لماذا تُريدُ أميركا وحلفاؤها الاستيلاءَ على الإحتياطاتِ الروسية لمُساعَدَة أوكرانيا؟

في 24 نيسان (أبريل) 2024، وَقَّعَ الرئيس جو بايدن تشريعًا يتضمّنُ قانونَ إعادة بناء الرخاء الاقتصادي والفُرَص للأوكرانيين (قانون ريبو)، والذي يُمكّن الرئيس الأميركي من الاستيلاء على احتياطات النقد الأجنبي الروسية داخل الولايات المتحدة.

رئيس البنك الدولي السابق روبرت زوليك: الاستيلاءَ على الاحتياطات يُشَكّلُ “عدالةً أنيقة” وضخًّا ماليًا تحتاج إليه أوكرانيا بشدّة.

محمد سليم*

بعد غزو روسيا لأوكرانيا في شباط (فبراير) 2022، تمَّ تجميدُ احتياطاتِ روسيا من النقد الأجنبي التي تَحتَفِظُ بها الولايات المتحدة وحلفاؤها. ومنذُ ذلك الحين، اقترَحَ بعضُ المسؤولين والمُعلّقين الاستيلاءَ على تلك الأصول، التي تبلغ ما يقرب من 300 مليار دولار، واستخدام العائدات للدفاع عن أوكرانيا وإعادة بنائها. ويُمكِنُ للاحتياطات الروسية أن تُوَفِّرَ للأوكرانيين الدَعمَ الذي هُم في أمس الحاجة إليه مع دخول الحرب عامها الثالث. ولا تخلو هذه السياسة من المخاطر أو الجدل: فالاستيلاء على احتياطات النقد الأجنبي ليست له سوابق اقتصادية أو قانونية تُذكَر وتأثيراته غير مؤكّدة في المدى الطويل. التقرير التالي يُلقي الضوء على الجهود المبذولة للاستيلاء على احتياطات روسيا والعواقب المحتملة على النظام المالي العالمي.

ما هي احتياطات النقد الأجنبي؟

احتياطاتُ النقد الأجنبي هي أصولُ البنك المركزي المُحتَفِظ بها من الأوراق المالية والودائع المُقَوَّمة بالعملات الأجنبية، وعادةً ما تكونُ سنداتٍ حكومية صادرة عن الاقتصاداتِ المُتَقَدِّمة أو ودائع مالية في بنوكٍ عالمية. وتستخدم البنوك المركزية الاحتياطات لتسهيلِ المدفوعات الدولية، وإدارة أسعار الصرف، وضمان قيمة العملة المحلية. ويفيد صندوق النقد الدولي أنَّ ما يقرب من 80٪ من جميع احتياطات النقد الأجنبي موجودة بالدولار الأميركي أو باليورو.

أين الاحتياطات الروسية؟

عَشِيَّة الغزو الروسي لأوكرانيا، أفاد البنك المركزي الروسي عن احتياطاتٍ من النقد الأجنبي تقلُّ قليلًا عن 500 مليار دولار، منها ما يقرب من 300 مليار دولار مُقَوَّمة بالدولار الأميركي أو اليورو أو الجنيه الاسترليني. وقدّرت “فرقة عمل النُخَب الروسية والوكلاء والأوليغارشيين” التي أنشأتها مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي وأوستراليا الاحتياطات الروسية المُجَمَّدة بمبلغ 280 مليار دولار في أيلول (سبتمبر) 2023. ويتم الاحتفاظ بحوالي 210 مليارات دولار من هذه الأصول لدى “يوروكلير” (Euroclear)، وهي شركة خدمات مالية بلجيكية مُتَخَصِّصة في حيازة واستثمار الأوراق المالية نيابةً عن البنك المركزي. ومن المرجح أن تكون الاحتياطات المُجمَّدة المُتبقية محفوظة في بنوكِ أميركا والدول الحليفة، حيث يوجد حوالي 5 مليارات دولار في الولايات المتحدة.

لماذا هناكَ تحرُّكٌ للاستيلاء على الاحتياطات الروسية؟

اعتبارًا من منتصف شباط (فبراير) 2024، تشير التقديرات إلى أنَّ الولايات المتحدة والدول الحليفة أرسلت 280 مليار دولار إلى أوكرانيا في شكل مساعداتٍ عسكرية ومالية وإنسانية. إنَّ الاستيلاء على الاحتياطات الروسية يساعدُ الحكومات الحليفة على الاستمرارِ في دَعمِ أوكرانيا من خلال تخفيفِ العبءِ على دافعي الضرائب وجعل روسيا تتحمّل فاتورة عدوانها. وقد حثَّ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الحلفاء مرارًا وتكرارًا على الاستيلاء على الاحتياطات الروسية، قائلًا في كانون الثاني (يناير) 2024: “كُلّما خسر بوتين وأتباعه وأصدقاؤه والمتواطؤون معه المليارات، زاد احتمالُ ندمه على بدء هذه الحرب”. وأخيرًا، فإنَّ الاحتياطات الروسية جذّابة من حيث كميتها وحجمها؛ وسوف تُغطّي ثلاثة أرباع تكلفة إعادة بناء أوكرانيا وفقًا لتقديرات البنك الدولي بعد مرور عام على الحرب. وكما كتب رئيس البنك الدولي السابق روبرت زوليك، فإنَّ الاستيلاءَ على الاحتياطات يُشَكّلُ “عدالةً أنيقة” وضخًّا ماليًا تحتاج إليه أوكرانيا بشدّة.

أين تقف الولايات المتحدة من عملية الاستيلاء؟

في 24 نيسان (أبريل) 2024، وَقَّعَ الرئيس جو بايدن تشريعًا يتضمّن قانون إعادة بناء الرخاء الاقتصادي والفُرَص للأوكرانيين (قانون ريبو)، والذي يمكّن الرئيس من الاستيلاء على احتياطات النقد الأجنبي الروسية داخل الولايات المتحدة بعد تحديد الاحتياطات وتقديم التقارير إلى الكونغرس في غضون 180 يومًا. قبل هذا التشريع، اختلف علماء القانون حولَ ما إذا كان الرئيس لديه سلطة الاستيلاء على الاحتياطات في وقت السلم. وأشار مسؤولون أميركيون، بمن فيهم وزيرة الخزانة جانيت يَلين، إلى أنَّ الإدارة لا تمتلك سلطة الاستيلاء على الاحتياطات بدون إجراءٍ من الكونغرس.

أين يقف حلفاء الولايات المتحدة من عملية الاستيلاء؟

تُواصِلُ الولايات المتحدة استكشافَ نهجٍ مُتعدّدِ الأطراف داخل مجموعة الدول السبع للاستيلاء على الأصول الروسية. أشارت الوزيرة يلين إلى أنَّ “الكونغرس اتَّخَذَ خطوةً مُهمّة في هذا الجهد من خلال إقرار “قانون ريبو”، وسأواصل المناقشات المكثفة مع شركائنا في مجموعة الدول السبع في الأسابيع المقبلة بشأن المسار الجماعي للمضي قُدُمًا”. وتدعم المملكة المتحدة جهود إدارة بايدن داخل مجموعة الدول السبع، على الرُغمِ من أنَّ إيطاليا وألمانيا وفرنسا تُشكّكُ بشدّة في الشرعية وتخشى الانتقام الاقتصادي من روسيا. وبدأت المفوضية الأوروبية تقييم الخيارات القانونية للاستيلاء على الأصول الروسية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2022، لكن الدول الأعضاء لم تتمكّن من التوصّلِ إلى اتفاق. وتشير المفوضية الأوروبية إلى أنه من غير المُرَجّح أن تُواصِلَ المُصادَرة الصريحة بشكلٍ أكبر. وحذّرت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد من أنَّ “الانتقالَ من تجميدِ الأصول إلى مصادرتها والتصرّف بها هو أمرٌ يجب النظر إليه بعناية شديدة. فالمصادرة يمكن أن تكسر النظام الدولي الذي تريدون حمايته، والذي تودّون أن تحترمه روسيا وجميع الدول في جميع أنحاء العالم”.

من جهته، يمضي الاتحاد الأوروبي قُدُمًا في اقتراحٍ يقضي بالاستيلاء على الفوائد على الاحتياطات الروسية، والتي تراكمت في “يوروكلير” منذ فرض العقوبات الأولية. وجمعت “يوروكلير” حوالي 5 مليارات دولار من الأرباح على الأصول الروسية في العام 2023. ويُقَدّر مسؤولو الاتحاد الأوروبي أنَّ الاقتراحَ سيدرُّ حوالي 17 مليار دولار على مدى أربع سنوات. وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2023، أصبحت بلجيكا أول دولة تتحرّكُ إلى ما هو أبعد من تجميد الأصول من خلال فرض الضرائب على الفوائد المتراكمة في “يوروكلير”. وتبلغ الضريبة 2 ملياري دولار، سيتم تحويلها تدريجًا إلى أوكرانيا. وقد أعربت الوزيرة يَلين عن دعمها لفرض ضريبة على الأصول الروسية في الولايات المتحدة، على الرُغمِ من أن العائدات المُحتَملة صغيرة.

واقترحَت الحكومة البلجيكية أيضًا إصدارَ ديونٍ لأوكرانيا باستخدامِ الاحتياطات الروسية كضمان. وعندما تنتهي الحرب، فإنَّ هذه الخطة من شأنها أن تمنحَ روسيا فعليًا الاختيار: إما سداد الديون في هيئة تعويضات، أو الإذعان للاستيلاء على احتياطاتها. وعلى عكسِ الاستيلاء المباشر على الأصول الآن، فإنَّ هذه الصفقة تؤخّرُ المسائل القانونية إلى ما بعد الحرب، عندما يُمكِنُ إصدارَ أحكام التعويضات. ومع ذلك، فإنَّ إصدارَ الديون المضمونة بالاحتياطات الأجنبية لدولةٍ أخرى سيكون أمرًا غير مسبوق.

ما هي العقبات القانونية الدولية؟

يقول المدافعون عن المصادرة إنه يمكن الاستيلاء على أصول روسيا بموجب القانون الدولي للتدابير المُضادة، الذي يوفّرُ للدول طريقًا لتنفيذِ بعض العلاجات غير القانونية في ردٍّ مُتناسبٍ على الإجراءات غير القانونية لدولةٍ أخرى. لكن الكثيرين من المسؤولين والباحثين القانونيين يزعمون أنه لا توجد سابقة، وأنَّ مصادرة الأصول لا تتفق مع الفَهمِ التقليدي لكيفية عمل التدابير المُضادة، بما في ذلك إمكانية التراجع عنها وتنفيذها في المقام الأول من قبل الدول المُتضرِّرة بشكلٍ مباشر.

علاوةً على ذلك، تتلقى الاحتياطات عمومًا أقوى حماية من الحصانة السيادية؛ تحتاجُ الدول إلى الثقة بأنَّ حقوق الملكية الخاصة بها سيتم احترامها بموجب القانون الدولي حتى تتمكّن من المشاركة في الاقتصاد العالمي. إن العدوانَ الروسي البغيض وغير القانوني في أوكرانيا قد يحرم موسكو من التمتّع بالحماية الاحتياطية، ولكن العديد من الدول سوف تتساءل ما هي الحدود على وجهِ التحديد إذا أصبح الاستيلاءُ مسموحًا به. يقول البروفيسور بول ستيفان من جامعة فيرجينيا الأميركية إنَّ “الانتهاك الواضح لفئةٍ من القواعد التي تدعمها الولايات المتحدة عادة، وذلك ببساطة لأنَّ الامتثال من شأنه أن يحبط الإحساس الفوري بالعدالة، يُقوّضُ القدرة على استخدام القانون الدولي لتشكيلِ عالمٍ أكثر سلامًا وازدهارًا”. وتُخطّطُ روسيا بالفعل للطعن في أيّ مصادرة أمام المحاكم الوطنية والدولية.

ما هي العواقب الاقتصادية المُحتَملة للاستيلاء على الاحتياطات الروسية؟

وَعَدَ المسؤولون الروس بمصادرةِ الأصول الغربية في روسيا إنتقامًا إذا أرسلت الولايات المتحدة وحلفاؤها احتياطاتها إلى أوكرانيا. وقد أفادت وسائل الإعلام الرسمية الروسية أنَّ الكرملين حدّدَ ما يقرب من 290 مليار دولار من الأصول الأميركية والحلفاء في روسيا. لقد استولى بوتين أصلًا على أصولٍ مادية من شركات أوروبية، وصادرت المحاكم الروسية 440 مليون دولار من حسابات بنك “جي بي مورغان” في روسيا بعد ساعاتٍ من توقيع الرئيس بايدن على تشريعٍ يسمح بالاستيلاء على احتياطات النقد الأجنبي الروسية. وأعرب مسؤولون أوروبيون عن قلقهم بشكلٍ خاص من أنَّ “يوروكلير”، التي تتمتع بأهمّيةٍ نظامية تتجاوزُ الاحتفاظ بالاحتياطات الروسية، مُعَرَّضةٌ بشكلٍ كبير لروسيا، وهو ما يُمكِنُ استغلاله لتقويضِ الاستقرارِ المالي الأوروبي. ويُحذّرُ “كين روغوف”، كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي، من أنَّ “المصادرة ستكون عادلة، ولكن من الصعب للغاية تنفيذها نظرًا للضرر الذي يُمكِنُ أن تتسبَّبَ فيه روسيا”.

كما يُمكِنُ أن يُشَكِّلَ الاستيلاءُ على الاحتياطات الروسية مخاطرَ طويلة المدى على النظام المالي العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة وأوروبا. وقد تقوم الدول، خوفًا من أمن أصولها المُقَوَّمة بالدولار أو اليورو، بتحويل احتياطاتها من أميركا والولايات القضائية المتحالفة معها إلى عملاتٍ بديلة، مثل الرنمينبي الصيني. وقد أعرب فابيو بانيتا، محافظ بنك إيطاليا المركزي، عن هذه المخاوف في خطابٍ ألقاه في كانون الثاني (يناير) 2024، مُشيرًا إلى أنَّ “تسليح العُملة يُقلّلُ حتمًا من جاذبيتها ويُشجّعُ على ظهور بدائل… وتُرَوّجُ السلطات الصينية صراحةً لدور الرنمينبي على الساحة العالمية وتشجيع استخدامه في بلدان أخرى، بما فيها تلك التي عاقبها المجتمع الدولي بعد غزو أوكرانيا”. إنَّ الابتعادَ عن العملات الأميركية والعملات الحليفة قد يزيد من صعوبةِ تتبّعِ الجرائم المالية، ويجعل العقوبات أقل فعالية، ويزيد من تكاليف الاقتراض الحكومي.

تشير أغاث ديمارايس، زميلة بارزة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إلى أنَّ مخاطر الاستيلاء على الاحتياطات الروسية يمكن تعويضها جُزئيًا من خلال العمل المُتعَدِّد الأطراف: “تفضّلُ واشنطن بشدّة نشرَ ردّ الفعل العكسي المُحتمل الذي قد يترتّب على مثل هذه الخطوة بين الحلفاء ذوي التفكير المماثل”. ولأن مجموعة دول السبع والاتحاد الأوروبي وأوستراليا فريدة من نوعها في قدرتها على توفير كميات كبيرة من الأصول الآمنة والسائلة على مدى فترات طويلة، فإنَّ العملَ معًا يُقلّلُ من خطر تدفّقات الاحتياطات إلى الخارج بسبب وجودِ عددٍ قليل للغاية من البدائل القابلة للتطبيق. ومن خلالِ بناءِ إطارٍ بقواعد واضحة، تستطيع الولايات المتحدة وحلفاؤها طمأنةَ البنوك المركزية الأجنبية بأنَّ احتياطاتها لن يتمَّ الاستيلاء عليها بشكلٍ تعسُّفي.

  • محمد سليم هو صحافي من أسرة تحرير “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى