جبهةُ إسرائيل التالية؟ إيران، “حزبُ الله” والحَربُ المُقبِلة في لبنان

في أوائل نيسان (أبريل)، أصدرَ الجيش الإسرائيلي بيانًا بعنوان “الاستعداد للانتقال من الدفاع إلى الهجوم”، يُحَدّد استعداداته للصراع مع لبنان. ومنذ ذلك الحين، تكثّفت هجماته المُستَهدِفة في لبنان. ربما لم يعد الأمرُ يتعلّق بما إذا كانت إسرائيل ستُهاجم لبنان، بل متى.

بنيامين نتنياهو: يريد توسيع الصراع إلى لبنان لدعم وضعه الداخلي.

مها يحيى*

خلالَ الأشهرِ الستة الماضية، تصاعَدَت التوتّرات على طول الحدود الإسرائيلية مع لبنان بشكلٍ كبير. نشرت إسرائيل الآن 100 ألف جندي في شمالها لمواجهة جماعة “حزب الله” الشيعية المُسَلّحة، واحتدَمَ القتالُ هناك بشكلٍ مُطرد. لقد قُتِلَ ما يقرب من 400 لبناني، من بينهم حوالي 70 مدنيًا وثلاثة صحافيين، ونزحَ أكثر من 90 ألف مدني لبناني من حوالي 100 بلدة وقرية على طول الحدود الإسرائيلية-اللبنانية، وتعرّضت القرى اللبنانية الجنوبية وبساتين الزيتون لأضرارٍ واسعة النطاق بسبب القنابل الفوسفورية. من ناحيةٍ أخرى، حاول “حزب الله” إظهار دعمه لحركة “حماس”، التي أصبحت الآن تحت حصار إسرائيل في غزة بعد هجومها في السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، من خلال إطلاق الصواريخ والمُسيّرات بشكلِ شبه يومي على البلدات والأهداف العسكرية الإسرائيلية، ما أدّى إلى تشريد ما يقرب من 80 ألف إسرائيلي وقتل ستة مدنيين.

ثم، في الأول من نيسان (إبريل)، قصفت إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق، ما أسفرَ عن مقتلِ ضبّاطٍ كبار في الحرس الثوري الإيراني. بعد أسبوعين، شنّت إيران هجومًا صاروخيًا غير مسبوق على الأراضي الإسرائيلية، وردّت إسرائيل بضربةٍ محدودة على إيران. كانَ الهجومُ الإسرائيلي والرَدُّ الإيراني غير مُتَوَقّعَين. تتمتع الجمهورية الإسلامية، على وجه الخصوص، بتاريخٍ طويلٍ من الردودِ الصامتة على الاستفزازات الإسرائيلية، وذلك ببساطة لأنَّ الحربَ مع إسرائيل أو حليفتها الرئيسية، الولايات المتحدة، ليست في مصلحة طهران.

لكنَّ الهجومَ الإسرائيلي ورَدَّ الفعلِ الإيراني قلبا هذا الوضع الراهن غير المُستَقِر رأسًا على عقب، وكسرا عقودًا من السوابق. ورُغمَ أنَّ تركيزَ العالم تحوَّلَ الآن نحو إيران، فإنَّ التوتّرات المتصاعدة بين إيران وإسرائيل تزيدُ بشكلٍ كبير من احتمالاتِ الصراع ــأو حتى الحرب الشاملةــ بين إسرائيل و”حزب الله”. في الواقع، في 21 نيسان (إبريل)، أعلن بيني غانتس، عضو في حكومة الطوارئ في إسرائيل، أن حدودَ الدولة العبرية مع لبنان تُشكِّلُ الآن “الجبهة التنفيذية” و”التحدّي الأكبر والأكثر إلحاحًا” الذي نواجهه.

كان آموس هوكستين، المبعوث الخاص للرئيس الأميركي جو بايدن، يحاولُ التوسّطَ في اتفاقٍ بين إسرائيل و”حزب الله” لترسيم الحدود المُتنازَع عليها منذ فترة طويلة. منذ الهجوم الإسرائيلي على دمشق ورَدِّ إيران، يبدو أن هذه المفاوضات قد تراجعت إلى أولوية ثانية. ولكن لمنع التصعيدِ الإقليمي، يجب على الولايات المتحدة – وكذلك فرنسا، التي دمجت أخيرًا مبادراتها الديبلوماسية مع المساعي الأميركية- مضاعفة جهودها الديبلوماسية لتجميد صراع إسرائيل مع “حزب الله”. ومع ذلك، يجب أن تُركّزَ هذه الجهود أوّلًا على الضغط من أجلِ إنهاء الصراع في غزة.

ضبطُ نفسٍ مُسبَق

منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر)، سعت طهران إلى جني فوائد استراتيجية من العمليات الإسرائيلية في غزة. حاولت إيران توسيعَ دعمها -ودعم شركائها- بين العرب السنّة الغاضبين من الدمار والخسائر الفادحة في أرواح الفلسطينيين في غزة، ومُمارسةَ نفوذٍ أكبر على النتيجة السياسية للصراع في القطاع. كما سعت إلى تعميقِ تعاونها مع روسيا في سوريا، حيث تكثّفت الهجمات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية.

لكن يبدو أنَّ تصرّفات طهران تمّت مُعايَرَتها بعنايةٍ لمنعِ نشوبِ حَربٍ شاملة. على مدى عقود، قامت إيران ببناءِ نفوذها في جميع أنحاء الشرق الأوسط من خلالِ إنشاء ما يُسمّى ب”محور المقاومة”، وهو مجموعةٌ من القوى الوكيلة والشركاء في عددٍ من دول المنطقة. من الناحية النظرية، أكّدت هذه الاستراتيجية على أنه إذا هاجمت إسرائيل أحدَ أعضاء المحور، فإنَّ الآخرين سيهبّون للدفاع عنه.

لكن تجربة العقد الماضي تشير إلى أنه قبل هجوم “حماس” على إسرائيل في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) والهجمات الإسرائيلية المدمّرة اللاحقة على غزة، كانت إيران تسعى إلى تجنّب التصعيد الخطير. منذ العام 2017، قامت إسرائيل بضرب القوات المدعومة من إيران في سوريا وشنّت هجماتٍ إلكترونية واغتيالاتٍ تهدف إلى تقويض البرنامج النووي الإيراني. وكان رد طهران بضبط النفس بشكلٍ عام.

لا ترغب إيران في رؤية إسرائيل تُدمّرُ أصولها الإقليمية. من وجهة نظر طهران، لا تعمل هذه الجماعات على بسط نفوذها في جميع أنحاء المنطقة فحسب، بل تعمل أيضًا على الدفاع عن مصالحها وردع أي هجمات مباشرة على الأراضي الإيرانية. إنَّ صراعًا خطيرًا مع إسرائيل يُلحِقُ أضرارًا كبيرة ب”حزب الله” من شأنه أن يُدَمِّرَ خطّ الدفاع الأول لإيران في أيِّ صراعٍ مستقبلي مع الدولة العبرية. قبل السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، كان وضعُ إيران الإقليمي هو الأقوى منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية في العام 1979. وكان التقارب مع المملكة العربية السعودية، الذي أُعلِنَ عنه في آذار (آذار) 2023، يعني أنه لأول مرة منذ الثمانينيات، اتفق البلدان على ضرورة منع المزيد من الصراع في المنطقة.

قبل السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، كانت هناك هدنةٌ هشّة بين إسرائيل و”حزب الله”، وهي عبارة عن رَدعٍ مُتبادَل غير رسمي أدّى إلى إبقاء الحدود الإسرائيلية-اللبنانية هادئة نسبيًا. ولم تتخذ إسرائيل أيَّ إجراءٍ علني ضد “حزب الله” على الأراضي اللبنانية. وحتى عندما كثّفت إسرائيل هجماتها بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، كانَ ردُّ فعلِ “حزب الله” الأوَّلي حذرًا: فقد أصبح الوضع الداخلي في لبنان مروِّعًا بالفعل، مع انهيار اقتصاده. وحتى لو انتصر “حزب الله” في الصراع مع إسرائيل، فإن قادة الجماعة يدركون أنهم سينتصرون في دولةٍ تحوّلت إلى أنقاض.

بعد حرب العام 2006 المُدَمِّرة بين “حزب الله” وإسرائيل، سارَعَ الاتحادُ الأوروبي والولايات المتحدة والدول العربية مثل الكويت وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى المساعدة على إعادة بناء البنية التحتية في لبنان. لكن هذه البلدان تُركّزُ بشكل متزايد على قضاياها الداخلية، وتتزايد المطالبات بدعم إعادة الإعمار في مختلف أنحاء الشرق الأوسط بشكل كبير. وإذا حلت الدرجة نفسها من الدمار بلبنان اليوم، فمن المرجح أن يتقدّمَ عددٌ أقل بكثير من الجهات الفاعلة للمساعدة على إعادة إعمار البلاد.

تَغَيُّرُ الأجواء

مع ذلك، فإنَّ ميزانَ المصالح الذي دفع إيران عمومًا إلى ضبط النفس بدأ يتغيّر. لقد كان هناكَ تحوّلٌ نحو المُتشدّدين والمتطرفين في كلٍّ من الحكومتين الإيرانية والإسرائيلية، وكانت الضربة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق بمثابة تجاوُزٍ صارخ. في الوقت نفسه، اهتزت السياسة الداخلية الإيرانية بسبب الاضطرابات، بما في ذلك الصراعات الاقتصادية، والاحتجاجات الجماهيرية المطالبة بحقوق المرأة في العام 2022، والمشاجرات العرقية الأخيرة في بلوشستان. وأصبح لدى القادة في طهران الآن حاجة أكثر إلحاحًا لاستعادة قوة الردع الخارجية ومعالجة التحديات الداخلية التي تواجه سلطتهم وسيادتهم.

في هذه الأثناء، تحاول إسرائيل استعادة قوة الردع الأمنية التي تتمتع بها بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر). وقد تعلمت أيضًا، على مدى الأشهر الستة الماضية، أنها قادرة على تنفيذِ عملياتٍ عسكرية واسعة النطاق وتسوية أجزاءٍ كبيرة من غزّة بالأرض، مما أدّى إلى خسائر مروّعة في الأرواح مع معارضة قليلة من الغرب. وقد وجدت الحكومة الإسرائيلية فرصة للاهتمام بمشاكل أخرى إلى جانب “حماس”. خلال الأشهر الستة الماضية أيضًا، تعهّد قادة إسرائيل مرارًا وتكرارًا بإزالة الخطر الذي يشكّله “حزب الله”. وقد ناقش مجلس الوزراء الحربي الإسرائيلي مختلف الخيارات العسكرية وسُبُل فرض التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، وهو الأمر الصادر في العام 2006 والذي طالبَ “حزب الله” بسحب قواته المسلحة إلى ما وراء نهر الليطاني.

وربما يسعى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، المُحاصَر سياسيًا، إلى توسيع الصراع إلى لبنان لدعم وضعه الداخلي. ومن الممكن أن تؤدّي حربٌ أوسع نطاقًا ضد لبنان إلى إعادة تركيز الانتباه بعيدًا من الخرق الأمني الهائل الذي أدى إلى السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، والكارثة الإنسانية التي تتكشّف في غزة. ولم تتمكّن إسرائيل بعد من تحقيقِ القضاء الحاسم على “حماس”، وهو الهدف المُعلَن لعمليتها، أو حتى استعادة الرهائن الإسرائيليين الذين ما زالوا في غزة.

حتى الآن، ساعد الضغط الديبلوماسي الأميركي على إسرائيل على منع حرب غزة من التوسّع إلى صراعٍ شاملٍ مع لبنان. لكن إسرائيل تشعر بالجرأة. في أوائل نيسان (أبريل)، أصدر الجيش الإسرائيلي بيانًا بعنوان “الاستعداد للانتقال من الدفاع إلى الهجوم”، يُحَدّد استعداداته للصراع مع لبنان. ومنذ ذلك الحين، تكثفت هجماته المُستَهدِفة في لبنان. ربما لم يعد الأمر يتعلق بما إذا كانت إسرائيل ستُهاجم لبنان، بل متى.

توقّعات العاصفة

إنَّ أيَّ هجومٍ إسرائيلي شامل على لبنان يُمكِنُ أن يشملَ إما غزوًا برّيًا محدودًا أو كاملًا، فضلًا عن عملياتِ قصفٍ جويٍّ موسَّعة تستهدف المناطق المدنية. والواقع أن إسرائيل تعمل بشكلٍ مطرد على تخصيص الموارد العسكرية لشمال البلاد. أشار العديد من التقييمات التي أجرتها المخابرات الأميركية والإسرائيلية خلال الأشهر الستة الماضية إلى أنه إذا اندلعت الحرب بين “حزب الله” وإسرائيل، فإن إسرائيل ستتكبّد خسائر كبيرة في بُنيتها التحتية العسكرية والمدنية.

من المرجح أن يَجذُبَ الهجومُ مجموعاتٍ وشركاءً آخرين تابعين لإيران بطريقةٍ أكثر تنسيقًا من الهجوم الإسرائيلي على “حماس”. يتمتّعُ الأمين العام ل”حزب الله”، السيد حسن نصر الله، بعلاقاتٍ شخصية قوية وفريدة من نوعها مع الجماعات الأخرى المُرتَبطة بإيران. على مدى العقد الفائت، قام “حزب الله” بتدريب قوات الحشد الشعبي في العراق، والحوثيين في اليمن، و”حماس”، وتعاون معها وقدم خبراته إليها. وفي سوريا، دعم “حزب الله” بنشاط نظام الرئيس بشار الأسد، ويحافظ على وجود عسكري ومؤسّسي راسخ هناك، خصوصًا بالقرب من الحدود السورية مع إسرائيل. كما أنشأت إيران مجموعات عدة أصغر بالوكالة في سوريا، تتألف في المقام الأول من الشيعة الأفغان والباكستانيين، والتي يمكنها توجيهها للانضمام إلى الصراع بين إسرائيل و”حزب الله”.

من شبه المؤكد أنَّ التصعيدَ الإقليمي الأشمل سيؤدّي إلى مزيدٍ من الهجمات من قبل حلفاء إيران ضد القوات الأميركية المتمركزة في العراق والأردن وسوريا. ومن المرجح أن تؤدي مثل هذه الهجمات بدورها إلى ردود فعل أكثر فتكًا من جانب الولايات المتحدة. وحتى لو كانت الجماعات الأصغر التابعة لإيران تفتقر إلى القدرة على تشكيل تهديدٍ عسكري خطير لإسرائيل، فإنَّ رمزيةَ الصواريخ التي تسقط على إسرائيل من مجموعات متنوعة من البلدان في المنطقة يمكن أن تُحَفّزَ الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى على التورّط بشكلٍ أكبر عسكريًا، ليس فقط من خلال الدفاع عن المجال الجوي الإسرائيلي ولكن من خلال مهاجمة أعداء إسرائيل بشكل مباشر.

من غير المرجح أن تتورَّطَ الصين وروسيا بشكلٍ مباشر في صراعٍ متصاعد في الشرق الأوسط، ولكن من غير المرجح أيضًا أن تفعلا الكثير لمنع ذلك. كانت بكين مهتمة بهجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، الأمر الذي يعرض تجارة الصين مع أوروبا للخطر، لكنها لم ترسل سفن حربية إلى المنطقة – ولم تستخدم نفوذها لدى إيران، باعتبارها أكبر شريك تجاري لها، لإقناع طهران لكبح جماح الحوثيين. وربما يستخدم البلدان مواقفهما في مجلس الأمن الدولي لتقييد الولايات المتحدة، ومنع القرارات التي من شأنها أن تؤثر سلبًا على إيران.

لقد أصبحت شعوب الشرق الأوسط الآن على مُفترَق طرق، بعد أن شعرت بالخوف والفزع إزاء احتمالات اتساع نطاق الحرب بين إسرائيل و”حماس”، ولكنها فقدت الثقة في التوصل إلى سلامٍ من طريق التفاوض. كان الدمار الذي لحق بغزة سببًا في تعميق الكراهية تجاه إسرائيل، والهجوم على لبنان لن يؤدّي إلّا إلى تعزيز الدعم الشعبي لإيران وشركائها من الجماعات المسلحة. على الرُغمِ من الجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومة السعودية لتُؤَقلِم سكانها مع اتفاق التطبيع مع إسرائيل، على سبيل المثال، وافق 96 في المئة من السعوديين المشاركين في استطلاعٍ أجراه معهد واشنطن في كانون الأول (ديسمبر) 2023 على أنه يجب على الدول العربية قطع جميع علاقاتها مع إسرائيل. وتشيرُ استطلاعات الرأي في مختلف أنحاء الشرق الأوسط إلى تزايد الدعم للمقاومة المسلحة كوسيلةٍ لحلِّ الصراع السياسي.

العلاج بالتحدث والتفاوض

إنَّ الطريقةَ الوحيدة التي يُمكِنُ للجهات الفاعلة المهتمة، وخصوصًا الولايات المتحدة، من خلالها تجنُّب دوّامة الصراع المُتصاعد، هي اعتمادُ تَركيزٍ أكثر تعمّدًا على وقف التصعيد. في منتصف نيسان (إبريل)، التقى مدير وكالة الاستخبارات المركزية ويليام بيرنز مع إبراهيم كالين، رئيس وكالة الاستخبارات التركية، لطلب المساعدة في التوسط بين إسرائيل وإيران. وفي نيسان (أبريل)، عملت سلطنة عُمان وسويسرا كقنوات خلفية فعّالة للاتصالات بين إيران والولايات المتحدة. وتعمل قطر على التوصّل إلى اتفاقٍ لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين وتحقيقِ وقفٍ لإطلاق النار في غزة، ويمكن أن تلعب الإمارات العربية المتحدة أيضًا دورًا مهمًا في تهدئة التوترات.

لكن لا ينبغي للمفاوضات بين إسرائيل و”حزب الله” أن تنتقلَ إلى المقعد الخلفي. كانت الأفكار المُقدَّمة في هذه المحادثات المتعددة الأطراف تهدفُ إلى إنهاء الصراع المباشر بين الطرفين؛ وحل جميع النزاعات العالقة حول النقاط الحدودية المتنازَع عليها؛ تحقيق انسحاب واضح للقوات المسلحة ل”حزب الله”، فضلًا عن الفصائل الفلسطينية واللبنانية المسلّحة الأخرى، على بُعدِ حوالي خمسة أميال من الحدود الإسرائيلية-اللبنانية؛ والنص على نشر حوالي 10,000 إلى 15,000 جندي لبناني في المنطقة الحدودية. وخلال العام الماضي، تمكّنت جولات المفاوضات من حلِّ ستة من أصل 13 نزاعًا حدوديًا. ولتحسين الاتفاق بالنسبة إلى “حزب الله”، اقترح آموس هوكستين، المبعوث الأميركي الخاص في المفاوضات، أن تساعد الدول الغربية على إعادة بناء البلدات والقرى اللبنانية التي دمّرتها إسرائيل خلال الأشهر الستة الماضية. ومع ذلك، أكد “حزب الله” أنه لن يواصل المفاوضات من دون وقف إطلاق النار في غزة.

لقد أدّت التصعيدات التي وقعت في نيسان (أبريل) بين إيران وإسرائيل إلى جعل المفاوضات بشأن التوصل إلى اتفاقٍ بين إسرائيل و”حزب الله” أكثر صعوبة. ومع ذلك، تظلُّ إيران متردّدة في الدخول في صراعٍ أكبر من شأنه أن يُلحِقَ الضرر بمكانتها الإقليمية – أو هدفها المتمثل في الحد من نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. في نهاية المطاف، فإنَّ التطوّرَ الذي من المرجح أن يمنع التصعيد بشكلٍ موثوق هو أن تستمرَّ المفاوضات حول التوصل إلى اتفاقٍ لبناني جنبًا إلى جنب مع وقف إطلاق النار في غزة. ومن عجيب المفارقات هنا أنَّ مثل هذا الوقف لإطلاق النار قد يؤدي أيضًا إلى التصعيد بين إسرائيل و”حزب الله” إذا رأت إسرائيل أن إنهاء الأعمال العدائية في غزة يُشكّلُ فرصةً لإعادة تركيز اهتمامها شمالًا. ومن أجل احتواء انتشار الصراع فمن الأهمية بمكان أن تُحَوِّلَ الولايات المتحدة وفرنسا وغيرهما من القوى الغربية انتباهها نحو المفاوضات بين إسرائيل و”حزب الله” فور بدء أيِّ وقفٍ لإطلاق النار في غزة.

لكنَّ الاستثمارات العالمية في الحفاظ على السلام في الشرق الأوسط لا ينبغي لها أن تنتهي عند هذا الحد. نظرًا لانهياره الاقتصادي منذ العام 2019، سيحتاج لبنان إلى دعمٍ دولي كبير لدعم مؤسساته السياسية وتوسيع جيشه. في نهاية المطاف، هناك علاقة مباشرة بين إضعاف مؤسسات الدولة، بما في ذلك الجيش وقوى الأمن، وتعزيز القوى العنيفة غير الحكومية.

تأمل إسرائيل أن تُغيّرَ نظرتها الأمنية من خلال تدمير “حماس” و”حزب الله”. ولكن بصراحة، القوة العسكرية الغاشمة لا تستطيع القضاء على أيٍّ من المجموعتين. على الرغم من أن قدراتهما العسكرية قد تتدهور، إلّا أنهما سوف يعودان إلى الظهور مع مرور الوقت، بعد أن تعلّما من التجربة. ومع تزايد خطر نشوب حرب إقليمية موسَّعة، تتزايد أيضًا الحاجة الملحة إلى إنهاء الحرب في غزة، والتفاوض بشأن النزاعات حول الحدود الإسرائيلية-اللبنانية، وإقامة عملية سياسية جادة بين الإسرائيليين والفلسطينيين تعترف بحقِّ الفلسطينيين في تقرير المصير الكامل. وما لم تظل المفاوضات على رأس الأولويات، فإنَّ الطموحات العنيفة التي يتبنّاها المتشدّدون والمتطرفون في كلٍّ من إيران وإسرائيل سوف تكون لها الغلبة. وسوف تستمر المجموعات الإيرانية من الجهات الفاعلة غير الحكومية في العثور على دَعمٍ لها بين السكان الغاضبين والمحرومين بشكل متزايد، ليس فقط في الأراضي الفلسطينية ولكن في جميع أنحاء المنطقة.

  • مها يحيى هي باحثة لبنانية ومديرة مركز مالكولم كير كارنيغي للشرق الأوسط. يُمكن متابعتها عبر منصة تويتر (X) على: @mahamyahya
  • يَصدُرُ هذا المقال بالعربية في “أسواق العرب” توازيًا مع صدوره بالإنكليزية في “فورين أفّيرز” الأميركية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى