إسرائيل هي مفتاح الربط في سياسة بايدن تجاه إيران

يريد الرئيس الأميركي المُنتَخب جو بايدن إعادة التعامل مع إيران، لكن يبدو أن لدى إسرائيل خططاً أخرى. فماذا سيكون موقف الإدارة الأميركية الجديدة من ذلك؟

أنطوني بلينكين: سنعود إلى الإتفاق النووي… ولكن…

بقلم نيري زيلبر*

إذا كان من الممكن تعلّم شيء واحد من اغتيال العالم النووي الإيراني، مُحسن فخري زاده، خارج طهران يوم الجمعة الفائت، فهو أن إسرائيل وإدارة بايدن المُقبلة هما على مسارٍ تصادمي بشأن سياسة إيران.

عزا المحللون في إسرائيل توقيت العملية، المنسوبة على نطاق واسع إلى الموساد الإسرائيلي، إلى التغيير المُقبل للإدارة في واشنطن وخطة الرئيس الأميركي المُنتَخب جو بايدن بالعودة إلى الاتفاق النووي المُوَقَّع مع إيران في العام 2015. وكان الرئيس المُنتَهية ولايته دونالد ترامب انسحب من هذا الإتفاق في 2018، بدعمٍ من الحكومة الإسرائيلية، مُعيدأ سبب ذلك إلى وجود عيوبٍ في الصفقة.

في أعقاب الإنتخابات الأميركية الأخيرة، أوضح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه يُعارض أي إعادة للإنخراط مع إيران. في حين أن هناك شبه إجماع في الدوائر السياسية الإسرائيلية على سياسة نتنياهو المُتشدّدة تجاه إيران، فإن بعض المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين السابقين يتخذ موقفاً أكثر دقة.

لا يُمكن العودة إلى الإتفاق النووي السابق. قال نتنياهو في وقت سابق من الشهر الفائت: “يجب أن نتمسّك بسياسة لا هوادة فيها لضمان عدم تطوير إيران أسلحة نووية”.

في ظُهورٍ مشترك مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في القدس في وقت سابق من تشرين الثاني (نوفمبر)، ذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى أبعد من ذلك، مُعرِباً عن امتنانه لحملة “الضغط الأقصى” لواشنطن لزيادة العقوبات على إيران والدفاع عن قائمة بومبيو المؤلفة من 12 مطلباً مُوَجَّهاً لطهران.

“نقاطُك الـ 12 تُحدّد المعيار لما تحتاج إيران أن تفعله إذا أرادت أن تُعامَل كدولةٍ عادية. أولئك الذين يزعمون أن نقاطك الـ 12 إما غير ضرورية أو غير واقعية يريدون ببساطة منح إيران تصريح دخول مجاني… إن طغاة طهران لا يستحقون تصاريح مرور مجانية”، قال نتنياهو.

وقد أشار بايدن وفريقه المُفترَض في السياسة الخارجية فعلياً إلى أن “الضغط الأقصى” و “12 نقطة” لبومبيو لإيران – بما في ذلك وقف برامجها النووية، وتطوير الصواريخ، ودعم الميليشيات الإقليمية الوكيلة – لن تكون جزءاً من الدفعة الديبلوماسية الجديدة.

ووصف بايدن انسحاب ترامب من الاتفاق النووي بأنه “كارثة ذاتية”، وقال إنه بمجرد توليه المنصب “سيقدم لطهران طريقاً موثوقاً به للعودة إلى الديبلوماسية”. وقد أشار كلٌّ من بايدن ووزير خارجيته الجديد أنطوني بلينكين إلى أن الولايات المتحدة ستنضم مُجدَّداً إلى الإتفاق (ومن المؤكد تقريباً منح بعض التخفيف للعقوبات) إذا استأنفت إيران الإلتزام بالقيود المنصوص عليها في الإتفاق. سيكون هذا الترتيب بمثابة أساس لمحادثات متابعة تهدف إلى “تعزيز وتمديد” بنود الإتفاق النووي وغيره من المجالات المثيرة للقلق.

ينظر نتنياهو ومسؤولون إسرائيليون آخرون إلى هذه الخطوة على أنها رفضٌ ونكرانٌ لكل النفوذ المزعوم الذي تحقّق خلال العامين الماضيين في عهد ترامب. لم يكن اغتيال محسن فخري زاده في الأسبوع الفائت، الذي يُعتبر والد البرنامج النووي العسكري الإيراني، مُصادفة على الأرجح.

“التوقيت يتعلق بالوضع الذي نشأ نتيجة الإنتخابات الرئاسية [الأميركية] وحقيقة أن … بايدن كان جزءاً من الفريق الذي وضع الصفقة مع إيران، وقد قال خلال الحملة أنه ينوي العودة إلى الصفقة”، قال الجنرال المتقاعد والضابط السابق في المخابرات العسكرية الإسرائيلية، يوسي كوبرواسر، للصحافيين الأجانب يوم الأحد الفائت.

وذهب مسؤولٌ استخباراتي غربي لم يذكر اسمه إلى أبعد من ذلك، حيث قال للقناة 12 الإسرائيلية يوم السبت الفائت إن الإغتيال يُمثّل “الفرصة الأخيرة [لإسرائيل لتوجيه ضربة لإيران] قبل دخول بايدن إلى البيت الأبيض والعودة إلى الإتفاق النووي الذي سيعطي الإيرانيين الحصانة”. (من المعروف أن مسؤولي المخابرات الإسرائيلية يستخدمون غطاء “مسؤولي استخبارات غربيين” عند مناقشة مسائل حساسة في وسائل الإعلام).

لم تكن عملية فخري زاده سوى أحدث مظهر ملموس لاستياء إسرائيل من خطة بايدن الديبلوماسية – إن لم تكن محاولة صريحة لتخريبها. إنسجاماً مع تحذيرات نتنياهو العلنية، لا تريد إسرائيل أن ترى أي تنازلات تُمنَح لإيران.

“رسالتي إلى إدارة بايدن هي: لا تُسرعوا إلى طاولة المفاوضات مع الإيرانيين، إنهم تحت الضغط. إذا كانوا يريدون إجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن الصفقة، فلا يمكنك القول، منذ البداية، أن إدارة بايدن يجب أن تُكَفّر عما فعله ترامب [بالإنسحاب من الإتفاق النووي]. إن الأمر عكس ذلك. يجب على إيران التكفير”، قال الجنرال المتقاعد جاكوب نايجل، مستشار الأمن القومي السابق لنتنياهو، لمجلة “فورين بوليسي” الأميركية.

يُشير منتقدو هذا النهج إلى أن الضغط الذي تتعرّض له إيران لم يُتَرجَم إلى تغييرات سلوكية ملموسة – بل على العكس تماماً. منذ العام 2018، تضاعف مخزون إيران من اليورانيوم المُخصّب بمقدار اثني عشر ضعفاً، واستمرت أعمال تطوير الصواريخ البالستية، كما دَعمُها للوكلاء الإقليميين في لبنان وسوريا واليمن والعراق وأماكن أخرى في الشرق الأوسط.

“إيران بعيدة من الركوع، فهي لم تنثنِ أو تَنحنِ بعد”، قال الجنرال درور شالوم، رئيس قسم الأبحاث في المخابرات العسكرية الإسرائيلية المنتهية ولايته، لصحيفة يديعوت أحرونوت اليومية في تشرين الأول (أكتوبر). برّر شالوم “استراتيجية الضغط” على إيران وسلّط الضوء على الثغرات الموجودة في الإتفاق النووي الأصلي. لكنه شدّد على أن طهران “اختصرت نقطة انطلاقها نحو القنبلة” منذ انسحاب واشنطن من الإتفاق.

وأضاف شالوم: “الإتفاق النووي، على الرغم من عيوبه، كانت لديه مساحة للتأثير في قضايا أخرى. ولم يثبت بعد أن الخروج من الإتفاق النووي خدم إسرائيل”.

لقد رفض المسؤولون في الحكومة الإسرائيلية ظاهرياً هذا التحليل الأكثر دقة الذي أجراه مقيِّم الاستخبارات الوطنية الخاص بهم. وقال مصدر في الحكومة الإسرائيلية، تحدث شرط عدم الكشف عن هويته، إنه لا يوجد توافقٌ تام بين نتنياهو ومنافسه السياسي (وشريكه في الائتلاف) وزير الدفاع بيني غانتس بشأن مسألة “الضغط الأقصى” على إيران.

وأشار محللون أمنيون إسرائيليون آخرون إلى عناصر إيجابية في الإتفاق النووي لعام 2015، رغم اعترافهم بعيوبه.

قال الجنرال المتقاعد عاموس يادلين، رئيس المخابرات العسكرية السابق ورئيس معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، لمجلة “فورين بوليسي” إنه رفض التحليلين الرئيسيين المُحيطَين بالاتفاق النووي الأصلي لعام 2015: لم يكن “أفضل اتفاق لمنع انتشار الأسلحة تم التوصل إليه … [ولم يكن] اتفاق ميونيخ ثانٍ، أو ربما محرقة ثانية … مثل البعض في القدس والرياض وأماكن أخرى” يريدون من الناس الإعتقاد.

عزا يادلين الفضل في الإتفاق إلى تقليص زمن اختراق إيران لسلاح نووي من شهرين إلى عام واحد، و (رهناً بالإمتثال الإيراني) ربما عقد من الزمان. وأضاف يادلين: “إنه أفضل مما كان عليه الوضع في العام 2015 … وهذا شيء لا يمكنك التقليل من شأنه على أنه إنجاز”.

ومع ذلك، سيكون من الخطأ أن تعود إدارة بايدن إلى الإتفاقية النووية الأصلية لعام 2015، كما قال يادلين، مُوضّحاً مجموعة من المخاوف التي يجب معالجتها في أي مفاوضات جديدة: تطوير الصواريخ الباليستية الإيرانية وأبحاث الأسلحة النووية، إلى جانب نظام تفتيش دولي أكثر صرامة، وتمديدٌ لمدة 20 عاماً لشروط إنهاء الصفقة.

السؤال المطروح على إدارة بايدن هو ما إذا كانت مثل هذه الصفقة مع إيران، على غرار ما تُطالب به إسرائيل، ممكنة وقابلة للتحقيق.

قال راز زيمت، مراقب إيران السابق في الجيش الإسرائيلي: “أجد صعوبة في إيجاد حلٍّ للمواقف الإسرائيلية والأميركية والإيرانية التي يكاد يكون من المستحيل تجاوزها. إن بايدن يُريد العودة إلى الإتفاق النووي [بطريقة ما]، ولن يوافق الإيرانيون بدون تخفيف العقوبات – لذا فإن القرار الاستراتيجي في واشنطن هو ما إذا كنت ستدفع مُقابل إعادة إيران إلى الإمتثال. الموقف الإسرائيلي هو حلم وتمنٍّ ولا يتوافق مع الواقع”.

لقد وافق زيمت أن نتنياهو على الأرجح “يؤمن حقاً” بأن الضغط الأقصى سيؤدي، في المدى الطويل، إلى استسلام إيران – و”ليس نقاط بومبيو الـ 12″ . لكن من شبه المؤكد أن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي لن يقبل ولن يلين أبداً.

“قد يعتقد خامنئي أن التخلّي عن كل هذه الأشياء – عتبة برنامج نووي وصواريخ ووكلاء إقليميون – هو تهديدٌ للنظام أكثر من انهيار اقتصادي”.

الواقع أن إدارة بايدن، عند توليها السلطة في 20 كانون الثاني (يناير)، سترث هذه المعضلة السياسية المتصاعدة – وفي الحالات القصوى، كما قال زيمت، “سيتعيّن عليها الإختيار بين إسرائيل وإيران”.

  • نيري زيلبر هو صحافي يُغطي سياسات الشرق الأوسط وزميل مساعد في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى. يمكن متابعته عبر تويتر: @NeriZilber
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى