خالد فيليب سالم

هنري زغيب*

أُواصلُ بحثي عن لبنانيين شباب في العالَم، بارعين في أَعمالهم، أَوفياءَ للبنانهم، مع أَملٍ كبيرٍ أَن نراهم يعودون ذات ربيعٍ مع رفٍّ عائد إِلى أَرضنا من أَفواج السنونو الراجعة إِلى سماء لبنان. وأُطلُّ اليوم على شاب لبناني، لم يبلُغ ربيعه الأَربعين بعد، لكنه بلغَ نجاحًا في حقل اختصاصه يخوِّله الانطلاق إِلى نجاحٍ أَعلى، من دون أَن يُشيح عن وفائه إِلى أَرضه الأُم. وكيف يُشيح عنها وهو ابنُ كبيرٍ من لبنان، غيرِ عاديٍّ، يجاهرُ في محاضراته ولقاءَاته العامة ومن أَعلى المنابر: “أَنا لبنانيٌّ أَحمل جنسيةً أَميركيةً لم تُبعدْني لحظةً عن هويتي اللبنانية”.

بلى: مَن والدُهُ الدكتور فيليب سالم، لا بدَّ أَن يكونَ ابنَ أَبيه في وفائه ولبنانيَّته: هذا هو اللبناني الشاب خالد فيليب سالم.

وأَن يكونَ والدُه جعل بلدته الكورانية بطُرَّام عاصمة هيوستن، طبيعيٌّ أَن يَدرُج هو، منذ طفولته الأُولى، في بطرَّام أَبيه، في شوارعها، في بساتين زيتونها، وفي البيت الذي شهِدَ مُربَّعُه القديم ولادةَ أَبيه قبل ثمانية عقود.

وُلد خالد في 28 شباط/فبراير 1984. وما بلغ الثالثة حتى حملَه والدُه إِلى هيوستن. وهناك راح يتدرَّج نجاحًا مدرسيًّا فجامعيًّا حتى تخرَّج من جامعة تكساس بتفوُّقٍ لافتٍ في اختصاص إِدارة الأَعمال.

ولم يُطِل الانتظار، فراح ينشَط في حقل صعبٍ وواسعٍ هو ميدانُ العقارات، المتطلِّبُ مهارتَين: الجُرأَةَ في الإِقدام، وارتقابَ السوق العقاري، وهذان امتَلَكَهُما خالد، وراح يرقى من نجاحٍ إِلى نجاح، حتى تَكوَّنَ له وضعٌ لوجستي مريح، كان يمكن أَن يستثمرَه وحدَه لهناءَته ورغده الشخصي. لكنه أَبى، فدَمُهُ لبنانيٌّ عريقٌ، وشهامتُه لبنانيةٌ كورانيةٌ بْطُرَّامية. لذا أَسَّس قبل سنواتٍ مدرسةً في هيوستن خاصةً بالأَولاد غير الميسورين، فيها من الصفوف الأُولى حتى الصف الخامس ولا تزال هذه المدرسة حتى اليوم تستقطب التلامذة باطِّراد متزايد.

يكتفي؟ كلَّا. اتَّصل بجامعة تكساس في أُوستِن، وهو خرِّيجُها، وقصدَ كلية “ماك كومبْس” لإِدارة الأَعمال فيها، وهي إِحدى أَكبر كليات إِدارة الأَعمال في كل أَميركا، تُهيِّئُ قادة للمستقبل بتقديمها لهم أَعلى مستوى اختصاص وبراعةِ تداول في المجتمع، وتُخرِّج سنويًا نحو 6000 طالب بين شهادات البكالوريوس والماسترز والدكتوراه. في حرَم هذه الكليَّة الكبرى، نجحَ خالد فيليب سالم في تأْسيس ما أَسماه “مركز سالم للسياسات الاقتصادية” وهو مركزٌ مستقلٌّ ولو انه ضمْن كلية إِدارة الأَعمال في تلك الجامعة الكبرى.

هكذا، منذ سنوات، يُخرِّجُ “مركز سالم للسياسات الاقتصادية” دفُعاتٍ من الطلاب يفتح لهم آفاق العمل وفضاءات النجاح، بتدريبهم على القيادة في ميدان الأَعمال، وفي هندسة السياسات الاقتصادية، كما عبَّر عن ذلك رئيسُ جامعة تكساس جاي هارتْزِل.

غير أَن هذا النجاح في الأَعمال، عقاريًّا وتجاريًّا واقتصاديًّا في المركز الجامعي الذي يحمل اسمه، لا يُعيق خالد عن الحج دوريًّا إِلى بْطُرام، وهو زارها قبل أَسابيع مرافقًا والدتَه وَداد يوم التحقَت بوالده الْكان يُمضي أَعذب أَيامه في بلدته الأُم.

وعن والده الدكتور فيليب سالم أَنَّ خالد يتَّصل به دائمًا، مستفسرًا عن جديدِ ما في لبنان، ومحاولًا تقديمَ ما يستطيعه، هو الذي لا يُقام أَيُّ نشاط لبناني، في هيوستن خصوصًا وفي تكساس عمومًا، إِلَّا ويكون لخالد فيليب سالم إِسهامٌ في إِنجاح هذا النشاط.

طبيعيٌّ أَن يكون خالد داعمًا أَيَّ نشاط لبناني يقيمه لبنانيون هناك، فلا بد أَنَّ في قلبه تتردَّدُ عباراتٌ من والده فيليب سالم الذي كتابُه “رسالةُ لبنان ومعناه” هو كنْزٌ للبنانيَّة لبنان، وهو الذي صدَّر كتابه “فلسفة التمرُّد والثورة” بهذه العبارة/الشمس”: “أَنا قوميٌّ لبنانيٌّ حضاريٌّ، أَبي هو هذا اللبنان، أُمي هي هذه الأَرض، وأَهلي هم جميعُ اللبنانيين”.

إِن مَن أَبوهُ هذا اللبنانيُّ الكبير، طبيعيٌّ أَن يَنشأَ في ظلِّه ابنُه اللبنانيُّ الشاب وفي قلبه جناحان: جناحُ ولاءٍ لأَميركا التي احتضَنَتْهُ ووفَّرَتْ له فضاءَ النجاح، وجناحُ وفاءٍ للبنانَ وبْطرَّامِهِ الأُم التي في قلْب خالد فيليب سالم تَنبُضُ يوميًا بعبقرية لبنان اللبناني.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com  أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى