إنتكاساتُ بنك “كريدي سويس” تُذكّرُ بكارثةِ بنك “ليمان براذرز”؟

إنتشرت منذ أسابيع شائعات عن أزمة مالية في بنك”كريدي سويس” تُذكّر بالأزمة المالية التي عرفها البنك الأميركي “ليمان براذرز” التي أدت إلى الأزمة المالية العالمية في 2008. فهل هذا صحيح؟

بنك ليمان براذرز: إنهياره أدى إلى الأزمة المالية في العام 2008.

محمد سليم*

أدى القلق بشأن وضع البنك السويسري “كريدي سويس” (Credit Suisse) إلى إحياء سيناريو بنك “ليمان براذرز” (Lehman Brothers) الأميركي، الذي تسبّب في الأزمة الاقتصادية لعام 2008. بالنسبة إلى العديد من المراقبين في عالم المال، فإن هذه المخاوف لا أساس لها من الصحة. إن البنوك الأوروبية في الواقع أكثر قوّةً وتسليحًا مما كانت عليه في العام 2008، مدفوعةً بقواعد تنظيمية أكثر صرامة بشأن رأس المال.

مع ذلك، إن انتكاسات بنك كريدي سويس، الذي هزّته سلسلة من الفضائح وانخفضت على أساسها قيمة أسهمه السوقية إلى الثلث في عام ونصف العام، تُحيي وتُعيد إلى الذاكرة شبح الضحية الكبرى الأولى للأزمة المالية 2008-2009، بنك ليمان براذرز.

منذ ما يقرب من ثلاثة أسابيع، كان سعر سهمه ينخفض نقطة بعد أخرى جرّاء شائعات كانت تدور وتنتشر مع اقتراب الموازنة العمومية في استراتيجيته. نظرًا إلى كونه متخصصًا في إعادة الهيكلة، تم تكليف رئيسه التنفيذي، أولريش كورنر، في بداية شهر آب (أغسطس) بمهمة ثقيلة تتمثل في إجراء مراجعة إستراتيجية لتغيير مسار البنك، والذي من المقرر أن يقدم تقييمه في 27 تشرين الأول (أكتوبر).

لكن في الأسبوع الفائت، إرتفعت مقايضات التخلّف عن سداد الائتمان (credit default swaps) فجأة. والمعلوم أن استخدام هذه المشتقات يتم من قبل المستثمرين لحماية أنفسهم من مخاطر عدم سداد الديون، وارتفاعها يعني أن المستثمرين يطالبون بمزيد من الضمانات للالتزامات المرتبطة بـ”كريدي سويس”.

سعر عند أدنى مستوى تاريخي

يوم الاثنين في 3 تشرين الأول (أكتوبر)، انخفض سهم ثاني أكبر بنك في القطاع المصرفي السويسري بنحو 11.5٪ في التبادلات الأولى في البورصة، ليصل إلى مستوى تاريخي منخفض جديد عند 3.518 فرنكات سويسرية بعد جولة جديدة من الشائعات خلال عطلة نهاية الأسبوع. وقد أغلق العنوان أخيرًا أقل بقليل من 1٪ ، عند 3.94 فرنكات سويسرية.

على الشبكات الاجتماعية، انتشرت النقاشات حول “لحظة ليمان براذرز”، في إشارة إلى البنك الأميركي الذي أفلس في العام 2008 وأدى إلى اندلاع الأزمة المالية الكبرى، حتى لو رفض العديد من المراقبين في عالم المال الإشارة إلى هذه المخاطرة.

بالنسبة إلى مجلس المخاطر النظامية الأوروبي، التابع للبنك المركزي الأوروبي، فإن البنك السويسري الثاني والنظام المصرفي الأوروبي ككل مُجَهّزان بشكل أفضل مما كان عليه الحال في ذلك الوقت للتعامل مع الأزمة.

لماذا يُعتَبَرُ وضع “كريدي سويس” مُقلقًا؟

من خلالِ تَركِ بنك ليمان براذرز ينهار في العام 2008، كانت إدارة جورج دبليو بوش تأمل في أن يكون ذلك درسًا وقدوة، بدون قياس ودراسة كل العواقب. وبالتالي، أدّى إفلاس المؤسسة إلى اعتقاد اللاعبين في السوق أن المؤسسات الأخرى يمكن أن تلقى المصير نفسه، مما زاد من حدة الصعوبات وتطلب الوضع تدخل العديد من الدول. وهكذا تمَّ تفكيك الشركة البلجيكية-الهولندية القابضة “فورتي” (Fortis)، وأصبحت الشركة البلجيكية تحت سيطرة بنك “بي أن بي باريبا” (BNP Paribas) الفرنسي.

وعلى وجه الخصوص، كان لا بدّ من إنقاذ العديد من المؤسسات الأخرى، التي تعتبر “أكبر من أن تفشل”، على وجه السرعة، مع خطر الانهيار الكامل للنظام المالي. شركة التأمين الأميركية “آي إي جي” (IAG) أو البنك الفرنسي-البلجيكي “ديكسيا” (Dexia)، والذي لم ينجُ في النهاية من أزمة الديون اليونانية، كانا من بين المؤسسات التي تم إنقاذها.

ومع ذلك، كانت عمليات الإنقاذ هذه مُكلِفة للغاية بالنسبة إلى المالية العامة وتسببت في أزمة الديون التي أعقبت ذلك وأدت إلى اتباع علاج تقشّف، لا سيما في أوروبا.

إختبارات لقياس سلامة البنوك

تحت ضغطٍ من المُنَظِّم الأوروبي، بذلت البنوك الأوروبية جهودًا كبيرة خلال العقد الماضي لتكون أكثر قوة في حالة حدوث أزمة. على سبيل المثال، يجب عليها إثبات مستوى أعلى للحدّ الأدنى لرأس المال الذي يهدف إلى امتصاص أي خسائر. نسبة رأس المال الثابت هذه، والتي تسمى أيضًا “CET1″، هي نتيجة عمل لجنة بازل في سويسرا.

أعلن “كريدي سويس” في نتائجه النصفية، المنشورة في نهاية تموز (يوليو)، أن نسبة الملاءة المالية لديه بلغت 13.5٪. وعلى سبيل المقارنة، تبلغ النسبة 12.2٪ لبنك بي إن بي باريبا، و14.93٪ لبنك يونيكريديت الإيطالي، و13٪ لبنك دويتشه.

نسبة رأس المال هذه، التي تجعل من الممكن مواجهة الخسائر غير المتوقعة، “تعززت بقوة” بعد أزمة العام 2008، كما يؤكد رئيس الفريق المصرفي في باريس في وكالة التصنيف موديز، ألن لوران، وأن طريقة حسابها قد تم تعديلها بمعنى أكثر تقييدًا.

وتُخضِعُ الهيئة المصرفية الأوروبية أيضًا خمسين بنكًا رئيسًا في القارة لاختبارات الإجهاد. وقد أظهرت نتائج السنة المالية الماضية، التي نُشِرَت في نهاية تموز (يوليو) 2021، أن المؤسسات المصرفية كانت قادرة على تحمل أزمة اقتصادية خطيرة بدون أضرار جسيمة.

الخوف من تأثير دومينو جديد؟

الخبراء الذين اتصلت بهم “أسواق العرب” ما زالوا مطمئنين في الوقت الحالي. أولًا، لا يزال بنك كريدي سويس “مؤسسة مالية قوية”، كما يقول غيوم لارمارود، الشريك المسؤول عن الخدمات المالية في كولومبوس للاستشارات.

وقالت فانيسا هولتز، رئيسة بنك أوف أميركا في فرنسا، إنه حتى في حالة حدوث أزمة، فإن “الصلابة المالية للبنوك قوية للغاية، ودروس العام 2008 تم تعلّمها جيدًا”. وفي حالة فشل لاعب مصرفي، فإن القارة الأوروبية “لديها الآن إطار عمل” لإخراجه من المأزق، مهما كان حجمه، قالت في شباط (فبراير) الفائت رئيسة البنك الإسباني “سانتاندير”، آنا بوتين، ورئيسة اللوبي المصرفي الأوروبي أيضًا.

وإذا تم إغراء الحكومات، كملاذٍ أخير، بإخراج المحفظة لإنقاذ مؤسسة، على عكس الوضع قبل العام 2008، فإن إطار العمل ينص في البداية على تدفيع المساهمين أو أكبر الدائنين. وتساهم البنوك أيضًا في صندوق أوروبي يجب أن يتجنب تقديم فاتورة باهظة جدًا لدافعي الضرائب.

  • محمد سليم هو صحافي مقيم في لندن من أسرة “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى