هل انتَهَت لعبةُ الحوثيين؟

يبدو أنَّ إدارة دونالد ترامب، حسب إعلان الرئيس الأميركي نفسه، قررت إضعاف جماعة الحوثي في اليمن على طريقة إسرائيل مع “حماس” و”حزب الله”، لذا سيُشكّل هجوم أميركي مُستمرّ لفترة طويلة تحدياتٍ خطيرةً للجماعة اليمنية.

حركة الحوثي: هل ستحل محل “حزب الله” كجوهرة التاج الإيراني؟

بورجو أوزتشيليك وبَرَاء شيبان*

في حين تآكلت القوة القتالية والترسانة العسكرية لوكلاء إيران الآخرين في ما يُسمى ب”محور المقاومة”، “حماس” و”حزب الله”، بشكلٍ كبير منذ الهجوم على إسرائيل في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، فقد نجت حركة الحوثي سالمةً نسبيًا. منذ الإعلان عن وقف إطلاق النار واتفاق الرهائن بين إسرائيل و”حماس” في كانون الثاني (يناير)، ظلّ الحوثيون على أهبّة الاستعداد كمنفّذين فعليين للاتفاق، مُحتَفظين بنفوذِ استئنافِ العنف في الوقت الذي يختارونه. في 11 آذار (مارس)، أعلن الحوثيون أنَّ الجماعة ستستأنف هجماتها في البحر الأحمر ردًّا على منع إسرائيل دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة. ويبدو أنَّ الولايات المتحدة تستهدف هذا التوازن غير المتكافئ في القوة بسلسلةٍ من الغارات الجوية المكثّفة التي قد تمتدّ إلى الأسابيع المقبلة.

يُمثِّلُ التحوُّلُ في السياسة الأميركية في عهد إدارة ترامب، من الضربات المُستَهدِفة إلى حملةٍ أوسع وأكثر عدوانية، تصعيدًا ملحوظًا. يَعكسُ هذا التغيير موقفًا مُتشدّدًا ضد الحوثيين، يتجاوز الاحتواء إلى التعطيل النشط لقدراتهم. ويشيرُ قرارُ استهدافِ القيادة السياسية إلى جانب الأصول العسكرية إلى رغبةٍ في تفكيك الهيكل التنظيمي للحوثيين، وليس فقط إضعاف التهديد العسكري المُباشر الذي يُشكّلونه.

ما الذي يُمكنُ أن تُحقّقه الضربات الأميركية؟

في أوائل آذار (مارس)، أعادت وزارة الخارجية الأميركية تصنيف الحوثيين كمنظّمةٍ إرهابية أجنبية، وفرضت عقوبات على مسؤولين ماليين رئيسيين، بمن فيهم محمد عبد السلام، المتحدث باسم الحوثيين وكبير مفاوضيهم. كان عبد السلام، الذي يسيطر على تكتل نفطي، والذي كان يحتكر سابقًا واردات النفط إلى شمال اليمن، وفقًا لمصادرنا اليمنية، قد انخرط في محادثات متواصلة بدأت في نهاية نيسان (أبريل) 2022 مع الجانب السعودي في سلطنة عُمان. وتشير تقارير مفتوحة المصدر إلى أنَّ المحادثات بدأت في تشرين الأول (أكتوبر).

بتنفيذ الضربات، تدعَمُ الولايات المتحدة مصالح حلفائها الإقليميين الذين يُواجِهون صعوباتٍ ناجمة من استمرار سياسات الحوثيين المسلّحة وتحريضهم على الحرب في اليمن وعبر حدودها. وكانت مصر الأكثر تضرّرًا من الاضطرابات الحوثية في البحر الأحمر، حيث خسرت ما يصل إلى 7 مليارات دولار من عائداتها عبر قناة السويس مع تجنُّبِ السفن هجمات الحوثيين في العام 2024. وللإمارات العربية المتحدة مصالح عسكرية وتجارية واقتصادية في منطقة البحر الأحمر، كما إنَّ المملكة العربية السعودية ظلّت عالقة في عملية ديبلوماسية متوقّفة منذ سنوات بدون أيِّ نهايةٍ في الأفق.

خلال المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار في غزة، التزم الحوثيون بوعدهم بعدم مهاجمة السفن التي ترفع العلم الإسرائيلي أو غيرها من السفن التجارية في البحر الأحمر. لكن انهيار اتفاق وقف إطلاق النار يُعيدُ حَشدَ الحوثيين لاستهداف إسرائيل مباشرةً، وهو ما فعلوه سابقًا عبر الطائرات المسيَّرة والصواريخ الباليستية، على الرُغم من اعتراض معظمها. ستحاول الضربات الأميركية، التي تهدف إلى شلّ قدرات كبار قادة الجماعة وتدمير بنيتها التحتية العسكرية، منع الحوثيين من اتخاذ إجراءاتٍ انتقامية.

ثانيًا، أدّى تحويل انتباههم عن النشاط الحركي في المياه الساحلية إلى تمكين الحوثيين من تهديد خصومهم السياسيين في المجلس القيادي الرئاسي اليمني. ويشكل احتمال سيطرة الحوثيين على اليمن خطرًا على مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط، إذ سيمنح إيران إمكانية الوصول إلى المنطقة الساحلية المرغوبة في البلاد، وميناء الحديدة الاستراتيجي، وحدودها مع المملكة العربية السعودية، ما قد يؤدّي إلى استخدام اليمن كمنصّةِ انطلاقٍ لزعزعة الاستقرار الإقليمي.

هل الحوثيون هم “حزب الله” المقبل؟

العامل المُعقّد هو أنَّ الحوثيين ليسوا مجرّد جماعة “بلطجية” أو جيشٍ مُتفرّق من قطّاع الطرق. بل إنهم، كحركةِ حُكمٍ متمرّدة، يسيطرون على اقتصاد حرب يُتيح لهم الاستفادة من التهريب غير المشروع للسلع، من الوقود إلى السجائر، بينما يجنون عائدات الضرائب ورسوم الطوابع ككيانٍ أشبه بالدولة بحكم الأمر الواقع في صنعاء وشمال اليمن، حيث يَدّعون السلطة السياسية. إنَّ حملةً عسكرية أميركية مُستمرّة قد تُضعفُ قبضةَ الحوثيين على موانئ اليمن وشبكات التهريب التي تُمَكّنهم من الاتجار بالسلع غير المشروعة، وشراء المكوّنات ذات الاستخدام المزدوج، وضمان صمودهم.

في السنوات الأخيرة، عُرِفَ عن مسؤولين رفيعي المستوى في “حزب الله” والحرس الثوري الإسلامي الإيراني دعمهم للحوثيين بالتدريب الفني وتبادل المعلومات الاستخباراتية. وفي أعقاب إطاحة نظام بشار الأسد في سوريا في كانون الأول (ديسمبر)، رصد بحثنا اتجاهًا تصاعُديًا في حركة قادة ومقاتلي “حزب الله” السابقين المتمركزين في لبنان وسوريا، بالإضافة إلى الميليشيات الشيعية من العراق، إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن.

في تقديرنا، يُعدُّ النشاط عبر الحدود عبر محور لبنان وسوريا والعراق باتجاه اليمن جُزءًا من اتجاه إعادة التعبئة وإعادة التنظيم مع تخفيض مكانة “حزب الله” و”حماس” استراتيجيًا. وللحوثيين وجود في العراق، حيث لديهم مكتب في بغداد ومكاتب أصغر في كركوك وجنوب العراق. وفي حين يصعب تأكيد ذلك، فقد أخبرنا بعض المصادر السرية داخل العراق أنَّ مقاتلي الحوثي يستخدمون معسكر تدريب في بلدة الخالص، محافظة ديالى، في منطقةٍ تسيطرُ عليها “كتائب حزب الله”. وتُشيرُ مقابلاتنا إلى أنَّ بعضَ العسكريين من قوات الحشد الشعبي (الهيكل شبه العسكري الشيعي المدعوم من إيران) قد تمَّ نشرهم خلال الأشهر الثلاثة أو الأربعة الماضية في اليمن لتدريب المقاتلين المحلّيين على تقنيات القتال الناشئة، ونشر الطائرات المسيَّرة المسلحة، وشن هجمات بالعبوات الناسفة. إنَّ التدخل المتبادل لمجموعات المحاور تُحسّنُ القدرات العسكرية للحوثيين وتكتيكاتهم العملياتية، وقد مكّنهم ذلك من مواصلة استغلال تهديد حقيقي ضد ممرات الشحن البحري.

لقد تحوّلَ ميزانُ القوى على طول المحور الإيراني لصالح الحوثيين في اليمن، الذين برزوا كأكثر الجماعات المسلّحة غير الحكومية تجهيزًا وتمويلًا، والمتحالفة مع إيران، في المشهد الأمني ​​الجديد عقب تراجع قدرات “حزب الله” الدفاعية والهجومية. بعيدًا من النفوذ الإيراني المباشر، انخرط الحوثيون أيضًا بشكلٍ انتهازي مع “حركة الشباب”، الفرع الصومالي لتنظيم “القاعدة”، وتنظيم “القاعدة في شبه الجزيرة العربية”. إنَّ وقوعَ الضربات الأميركية المستمرّة الآن، وبهذه الشدة، دليلٌ على هذا التلاحم بين الجهات المسلحة في جميع أنحاء المنطقة.

التراجُع، التعافي، أم الحل؟

في حين تراجع “حزب الله” لإعادة بناء قدراته العسكرية، أبدى الحوثيون عزمهم على التصعيد، ُموَجِّهين إنذارات نهائية لإسرائيل ومتصرّفين بوقاحة لتعزيز قبضتهم على السلطة المحلية. يرى الحوثيون أنفسهم يلعبون الدور الذي لعبه “حزب الله” سابقًا في لبنان. في الوقت نفسه، زاد الحوثيون من وجودهم في العراق، حيث اندمج أعضاؤهم مع الميليشيات الشيعية العراقية. نقل الحوثيون أيضًا بعض عملياتهم من اليمن إلى العراق، وأنشَؤوا شركات وهمية للاستفادة من النظام المالي العراقي الذي يعمل بأمر المصالح الإيرانية.

ساعدت إيران الحوثيين على نشر الطائرات المسيَّرة والصواريخ الباليستية. وتَعتبرُ طهران الجماعة حليفًا قيّمًا، ولن تتردّد في توجيه جهود الحرس الثوري الإيراني لتعزيز قدرات الحوثيين حتى في ظل الضغوط المحلية التي تتعرّض لها إيران بعد إنفاق مليارات الدولارات لدعم “حزب الله” و”حماس” ونظام الأسد. في المدى القصير، يكتسب الحوثيون بعض الاعتراف، ويمكنهم الصمود إذا لم يواجهوا ضغوطًا عسكرية قوية – وهو أمرٌ قابلٌ للتغيير في ظل إدارة ترامب.

ليس من الواضح إلى أيِّ مدى ترغب إدارة ترامب في المضي قدمًا في حملتها العسكرية الحالية. فبينما تُركز هجمات الحوثيين على الطرق البحرية، فإن المشكلة في جوهرها مشكلة برية. فسيطرة الحوثيين على طول الساحل الغربي لليمن هي ما يجعل هجماتهم أكثر حسمًا وتدميرًا. ويتَّفق معظم المراقبين على أنَّ شنَّ عملية برية من قِبل القوات الأميركية أمرٌ مستبعد للغاية، ما يعني وجود قيود واضحة على ما يمكن للولايات المتحدة تحقيقه بالوسائل العسكرية وحدها. إن سيطرة الحوثيين على جُزءٍ كبير من اليمن والتضاريس الجبلية تجعلهم قادرين على استيعاب حملة جوية.

مع ذلك، إذا استمرّت هذه الهجمات بالوتيرة نفسها لفترة طويلة، فسيُحفِّزُ ذلك خصوم الحوثيين على البدء في استغلال خسائرهم وعدم قدرتهم على نقل قواتهم بحُرِّية بين خطوط المواجهة المختلفة. الصراع في اليمن في حالة جمود، لكن الحوثيين لم يوقّعوا أيَّ اتفاق مع منافسيهم المحليين. كما ظهرت مظالم محلية خلال العامين الماضيين، والتي تَمَكَّنَ الحوثيون من قمعها بقوّة مفرطة. إنَّ الضغط الاقتصادي الذي يواجهه الحوثيون سيُصَعّب عليهم حشد المقاتلين وتمويل جولة جديدة من الصراع. يدرك الحوثيون أنهم في وضع غير مواتٍ حاليًا، لكنهم يُعوّلون على فقدان الولايات المتحدة اهتمامها وصبرها على مدار حملة عسكرية مطوّلة. بعبارة أخرى، فإن محدودية أميركا هي الشيء الذي سيعتمد عليه الحوثيون لتجنُّب انهيارٍ مُماثل لنظام الأسد و”حزب الله”.

  • بورجو أوزتشيليك هي باحثة أولى في أمن الشرق الأوسط في المعهد الملكي للخدمات المتحدة. يُمكن متابعتها عبر منصة “إكس” على: @BurcuAOzcelik
  • بَرَاء شيبان هو باحث مشارك في المعهد الملكي للخدمات المتحدة. يُمكنُ متابعته عبر منصة “إكس” على: @BShtwtr
  • يَصدُرُ هذا المقال بالعربية في “أسواق العرب” توازيًا مع صدوره بالإنكليزية في “فورين بوليسي” الأميركية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى