دول الخليج تتطلع إلى عام أفضل للصكوك في 2016
فيما عرف العام الفائت إنخفاضاً على صعيد إصدارات الصكوك في منطقة الخليج عن العام 2014، يبدو أن العام الجديد 2016 سيعرف إنتعاشاً في هذا المجال نظراً إلى العجز المالي الذي تواجهه غالبية موازنات الدول الخليجية بسبب هبوط أسعار النفط.
دبي – بشير حاطوم
أثار إصدار عُمان الأول للصكوك السيادية في تشرين الأول (أكتوبر) 2015 إهتماماً كبيراً في الأسواق الخليجية، إذ أنها كانت أحدث الدول الوافدة إلى نادي مُصدِري الديون الإسلامية التي تضيف بريقاً متجدّداً إلى السوق المالية الإسلامية. لم تواكب السلطنة غزوات جيرانها الخليجيين لسوق رأس المال المُقترض الإسلامي على مدى العقد الماضي. ولكن في حين أثار إصدار مسقط لصكوك تبلغ قيمتها 200 مليون ريال عُماني (520 مليون دولار) لمدة خمس سنوات إقبالاً قوياً، فلا ينبغي أن يُنظر إلى هذا الأمر بإعتباره علامة على أن سوق الصكوك العالمية تتمتع بسنة قوية. في الواقع، كان 2015 عاماً يفضّل البعض أن ينساه.
تُظهر الأرقام على أن هناك إصدارات جديدة أقل بكثير من الصكوك في العام 2015 مقارنة مع العام 2014. وإحصاءات “طومسون رويترز” تؤكد على أن إجمالي الصكوك الصادرة في الأشهر التسعة الأولى من 2015 إنخفض 38.6 في المئة إلى 48.8 مليار دولار من 79.5 مليار دولار للفترة نفسها من العام 2014. وعلى الصعيد العالمي، صدرت الصكوك في 12 عملة في الأشهر التسعة الأولى من العام 2015، مقارنة مع 16 في الفترة عينها من العام 2014.
هناك مجموعة متنوعة من الأسباب لماذا لن تُعتبَر 2015 سنة ممتازة لسوق الصكوك، وليست كلها لها علاقة بسوق الشريعة نفسها. الواقع أن التقلب في الأسواق العالمية قد ضخّم حذر المُصدِرِين بالنسبة إلى قرارات التمويل عموماً. ربما أكثر إقناعاً، كان التباطؤ في إصدارات الصكوك له جذوره في أحداث في ماليزيا، التي لا تزال تُعتبر مركز إصدار الصكوك المهيمن في العالم. إن قرار البنك المركزي الماليزي (بنك نيغارا ماليزيا) الذي أمر بوقف إصدار الصكوك والتحوّل إلى أدوات أخرى لإدارة السيولة كان له تأثير سلبي في السوق الأوسع.
وقد عزت وكالة التصنيف الدولية “موديز” إنخفاض حجم الإصدارات العالمية بما يقرب من 50% في العام 2015 في المقام الأول إلى تخفيض سوق الصكوك الماليزية القصيرة الأجل من قبل البنك المركزي بنسبة 80 في المئة، فضلاً عن التباطؤ في إصدارات الخليج بسبب تدفقات الأسواق الناشئة، وعدم الإستقرار الإقليمي، وعدم اليقين الذي طال أمده بشأن إرتفاع الفائدة في الولايات المتحدة.
في بداية العام 2015، إنسحب البنك المركزي الماليزي من سوق الصكوك لأن الصكوك لم تكن تصل إلى مستثمريها المقصودين، وتحوّلت إلى أدوات أخرى لإدارة السيولة محفوظة للبنوك.
بالنسبة إلى مديري أدوات الدين الإسلامية، فإن الوضع لا يدعو إلى القلق. “لقد كان هذا العام (2015) واحداً مرناً لسوق الصكوك المقوّمة بالدولار”، يقول محيي الدين (دينو) قرنفل، مدير الإستثمار في الصكوك العالمية لمنطقة الشرق الأوسط في شركة “فرانكلين تمبلتون للإستثمار” ( Franklin Templeton Investments).
مضيفاً: “إن سوق الصكوك صمدت بشكل جيد إلى حد ما على الرغم من تقلبات السوق وعدم اليقين حول مواضيع رئيسية كانت مهيمنة على الأسواق، سواء في ما يتعلق بإرتفاع معدل الفائدة من قبل الإحتياطي الفيديرالي الأميركي وضعف النمو الصيني أو أسعار السلع الأساسية”.
على أساس نسبي، نظراً إلى هذا الوضع المثير للتحدّي، فإن أسواق الصكوك قد صمدت بشكل جيد للغاية، قال قرنفل، الذي يشير إلى أن المؤشر العالمي قد إرتفع إثنين في المئة، والسوق لا تزال تُعطي عوائد تنافسية مع تقلبات منخفضة وإرتباط بفئات أصول أخرى .
ومع ذلك، فإن مؤشر الصكوك لا يلتقط بعض نقاط الضغط التي واجهت مستثمري الصكوك – وأكبرها هو التحدي من عملات جنوب شرق آسيا.
“إذا شملتَ الدولار القوي والناتج المحلي الإجمالي الصيني، والقضايا المحلية في إندونيسيا وماليزيا، فمن الواضح أن هناك الكثير من القلق بالنسبة إلى الحفاظ على نمو محلي قوي”، يقول قرنفل.
إن إنخفاض أسعار النفط هو سيف ذو حدين، تشير وكالة “فيتش”؛ بلدانٌ عدة مصدِّرة للنفط، مثل البحرين والمملكة العربية السعودية، بدأت تعتبر الصكوك كمصدر للتمويل لتغطية العجز في موازناتها. وتفيد الوكالة أنه من المتوقع أن ينمو خط أنابيب العرض والطلب المحتمل من الصكوك.
من ناحية أخرى، إن إنخفاض السيولة وتدني نمو الإيداع في دول مجلس التعاون الخليجي جنباً إلى جنب مع نمو الإئتمان المستمر تجبر المصارف الخليجية على زيادة تمويل السوق – خط أنابيب كبير من المعاملات المتأخرة ل2016 هو النتيجة.
ويقول قرنفل: “النفط عند 40 دولاراً للبرميل يعرض بعض التحديات المالية الخطيرة. حسب معظم التقديرات نحن قد نرى حوالي 140 مليار دولار من العجز في دول مجلس التعاون الخليجي خلال العام الجديد. وليس من الواقعي أن نعتقد أن كل هذا سوف يتم تمويله من طريق الإحتياطات. ومن المرجح أن يكون مزيجاً من ضبط أوضاع المالية العامة والإصلاح الهيكلي وإصدار ديون جديدة”.
وقد مُهِّد الطريق لإصدار صكوك سيادية أكثر في العام 2016، مع إمكانية إصدارها مع هوامش معقولة. الواقع أن منطقة الخليج تستعد لكي تكون مركز إصدار مهيمناً، مع إتخاذ حكوماتها خطوات لتسهيل إصدار صكوك. على سبيل المثال، سعت حكومة دبي إلى تشجيع الشركات التي لها صلة مع الدولة على زيادة التمويل من طريق إصدار الصكوك. في الواقع، من حيث إدراج الصكوك في الأسواق المحلية، فقد تجاوزت دبي ماليزيا، حيث إرتفعت قوائم الإدراج لتبلغ 36.7 مليار دولار في حزيران (يونيو) 2015 من مجرد 7 مليارات دولار في العام 2014، وفقاً لبيانات “فرانكلين تمبلتون”. وكانت أبرز إصدارات الصكوك في دولة الإمارات العربية المتحدة في العام 2015 من بنك دبي الإسلامي 750 مليون دولار، وبنك نور 500 مليون دولار. وتعتزم السعودية الآن فتح أسواق الصكوك المحلية. كما أن دخول صكوك عُمان هو أيضاً أمرٌ إيجابي.
“إن دخول عُمان سوق الصكوك يُعتبر بالتأكيد شيئاً إضافياً. وقد شهد العام 2015 رصيده يصل إلى 22 إصداراً سيادياً التي دخلت إلى السوق مع عروض صكوك، وأتوقع أن يستمر هذا الاتجاه في العام 2016، مع أمثال المغرب والأردن اللذين يبدوان مُصدِرَين محتملَين. إن وتيرة النمو من المتوقع أن تواصل مسيرتها”، يقول قرنفل.
في الخليج، بدت الكويت أنها تبث حياة جديدة في سوق الصكوك، لقد أفرجت الهيئة العامة لسوق المال في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 عن قواعد جديدة تمهّد الطريق لإصدارات جديدة من الشركات. وفقاً ل”فيتش”، إن عدم وجود إطار قانوني متخصص للصكوك كان عاملاً رئيسياً للحدّ من الإصدارات في الكويت على مدى السنوات القليلة الماضية، وبالتالي يمكن للقواعد الجديدة أن تكون خطوة مهمة. يمكن أيضاً للمُصدِرين الكويتيين الإستفادة من مكانة دبي كمركز إقليمي للصكوك. وقد إعتُبِرت مذكرة التفاهم الأخيرة بين الهيئة العامة لسوق المال الكويتية وسلطة دبي للخدمات المالية خطوة نحو السماح للمؤسسات المالية الكويتية للعمل في مركز دبي المالي العالمي، والذي يبرز كمحور عالمي لإدراج الصكوك كما تقول وكالة “فيتش”. وهذا يمكن ان يزيد في نهاية المطاف قاعدة المستثمرين المُحتَملين للصكوك الكويتية من خلال تمكينهم من إدراجها في دبي.
دولة جديدة أخرى مُحتَملٌة للدخول إلى كتلة الصكوك هي تونس، التي يتوقع أن تصدر حكومتها في النصف الأول من 2016 أول إصدار صكوك، بقيمة مليار دينار (505 ملايين دولار)، في حين تأمل مصر أن تصدر أول صكوك سيادية في الربع الأول من 2016.
من ناحية أخرى بدأ خط أنابيب صكوك الشركات أيضاً يتضخّم. لا يزال هناك عدد من صكوك الشركات في الخليج في خط الأنابيب. الشركة العُمانية للإتصالات “عُمانتل” تخطّط لبيع 50 مليون دينار عُماني في أوائل العام 2016. والشركة السعودية للكهرباء قد تحصل على موافقة اللجنة التنفيذية لإعداد برنامج صكوك بقيمة تصل إلى 1.5 مليار دولار. في البحرين، تسعى شركة ألومنيوم البحرين (ألبا) إلى الحصول على تصنيف إئتماني قبل محادثاتها مع بنوك بشأن تدبير الأموال اللازمة لها بقيمة 3.5 مليارات دولار لخط التوسع 6، مع صكوك مُحتَملة في وقت مبكر من العام 2016. في قطر، وافق مساهمو بنك بروة على خطط لبرنامج صكوك كبير غير مضمون بقيمة ملياري دولار.
وأعلن بنك بوبيان في الكويت في تشرين الثاني (نوفمبر) بأنه في المراحل الأولية لدراسة إصدار سندات إسلامية التي من شأنها تعزيز إحتياطات رأس المال. وسيتم إصدار الصكوك بالإمتثال لقواعد “بازل III” لكفاية رأس المال، كما أفاد بيان صادر عن البورصة. إن حاجة البنوك الخليجية إلى بناء إحتياطات رأسمالها توفّر فرصاً واسعة لإصدار صكوك.
بنوك عدة في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية سعت بالفعل إلى إصدار صكوك مؤهّلة لمعاملة مستوى رأسمال 1 حسب “بازل III”. وهذا من غير المرجح أن يقدّم دفعة في المدى القريب لهذا القطاع. كما تشير وكالة “ستاندرد آند بورز”، أن دفعة متوسّطة الأجل للسوق هي أكثر إحتمالاً. إن تنفيذ نسبة تغطية السيولة ل”بازل 3″، على سبيل المثال، ستتم على مراحل وتدريجاً على مدى سنوات عدة عبر كل بلد على حدة. بالنسبة إلى بعض البلدان، بدأ التنفيذ في الأول من كانون الثاني (يناير) 2015، مع نسبة تغطية سيولة لا تقل عن 60 في المئة تزداد بنسبة 10 في المئة سنوياً إلى 100 في المئة بحلول العام 2019.
وهناك مصدر إصدار جديد آخر يمكن أن يأتي من مخطط السندات الدولية والمنح الجديدة لمساعدة البلدان على التعامل مع تداعيات الحرب وعدم الإستقرار في الشرق الأوسط. لقد أعلن البنك الدولي والأمم المتحدة والبنك الإسلامي للتنمية أخيراً مبادرة من شأنها أن تطلب من البلدان المانحة تقديم ضمانات للسندات التي تجمع الأموال لبعض المشاريع بدءاً من دعم اللاجئين لإعادة بناء بلدانهم ليتسنى لهم العودة إلى ديارهم.
دفعة مهمة تأتي مع عودة إيران إلى الحظيرة الدولية. وفقاً لوكالة التصنيف “موديز”: “إذا وعندما يتم رفع العقوبات، نعتقد أن قدراً كبيراً من المشاريع الإستثمارية سوف تجد بطبيعة الحال طريقها إلى صناعة التمويل الإسلامي، سعياً إلى التمويل”.
القطاع المصرفي الإيراني وحده لا يمكنه التعامل مع هذه المشاريع لأن لديه تحدياته الخاصة. إن إصدار الصكوك قد يكون طريقاً صحيحاً للتمويل، شريطة أن تصدر إيران التعديلات التنظيمية اللازمة. ويمثل القطاع المصرفي في إيران حالياً نحو 40 في المئة من أصول الصناعة المالية الإسلامية.
يبقى أنه يمكن أن يتغير الكثير إذا تحوّل إتجاه الأسعار الحالية للنفط.
“ليس هناك شك أن إرتفاع أسعار النفط سيخفّف بعض الضغط والخوف اللذين نراهما في المنطقة، وسوف يزيل أيضاً بعض القلق. وهذا سيكون نبأ ساراً”.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.