لماذا لن يُنَفَّذ قرار خامنئي بتخفيف قبضة الحرس الثوري على الإقتصاد الإيراني

فى خطوة مفاجئة أثارت تساؤلات عدة حول دوافعها ومدى جديتها، أمر المرشد الأعلى فى إيران علي خامنئي، بتخفيف قبضة الحرس الثورى على إقتصاد البلاد. وقد جاء هذا الإعلان على لسان وزير الدفاع الايراني الجنرال أمير حاتمي الذي نقل كلام المرشد الأعلى خلال مقابلة صحافية أجريت معه قبل أيام. ويبدو أن تصريحات حاتمي جاءت بمثابة بالون إختبار للتأكد من رد فعل الفكرة التي سبق أن طرحها الرئيس الإيراني حسن روحاني منذ فترة وآثارها في الناس الذين إنتفضوا أخيراً في الشوارع.

المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي: أمره جدي أم لتخفيف الغضب في الداخل والخارج؟

بقلم أحمد مجيديار*

في 20 كانون الثاني (يناير) أعلن وزير الدفاع الايراني الجنرال أمير حاتمي أن المرشد الأعلى علي خامنئي أمر قوات الحرس الثوري الإسلامي القوية بخفض إمبراطوريتها التجارية المتنامية وتصفية أصولها التجارية التى لا تتعلق بمجال عملها. وقد أثار هذا الإعلان الأمل في أن يكون النظام قرّر أخيراً تخفيف قبضة الحرس الثوري على الإقتصاد. ولكن إذا كان الماضي مقياساً، فإن قرار خامنئي (إذا كان صدر حقاً) سيكون دليلاً رمزياً على تخفيف الغضب في الداخل والضغط من الخارج بدلاً من بذل جهدٍ حقيقي لتقليل دور الحرس الثوري في الإقتصاد، والحد من الفساد، وتمكين القطاع الخاص بإعتباره المُحرّك الرئيسي للنمو الإقتصادي. وعلى الرغم من التصريحات المماثلة التي أدلى بها الرئيس حسن روحاني وغيره من كبار المسؤولين الإيرانيين، إلّا أن الحرس الثوري قد وسّع أنشطته الإقتصادية في إيران وكذلك في البلدان المجاورة في العام الماضي.

مرسوم خامنئي

قال الجنرال أمير حاتمي في مقابلة مع صحيفة “ايران” التابعة للحكومة ان المرشد الأعلى كلّف الاركان العامة للقوات المسلحة بضمان تحويل الحرس الثوري الإيراني و”أرتيش” (الجيش النظامي الايراني) الكيانات الإقتصادية والأصول التجارية التي لا علاقة لها بمهمتهم إلى القطاع الخاص”. وأشار وزير الدفاع أيضاً إلى أن روحاني يريد أيضاً من القوات المسلحة للبلاد أن تزيل حيازاتها التجارية في الشهرين المقبلين، لكنه حذّر من أن “مقاييس نجاحنا تعتمد على ظروف السوق، فضلاً عن جدوى نقل [تلك الأصول]”.
وليست هذه هي المرة الأولى التي يُثير فيها القادة الإيرانيون هذه المسألة. لقد إنتقد روحاني في مناسبات عديدة دور الحرس الثوري في الاقتصاد، لكنه لم يُقدِم على مواجهة الحرس في هذه القضية – على الرغم من أنه إدّعى مرة أن خامنئي “يوافق تماماً” معه على ضرورة الحد من دور الحرس الثوري في الإقتصاد. وفي العام الفائت، قال نائب قائد الجيش الإيراني، أحمد رضا بورداستان، إن الأركان العامة للقوات المسلحة تعتزم “حل بعض المؤسسات الموازية” لتعزيز الرقابة على مشاركة القوات المسلحة في الإقتصاد. ولكن الحرس الثوري لم يتلقَّ سوى المزيد من المشاريع الحكومية منذ ذلك الحين.

الحرس الثوري غير مُنزعج

في حين لم تُعلِّق مكاتب المرشد الأعلى والحرس الثوري على تصريحات حاتمي، فقد قلّل أحد كبار قادة الحرس من أهميتها، مُعلِّلاّ ذلك بأن جميع الأنشطة الإقتصادية التي يقوم بها الحرس تقع ضمن الإطار القانوني و”ذات صلة” بمهماته. “لم يَشرَع الحرس أبداً في نشاط إقتصادي وغالبية أنشطته [الاقتصادية] تمّت من خلال أعمال البناء وفقاً للدستور. وطبقاً للقانون، فان القوات المسلحة في زمن السلم تقوم بمساعدة الحكومة. وإستناداً إلى ذلك، منذ إنتهاء الحرب العراقية – الإيرانية في ثمانينات القرن الفائت، فقد نفّذ الحرس أعمال البناء التي لم تتمكّن الشركات الأخرى من تحقيقها”، قال الجنرال إسماعيل كوسري، نائب قائد وحدة “سارالله” التابعة للحرس الثوري، والمسؤولة عن الأمن في طهران. واكد أن “نشاط البناء الذي يقوم به الحرس يستند الى إذنٍ من آية الله خامنئي”.

إمبراطورية الحرس الثوري الإقتصادية المُتنامية

بعدما أنشأه مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله روح الله الخميني بعد ثورة 1979 لحماية النظام من التهديدات الداخلية والخارجية، فإن الحرس الثوري الإسلامي لم يتطور ليصبح القوة العسكرية الإيرانية الأقوى فحسب، وإنما صار يهيمن أيضاً على القطاعات الإقتصادية الرئيسية في البلاد، مثل الطاقة والبناء، والإتصالات السلكية واللاسلكية، والإعلام، والتعدين، والإلكترونيات، والسيارات، والخدمات المصرفية، وأكثر من ذلك. وفي العام الماضي، أعلن القائد العام للحرس الثوري الإيراني اللواء محمد علي جعفري أن قواته تشارك الآن أيضاً في الصناعة الزراعية الإيرانية. وبينما يجادل قادة الحرس الثوري بأن أنشطتهم الإقتصادية تهدف إلى مساعدة سياسة البلاد في ما يُسَمّى “إقتصاد المقاومة” ومساعدة الفقراء، فإن قوات الحرس في الواقع تُنفق معظم إيراداتها على النفقات العسكرية في الداخل والخارج.
وقد إستفادت الشركات التابعة للحرس الثوري، وبخاصة شركته الرئيسية للهندسة والبناء “خاتم الأنبياء”، من برنامج الخصخصة الذي قام به الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد. وفي العام 2006، حصلت “خاتم الأنبياء” على صفقات تبلغ قيمتها 7 مليارات دولار على الأقل في قطاعات النفط والغاز والنقل وغيرها. وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2007، وضعت وزارة الخزانة الأميركية “ختام الأنبياء” وشركات أخرى عدة تابعة للحرس الثوري على لائحة العقوبات كجزء من خطة لمواجهة محاولة إيران الحصول على قدرات نووية ودعم الإرهاب. وفي شباط (فبراير) 2010، إتخذت وزارة الخزانة المزيد من الإجراءات ضد “خاتم الأنبياء” بوضع رئيس الشركة، الجنرال رستم قاسمي، وشركاتها الفرعية على لائحة العققوبات والمقاطعة. وقال روحاني في العام الماضي أن “جزءاً من الإقتصاد كان تحت سيطرة حكومة من دون بندقية، وقدمناه الى حكومة مع بندقية – هذا ليس إقتصاداً وخصخصة”.
ومن الجدير ذكره أن “خاتم الأنبياء” ليست مجرد شركة بناء. إن هذه المجموعة التابعة للحرس الثوري تتمتع بقوة سياسية وإقتصادية كبيرة في إيران وتموّل عمليات الحرس في الخارج. كما تقوم المنظمة العسكربة وشركاتها الأمامية بتنفيذ مشاريع في دول المنطقة، وبخاصة في مناطق النزاع مثل سوريا والعراق. وفي نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) كشف جعفري أن الحرس، بدلاً من القطاع الخاص الإيراني أو الشركات الأخرى التي تديرها الدولة، سيقود جهود إعادة الإعمار في سوريا، وفقاً لما ذكرته وكالة “تسنيم للأنباء”. وقال قائد الحرس الثوري في إجتماع عُقد في طهران: “إستناداً الى الإجتماعات التي عقدتها الحكومة، تقرر ان يتم تكليف هذه المهمة [المشاركة في إعادة اعمار سوريا] الى الحرس الثوري بسبب الوضع الأمني في سوريا”. وأضاف: “بالطبع الأمر متروك للحكومة السورية لتقرير مدى مشاركة ايران في إعادة إعمار سوريا. ولكن العمل المبدئي لهذه المهمة جار على قدم وساق”.
على الرغم من خطاب روحاني، فإن الدور الإقتصادي للحرس الثوري في إيران قد إزداد أيضاً. في نيسان (إبريل) الماضي، قال قائد “خاتم الأنبياء” إنه سيُنهي عشرة مشاريع رئيسية في السنة الإيرانية الجديدة، التي بدأت في 21 آذار (مارس). ووفقاً لما ذكره الجنرال عباد الله عبد اللهي، فإن المشاريع العشرة الكبرى تكمن في إنجاز أربع مراحل من حقل غاز بارس الجنوبي الإيراني، وإستكمال مشروع مصفاة تكرير الغاز في الخليج الفارسي، وبناء مصانع الغاز والغاز الطبيعي السائل، ومشروع للسيطرة على الجريان السطحي، وإنشاء طريق سريع جنوب طهران، وبناء خط سكة حديد فائق السرعة يربط طهران بأصفهان، وتطوير ميناء شهيد بهشتي الجنوبي الشرقي، وبناء مصنعين للصلب في مدينتي ميانه وبافت. وفي العام 2016، أعلن عبد اللهي أنه تمّ تخصيص 25 مليار دولار من أموال الإستثمار للمشاريع العشرة الكبرى، وطلب مبلغ 6 مليارات دولار إضافياً لإستكمال المشاريع. وأوضح حاتمي خلال مقابلته في 20 كانون الثاني (يناير) أن الأنشطة الإقتصادية ل”خاتم الأنبياء” قد لا تتأثر.
وعلاوة على ذلك، دخلت منظمة “الباسيج”، وهى قوة شبه عسكرية تحت سيطرة الحرس الثوري، المجال الإقتصادي أخيراً من طريق شراء اسهم فى شركات البناء والتعدين والطاقة والادوية الكبرى.
لذلك، فإن الرسائل الأخيرة من طهران تهدف إلى تهدئة المخاوف المحلية والدولية. من ناحية، من خلال الوعد بتقليص الدور الإقتصادي للحرس الثوري، يودّ النظام في طهران نزع فتيل غضب الإيرانيين العاديين الذين نزلوا أخيراً إلى الشوارع بأعداد كبيرة إحتجاجاً على الفساد وسوء إدارة الحكومة. لقد كانت سياسات الحرس الثوري في الداخل ومشاركته المكلفة في النزاعات الإقليمية من بين القضايا الرئيسية التي أثارها المتظاهرون. وعلاوة على ذلك، تتوقع طهران أيضاً فرض عقوبات أميركية إضافية – أو حتى إعادة فرض العقوبات النووية إذا أوقفت إدارة ترامب الإتفاق النووي. وبالتالي، فإنها تتخذ تدابير وقائية للتقليل إلى أدنى حدّ من أثر العقوبات الأميركية التي تستهدف بشكل متزايد الحرس الثوري ومؤسساته. ولكن من غير المرجح أن يحدث أي نقل حقيقي ومهم للحيازات الإستثمارية للحرس الثوري إلى القطاع الخاص – على الأقل في أي وقت قريب.

• زميل ومدير مشروع مراقبة إيران في معهد الشرق الأوسط في واشنطن.
• كُتب هذا الموضوع بالإنكليزية وعرَّبه قسم الأبحاث والدراسات في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى