كيف تَبَنّى ترامب نهج أوباما في الشرق الأوسط

منذ أن وصل دونالد ترامب إلى البيت الأبيض سعى إلى إلغاء كل ما فعله وحققه سلفه باراك أوباما. وعلى الرغم من أنه يُهدد ويتوعد كثيراً إيران وحلفاءها فهو يبدو أنه تبنّى النهج نفسه الذي إتبعه أوباما في الشرق الأوسط.

غارات إسرائيلية على قوات إيرانية في سوريا: لن تفيد في إحتواء إيران

لندن – هاني مكارم

تُعاني الإدارة الأميركية الحالية من تناقض في سياساتها في الشرق الأوسط. فهي من ناحية تسعى إلى إحتواء نفوذ إيران، في حين يصرّ دونالد ترامب من جهة أخرى على سحب القوات الأميركية من سوريا، حيث تتمتع إيران حالياً بقوة كبيرة وتمارسها إلى أقصى حد.
ينبغي أن يكون المؤيدون لترامب في الولايات المتحدة في هذه الحالة قلقين، لكن يبدو أنهم ليسوا كذلك. العديد منهم من أنصار إسرائيل، الذين يشعرون بأنهم أكثر عرضة للتهديد من طموحات إيران. لذا كان الإعتقاد السائد بأن هؤلاء سيضغطون ويدفعون الرئيس الأميركي إلى تبني دور إقليمي أكثر تدخّلاً. لكنهم لم يفعلوا ذلك لأنهم يعتقدون في الواقع أن القوة العسكرية لإسرائيل، وليس أميركا، هي الآلية الرئيسية لاحتواء إيران.
ويبدو أن ترامب لا يختلف معهم في هذا المجال ويوافقهم الرأي. في أيار (مايو) الفائت، بعث برسائل إلى قادة العديد من الدول العربية يحثهم فيها على تحمل المزيد من العبء في إحتواء إيران. لقد كرّر هذا الموضوع مرات عدة. وفي حين أن ترامب قد يكون مُروِّجاً أو مُسوّقاً مُخلصاً لإسرائيل، فإن كل شيء عن موقفه يشير إلى أنه لن تكون لديه أي مشكلة إذا أخذ الإسرائيليون هذا العبء. لقد قامت تل أبيب بهذا إلى حد ما، من خلال قصفها المتكرر للمواقع الإيرانية أو حلفاء طهران في سوريا.
ومع ذلك، هل أن رغبة ترامب لإعطاء إدارة علاقات القوة في الشرق الأوسط لإسرائيل لها معنى ومنطقية؟ حتى لو تعاون الإسرائيليون ضمنياً مع دول أخرى في المنطقة، فإن الأداة الأساسية لإحباط إيران هي إستخدام القوة. ومع ذلك، فإن الإحتواء ينطوي على أكثر من عمل عسكري، ولا يملك الإسرائيليون أي نفوذ إقليمي خارج حدودهم.
وبعبارة أخرى، فإن الطريق الذي يعتمد على إسرائيل هو وصفة لزيادة عدم الإستقرار والتجزئة الإقليميين. إذا كانت إسرائيل في الطليعة والمقدمة لإحتواء إيران، فإن إحتمالات الحرب ستزداد بشكل كبير. في هذا السياق، يُمكن أن تصبح المنطقة أكثر إستقطاباً، مما يخلق فرصاً تُفيد طهران، حيث أن المجتمعات العربية مثل سوريا ولبنان والعراق والأراضي الفلسطينية، وربما حتى الأردن، ستصبح مكاناً للتنافس بين الجمهورية الإسلامية والدولة العبرية.
المفارقة في كل هذا هو أن ترامب يتبنّى مقاربة للمنطقة تقارب نهج سلفه، باراك أوباما. إن مناصري الرئيس الحالي يكرهون أوباما، لكنهم يبدون أيضاً غير مُبالين بشكل غريب تجاه حقيقة أن ترامب حريص، كما كان أوباما، على جعل دول الشرق الأوسط تدير شؤونها الخاصة بنفسها من دون تدخل دائم من الولايات المتحدة.
في حديثه الطويل مع جيفري غولدبرغ في مجلة “أطلنتيك” في نيسان (إبريل) 2016، ألمح أوباما إلى مثل هذا الطموح، عندما حثّ السعوديين على “مشاركة” إيران في الشرق الأوسط. قد يتناقض هذا بشكل حاد مع ما قاله ترامب، لكن هناك تشابهاً كامناً. لقد إعتبر أوباما هذه الخطوة بمثابة وسيلة لتحقيق توازن في القوة يسمح للولايات المتحدة بفك الارتباط عن المنطقة. قد يكون ترامب سائراً ضد إيران، لكنه يود أيضاً رؤية إسرائيل تمنع نفوذ إيران حتى يتسنى لواشنطن إيجاد المخرج المناسب.
سيجادل حلفاء ترامب ويقولون أن الفرق أساسي. في حين سعى أوباما إلى تحقيق توازن في المنطقة وتمكين إيران من خلال إبرام صفقة نووية، يسعى ترامب إلى إنتصار إسرائيل والعرب المعادين لإيران. ربما، ولكن ما مدى إحتمال حصول مثل هذا السيناريو؟ بعض دول الخليج فض الإشتباك وانسحب من لبنان وسوريا، ولديه رأيان أو “عقليتان” بالنسبة إلى فلسطين والأردن، ويواجه وضعاً معقداً في العراق. هذه البلدان هي في موقف أفضل بقليل من موقف إسرائيل عندما يتعلّق الأمر بالحدّ من نفوذ إيران في العديد من الدول العربية.
لذا، في غياب إنتصار إسرائيلي – عربي على إيران، لا يختلف ترامب كثيراً عن أوباما. كلاهما يريد خروج أميركا من الشرق الأوسط. ينظر كلا الرجلين إلى الحل باعتماد أكبر على الأطراف الإقليمية؛ ويعتقد كلا الرجلين أن الولايات المتحدة أنفقت مبالغ طائلة من المال على مر السنين للحفاظ على هيمنتها في المنطقة، مع القليل من العائدات الملموسة.
لكن حلّ ترامب ليس أفضل مما كان عليه حل أوباما. لقد زاد الرئيس السابق من حالة عدم الاستقرار من خلال رفضه لعب دور المهدّئ والمُعيد للإستقرار الإقليمي بعد العام 2009، في حين أثار إنفتاحه على إيران حلفاء أميركا. ترامب لم يفعل ذلك، على الرغم من أن وضع الإشراف الإقليمي على كاهل إسرائيل من المرجح أن يُثير رد فعل عربياً قوياً إذا ما إفترضت تل أبيب أنها تملك الآن “شيكاً” على بياض لشن حروب في كل مكان لمواجهة إيران وإحتواء نفوذها.
يبدو أن هناك في كثير من الأحيان موقفاً في الولايات المتحدة يتمثل في أن إسرائيل يمكن أن تكون بمثابة قوة خارقة في الشرق الأوسط، وهي دولة يمكن لأفعالها أن تخترق مشكلات المنطقة غير القابلة للحل. وبينما تمتلك إسرائيل قوة عسكرية، يمكن لإيران أن تلعب دوراً في الصراعات داخل المجتمعات العربية لتعزيز نفسها. والأسوأ من ذلك أن ذلك لا يمكن أن يزدهر إلا في البيئات التي ستدمرها إسرائيل لإيذاء إيران. الواقع أنه يمكن للدولة العبرية أن تدمّر دول المنطقة الضعيفة، لكن إيران هي في وضع أفضل لتحقيق الاستفادة القصوى من ذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى