التعاون الأمني البريطاني-الأردني يدخل مرحلة جديدة

على مشارف تجديد التعاون الأمني بين المملكة المتحدة والأردن، واقع الحال هو أن التحديات الأمنية الأكبر التي تواجهها عَمّان تنبع، أكثر من أي وقت مضى، من أزمتها الإقتصادية.

 

القوى الأمنية الأردنية: تلقى إهتماماً بريطانياً

بقلم أليكس والش*

من المقرر أن يستأنف الأردن والمملكة المتحدة التعاون الأمني بينهما من خلال مرحلة جديدة تمتد لثلاث سنوات وتُقدّم فيها لندن الدعم لمديرية الأمن العام وقوات الدرك. ومن المرجّح أن تتجاوز قيمة الدعم 10 ملايين جنيه استرليني. إستناداً إلى البرامج السابقة وأولويات بريطانيا في المنطقة، غالب الظن أن مجالات الدعم سوف تشمل مكافحة الإرهاب، وإدارة النظام العام، والإجراءات الأساسية لضبط الأمن. وبعد قيام المملكة المتحدة باختيار المنظمة التي ترتئيها مُناسِبة لتنفيذ مندرجات هذا الدعم، سوف تُقدّم مقترحاتها إلى الحكومة الأردنية للإتفاق على خطة مشتركة. وفي إطار هذه العملية، من الضروري إجراء تقييم للأمن القومي بُغية استخدامه بمثابة قاعدة للأدلّة يتم الانطلاق منها لإرساء توازن ملائم في خطوط الدعم الممنوحة للقطاع الأمني الأردني.

ولكن حتى قبل وضع تقييم للأمن القومي، وعلى ضوء الوضع الإقتصادي المُترَدّي في الأردن، يجب أن يكون السؤال الأول، هل الدعم البريطاني للقطاع الأمني الأردني هو خيار استراتيجي؟ ينصب اهتمام الأردنيين بصورة أساسية على الهواجس الإقتصادية. تُظهر بيانات “البارومتر العربي 5” أن أكثر من ثلثَي الأردنيين يعتبرون أن الإقتصاد هو التحدّي الأهم الذي تواجهه البلاد. ويعكس ارتفاع وتيرة التظاهرات إحتجاجاً على الأوضاع منذ شباط (فبراير) الماضي، النقمة المتزايدة. أما الإرهاب فقد اكتفى 2 في المئة فقط من الأردنيين بإدراجه على قائمة الأولويات. في المقابل، أبدى الأردنيون رضى شديداً عن القوى الأمنية لديهم. فقد أعرب تسعون في المئة منهم عن ثقة “كبيرة” أو “كبيرة إلى حد ما” بالقوى الأمنية التي احتلت المرتبة الثانية بعد الجيش وتفوّقت على سائر المؤسسات الحكومية وغير الحكومية.

ولكن عند إدراج الدعم الأمني البريطاني في سياق المحفظة الكاملة للمساعدات البريطانية إلى الأردن، يتبيّن أنه منطقي ومتكافئ. وفقاً للحسابات الأخيرة من 2018 إلى 2019، بلغ مجموع الدعم البريطاني للأردن 58.6 مليون جنيه استرليني، خُصِّص نحو 28 مليون جنيه استرليني منها للدعم الإقتصادي المباشر. ويرتفع الدعم الاقتصادي المباشر إلى حوالى 50 مليون جنيه استرليني عند احتساب المساعدات لقطاع التعليم، وللتوظيف والمشاريع الإنسانية ذات الطابع الإقتصادي. أضف إلى ذلك أن الرابط الأساس بين الأمن والاستقرار وفُرَص النمو الإقتصادي يصبّ في إطار مبدأ الدعم البريطاني للقطاع الأمني الأردني.

في المُجمل، ليس حجم الدعم البريطاني للقطاع الأمني الأردني غير متكافئ، وهذا ما يقود إلى السؤال عن التركيبة المُثلى لهذا الدعم. على الأرجح أن مكافحة الإرهاب – وعلى نطاق أوسع، إدارة الحوادث الحرجة – سوف تكون موضوعاً مهماً في برنامج الدعم المقبل. قد يكون الهجوم الذي وقع هذا الأسبوع في جرش (معلم سياحي مهم) ذا طابع إرهابي أم لا، إنما لا شك في أنه سيدفع نحو تجدُّد التركيز على المسألة. قبل ذلك، كان هجوم الكرك في 18 كانون الأول (ديسمبر) 2016 الاعتداء الإرهابي الأكثر وقعاً الذي شهدته الأراضي الأردنية في السنوات الأخيرة. طرح هذا الهجوم تساؤلات عن سوء التنسيق بين الأجهزة وعن قدرة المسلّحين على التحرك وإطلاق النار، ما ترك أثراً دائماً على صعيد إصلاح القطاع الأمني في الأردن.

ولكن يجب ألا يُسمَح للتفاصيل التي تنكشف عن اعتداء جرش وللذكريات التي خلّفها هجوم الكرك بأن تقود نحو الغلو في تصوير الأثر الإرهابي النسبي على الأردن. فعدد الضحايا الذين سقطوا في الأردن بسبب الإرهاب منذ العام 2016 أقل من العدد في المملكة المتحدة. يُصنّف تقرير مؤشر الإرهاب للعام 2018 أثر الإرهاب في الأردن في المرتبة 88 عالمياً، ما يعني أنه أقل من الأثر في الولايات المتحدة (المرتبة 20)، والمملكة المتحدة (المرتبة 28)، وألمانيا (المرتبة 39). يحتل الأردن، على الرغم من أنه مجاور للعراق (المرتبة الأولى) وسوريا (المرتبة الرابعة)، المرتبة 15 من أصل 20 على قائمة البلدان الأكثر تأثراً بالإرهاب (من الأكثر إلى الأقل تأثراً) في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومع أن قيادات الأجهزة الأمنية تُقدّر الدعم البريطاني للجهود الأردنية من أجل مكافحة الإرهاب، فهي تلفت أيضاً إلى أن الأجهزة الأردنية – لا سيما دائرة المخابرات العامة – تقوم أصلاً بواجبها بفاعلية.

مما لا شك فيه أن الإرهاب يبقى تهديداً مُتنامياً في الأردن. صحيح أنه يَتعيَّن على المملكة المتحدة أن تضع هذه التهديدات في اعتبارها في إطار الدعم الذي تقدّمه، إنما يجب ألا تحجب هذه التهديدات التحديات الأمنية التي تنجم حكماً عن الوضع الاقتصادي. سوف تستمر المشقات الاقتصادية والإصلاحات الصعبة في التسبب بأحداث تُخلّ بالنظام العام مع تعاظمٍ في وتيرتها وحدّتها. واحتجاجات الرمثا في آب (أغسطس) الفائت رداً على التشريع الذي ينص على التشدد في الإجراءات لضبط التجارة غير الشرعية عبر الحدود، هي من الأمثلة عن الممارسات العنفية ضد أملاك الدولة وظهور الأسلحة النارية في الإحتجاج. وفي تظاهرات عمّان، يُلاحَظ التزايد في أعداد المشاركين، ومستوى التشنّج، ومشاركة الطبقة الوسطى.

واللافت هو تحلّي مديرية الأمن العام وقوات الدرك بالهدوء والإتزان وضبط النفس في خلال الأحداث التي تُخلّ بالنظام العام، ما يُكسب هذين الجهازَين فرادةً إلى حد ما في المنطقة. غير أن المطالبة المتزايدة بفرض النظام العام وارتفاع الحمى السياسية يزيدان من صعوبة التحدّي الذي تواجهه الأجهزة الأمنية لإرساء توازن بين الحفاظ على أمن المواطنين والأملاك العامة والخاصة من جهة وصون الحق بالتظاهر من جهة أخرى. ولذلك، يجب أن يصبّ الدعم البريطاني بصورة خاصة في إطار تأمين التدريب المستمر والتوجيه و– على نحوٍ مهم – التنسيق بين الأجهزة في هذا المجال. تبدأ الممارسة الفضلى في إدارة النظام العام بالتخطيط الإستهدافي وما يُسمّى أحياناً “جمع الاستخبارات” أو “التحليل”، ما يعني جمع المعلومات عن أحداث مُرتَقبة تُخلّ بالنظام العام على المستويات الوطنية والمناطقية والمحلية، وتحليلها. يعتبر عمر رافع، وهو عميد سابق في مديرية الأمن العام يعمل راهناً مستشاراً في مشاريع دولية لإصلاح القطاع الأمني في المنطقة، أن التخطيط يجب أن يكون مُنفصِلاً، إصطلاحياً، عن العمل الإستخباري الأكثر تقليدية الذي يقع حصراً ضمن صلاحية إدارة المخابرات العامة وغيرها من الوحدات المتخصصة. وعلى ضوء هذا التحوّل المفهومي والعمل على بناء القدرات، من شأن الأجهزة المسؤولة عن فرض النظام العام أن تُفيد من الحصول على معلومات أفضل بما يساعدها على الحفاظ على الهدوء والسيطرة.

ثمة صعوبة أكبر في تقدير التحديات الأمنية التي تنشأ في المجال الواسع لشؤون ضبط الأمن، وقد يكون تقويم الأمن القومي مفيداً في هذا الصدد. بيد أن أرقام مديرية الأمن العام عن الجرائم بين العامَين 2014 و2018 تحمل بعض المؤشرات التي تستحق التوقف عندها. عموماً، تراجع مجموع الجرائم (أو أقله مجموع الجرائم المُبلَّغ عنها) بالأرقام المُطلقة وبالأرقام المُعدَّلة بحسب عدد السكان. فعلى سبيل المثال، انخفض عدد جرائم القتل إلى النصف تقريباً، إنما سُجِّلت زيادة كبيرة في الإعتداءات الجنسية (34 في المئة) وتجارة المخدرات (346 في المئة)، ما يؤشّر إلى المنافع المُحتملة التي يمكن أن تترتب عن الدعم البريطاني في مجالات مكافحة هذه الجرائم والتحقيق في ملابساتها ومحاكمة مرتكبيها.

أبعد من إدارة النظام العام ومكافحة الإرهاب وفرض الأمن، ثمة فرصة أخرى سانحة أمام المملكة المتحدة لدعم الأمن الأردني، في مسألة قد تكون سجالية ولكنها قيّمة، وهي مكافحة الفساد. يُشكّل الإستياء الشديد من الفساد جزءاً أساسياً من التململ الأردني الأوسع نطاقاً وحافزاً للتظاهرات. يورد “البارومتر العربي 5” أن 87 في المئة من الأردنيين يعتبرون أن الفساد مُستشرٍ في جميع المؤسسات الحكومية، وهذه النسبة في ازدياد مستمر منذ العام 2010. ويعتبر أكثر من النصف (55 في المئة) أن الحكومة لا تُحرّك ساكناً لمكافحة الفساد. وفي غياب النزاهة، لا بدّ من أن تَقبُّل الإصلاحات الإقتصادية يصبح أكثر صعوبة.

في شباط (فبراير) الماضي، وقّعت 91 شخصية عامة (وغير عامة) أردنية رسالة علنية موجّهة إلى الملك عبد الله الثاني بلهجة تأنيب إستثنائية، وفيها انتقادٌ للطريقة التي تُحكَم بها البلاد وتركيز على الخطر الذي يتسبب به الفساد على أمن البلاد. بغض النظر عمّا إذا كانت هذه الرسالة الإنتقادية هي أداة للطموح السياسي الحزبي أو هجوماً حقيقياً على الفساد، فإنها مؤشّر على التداعيات الشديدة للفساد على المستوى السياسي. يُمكن أن يكون تنفيذ برامج لمكافحة الفساد مهمّةً حسّاسة للأفرقاء الدوليين. غير أن تبعات الفساد من الناحية السياسية مُرتبطة حالياً بالمكاسب التي يمكن تحقيقها على صعيدَي الإستقرار والأمن عند العمل على مكافحته. في العادة، لا يُعتبَر إكتشاف الفساد والتحقيق فيه مسألة أمنية، ولكنه يتحوّل إلى مسألة أمنية في الأردن، ويجب أن تأخذه المملكة المتحدة في الإعتبار، في إطار مساعداتها الأمنية، إلى جانب النظام العام ومكافحة الإرهاب والإجراءات الأساسية لضبط الأمن. والشرطة الأردنية، التي تحظى بثقة كبيرة بين المؤسسات الحكومية، هي في موقع جيّد يخوّلها أن تكون جزءاً من تحرّك استراتيجي ضد الفساد.

التحديات الأمنية الكبرى التي يواجهها الأردن نابعة من عوامل داخلية، وترتبط جميعها، بطريقة أو بأخرى، بمحنة البلاد الإقتصادية. وفي هذ الإطار، ليست التوقعات الإقتصادية تفاؤلية. لذلك، على الدعم البريطاني أن يعمل على درء التداعيات الأمنية للأزمة الاقتصادية من أجل تحقيق الفاعلية القصوى في مساعدة الأردن على الحفاظ على أمنه.

  • أليكس والش باحث مستقل متخصص في شؤون الأجهزة الأمنية والإصلاح الأمني في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لمتابعته عبر تويتر @Mercurichrome.
  • هذا التقرير عُرِّب من الإنكليزية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى