السيسي في مصر زعيمٌ إستبداديّ قويّ وواثق لكن ليسَ من دونِ نقاطِ ضعف!

خرجت أخيراً مظاهرات مؤيدة وأخرى معارضة في مصر للرئيس عبد الفتاح السيسي وسط إجراءات أمنية مُشدَّدة. وفي المناسبة، حثّت مفوّضة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشيليت، السلطات المصرية على “احترام الحق في حرية التعبير والتجمّع”، من خلال الإلتزام بالمعايير الدولية. وفي بيان نشره موقع مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان على الإنترنت، قالت باشيليت: “أذكِّر الحكومة المصرية بأنه تحت مظلة القانون الدولي، للناس حقّ التظاهر بشكل سلمي”.

الرئيس عبد الفتاح السيسي: مستبدّ قوي وواثق… ولكن

 

بقلم فريدا غيتيس*

شهد المصريون شيئاً نادراً في الأسبوعين الفائتين: إحتجاجات ضد الرئيس عبد الفتاح السيسي. في ظل قمع مُشدَّد، فضّل معظم المصريين البقاء في منازلهم منذ تولّي السيسي السلطة في انقلاب العام 2013، بعد عامين ونصف من الإحتجاجات الجماهيرية التي أدّت إلى الإطاحة بالرئيس حسني مبارك. لقد سحق السيسي بلا رحمة أي معارضة، بدءاً من جماعة “الإخوان المسلمين”. وسجن محمد مرسي، أول رئيس مُنتَخَب ديموقراطياً في مصر، وغيره من الزعماء الإسلاميين، إلى جانب أيّ شخص تجرّأ على انتقاد نظامه. لذا، لا عجب في أن نرى أن غالبية المصريين إختارت إبقاء رؤوسها مُنخفِضة.

كانت إحتجاجات الأسبوعين الفائتين، التي بدأت في القاهرة وغيرها من المدن، صغيرة ولكنها مُهمّة. تماماً كما كان ردّ فعل الحكومة. أخذهما معاً، وفي سياق بعض قرارات السياسة الخارجية للسيسي، فإنهما تضيفان إلى صورة زعيم إستبدادي قوي وواثق، ولكن ليس من دون نقاط ضعف.

لقد دعا إلى هذه الإحتجاجات مقاول حكومي سابق في المنفى (إسبانيا)، الذي اتهم السيسي في سلسلة من مقاطع الفيديو بالفساد وسوء الإدارة. وبينما كان المتظاهرون يدعون لإسقاطه، كان السيسي في الأمم المتحدة في نيويورك. ردّت السلطات في مصر على الإحتجاجات بقوة، ولكن من دون إراقة دماء – وهو تناقض حاد مع المذبحة التي وقعت في ميدان رابعة العدوية في القاهرة في آب (أغسطس) 2013، عندما قتلت قوات الأمن المئات من المتظاهرين العُزَّل الذين شنّوا اعتصاماً ضد انقلاب السيسي. قد لا يكون هناك سفكٌ للدماء هذه المرة، لكن طبقاً لجماعات حقوق الإنسان، تم اعتقال أكثر من ألف شخص.

في حين أن جماعات حقوق الإنسان والعديد من القادة السياسيين الغربيين قد شجبوا القمع العميق في عهد السيسي – وهو ما يتجاوز بكثير ما كان موجوداً في عهد مبارك – فإن الرئيس المصري لا يزال يتحرك بسهولة على الساحة العالمية. وهذا من الأسباب الذي يجعله يشعر بالثقة، وهذا ما يظهر في سلوكه في السياسة الخارجية.

لقد حصل على دعم صريح من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي وصفه أخيراً بأنه “ديكتاتوره المُفضَّل”. إن مديح ترامب للسيسي، الذي وصفه بأنه “زعيم حقيقي” خلال لقائهما في الأسبوع الفائت في نيويورك خلال إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، يُضعِف باستمرار محاولات واشنطن لخفض المساعدات الأميركية السخية لمصر كوسيلة لإجبار السيسي على تحسين سجله السيئ في مجال حقوق الإنسان.

قبل أيام فقط من لقاء ترامب بالسيسي في نيويورك، ألقى أحد كبار الجمهوريين الساعين إلى بعض التغيير في مصر بثقله. طالب السيناتور ليندسي غراهام، الذي يرأس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، بتعليق حزمة المساعدات السنوية لمصر البالغة 1.3 مليار دولار، والتي حاول تقليصها كشكل من أشكال الضغط على السيسي. لكن غراهام إستسلم في نهاية المطاف ووافق على إصدار مشروع قانون الإعتمادات والمساعدات.

والدليل الأكثر وضوحاً على ثقة السيسي بوضعه هو أنه لا يشعر على ما يبدو أنه مُلزَمٌ بإرضاء رغبات الراعين الأجانب. عندما تولى قائد الجيش السابق السلطة قبل ست سنوات، كانت مصر في خضم انحدار حاد، حيث كان الإقتصاد على وشك الإنهيار. وقد حرصت كلٌّ من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتان كانتا تتوقان إلى القضاء على جماعة “الإخوان المسلمين”، على دعم عملية القمع التي أعلنها السيسي ضد أفراد هذه الجماعة لإنهاء ما يُسمى ب”الربيع العربي”، ومنحتاه مليارات الدولارات من المساعدات على الفور، مما سمح للسيسي بتعزيز حكمه وتحقيق الإستقرار في الإقتصاد.

باعتبار أن الدعم من الرياض وأبو ظبي وواشنطن كان أمراً بالغ الأهمية لبقائه، قد يتوقّع المرء أن يقف الرئيس المصري بلا شك مع مؤيديه وداعميه في القضايا الإقليمية. لكن هذا ليس ما فعله. بدلاً من ذلك، إمتنع السيسي إلى حد كبير عن الإنحياز إلى النزاع الرئيس في الشرق الأوسط الذي وضع إيران الشيعية في مواجهة تكتل يُهيمن عليه السنّة بقيادة المملكة العربية السعودية.

في مقابلة مع موقع “المونيتور” في الأسبوع الفائت في مقر بعثة مصر في الأمم المتحدة، تحدّث وزير الخارجية سامح شكري بإسهاب عن السياسة الخارجية المصرية، مُبيِّناً وجود فجوة رقيقة ولكنها ملحوظة بين القاهرة والدول التي ساعدت على إبقاء نظام السيسي واقفاً على قدميه. عند سؤاله عن إيران، أعلن شكري: “نعتبر أنه من الضروري ألّا تتدخّل الدول الإقليمية غير العربية في الشؤون الداخلية للدول العربية”، وهي ملاحظة واضحة ضد طهران. لكنه أضاف: “من ناحية أخرى، نرى دائماً مجالاً للتعاون”.

في نيسان (إبريل) الفائت، وجّهت مصر ضربة قاتلة إلى خطة إدارة ترامب الوليدة لإنشاء “الناتو العربي”، المدعوم من دول مجلس التعاون الخليجي، كحجر زاوية في السياسة الأميركية تجاه إيران. أخبرت القاهرة واشنطن بأنها ستنسحب من “التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط المُناهض لإيران” المُقترَح ولم تحضر إجتماع هذا التحالف المحوري في الرياض.

كما ابتعد شكري من إدارة ترامب من خلال التأكيد بقوة على دعم مصر لحل الدولتين للنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. تمشّياً مع موقف النظام، حافظ شكري على موقف خافت تجاه “حماس”، المنظمة الإسلامية المتشددة التي تسيطر على غزة، على الرغم من أنها كانت نتاجاً فلسطينياً لعدو السيسي، جماعة “الإخوان المسلمين”. وقال شكري إن مصر لا تزال مستعدة للمساعدة على التوسط في المصالحة بين “حماس” ومنافستها الفلسطينية منظمة “فتح”.

في حين أن السيسي قد يكون مُرتاحاً بما يكفي على وضعه لتحدّي الراعين الأجانب عندما يتعلّق الأمر بالسياسة الخارجية، إلّا أن لديه سبباً للقلق في الداخل، حتى لو كانت لديه قبضة حديدية على قوات الأمن ويواجه معارضة ضعيفة حتى الآن. لا شك أن هناك سببٌاً يدعو إلى قيام الإحتجاجات، التي أطلقها مصري يعيش في إسبانيا بإقناع مئات الأشخاص بالتظاهر، رغم المخاطر.

الواقع أن الإقتصاد المصري مُتعدّد الأوجه. في حين أن صورة الإقتصاد الكلي إيجابية في الغالب، فإن الأرقام الداخلية تكشف أن النمو مبني على الإستياء. لقد حقّق الإقتصاد المصري نمواً قوياً في العام الماضي، بنسبة 5.6 في المئة – الأقوى في الشرق الأوسط. وهذا الرقم يبدو مثيراً للإعجاب، لكنه يخفي حقيقة الحياة اليومية للمصريين، الذين أصبحت حياة الكثيرين منهم غير قابلة للتحمّل مع كل يوم.

بينما يقوم السيسي بتنفيذ تدابير تقشّفية قاسية ويتعهّد بمشروعات البنية التحتية الضخمة وغير الضرورية، التي تُعاني من الفساد، بتشجيع من صندوق النقد الدولي، فإن الفقر في مصر يتصاعد. فقد أفادت وكالة الإحصاء المصرية أن واحداً من كل ثلاثة مصريين يعيشون في فقر، إرتفاعاً من 28 في المئة في العام 2015. ويشك المراقبون الخارجيون في أن عتبة الفقر الرسمية البالغة 45 دولاراً في الشهر مُنخفِضة للغاية. يقول البنك الدولي إن 60 في المئة من المصريين “فقراء أو من الفئات الضعيفة”. ويبدو الأمر وكأنه برميل بارود محتمل، مع وجود تشابه مع الظروف الإقتصادية التي سادت في أواخر سنوات مبارك.

المصريون يعرفون أن الفساد مُتفَشٍّ. وهم يرون مشاريع “الفيل الأبيض” بمليارات الدولارات – عاصمة جديدة في الصحراء خارج القاهرة، وتوسّعاً غير ضروري لقناة السويس – بينما يكافحون أكثر من أجل البقاء. إنها حالة تجعل حتى أقوى حاكم والأكثر ثقة عرضة لانفجار السخط الشعبي.

  • فريدا غيتيس كاتبة في الشؤون العالمية. مُنتجة ومراسلة سابقة لشبكة “سي أن أن”، وهي مساهمة منتظمة في شبكة “سي أن أن” و”واشنطن بوست”. يظهر عمودها الخاص في “وورلد بوليتيكس ريفيو” كل يوم خميس. يُمكن متابعتها على تويتر: @fridaghitis.
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرَّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى