الأردن يتَطلّع إلى الإستقرار في سوريا ليحل مشكلة اللاجئين على أراضيه
الإنتصارات التي حققها نظام الأسد أخيراً في جنوب غرب سوريا تُتيح للأردن فرصةً لفتح الحدود والمساهمة في إعادة الإعمار، الأمر الذي يُمكن أن يُشجّع اللاجئين على العودة.
بقلم لينا حداد كريديه وجيسي ماركس*
على الرغم من الإنتصارات التي حقّقها نظام الأسد أخيراً في جنوب غرب سوريا، لا سيما في الغوطة الشرقية ودرعا، إلّا أن الهواجس الأمنية تُعطّل آفاق عودة اللاجئين السوريين في الأردن. الجدير بالإشارة إلى أن أكثر من نصف اللاجئين السوريين المسجّلين في الأردن، ومجموعهم 660,000، يتحدّرون من الجنوب المتنازَع عليه، الذي يضم درعا والقنيطرة والسويداء وريف دمشق. في الواقع، يمكن أن يكون هذا الرقم أكبر، فعددٌ كبير من اللاجئين السوريين غير المسجّلين في الأردن، ويُقدَّر مجموعهم بـ643,000، عبروا إلى الأردن من المحافظات المجاورة الواقعة جنوب غرب سوريا، لا سيما محافظة درعا، خلال مرحلة “سياسة الحدود المفتوحة” التي إعتمدتها المملكة وانتهت في العام 2015. لهذا السبب، غالب الظن أن الجنوب الغربي سيكون الوجهة الرئيسية للعائدين.
قبل الهجوم في الجنوب الغربي، شكّلت التصورات عن تحسّن الأمن والأمان، فضلاً عن الرغبة في إجتماع الشمل من جديد مع العائلة، محفّزات كافية لنحو 17,000 سوري كي ينظّموا عودتهم بأنفسهم بين كانون الثاني (يناير) 2016 وحزيران (يونيو) 2018. إنما غالب الظن أن التحوّلات الديموغرافية، والدمار الواسع، والخوف من الإعتقال أو الإحتجاز من جانب النظام، والتجنيد الإلزامي ستُثني عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين عن العودة. ويشرح محمد، وهو لاجئ في الأردن كان مُعتقلاً في سوريا: “قد يُعيدني النظام إلى السجن. أعرف رجلَين أو ثلاثة إعتُقلوا لدى عودتهم. مع أنني لم أفعل شيئاً، ثمة إحتمال كبير بأن تُقدم السلطة على إعتقالي”. ويقول إسماعيل، وهو أيضاً لاجئ سوري: “لا مكان نعود إليه. فقدنا عدداً كبيراً من أفراد العائلة… في حال قررت العودة، قد أُرغَم على [القتال في] إدلب”.
لقد إنهارت إلى حدّ كبير المحاولات التي بذلتها عملية أستانة بقيادة روسيا لإنشاء مناطق آمنة لخفض التصعيد بغية تحفيز السوريين على العودة، وذلك بعدما شنّت القوات الروسية والجيش السوري هجمات شاملة لاستعادة السيطرة على هذه المناطق، خصوصاً على درعا والغوطة الشرقية. وقد أعرب معظم اللاجئين من درعا الذين إلتقيناهم في الأردن، عن عدم ثقتهم بهذه المناطق لأنها أُنشِئت تلبيةً لمصالح اللاعبين الكبار في النزاع – روسيا وتركيا وإيران والولايات المتحدة والأردن – وليس مصالح السوريين. وتقول فاطمة، وهي طالبة سورية في مخيم الزعتري: “أحبّ بلادي. أريد العودة إلى مسقط رأسي في درعا، لكن لسوء الحظ، لا نثق عائلتي وأنا بأحد هناك، ولا حتى بالجيش السوري الحر”.
بالنسبة إلى الأردن، يتطلب بسط الأمن في المنطقة الواقعة جنوب غرب سوريا وإعادة إعمارها بغية توليد ظروف مؤاتية لعودة اللاجئين، إنخراطاً ديبلوماسياً مع روسيا والحكومة السورية. لقد أشار الأردن إلى أنه ينتظر إستتباب الأوضاع في الجانب الآخر كي يفتح حدوده أمام التجارة وحركة المدنيين. وينتظر، على وجه التحديد، التخلص من العوامل المُفسِدة المُحتَمَلة (مثل المجموعات المدعومة من إيران) التي يمكن أن تؤدّي إلى هروب السوريين عبر الحدود من جديد. على الأرجح أن الحضور الروسي الضعيف في الجنوب ليس كافياً للحؤول دون تجدُّد العنف في المنطقة، إنما بإمكان الأردن وروسيا أن يعملا على مأسسة مجموعات المعارضة “التي عقدت مصالحة” مع النظام – والتي يمكنها الإختيار بين مغادرة المناطق التي إستعاد النظام السيطرة عليها أو الإندماج في الجيش – وتحويلها إلى قوة أمنية معنية بمكافحة الإرهاب. بإمكان هذه القوى أن تُفكّك ما تبقّى من الشبكات الإرهابية عند حدود الأردن الشمالية، وتساهم في بسط الأمن في الجنوب الغربي من أجل إعادة الإعمار.
الأهم أنه من شأن بسط الأمن في جنوب غرب سوريا أن يُتيح للأردن إعادة فتح حدوده التي أُغلِقت منذ العام 2015 لدواعٍ أمنية، والتخفيف من أعبائه الإقتصادية. والحدود المفتوحة تمنحه وصولاً إلى الأسواق في جنوب سوريا وإلى الطرقات التجارية المؤدّية إلى المنطقة الأوسع. وعلى وجه التحديد، في حال إنطلقت عملية إعادة الإعمار، فقد يولّد ذلك نشاطاً للشركات الأردنية التي تنتج مواد للبناء ومواد غذائية وتصدّرها إلى سوريا. ومن شأنه أن يستحدث أيضاً وظائف في عملية إعادة الإعمار في سوريا، ويُحفّز عودة اللاجئين الذين بات كثرٌ منهم يعانون من الفقر في غياب الوصول إلى الوظائف.
يُبدي الأردن، إنطلاقاً من موقعه الإستراتيجي، تصميماً على أداء دور مهم في جهود إعادة الإعمار في سوريا، وقد إستقطب إستثمارات دولية لضمان قدرته على النهوض بهذا الدور. فقد أعربت الصين، التي إستثمرت ما يزيد عن مليارَي دولار منذ العام 2015 لتعزيز البنى التحتية وقطاع الطاقة في الأردن، عن رغبتها في الإستثمار في الأردن كمركز لجهود إعادة الإعمار في سوريا والعراق. وفي 10 تموز (يوليو) الفائت، قرنت الصين القول بالفعل عبر الإعلان عن خطة إنمائية طموحة للشرق الأوسط، تشتمل على قروض بقيمة 20 مليار دولار مخصصة لإنماء المنطقة، ونحو مئة مليون دولار لمساعدة الأردن وسوريا ولبنان واليمن في جهود إعادة الإعمار. فضلاً عن ذلك، تحصل المملكة على بعض المساعدات المالية والاستثمارات من الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، اللذين ينشطان في العمل داخل الأردن إستعداداً لمرحلة إعادة الإعمار في سوريا والعراق.
لن تكون العودة مُمكنة لجميع السوريين، إنما باستطاعة الأشخاص الذين يَمكثون في الأردن المساهمة في إعادة الإعمار. بالنسبة إلى كثيرين، يُبدّد الفقر الآمال بالعودة. إن دمج العمّال السوريين في السوق الأردنية، عملاً بإحدى التوصيات الرئيسة الصادرة عن المفوضية الأوروبية، يساهم في تدريب اللاجئين السوريين على العمل في قطاعات سوف ترتدي أهمية أساسية لإعادة إعمار بلادهم. ويهدف الميثاق الأردني الصادر في العام 2016، والذي يحظى بموافقة دولية، إلى دمج اللاجئين السوريين في عدد محدود من القطاعات في سوق العمل الأردنية – لا سيما الإنشاءات والزراعة والأقمشة، وهي قطاعات لا يُقبِل الأردنيون عادةً على التوظّف فيها – ويُمكن أن يشكّل إطار عمل في هذا السياق. بيد أن تطبيقه بطيء، لا سيما على ضوء محدودية الفرص الوظيفية في القطاعات المذكورة. إشارة إلى أنه لم يصدر سوى 87,000 تصريح عمل من أصل 200,000 كان من المنوي إصدارها للاجئين السوريين، وهذا الرقم يجسّد مجرد شريحة صغيرة من مجموع السوريين في الأردن. وعلى الرغم من النمو البطيء، غالب الظن أن الصناعات والقطاعات التي تُتيح توظيف السوريين بموجب الميثاق الأردني، سوف تزداد في حال فتح الحدود، وذلك بسبب تجدُّد الوصول إلى السوق الجنوبية السورية والحاجة إلى إعادة الإعمار. ويمكن أن تُترجَم الإندفاعة الممنوحة لهذه القطاعات مزيداً من الوظائف، للسوريين العائدين وأولئك الذين يمكثون في الأردن على السواء.
أبعد من العوائق الإقتصادية التي تعترض العودة، يخشى عدد كبير من السوريين المخاطر التي قد يواجهونها في حال العودة. فبالنسبة إلى عدد كبير من العائلات في درعا التي شارك أقرباؤها في المعارضة أو كانوا على صلة بأفراد في المعارضة، يبقى الخوف من الإنتقام على يد الحكومة عائقاً أساسياً أمام العودة، لا سيما بعد سقوط الجنوب الغربي. يستضيف الأردن على أراضيه كوكبة منوّعة من القادة والمقاتلين والنشطاء المعارضين، والمنشقّين من الجيش السوري الذين هم معرَّضون على وجه الخصوص لملاحقة وعنف النظام في حال العودة. وعلى الرغم من أن الحكومة السورية قدّمت عفواً عاماً للمقاتلين الذين “يتصالحون” مع الدولة عبر إنضمامهم إلى الجيش أو القوة القتالية التابعة للنظام في غضون ستة أشهر، إلّا أن ذلك لا يؤمّن حماية قانونية أو ضمانات لسلامتهم في المدى الطويل. والخيارات المطروحة راهناً – بين إنضمامهم إلى القتال لحساب بشار الأسد، ما يعني التعرض على الأرجح لسوء المعاملة بصورة منهجية أو الإنتشار عند الخطوط الأمامية، وبين نقلهم إلى إدلب – سوف تثني في الأغلب السوريين عن العودة إلى ديارهم بدلاً من تشجيعهم على العودة.
يبقى التحدي الأبرز المطروح على الأردن النزوح المطوّل لـ1.3 مليون لاجئ سوري داخل حدود المملكة. تقتضي معالجة هذه المسألة تخطيطاً إستراتيجياً طويل الأمد بين الحكومة والمفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، وسواها من وكالات الأمم المتحدة، ومجموعات المساعدات الدولية – ليس فقط من أجل تأمين عودة اللاجئين الطوعية والآمنة والمستدامة إلى سوريا، إنما أيضاً لضمان إستقرار الأردن واستمراريته. لكن فيما يعمل الأسد على تثبيت سلطته في الجنوب، أمام الأردن فرصة سانحة لتمهيد الطريق نحو بسط الإستقرار في المدى الطويل، والذي يُعتبَر ضرورياً لإحياء الأمل بالعودة لدى السوريين في الأردن.
• لينا حداد كريديه زميلة في برنامج توبيس في مركز” Ethics and Morality Center” في جامعة كاليفورنيا في إرفين، وباحثة في برنامج فولبرايت الأميركي في العاصمة الأردنية عمّان. وجيسي ماركس زميل في برنامج فولبرايت وزميل في برنامج سكوفيل للسلام مُقيم في عمّان.
• عُرِّب هذا المقال عن الإنكليزية.
• يستند هذا المقال إلى مقابلات أُجريَت مع لاجئين سوريين في الأردن بين كانون الثاني (يناير) وتموز (يوليو) 2018.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.