هل ما زالت جماعة “الإخوان المسلمين” في الأردن المعارضة الموالية؟

كانت لجماعة “الإخوان المسلمين” في الأردن، الحركة الإسلامية الرئيسية في البلاد، علاقة تكافلية طويلة الأمد مع النظام الملكي، وحتى وقت قريب، لم تكن تُعتبَر تهديداً لبقاء المملكة الهاشمية. لكن صعود وهبوط جماعة “الإخوان المسلمين” في مصر ونمو الجماعات الإسلامية المسلحة مثل تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) أثارت إنزعاجاً وحذراً لدى النظام الملكي وأدّى إلى تحوّل جذري في طبيعة علاقاته مع “الإخوان” من التعايش إلى الإضطهاد. هل سيكون النظام الأردني قادراً على إحتواء الإسلاميين، ومن ثم، هل سيختار الإخوان تحدّي العرش بدلاً من الإستسلام لقمعه المستمر؟

حزب “جبهة العمل الإسلامي” في الأردن: الوجه السياسي لإخوان المملكة الهاشمية

عمان – ليلى الشامي

إنطلقت الحركة الإسلامية الأولى في الشرق الأوسط في العام 1928 في مصر. من هناك، إنتشرت إلى أجزاء أخرى من المنطقة بما فيها الأردن (1946) حيث تم دمجها في النسيج الإجتماعي والسياسي في المملكة مع تعيين بعض أعضائها حتى في الحكومة. وقد بادلت المجموعة هذه الإيجابية بالإمتناع عن تحدي النظام كما فعل الفرع التأسيسي في مصر. وتحسّنت العلاقات الثنائية بشكل كبير خلال عهد الملك حسين الطويل (1952-1992) عندما كانت جماعة الإخوان غالباً ما تعمل كحصن ضد القوات المعادية للهاشمية. وكان ذلك واضحاً بشكل خاص خلال ذروة العروبة عندما سعى الرئيس المصري جمال عبد الناصر – الذي عارض سياسياً جماعة الإخوان المصرية – إلى قلب النظام الملكي الهاشمي.
كما قدّمت جماعة “الإخوان المسلمين” الدعم للنظام الملكي خلال أحداث أيلول (سبتمبر) الأسود في سبعينات القرن الفائت عندما كان وجود النظام مهدداً من قبل الميليشيات الفلسطينية المقاتلة على أراضيه. وعلى الرغم من حظر الأحزاب السياسية بين عامي 1957 و1992، فقد تمكّنت جماعة الإخوان من العمل وجذب مُجنَّدين جدد إذ أنها كانت مُسجَّلة بموجب قانون الأندية والجمعيات الخيرية. ومع إضفاء الشرعية على الأحزاب السياسية في العام 1992، أنشأت المنظمة جناحها السياسي، حزب “جبهة العمل الإسلامي”.
هذه العلاقة الوثيقة بين الإخوان والنظام الملكي منعت الأحزاب العلمانية واليسارية من تحدّي سياسات المملكة. وقد ساعد عدم وجود أي حزب جماهيري مُنظَّم سابق وضعف المنصّات الإيديولوجية العلمانية على أن يكون حزب “جبهة العمل الإسلامي” الفاعل الإيديولوجي والسياسي الرئيسي في السياسة الأردنية. وقد تعزز هذا الموقف من خلال الروابط الإستراتيجية للإخوان مع النظام الملكي، مما ساهم في نشر سمعتهم كمجموعة معتدلة وغير عنيفة، متميّزة عن نظرائها الإسلاميين في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وعلى حد قول الباحث الألماني غودرون كرامر، فإن الأردن يقدم واحدة من الحالات القليلة لحكومة عربية وحركة إسلامية تسعيان إلى إستراتيجية سياسية طويلة المدى تقوم على عدم المواجهة. تقليدياً، لم يقم “الإخوان المسلمون” بدور المعارضة، بل الحليف الظاهري، وفي بعض الأحيان، عملاء للملك.
وقد سادت هذه العلاقة التكافلية حتى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بغض النظر عن الإحتكاكات العرضية الناجمة من التقلبات المحلية والإقليمية. على سبيل المثال، أثارت معاهدة السلام الأردنية – الإسرائيلية في العام 1994 نقاشاً حاداً بين “الصقور” الذين إختاروا مواجهة النظام حول القضية و”الحمائم” الذين حثّوا على التوافق، لكنها فشلت في كسر العلاقة الكلية للإخوان مع النظام الملكي. وبالمثل، ظلت المنظمة مُتَحّفظة إزاء تدابير ما بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 التي إتخذها الملك عبد الله الثاني – الذي كان خلف والده قبل عامين – ضد الحركة السلفية المسلحة في المملكة التي تطالب بإطاحة النظام الملكي “الكافر”. وخلافاً للسلفيين، لم يكن لدى الإخوان الأردنيين وذراعهم السياسية، أي حزب “جبهة العمل الإسلامي”، جناحاً مُسلَّحاً علنياً على الرغم من إرتباطهم العضوي مع “حماس”، فرع “الإخوان المسلمين” الفلسطيني.
مع هذا التقييد غير المسبوق، بدأت العلاقات تتفاقم بعد تفجيرات فندق في تشرين الثاني (نوفمبر) 2005 في العاصمة الأردنية عمان، مما أسفر عن مقتل ستين شخصاً وجرح 115 آخرين. وقد أدى التفجير الذي نظمه أبو مصعب الزرقاوي، وهو مواطن أردني من معقل الزعامة السلفية في الزرقاء وزعيم تنظيم “القاعدة في العراق”، الذي إنبثق منه تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، إلى عاصفة مناهضة للسلفية في شوارع عمان لكنها لم تستطع إخفاء حقيقة أن أعداداً متزايدة من الأردنيين كان لديهم بعض التعاطف مع الجهاديين. وعلى الرغم من أن جماعة الإخوان لم تكن لها علاقة بالهجوم، إلا أن الهاشميين الذين كانوا دائما يشعرون بالتوتر بشأن إستقرار عرشهم، إزدادت شكوكهم في أي شيء يتعلق بالإسلاميين.
وإزدادت هذه المخاوف مع إنتخاب زكي بني إرشيد في العام 2006 أميناً عاماً رابعاً لجماعة ا”لإخوان المسلمين” وهمّام سعيد، زعيماً جديداً لحزب “جبهة العمل الإسلامي”، حيث أشار ذلك إلى الملك عبد الله الثاني عن تحوّل غير مُرحّب به. ونظر الملك عبر الأردن فشاهد “حماس” تفوز في الإنتخابات البرلمانية الفلسطينية وتسيطر سيطرة كاملة على قطاع غزة، فلم يعجبه ما رأى. وكان هذا الأمر مثيراً للقلق بشكل خاص حيث كان هناك تخوف متزايد من أن “الإخوان المسلمين” الآن “ينظرون إلى الأردن كطريق لتوسيع نفوذهم الإقليمي”.
في الجولة التالية من الإنتخابات الأردنية في العام 2007، تضاءل تأثير جماعة الإخوان أكثر مع حصول حزب “جبهة العمل الإسلامي” على ستة مقاعد فقط من أصل 110 مقاعد في مجلس النواب. وترتبط النتيجة السيئة أيضاً بتعميق الإنقسامات داخل الإخوان بين الصقور والحمائم، مما قاد بعد ثلاث سنوات إلى قرار حزب “جبهة العمل الإسلامي” بمقاطعة الإنتخابات البرلمانية وإعتماد المزيد من المواجهة مع النظام، وبالتالي زيادة إتساع الفجوة بين الإخوان والنظام الملكي.

الهوية الأردنية والإخوان

عند النظر في الهوية الأردنية من المهم أن نأخذ في الإعتبار دور الإسلام والدين في مشروع الدولة / بناء الأمة الذي هو المملكة الأردنية الهاشمية. وما يميز قضيتها بعيداً من معظم دول الشرق الأوسط الحديثة هو أن الإسلام كان بالمعنى الحقيقي المصدر الرئيسي لشرعية النظام في الأردن:
إن مطالبة الملك بالشرعية الدينية [كانت تقليدياً] تقوم على أصله الذي يعود إلى النبي محمد، الأمر الذي يميّز حكمه عن نظيره التونسي والمصري … ويقدم الأردن ترتيباً أكثر تعقيداً، حيث أن النشاط الإسلامي والولاءات الطائفية – بالنسبة إلى الفلسطينيين على وجه الخصوص- متصلان أو مترابطان إلى حد ما.
كما مكّن أصل النظام الملكي من إستخدام الإسلام كجزء لا يتجزأ من سياسته الخارجية، ولا سيما مطالبته بإدارة موقع الحرم الشريف (ومن ثم توسيعاً، بحكم القدس الشرقية والضفة الغربية). وبالتالي، فإن الإخوان لم يشكّلوا فقط تهديداً وجودياً للعرش الهاشمي، بل أن النظام إستخدم المنظمة فعلياً كعكاز في اللحظات الحرجة.
لكن المجتمع الأردني يتكوَّن أيضاً من طرفين إثنين رئيسيين هما: قبائل البدو الشرقية (شرق الأردن) والأردنيون الفلسطينيون، الذين ضُمّوا إلى المملكة في أعقاب حرب العام 1948، والذين صاروا يشكّلون غالبية سكان المملكة وركيزتها الإقتصادية الأساسية.
وعلى الرغم من أهميتهم بالنسبة إلى تأمين السلامة الديموغرافية والإقتصادية للمملكة الهاشمية الوليدة، فقد تم تهميش الفلسطينيين الأردنيين بشكل منهجي وممارسة التمييز ضدهم، وشكّل مواطنوها البدو الدعامة الأساسية للنظام وسيطروا على المؤسسات السياسية والأجهزة الأمنية في المملكة. وإشتدت التوترات بين الطرفين بعد حرب العام 1967، عندما غمرت البلاد موجات جديدة من اللاجئين الفلسطينيين من الضفة الغربية، حيث تصاعدت إلى آفاق جديدة في أعقاب أحداث أيلول (سبتمبر) الأسود في العام 1970 عندما أصبح يُنظَر إلى الأردنيين من أصل فلسطيني على نحو متزايد إلى أنهم تهديدٌ مُحتمَل لبقاء النظام الملكي. وقد تفاقمت العلاقات مع توقيع معاهدة السلام الأردنية – الإسرائيلية في العام 1994، وهو ضعفٌ يمثل ببساطة مشاعر فلسطينية أكثر منه مشاعر شرق أردنية.
ومع ذلك، فإن إلقاء نظرة فاحصة على تكوين الإخوان المسلمين الأردنيين يدل على أن كلاً من الإخوان وجبهة العمل الإسلامي يعتمد بشكل متزايد على أصوات الفلسطينيين – الأردنيين. وهكذا، على سبيل المثال، في إنتخابات العام 1989، إنتُخِب 16 نائباً من 22 نائباً من الإخوان في أحياء ذات غالبية شرق أردنية، وفي إنتخابات العام 2003، لم يأتِ سوى خمسة من نواب الإخوان ال17 من هذه المناطق. في الواقع، إن التوتر السائد بين الإخوان القدامى والجدد هو إلى حد كبير إنشقاق داخلي حول “أولويات وهويات الحركة”، وبالتحديد الإحتياجات الفلسطينية المُتصوَّرة مقابل إحتياجات الشرق أردنيين المتحالفين مع الهاشميين.
وقد أدّى الغضب الشعبي الذي حدث أخيراً بسبب غياب الإصلاح السياسي الكافي إلى تفاقم حالة عدم الإستقرار الداخلي في الأردن خلال السنوات القليلة الماضية. لكن تطوراً جديداً برز مع ظهور معارضة من حركة “الحراك” القبلية التي تتخذ من شرق الأردن مقراً لها، والتي أدت إلى إحتجاجات الشوارع في البلاد. وقد يمثل ذلك التحدي الأكثر إلحاحاً للمملكة، بإعتبار أن تنسيقه تمّ من خلال سكان شرقي الأردن الذين يُعتَبَر ولاؤهم صلباً ومتجذّراً. وعلى النقيض من ذلك، فإن الفلسطينيين وحتى الإسلاميين الراديكاليين يمثّلون تهديداً مُحتَمَلاً أكثر منه تهديداً حالياً ملحّاً. من ناحية، كان نشاط سكان شرق الأردن هو الذي أدى إلى معارضة قوية خلال ذروة الإنتفاضات العربية، كما كان في السابق خلال أعمال الشغب في عامي 1989 و2002 في الأردن؛ ومن ناحية أخرى، فإن الجماعات الإسلامية الراديكالية / الجهادية هي التي تشكّل تهديداً حقيقياً لبقاء النظام الملكي. في هذا الصدد، فإن إغواء أو إضعاف جماعة “الإخوان المسلمين” – مع تاريخها الطويل من “المعارضة الموالية” في المملكة – وغيرها من الجماعات الإسلامية المعتدلة قد تكون له آثار ضارة في النظام الملكي نظراً إلى الإرتفاع في النشاط الإسلامي الراديكالي في جميع أنحاء حدود الأردن.

الإضطرابات العربية

وجدت الإضطرابات التي إجتاحت الشرق الأوسط منذ أواخر العام 2010 صدى في الأردن على الرغم من أن الإحتجاجات العامة لم يُسمح لها أبداً بإعاقة أو عرقلة أداء البلاد. في كانون الثاني (يناير) 2011، إتَّبَع آلاف الأردنيين مثال المتظاهرين في تونس ومصر ونظموا مظاهرات ضخمة في عمان، إحتجاجاً على إرتفاع أسعار السلع الأساسية، وإرتفاع البطالة، والفساد الحكومي المتصوَّر، وإنعدام الديموقراطية بوجه عام. مع توجيه الحشود الكثير من غضبهم ضد رئيس الوزراء سمير الرفاعي بدلاً من الملك عبد الله، تمكّن التاج من إرضاء المتظاهرين إلى حد ما، أولاً من طريق دعم السلع الأساسية ومن ثم إقالة الرفاعي.
وعلى الرغم من مشاركتهم المتأخرة في التجمعات العامة، فقد كانت مطالب الإخوان بالتغيير السياسي معتدلة نسبياً. لقد أصروا على تغييرات هيكلية في الدستور، بما في ذلك تقييد السلطة الملكية، وإزالة قدرة الملك على حل البرلمان، ومنعه من تعيين رئيس الوزراء من دون موافقة برلمانية.
مع ذلك، فقد إمتنعوا عن تجاوز أعمال الإحتجاج السابقة مثل مقاطعة الإنتخابات البرلمانية في الأعوام 1997 و2010 و2013 لإختبار حدود تسامح النظام. كما أنهم لم يقتربوا من المطالبة بالتغيير الكامل للنظام كما هو الحال في المناطق الساخنة الإقليمية الأخرى في ذلك الوقت.
لكن الانقسامات المتنامية داخل جماعة الإخوان، فضلاً عن تغيّر وتبدّل تصوّر النظام للحركة، عزّزت موقف الشك المتبادل الذي حلّ تدريجاً محل العلاقات القائمة منذ فترة طويلة على عدم المواجهة بين الجماعة والنظام الملكي.
وجاءت التوترات عندما قررت جماعة الإخوان وحزب “جبهة العمل الإسلامي” مقاطعة الإنتخابات البرلمانية في كانون الثاني (يناير) 2013، وهي الأولى بعد إندلاع الإنتفاضات العربية. وقد أدّى إنسحاب المجموعة اللاحق من لجنة الحوار الوطني، التي أنشئت للإصلاح السياسي بعد المظاهرات العامة، إلى زيادة الضغوط.
ثم جاء صعود وسقوط حكومة “الإخوان المسلمين” في مصر تحت حكم الرئيس محمد مرسي ووسم الحركة لاحقاً كمنظمة إرهابية من قبل المملكة العربية السعودية في كانون الأول (ديسمبر) 2013 والإمارات العربية المتحدة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2014. وعندما هاجم الأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن زكي بني إرشيد قرار الإمارات على موقعه على فايسبوك، إعتبر ذلك تهديداً ل”تعريض 225 ألف أردني مقيمين في الإمارات للخطر” الأمر الذي عرّضه للمحاكمة والسجن في شباط (فبراير) 2015 بموجب قانون مكافحة الإرهاب و”القيام بأعمال من شأنها أن تعرض المملكة لتعكير صلاتها وصفو علاقتها بدولة أجنبية”.
وبعد ذلك بعام، في شباط (فبراير) 2016، أعلنت الحكومة الأردنية أن جماعة الإخوان باتت منظمة غير شرعية، وأصدرت ترخيصاً لجماعة الإخوان الجديدة بقيادة عبد المجيد ذنيبات، أحد كبار أعضاء الحركة من أصل أردني (أي غير فلسطيني). وفي الشهر التالي، تم نهب مكتب حزب “جبهة العمل الإسلامي” في العقبة، وفي نيسان (إبريل)، أُغلقت مكاتب الأخوان في عمّان وجرش، تلتها مكاتب مادبا والكرك والمفرق. وإرتبطت عمليات الإغلاق بتنفيذ قرار قضائي “بنقل ممتلكات” الإخوان المسلمين “غير المرخص” لهم إلى المجموعة المنقسمة عنهم والمنافسة.
أدّى تشكيل جماعة الإخوان “الجديدة”، التي حاولت إعادة تسجيل وضعها كجماعة حقيقية للإخوان والإنفصال عن تنظيمها الأم المصري، إلى إستجواب وضع الحركة في المملكة مع إصرار جماعة الإخوان القديمة على حقها في الإستمرار في حين أن رئيس الوزراء عبد الله النسور لم يوافق على هذا الحق بحجة أن “جماعة الإخوان في الأردن غير شرعية، ولا تملك ترخيصاً قانونياً محلياً وفقدت حق الشرعية”. ومن الواضح أن طبيعة العلاقة الطويلة الأمد بين العرش والإخوان المسلمين قد تحوّلت.

الحرب الأهلية السورية والأردن

مع بداية الإنتفاضات العربية، وجدت المملكة نفسها في وضع حساس حيث كان عليها التصدّي ليس فقط للمعارضة الداخلية المتزايدة بل أيضاً لمحاربة صعود النزعة الإسلامية وتصعيد الحركات الجهادية الراديكالية مثل “داعش” و”جبهة النصرة” على الجانب الآخر من حدودها مع سوريا والعراق.
ومن بين آثار الحرب الأهلية السورية على الأردن، كان التحدّي الرئيسي الذي يتمثل بالتدفق الجماعي للاجئين السوريين وإندماجهم في المجتمع الأردني. وقد أدى وجود هؤلاء اللاجئين إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية القائمة في المملكة. إن آلاف الأردنيين الذين حضروا التجمعات العامة في أعقاب الإضطرابات العربية لم يشتكوا فقط من عدم إحراز تقدم في الإصلاح الديموقراطي، بل كانوا يحتجّون على تدهور البيئة الإقتصادية التي رافقت تدفق اللاجئين السوريين.
علاوة على ذلك، فإن تعميق الإنقسامات السياسية داخل البلاد قد إنعكس في الخلاف الشعبي والصريح بشأن مستقبل سوريا. في حين يؤيد الجهاديون السلفيون الأردنيون الإطاحة ببشار الأسد، فإن القوميين واليساريين يريدون من المملكة الإمتناع عن أي تدخل في الشؤون الداخلية السورية. ومع ذلك، يحبّذ البعض الآخر إنتقالاً سلمياً يشهد إزالة تدريجية لنظام الأسد. وفي هذا المجتمع المُنقسم، يجب على المملكة إتباع مسار عملي حذر، واحدٌ يقلّل من إحتمال التدخل العسكري.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الأردن قد أصيب بالإحباط بسبب النشاط الإسلامي والتأثير المتزايد للسلفيين، بما في ذلك بعض الذين قاتلوا في سوريا. وفقاً لمحمد شلبي (أبو سياف)، وهو جهادي أردني بارز، هناك بين 700-800 أردني إنضموا إلى القتال في سوريا، وكثير منهم قاتلوا سابقاً في أفغانستان والعراق. وبحسب معظم التقديرات، يبلغ عدد السلفيين الأردنيين حوالي خمسة آلاف، على الرغم من أن البعض يعتقد أن العدد الفعلي يصل إلى 15 ألفاً. وهكذا، فإن الحرب في سوريا لم تؤدِّ إلى زيادة عدم الإستقرار الداخلي فحسب بل ضاعفت من التحديات التي تواجهها المملكة على المستوى الإقليمي أيضاً.
والنتيجة؟
لقد إعتُبِرت جماعة “الإخوان المسلمين” في الاردن تاريخياً “معارضة مُخلصة” يمكن ان تلعب دوراً مفيداً في النظام السياسي في المملكة حتى عندما تدهورت علاقاتها مع النظام بعد إبرام معاهدة السلام الاردنية – الإسرائيلية. لكن الإضطرابات العربية، وبخاصة الحرب الأهلية السورية، أجبرت النظام على إحداث توازن دقيق بين الحاجة إلى كبح جماح التيار المتصاعد للتسلح الإسلامي والرغبة في الحفاظ على القبول المستمر للعناصر الإسلامية الأكثر إعتدالاً في قواعد وقيم النظام السياسي.
حتى الآن تمكّنت المملكة من العيش مع جماعات إسلامية متطرفة، بما في ذلك السلفيين، بفضل علاقتها مع جماعة الإخوان وسياساتها القائمة على فرّق تسد. ولذلك، من المرجح أن تبذل كل ما في وسعها لإحتواء المنظمة من جديد والإمتناع عن إعلانها جماعة إرهابية على الرغم من الضغوط التي يمارسها حلفاؤها في الخليج العربي على ذلك. ويشير القرار الذي إتخذه حزب “جبهة العمل الإسلامي” للمشاركة في إنتخابات أيلول (سبتمبر) 2016 والمعلومات التي تفيد عن قطع علاقات الإخوان الأردنيين مع جماعة “الإخوان المسلمين” في مصر إلى أنه، على ما يبدو، إعتراف بالحاجة إلى مواصلة عملهما ضمن حدود النظام السياسي الأردني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى