السقوط إلى أعلى والتسلُّق إلى أسفل

بقلم إيلي صليبي*

السباق إلى الهاوية في شوطه الأخير، والرهان لم يعد على الجياد، بل على راكبيها من أقزام الفرسان… من يَسقط أولًاً وليس من يصل أولاً.
إنهاك الخيّالة كفيلٌ وحده بجعل المنطقة تترنَّح وتتهاوى وتقع كالبيادق على رقعة الشطرنج.
دهاء دهاقنة المراهنين الكبار أم غباء اللّاعبين بالنار؟
النتيجة واحدة.
ملامح بداية النهاية تتكلَّم عليها الأقلام الحمراء التي تتجرّأ على رسم تقسيمات البلدان المعرَّضة لعمليات جراحيَّة على خريطة المشرق العربي، ويعزّزها شبه إجماع في كواليس ما يسمَّى بــ”دول القرار”، بإعترافها بأن الحروب الصغيرة القائمة تتطلب أعواماً لتدخل مرحلة الحسم، ما يعني ترك الصراع يصل إلى مداه الأقصى، قبل فرض الأمر الواقع وتجميد المنطقة على حال من الترميم والتعديلات الجغرافيَّة في لحظة تاريخيَّة مناسبة.
في خمسينات وستينات وأوائل سبعينات القرن الماضي، كان السياسي والديبلوماسي والمفكّر اللبناني “شارل مالك” يتحدث في مجالسه الحميمة عن تفضيل العملاق الأميركي التعاطي مع خمس دول في الشرق الأوسط بدل ما يفوق الستَّة والعشرين بلدًا. أي الميل إلى الضمِّ لا الفرز. من هنا دفعت واشنطن نحو العمل على نشر مشروع الوحدة العربيَّة. لكنَّ النفوذ “الصهيوني” حوَّل مجرى الحوادث في حرب 1967 لدثر حلم “الوحدة” ودفنه.
وتراءى لفقهاء السياسة من العرب أنَّ المصالح الكبرى تقوم على ثوابت ومؤامرات، فيما يخطِّط “الجبابرة” لعقود مقبلة ويضعون الحلول قبل إختلاق المشاكل. وهكذا تتمُّ مقولة: “ما كُتِب قد كُتِب”.
عندما جاهرت الولايات المتَّحدة الأميركيَّة بتركيب شرق أوسط جديد، قوبلت مكّوكيّاتها بالإستخفاف والهزء وبــ”العنتريّات” المنبريَّة. وحينما إستنبط العقل الجهنّميُّ “الربيع العربيّ” حشدت له الميادين ملايينها، وطبَّلت وزمَّرت، ثمَّ أُسكتت بــ”كواتم الصوت” وأخرستها إحباطات وإكتئابات. فتسلَّلت بين ليلة وما قبل ضحاها، وفي غفلة، وبغضِّ طرف من الحكّام العرب، أشباح الليل والنهار، ونبتت الفتن الطائفيَّة والمذهبيَّة، وبسقت غاباتِ سلاح، ومراعي ذئاب.
البقاء للأقوى، سنَّة الطبيعتيْن: الإنسان، والأرض.
من هنا، تأتي التقوية لتعزيز التقسيم المنشود، والإستقواء بالدعم الخارجي من أجل توطيد الواقع الحالي لكلِّ جماعة تستميت في توسيع رقعة نفوذها.
ومن هنا، تُفهم أدوار الجالسين حول طاولة “سايس بيكو” بنسختها “نمرو 2”.
“يضحك كثيراً من يضحك أخيراً” أمّا الضحك على العقول فسمته رسم زيح على حضيض ما، ودعوة الأغبياء إلى القفز من “تحته”.
“عند تغيير الدول إحفظ رأسك”.
ولكن، إذا ما بقي رأسك فوق كتفيْك… إلى حين انتهاء أبطال المرحلة من مباراة ” السقوط إلى أعلى… والتسلُّق إلى أسفل”.

• كاتب وأديب وصحافي لبناني، والمدير العام للأخبار في المؤسسة اللبنانية للإرسال (أل بي سي).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى