والرياض تتنافسان فعلياً حالياً للحصول على دعم القاهرة بالنسبة إلى الصراع في سوريا لأن كلاً من العاصمتين تسعى إلى الإستفادة من معارضة السيسي المعروفة للإسلام السياسي لدفع “أجنداتهما” الإقليمية. لذا من خلال تعميق تعاونها لمكافحة الإرهاب مع مصر، خصوصاً في أعقاب إسقاط طائرة الركاب الروسية فوق سيناء، تأمل موسكو تعزيز موطئ قدمها في المنطقة. من جهتها نددت المملكة العربية السعودية بالتدخل العسكري الروسي الأخير في بلاد الشام، معتبرةً ذلك محاولة من جانب موسكو للحفاظ على نظام الأسد، حليف إيران، المنافسة الإقليمية الرئيسية للرياض.

ذراع قوية ثابتة

إستخدم السيسي أزمات متعددة في المنطقة لإستعادة دور مصر كقوة إقليمية، التي فقدتها مع سقوط نظام حسني مبارك في العام 2011، والذي أعقبته أزمات سياسية متعاقبة. وفي وسط سعيه إلى ترسيخ سلطته وتوسيع نفوذ بلاده يكمن تطوير برنامج نووي مدني في مصر. على الجبهة الداخلية، سوف تساعد الطاقة النووية على تخفيف نقص الكهرباء المستمر وإنقطاع التيار الكهربائي في البلاد. وعلاوة على ذلك، يمكن للمفاعلات النووية أن توفّر الطاقة اللازمة لتشغيل عمليات تحلية المياه، التي توفر حالياً لمصر كمية كبيرة من مياه الشرب (في الوقت الراهن، فهي تعتمد على طاقة النفط المُكلِفة).
من ناحية أخرى، هناك منطق سياسي أيضاً. إن الإنضمام إلى النادي النووي يأتي مع مكانة دولية وأفضلية محلية. بعبارة أخرى، يمكن أن يستخدم السيسي البرنامج لحشد التأييد المحلي من طريق عَكس عدم الإستقرار المُزمن والشعور بالضيق الإقتصادي في مصر وإستعادة دور بلاده القيادي في العالم العربي. ومن شأن البرنامج النووي المصري أن يساعد القاهرة على إعادة تعريف علاقاتها مع روسيا، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة – وذلك باللعب السياسي من أجل الحصول على شروط تمويل مواتية من الرياض وأبو ظبي من طريق مواءمة نفسها أقرب إلى عدوهما السياسي الروسي.
الواقع أن مصر، الدولة العربية الأكثر إكتظاظاً بالسكان، تُعتبر على نطاق واسع المركز السياسي والعسكري والثقافي للعالم العربي. وحتى لو لم يُذكَر ذلك علناً، فإن هناك توقعاً لدى الزعماء الخليجيين أنه في مقابل منحهم المساعدات النقدية، فإن القاهرة ستستخدم مواردها العسكرية ومكانتها السياسية للمساعدة على تحقيق مصالحهم.
لكن مصر تلعب لعبة خطرة إذا كانت تعتقد أنه يمكنها إدارة القوى في المنطقة بسهولة. يخشى بعض منتقدي إتفاق إيران بأنه قد يؤدي إلى سباق تسلح نووي إقليمي بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية، وإن الإتفاق المصري -الروسي الأخير قد يساعد بشكل جيد القاهرة في نهاية المطاف على بناء برنامج نووي عسكري حتى لو ما زالت تتمسك بمعاهدة عدم إنتشار الأسلحة النووية.

اللحاق بالركب

قال كبار المسؤولين في إسرائيل، بمن فيهم وزير الدفاع موشيه يعلون، أن البلدان التي تنظر إلى إتفاق إيران النووي كتهديد، مثل مصر، تريد اللحاق به، وسوف يترتب عن ذلك سباق تسلّح نووي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. الواقع أنه إذا قررت مصر تطوير أسلحة نووية، فإنها لن تبدأ من الصفر. إن المساعي النووية السابقة للبلاد تركتها مع مفاعلين من مفاعلات الأبحاث، ومجموعة من ذوي الخبرة من الفيزيائيين والمهندسين، وعدد من الجامعات القادرة على تدريب جيل جديد من العلماء النوويين.
سيكون أصعب بكثير على العالم أن يثني ويمنع مثل هذه النتيجة أيضاً، إذ أن الإتفاق النووي مع إيران أعطى الإشارة إلى أن البرامج النووية في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا صارت مسموحة ولم تعد ممنوعة. للتأكيد، لا شيء من هذا يعني أن البرنامج النووي العسكري المصري سيتبع وينفذ حتماً. إن إتجاه أي برنامج نووي مصري غير مؤكد، على الرغم من أن هناك بعض الإحتمالات الواقعية.
بالنسبة إلى المبتدئين، قد تتبع مصر نموذج تطوير الطاقة النووية الذي أطلقته دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي وافقت في العام 2009 على عدم القيام بأي أنشطة دورة وقود أو تخصيب محلي – وهذا يجعلها تعتمد على الأسواق الدولية لتأمين الإمدادات داخل أراضيها، الأمر الذي من شأنه أن يمنعها من تخصيب المواد النووية لأسلحة نووية. إن إعتماد هذه السياسة، بالإضافة إلى إلتزام أبو ظبي بالشفافية والإمتثال للوائح الوكالة الدولية للطاقة النووية، تخدم بمثابة نموذج لسياسة منع إنتشار الأسلحة النووية، وفقاً لوزارة الخارجية الأميركية.
لقد أنشأت دولة الإمارات شروطاً وأحكاماً لبرنامجها النووي السلمي كبديل واضح من النموذج الإيراني. بعد صفقة إيران، رغم ذلك، فقد أعربت أبو ظبي عن تحفّظات حول إمتناعها عن تخصيب اليورانيوم. في تشرين الأول (أكتوبر)، قال سفيرها لدى واشنطن، يوسف العتيبة، لرئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي بأن أبو ظبي لم تعد تشعر بأنها مُلزَمة بالإتفاق النووي السابق مع الولايات المتحدة. هل أن تصريحات السفير تعبّر عن تغيير في السياسة الإماراتية؟ الحكمة تفيد بأن الإنتظار خير الأمور لمعرفة الجواب.

اللعبة العالمية

على أية حال، باللجوء الى روسيا للحصول على المساعدة، فقد قررت مصر الوقوف فعلياً في وجه الضغوط الأميركية للحفاظ على الوضع الحالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خالية من الأسلحة النووية. ونظراً إلى إلتزام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الواضح للحدّ من هيمنة الولايات المتحدة العالمية، فقد تسمح موسكو للقاهرة بتخصيب اليورانيوم الخاص بها في المستقبل البعيد. فقد يأخذ الأمر ما يقرب من عشر سنين لتطوير القدرات الصناعية والتقنية الكافية لإنشاء برنامج للأسلحة النووية. من جهتها يمكن لمصر أن تقضي السنوات الخمس الأولى ضمن الحدود القانونية لإلتزاماتها بعدم إنتشار الأسلحة النووية. وتحت غطاء من الإمتثال، يمكن للقاهرة أن تعمل مع روسيا وغيرها لبناء برنامج نووي لأغراض عسكرية في سهولة نسبية.
من جانبها، فإن واشنطن، من خلال الشراكة المتواصلة مع الجيش المصري، من المرجح أن تمارس ضغطاً كبيراً على مصر للإلتزام بأحكام معاهدة حظر الإنتشار النووي؛ وتحديداً، لا يمكن للقاهرة البدء في تخصيب اليورانيوم، ولا يمكنها أن تكون طرفاً في معالجة الوقود النووي المستنفَد بعد الإنتهاء من الإستخدام المدني. مع ذلك، ينظر السيسي إلى الولايات المتحدة كحليفة لا يمكن الوثوق بها أو الإعتماد عليها نظراً إلى دعمها الأول لجماعة “الإخوان المسلمين”. الحقيقة أن التوترات في علاقة القاهرة مع واشنطن تجعل السيسي أكثر إهتماماً في البحث عن شريك آخر، مثل روسيا، حيث يبدو أنه ربما أكثر ميلاً لتحويل البرنامج النووي المدني إلى برنامج أسلحة نووية في نهاية المطاف.
في كلتا الحالتين، في المدى القصير، فإن البرنامج النووي الناشئ في مصر سوف يعزز وضع السيسي ويجعله أكثر جرأة في المنطقة. إن الإتفاق النووي بين إيران والدول الخمس زائد ألمانيا يضع معياراً جديداً للمنطقة. لذلك، لن يكون من المستغرب أن تؤدي السابقة الإيرانية إلى تشجيع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأخرى للمطالبة لنفسها ب”حقوق” طهران عينها الواردة بشأن القدرة على تخصيب اليورانيوم. وحتى لو نفّذت إيران جانبها من الإتفاق، فسيبقى أمن الطاقة والهيبة الوطنية على الطاولة كمحفزات قوية بالنسبة إلى مصر لمواصلة وتطوير برنامجها النووي. وفي المدى الطويل، من المرجح أن السيسي سوف يستخدم البرنامج النووي لأهداف أوسع، بما في ذلك الضغط على الولايات المتحدة. بغض النظر عما إذا كان البرنامج سيؤدي في نهاية المطاف إلى ترسانة نووية، فإنه مما لا شك فيه أن مصر تتطلع لتأكيد قوتها في منطقة ينمو فيها عدم الإستقرار بشكل متزايد مع نهاية كل عام — وهذا صار أمراً أكثر سهولة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى