اللقاء الأبتر

بقلم راشد فايد*

قد يُعقد “اللقاء الوطني” في لبنان، وقد لا يُعقَد، أو يكون أبتراً، نسبة إلى تسمية أطلقها الرئيس نبيه بري على حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بعدما تركها الوزراء الشيعة. لا تهم التسمية، بل سبب الدعوة، وهل من موجب يستعجل انعقادها؟ يقول رئيس الجمهورية، العماد ميشال عون، للصحافيين الإقتصاديين إن الموضوع الأساس للحوار هو “تحصين السلم الأهلي”، وهو عنوانٌ لكل الفصول طالما في لبنان سلاح خارج قرار الدولة، وأصحابه لا ينوون تركه، ويجهرون بولائه لغير لبنان. مع ذلك بقي هذا التحصين مظلّة لفريقٍ يلجأ إليها، من وراء ستار الوطنية، كلما أحسّ بخطرٍ دولي أو إقليمي، ولا يلبث أن يسقطها حين يستشعر قدرته على قلب الطاولة، من “الإتفاق الرباعي”  في العام 2005، إلى كل اتفاق تهدئة لاحق، وصولاً إلى “التطنيش” الراهن على السلاح وميليشياته، ومنطق الكيبوتزات في الحمايات المستترة، في ليالي المدن “المُعادية”.

الطريف أن يترك “العهد” للوجه اللطيف للثنائية الشيعية، الرئيس نبيه بري، فضل اقتراح اللقاء، وتسويقه، على أن ينعقد في القصر الجمهوري، لكأنما في ذلك إعادة تأهيل لموقع الرئاسة بعدما تورطت في انحيازات غير مُستساغة، مرة للصهر (جبران باسيل) في مشاريعه، ومرّات لخرق الدستور، ما بكّر بترهّل العهد، وعجّل باستفحال المعارضة له، على غير عادة العهود السابقة التي كانت تضعف آخر سنتين من ولايتها الدستورية. وإذا كان ذلك ما يُفسر “عونة” بري، فإنه يشي أيضاً بأن من يلعب دور الحاضنة الوطنية ليس صاحب العهد، بل طرف آخر قادر على أن يلعب هذا الدور، وإن اتهمت جماعته الميليشياوية بالشغب والحرائق.

والعجلة في “تحصين السلم الأهلي”، جاءت فيما يتحسّس “حزب الله” من تطبيق قانون “قيصر” الخاص بسوريا، وانعكاساته على قتال الحزب فيها، خلافاً للإجماع اللبناني، وقرار الدولة اللبنانية، وتزايد الحديث عن معابر التهريب على الحدود، فيما لا يُبرَّأ الثنائي الشيعي من اعمال التخريب التي طاولت مصارف ومؤسسات في وسط بيروت، بينما الوضع النقدي يتخبط بالفشل الرسمي والحكومي في ادارته، في غياب أي بارقة أمل جدية من اللقاءات مع وفد صندوق النقد الدولي. كل ذلك، يرفع حمى القلق في انتظار التجديد الأممي لقوات الطوارئ الدولية في الجنوب، ومع اقتراب صدور أحكام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في حق المتهمين باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

عملياً، السؤال الذي يجب أن يُشغِل المدعوين، لا سيما من لا يأتلفون وسياسة “حزب الله”، هو عن جدول أعمال هذا الحوار المُستَجِدّ. فهل” تحصين السلم الأهلي” الذي يريده الرئيس عون هو بإعلاء قرار الدولة واحتكارها أسباب القوة، كما كل دول العالم، أم بتقديم الغطاء الوطني لمشروع تهميش هذه الدولة واستكمال قضمها؟

خطاب السيد حسن نصر الله الأخير، ومقابلة نائبه الشيخ نعيم قاسم، يقولان أن للتحصين عندهما مفهوماً آخر! بينما عند غالبية اللبنانيين، حوار من دون طرح الاستراتيجية الدفاعية والنأي بالنفس وانتخابات نيابية مبكرة لا قيمة له.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني التالي: fayed@annahar.com.lb
  • يُنشَر هذا المقال في الوقت عينه في صحيفة “النهار” اللبنانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى