مسألة تسليح الجيش…. لمن يهمه الأمر
بقلم الدكتور هشام جابر*
تسليح الجيش عبارة ترددت وتترد منذ سنوات، وإحتلت العناوين الاولى بعد معارك عرسال الأخيرة، حيث قاتل الجيش، بصدور ضباطه وجنوده، مستنداً إلى عقيدته القتالية، ومعنوياته المرتفعة، وشجاعة لا حدود لها.
بدايةً أرى إستبدال عبارة تسليح الجيش، بعبارة إعداد الجيش وتجهيزه. لأن الجيش وإستطراداً القوات المسلحة هي عديد وعتاد، ومعنويات، وعقيدة قتالية، والتدريب هو تحصيل حاصل لإستخدام العتاد بالوجه الأفضل، وتطبيق التكتيكية القتالية بالصورة الأمثل.
تعتمد الجيوش عادة إستراتجية دفاعية أو هجومية استناداً للعدو المحتمل المسمُى “Potential Enemy” أو Enemie” Eventuel”.
ولبنان لديه عدو ثابت تجاوز مرحلة الإفتراض هو العدو الاسرائيلي بناءً على وثيقة الوفاق الوطني، التي أمست دستوراً. ثم برز عدو مداه يهدد الكيان والإستقرار وهو “الإرهاب”، بمختلف أشكاله وتسمياته.
لذا رأينا وكتبنا كما غيرنا، على أن الإستراتجية الدفاعية التي طرحت منذ سنوات لم تزل كلاماً يُردّد وإجتماعات تُستذكر.
ولم يتح لها حتى أن تترجم حبراً على ورق. والإستراتيجية الدفاعية تتضمّن في خطوطها العريضة نواة هي جيش قادر، رادع لأي عدوان، تسانده قوى وطنية غير نظامية تسمى “Para Military Forces” تتألف من مجموعات مسلحة، مستقلة في تجهيزاتها وأدائها، وتمثل شرائح الوطن إجتماعياً وجغرافياً وديموغرافياً. وتبرز عندما يدّق النفير وتنسّق مع الدولة بخيوط رفيعة إنما متينة وخفية يتفق عليها بقانون وتعليمات تطبيقية.
وبعودة الى الجيش ، بدءاً من العديد، حيث لا يتجاوز عديده العامل ال45 ألفاً، منهم 35% على الأقل في الإدارة واللوجستية، والنسبة هي كما في كافة جيوش العالم . لذا يقتضي زيادة عديد الجيش بنسبة لا تقل عن 50% ومصدره هو التطويع والخدمة العسكرية الإلزامية.
يتم التطويع بـ(القطاٌرة) لأسباب مادية، تتعلق بالموازنة وحفظ التوازن الطائفي. وكذلك التجهيز بالسلاح والعتاد الذي يعتمد بمعظمه على الهبات التي تقدمها بعض الدول الصديقة، ومنها الولايات المتحدة الأميركية التي تخص لبنان بمساعدات عسكرية تدرج على السنة المالية كل عام، وتتراوح بين الخمسين والمئة مليون دولار، معظمها آليات خفيفة وناقلات جنود وبرامج تدريب.
لذا فإننا نرى ولإتمام العديد، ضرورة إعادة قانون الخدمة الإلزامية وفتح باب التطوع، سيما لأفواج المغاوير، والقوات الخاصة، بما فيها المجوقل، والتدخل إلخ. وللوحدات الأخرى سواء كانت لوجستية أو قتالية لسدُ النقص بالمواصفات المطلوبة.
وتجهيز الجيش ونعني به هنا القوات المسلحة التي تتضمن القوات البرية، والجوية، والبحرية. فإستناداً إلى دليل الدفاع العالمي (مجلة الدفاعية) لعام 2013. لا يتجاوز عديد سلاح الجو 1340 جندياً، ورتيب، وضابط، والبحرية 1024 عنصراً.
ومن دون الدخول في تفاصيل رقمية أخرى وهذه تحتاج الى جداول وصفحات يمكن إختصار حاجات الجيش بمايلي :
القوات البرية
سلاح المشاة: أسلحة فردية نوعية، ناقلات جند، مدرعات خفيفة، مدولبة، ومجنزرة، وبرمائية “BTR”، وصواريخ م/د متطورة “Milan , Taw”، أو ما يعادلهما.
سلاح المدرعات : دبابات خفيفة متطورة وأسلحة مضادة للدروع.
سلاح المدفعية : مدافع ميدان مختلفة المدى، صواريخ أرض – أرض.
سلاح الإشارة : أجهزة إتصالات حديثة لخدمة وحدات المشاة البحرية والطيران. كذلك تزويد أسلحة الهندسة والاشارة والنقل. بعتاد متطور تحدد قيادة الجيش أنواعه وعدده.
القوات البحرية
لدى لبنان شاطئ بطول 250 كلم. لذا فهو بحاجة الى تطوير سلاح البحرية بعشرات الزوارق للدورية والدعم والإنزال بالإضافة الى بطاريات صواريخ أرض – بحر متحركة وفعالة.
الطيران او القوات الجوية
لبنان ليس بحاجة إلى طائرات مقاتلة “Fighter” لعدم جدواها بالمقارنة مع سلاح الجو الإسرائيلي، بل بحاجة الى طائرات قاذفة، وطائرات خفيفة لمساندة القوات البرية، وبحاجة الى أسراب من المروحيات لنقل أفواج النخبة (المجوقل والمغاوير والتدخل). وأخرى قاذفة من طراز “الأباتشي” وما يعادلها كالمروحية الروسية “Alligator” والتي يبلغ سعرها أقل من صنف مثيلتها الاميركية.
وبالإضافة الى ما تقدم فإن لبنان بحاجة ماسة إلى منظومة دفاع جوي متطورة قوامها الصواريخ أرض – جو لحماية القوات البرية والقواعد الجوية والبحرية من أي عدوان جوي اسرائيلي محتمل.
ومجرد الحصول على هذه المنظومة فإنها تشكل رادعاً حقيقاً.
مصادر التمويل
الهبات غير المشروطة سياسياً، من أية دولة صديقة وشقيقة أتت. مع التفاوض بشأن إستبدالها في حال عدم الحاجة إليها. كما حصل بالنسبة إلى طائرات الميغ 29، حيث اقترحنا طلب إستبدالها بمروحيات وهذا ما حصل. وفي المناسبة علمنا بأن الوزير الروسي “سيرغي لافروف” سأل الوزير اللبناني جبران باسيل، في أثناء زيارته الأخيرة الى موسكو، عن التأخير في تسلّم المروحيات الروسية حيث تبيّن ان ذلك يتطلب دفع مبلغ زهيد بالمقارنة مع قيمتها لم يتوفر في الخزينة اللبنانية. حيث تصرف الملايين على وفود رسمية وسيارات فخمة لمواكبة وزير هنا وآخر هناك وعلى إعتمادات لمشاريع غير مجدية إلخ.
وإدارة الهبات بشفافية مطلقة حيث أن أحد أسباب تجميد الهبة السعودية الكبرى 3 مليارات دولار، كما علمنا أن هنالك عمولات رُصدت لفرقاء لبنانيين وفرنسيين من خلال شركة “ODAS” الإستشارية الفرنسية التي خصص لها نسبة %5 من الصفقة مما أثار ريبة الجانب السعودي، ثم جاءت هبة المليار دولار التي أعلن عنها الرئيس سعد الحريري، وقبلتها الحكومة مجتمعة. ونتمنى أن توضع في المصرف المركزي لحساب وزارة الدفاع الوطني، شأنها شأن أية هبة عينية نقدية مرتقبة، بعد تحرك وطني ديبلوماسي لدى دول مانحة، سواء من دول الخليج العربي القادرة، أو الدول الصديقة، التي شاركت في مؤتمر روما هذا العام.
صندوق التسلح يفتح حساباً خاصاً بتسليح وتجهيز الجيش في المصرف المركزي يغذٌى مما يلي:
مليار ونصف دولار سنوياً من ضمن الخطة الخمسية التي أعدتها قيادة الجيش.
الهبات النقدية من داخل لبنان وخارجه بعد القيام بحملة إعلامية جدية داخلياً وخارحياً.
إقتطاع نسبة 2.5% من الرواتب التي تفوق الخمسة ملايين ليرة و5% من التي تفوق العشرة ملايين ليرة شهرياً في القطاعين العام والخاص ولمدة خمس سنوات.
تسوية أوضاع الأملاك البحرية المغتصبة والمخالفة للقانون حيث يقدر إذا ما نفذت أن تجني الدولة مليارات الدولارات يخصص منها %10 لصندوق الجيش.
ضرائب نسبية ضئيلة على “السوبر” كماليات، وعلى المعاملات التجارية، والعقارية، وخلافها وهي ضمن لائحة طويلة، بشكل لا يرهق المواطن، ولا يؤثر على الإستثمار.
إستعادة الأموال المسروقة من الدولة تحديداً وزارة المال خلال العقود الماضية.
وهذا غيض من فيض، ويمكن اختصاره بما يلي:
هبات السلاح والعتاد والإنشاءات، توفّر صرف المبالغ النقدية من موازنة وصندوق التسلح والتجهيز. وما تبقٌى، يُسمح للجيش اللبناني بشراء ما يريد ومن حيث يشاء. فما تمنعه أميركا بسبب اسرائيل تسمح ببيعه دول أخرى منها روسيا، والصين ، وايران، ودول أخرى لا طموحات سياسية لها في هذا البلد، ولا خطوط حمراء، ولا يشكل التعامل معها أو يلمس “فوبيا” مصاب بها فريق لبناني ولا يحرك عقدة نفسية لدى أية طائفة أو تجمع أو أي حزب أو أي تيار .
• عميد ركن متقاعد في الجيش اللبناني، ورئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة