شكرًا للمغرب وقصّة الحديث مع الملك الحسن الثاني

عرفان نظام الدين*

فَرحَتُنا لا تُوصَف  بفَوزِ المغرب  في تصفيات كأس العالم بكرة القدم في الدوحة، فمنذ عقود لم تَفرَح قلوبنا بأيِّ نجاحٍ عالميٍّ فجاءَ النصرُ الفريد ليؤكّد لنا قدرة أبناء أمّتنا على تحقيقِ إنجازاتٍ في أيِّ مجالٍ مع المثابرة والمران والاستعداد الجيد والإيمان والعمل بروح الفريق كما  فعل “أسود الأطلس”.

والقضية ليست لمجرد الفوز بل في انجازات الشعب المغربي الذي نعتزُّ به وبما وصل إليه رُغمَ قلّة الإمكانات وصعوبات الحياة. ونجاحات المغرب الرياضية كثيرة بينها حصول العدَّاء سعيد عويطة على ذهبية ال5000 متر في دورة اللعاب الأولمبية الصيفية في العام 1984 وفوزه سنة 1987 ببطولة العالم في ألعاب القوى، فضلًا عن حصوله على ذهبية ال3000 متر في العام 1989 لألعاب القوى في بطولة العالم للصالات المغلقة. كما كانت نوال المُتوكّل حصلت على ذهبية سباق ال400 متر حواجز في دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط في العام 1983 في الدار البيضاء، وذهبية ال400 متر عدو في دورة الألعاب الأفريقية في القاهرة في العام نفسه، وذهبية ألعاب البحر الأبيض المتوسط في العام 1987 لسباق 400 متر عدو في اللاذقية، وذهبية سباق 400 متر حواجز في دورة الألعاب الأولمبية في 1984 في لوس أنجليس. وقد تَرجَمتُ الفرحة بالنتيجة الأخيرة بنشرِ الخبر على الصفحة الأولى لصحيفة “الشرق الاوسط” (التي كنتُ يومها رئيسًا لتحريرها) على امتدادِ خمسة أعمدة مع  صورة كبيرة لنوال المتوكّل تحمل العلم المغربي مع عنوانٍ عريض: شكرًا للمغرب. وفي اليوم التالي اتصل بي الأستاذ أحمد بن سوده، مستشار الملك الحسن الثاني (رحمهما الله) وأبلغني أن جلالة الملك يشكرني ويريد دعوتي لمقابلته. فسُررتُ للصدى وقلتُ له: آمل الموافقة على إجراء مقابلة صحافية شاملة. وبعد قليل أجابني بالموافقة على أن تجري المقابلة في الرباط. وما لبث مكان المقابلة أن انتقل إلى الصخيرات، وثم الدار البيضاء، ليستقر بنا المطاف أخيرًا  في القصر الملكي في مراكش.

وكنتُ سمعتُ الكثير عن طباعِ العاهل المغربي ودقّته وقيود البروتوكول واحتمال أن ينسحبَ في حالِ انزعاجه من أيِّ تصرّف. وعندما وصل الملك إلى القاعة/الصالون حيث كنتُ أنتظر لإجراء الحوار، رحّب بي بحرارة ولطف، وقرّرتُ أن أضربَ على الوتر الحساس. شكرته وبدأتُ حديثي بالقول: “جلالة الملك أنا أستَحِقُّ ميدالية ذهبية أسوةً ببطلَينا نوال وسعيد!

فوجئ الملك وسألني عن السبب ظنًّا منه أنني أطلبُ هدية، فضحكتُ، وأخبرته بتفاصيل رحلة التنقل الطويل، وقلتُ له إني جريتُ وراءه أكثر مما فعل البطلان، فقد قطعتُ آلاف الكيلومترات للوصول إليه. إنفرجت أسارير العاهل المغربي وضحك بصوتٍ عالٍ حتى أنَّ كبار المستشارين والوزراء سألوني عن سرّ ما قلته له حتى ضحك بهذا الشكل الذي لم يعهدوه منه.

ونشرتُ المقابلة، وأحدثت صدى واسعًا، وسُعِدتُ بعدها للتواصل الدائم مع الملك الذي وصل إلى وصفه علاقتنا بالصداقة، فكان يدعوني لأفراح كريماته، وشرّفني بثلاث مقابلات تلفزيونية مُهِمّة لتلفزيون “أم. بي. سي” ( mbc) يوم كنتُ المستشار العام والمشرف على البرامج والأخبار فيه.

مرّةً أخرى، شكرًا للمغرب وفربقه الرياضي لكرة القدم، ورحم  الله الملك الحسن الثاني، فقد كان ملكًا فذًّا ومُصلِحًا وراقيًا.

  • عرفان نظام الدين كاتب، صحافي ومحلّل سياسي مُقيم في لندن. كان رئيساً لتحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية والمستشار العام والمشرف على البرامج والأخبار في محطة “أم بي سي” التلفزيونية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى