
هنري زغيب*
لن يكون لأَحدٍ أَن يحدِّد هذا الكائن العجيب الذي هو الشعر. أَقصى ما يمكن تعريفه أَنه فن جميل يتيح التعبير بالكلمات عن المشاعر. من عصرِ إِلى عصر ومن جيلٍ إِلى جيل، يبقى هو ذاتُه جوهرًا وتعبيرًا. له قدرة عجيبة على هَزِّ عواطفنا وإِلهامنا، ويَصلنا بالعالَم عبر القصائد في جميع الثقافات والأَزمنة.
في الحلقة السابقة (الأُولى) كتبتُ عن الشاعرة الهندية الفرنسية روبي كور.
في هذه الحلقة شاعرتان أُخريان من أَشهر شاعرات العالَـم انتشارًا وترجماتٍ إِلى لغاتٍ عالَمية، وتأْثيرًا في مجتمعاتهن.
- راشْمي تريفيدي Rashmi Trivedi
“أَكتُب لأُعبِّر لا لأُعْجِب أَو أُدهِش أَو أُؤَثِّر”. بهذه الحكمة الأَدبية وضعَت كتبها السبعة التي حقَّقت أَعلى الأَرقام مبيعًا طيلة أَسابيع. فهذه الشاعرة الهندية (مولودة سنة 1977 في مدينة بوكارو من ولاية جاهارخَند) لمعت باكرًا منذ مطالعها. وهي امرأَة عاملة، وكاتبة غزيرة الإِنتاج شعرًا ونثرًا. انغمَست باكرًا في حياتها المهنية، نائبة المدير العام لدى شركة هندية في دلهي. وهي زوجة موظف كبير في مؤَسسة حكومية، ولها منه ولدان. ومع عملها، وأَسفارها المتتالية وقراءاتها المكثَّفة، بقيَت تجِدُ الوقت كي “تعبِّر” بكتاباتٍ لها، لم تحدُس يومًا أَنْ ستحمل لها الشهرة العالمية.
بدأَت تكتُب قصائدها في دفتر خجول، ثم أَخذَت تباعًا تقرأُ منها لصديقات ونسيبات في العائلة، فلاقت في تشجيعهم ثقةً بنصوصها، وحافزًا لها، فأَخذَت تنشرها على صفحة منصَّتها الشخصية. ولَما كانت لها نظرة خاصة إِلى الحياة، وشغفٌ خاص باكتشاف كل جديد، بدأَت تشعر أَنَّ نظرتها مغايرة، وجديرة بالنشر. لذا أَخذت تُكثر من الكتابة ومن النشر. نشرت على حسابها سنة 2016 كتابها الأَول “يا امرأة.. سيكون كلُّ شيْءٍ إلى الأَفضل”، فكان لافتًا وساطعًا ما لاقاه من رواج وشهرة واسعة، واحتلَّ لأَسابيع طويلة المرتبة الأُولى في مبيعات شبكة “أَمازون للتوزيع”.
عندها، حيال هذه الأَضواء العالَمية التي تسلَّطت عليها، أَصدرَت مجموعتَيْن تاليتَيْن: “حفنةُ شمس وزخَّةُ مطر في الجَيب” (2017)، و”ضميري المحتضِر”. ودخلت عالَم الرواية سنة 2018 في روايتها “من الرماد إِلى الأَحلام” واحتلت سريعًا المرتبة الثانية في مبيعات “أَمازون” (15 أَلف نسخة في خمسة أيام).
- إِليزابيت باريت براوننغ Elizabeth Barrett Browning
شاعرة إِنكليزية (1806-1861) من العصر الرومانسي الفيكتوري. تركت أَثرًا عميقًا في عالم الأَدب الإِنكليزي، خصوصًا بقصائدها القصيرة في الحب، معظمُها في مجموعة “قصائد من البرتغالية” (1850) مهداة إِلى زوجها الشاعر روبرت براوننغ. وهي حملَتْها إِلى الشهرة، لِما فيها من عُمق في العاطفة وزَخم في التعبير، حتى اعتبرَها النقاد أَجمل شعر الحب في الأَدب الإِنكليزي.
انتقلَت سنة 1835 مع عائلتها من مدينتها دورهام إِلى لندن وفيها أَخذَت تنشر بعضًا من قصائدها، وأَصدرت مجموعتها الأُولى “الساروفيم وقصائد أُخرى” سنة 1838. صدَمها موت شقيقها غرقًا فغرقَت في التشاؤُم واليأْس، وقررت الابتعاد عن كل تعلُّق عاطفي. وسنة 1844 صدرت مجموعتها الثانية “قصائد من إِليزابيت باريت” فكان رواجها حافزًا لها كي تواصل الكتابة.
في مطلع 1845 جاءتْها رسالة من الشاعر روبرت براوننغ يشجعها فيها على مواصلة الشعر لأَن لها موهبة فريدة. التقَتْهُ صيفًا، لكنها أَخفت ذلك عن والدها المحافظ التقليدي الذي رفض تلك العلاقة. لذا، بعد زواجها السرّيّ من روبرت (1846) أَصدرت مجموعة قصائد حبها روبرت مموِّهةً الاسم بعنوان “قصائد قصيرة من البرتغالية” (1850).
وعلى الرغم من معارضة والدها، سافرت مع زوجها إِلى بيزا (إِيطاليا) سنة 1848، وهناك نشرت كتابها “هربُ الجارية عند نقطة الحج” (بوسطن 1848 – لندن 1849) وهو اعتراض عنيف على استرقاق النساء في الولايات المتحدة، فلاقى شهرة عريضة. ثم انتقلت مع زوجها إِلى فلورنسا، وفيها ولد ابنها الوحيد سنة 1849. وخلال إِقامتها في لندن 4 سنوات (1851-1855) أَكملَت روايتها الشعرية الطويلة “أُورورا لي” وأَصدرتها سنة 1856في تسعة أَقسام عن قصة حب عاشتها الصبية أُورورا، فعرفت القصيدة شهرة واسعة جعلتْها في طليعة شاعرات الإِنكليز.
الحلقة الثالثة: شاعرات أُخريات.
- هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني، مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية، مدير “صالون فيلوُكَاليَّا الأدبي”، ورئيس “اللجنة الوطنية اللبنانية لنشر الإبداع اللبناني”. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر منصة (X): @HenriZoghaib
- يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت – دُبَي).