بين القَحبِ والقَحبَة

بقلم راشد فايد*

مما قرأت تحت سطوة “الكورونا”، أن الدولة التي لا تُخيف لا تَحكُم. وأُضيف أن الدولة كي تُخيف في حاجة إلى سلطة القانون، وإلى احتكار وسائل القوة لتنفيذ مُقتَضيات العدالة. لكن الدولة التي لا تستطيع أن تُطعم مواطنيها لا يحقّ لها أن تأمرهم بتنفيذ القوانين. فكيف الخروج من الهاوية، فيما مَن يزعم السعي إلى ذلك لا ينفكّ يُعمِّقها؟

هذه حال لبنان منذ موسم الحروب والأمن بالتراضي، الذي وَلّد ميليشيات غبّ طلب المُمسكين، الإقليميين والدوليين، بحبال لعبة الدم والدمار في البلاد. ولم تختلف اليوم عما قبل 45 سنة، بل صارت أسوأ، وبدل أن تُناحر قوى الشارع سلطة الدولة، كما في سبعينات القرن الفائت، نجد القوى الراهنة تبتلعها وتتزيّا بحلّتها، وتستخدم شرعيتها (الدولة) لتضفي على لا شرعيّة سلاحها شرعيّة مُنتحَلة، فإذا أبصرتَ الدولة أبصرتَ الميليشيا، التي تمسك بقرار الأولى، وإذا أبصرت الميليشيا أبصرتهما. لذا فإن كل ما يُسرَد عن “إصلاح وتغيير” ليس سوى لإمتاع السمع. فكيف يقومُ إصلاحٌ وكل ما يتم تداوله من “أفكار” في الحكومة العابرة، لا يقترب ولا يُقارب قضية الكهرباء التي التهمت، ولما تزل، نصف الدين العام، فيما لا يؤتى على ذكر المشاعات العقارية، وأملاك البلديات والغائبين، التي صادرها قادة الميليشيات ومن حَظيَ، في زمن السلم المشوّه، بموقعٍ ونفوذ. وكيف الإصلاح ولا يُؤتى على ذكر الأملاك البحرية، وكيف التغيير فيما حكومة العهد القوي تمشي الهوينا، وكأن البلاد في نعيمٍ وشعبها في هناء وسؤدد. وما معنى الإصلاح فيما يستمر التهريب عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية، وعلى عينك يا تاجر، وتستمر آلاف الأمتار المربعة من أراضي الدولة مشاعاً للنهب القانوني كميدان سباق الخيل وملعب الغولف… و”فاطمة غل”، و”أ تي سي أل” (ATCL) وأرباح الكازينو والتوظيف العشوائي.

أن يقول رئيس الوزراء، حسّان دياب، إن أموال اللبنانيين تبخّرت، فكأنه فسّر الماء بعد الجهد بالماء. توهّم الرئيس الدكتور أنه اكتشف البارود، جاهلاً، أو مُتجاهلاً، أنه لا ينفك منذ شكّل الحكومة، يتباكى على الحال في البلاد، كأنه لم يعرف بها إلا قبيل صلاة الفجر، ناسياً أن يقول للبنانيين ما يقترح للعلاج، بعد 71 يوماً من نيل حكومته الثقة.

من مفارقات الأزمنة البائسة، أن يُراهن كثيرون على القضاء فيما تعطي وزيرة العدل، ماري كلود نجم، درساً في الفتك باستقلاليته بإخضاعها للمتكسبين السياسيين على طريق بعبدا. واستكمال الصورة يقتضي سماع قول منسوب لرئيس مجلس النواب، نبيه بري، مفاده أن “إئتوني بقاضٍ نزيه لنُقيم عصب الدولة”. وكيف، يا دولة الرئيس، نجد هكذا قاض فيما لم ولن يُعيَّن قاضٍ بلا رضا ولي الطائفة.

من قراءات سجن “الكورونا” أن كلمة قحبة تُطلَق على المرأة الفاسدة والفاجرة التي تمارس البِغاء، بينما يعني مُذكّرها (القَحب) الرجل الذي يَسعُلُ سعالاً حاداً. الواقع اللبناني يُشجّع على نقض ما أتى به لسان العرب. فالكل يغني نشيد الإصلاح ليغطي فساده.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي، مُحلّل سياسي لبناني، وكاتب رأي في صحيفة “النهار” اللبنانية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: fayed@annahar.com.lb
  • يُنشَر هذا المقال في الوقت عينه في صحيفة “النهار” اللبنانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى