هل يَشطُبُ ترامب أسماءَ حُكّامِ سوريا الجُدُدِ من قائمةِ الإرهاب؟
لا تزال “هيئة تحرير الشام” مُدرَجةً على القائمة الأميركية للمنظّمات الإرهابية الأجنبية، ما يضعُ عقباتٍ في طريق أعضاء قيادتها في مهامهم كرؤساء ومسؤولين للحكومة المؤقّتة في سوريا. السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ستتّخذ إدارة دونالد ترامب قريبًا قرارًا بشطبُ المجموعة من القائمة؟

جورجيو كافييرو*
منذ العام 1997، جمعت وزارة الخارجية الأميركية المنظّمات الأجنبية التي تُصَنّفها إرهابية في قائمةٍ واحدة تُعرَفُ بـ”قائمة المنظّمات الإرهابية الأجنبية”، وهي أداةٌ قوّية تستخدمها واشنطن في “حربها على الإرهاب”، عبر إخضاع الأطراف المُدرَجة فيها لعقوباتٍ اقتصادية وتحميلها ثقل نزع الشرعية الأميركية عنها. ومع ذلك، فإنَّ الشروط اللازمة لإدراجِ أيِّ طرفٍ في القائمة تعسُّفية نسبيًا، ويقع تقرير هذا الأمر إلى حدٍّ كبير في أيدي وزير الخارجية، عندما يرى أنَّ هذا الطرف يشكّل تهديدًا لأمن ومصالح أميركا أو حلفائها.
مع انزلاقِ سوريا إلى حربٍ أهلية، وتَشَكُّلِ مجموعات جهادية جديدة وتَقَدُّمها الصفوف الأمامية للمعارضة المسلّحة، أدرجت الولايات المتّحدة في العام 2012 “جبهة النصرة” –التي انبثقت عنها “هيئة تحرير الشام” لاحقًا– على قائمة المنظّمات الإرهابية الأجنبية. وفي العام التالي وضعت “أميرها” أحمد الشرع (المعروف آنذاك باسمه الحركي أبو محمد الجولاني) على قائمة “الإرهابيين العالميين المُصنّفين بشكلٍ خاص”. وبعد بروز “جبهة النصرة”، وتغيير اسمها إلى “جبهة فتح الشام” في العام 2016، اندمجت مع مجموعاتٍ جهادية أخرى لتأسيس “هيئة تحرير الشام” في العام 2017، قبل أن تُصَنَّف ضمن المنظّمات الإرهابية الأجنبية.
لكنّ الإطاحة المُفاجئة بنظام بشار الأسد في سوريا في أواخر العام 2024 من قِبَلِ تحالُفٍ تقوده “هيئة تحرير الشام”، وتشكيل حكومة مؤقّتة برئاسة الشرع، أصبح تصنيف “هيئة تحرير الشام” كمنظّمةٍ إرهابية أجنبية عقبة ونقطة قوّة في آنٍ معًا في تعامل واشنطن مع دمشق. في كانون الأول (ديسمبر) 2024، أرسلت إدارة جو بايدن وفدًا إلى العاصمة السورية للقاء قيادتها الجديدة، لكنّها اضطرّت أوّلًا إلغاء مكافأة بقيمة 10 ملايين دولار رصدتها الولايات المتحدة لأيِّ معلومات تؤدّي للقبض على الشرع. وبعد بضعة أسابيع، ظهرت تقارير تزعمُ أنّ إدارة بايدن والحكومة السورية التي تُهيمِنُ عليها “هيئة تحرير الشام” كانتا تتبادلان معلومات استخباراتية بشأن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
وعلى الرُغم من استمرارِ تصنيف “هيئة تحرير الشام” كمنظّمةٍ إرهابية أجنبية، تُدركُ إدارة ترامب أنّ مصالح الولايات المتّحدة الوطنية تتطلّب التعامل مع الإدارة السورية الجديدة. ومع ذلك، يُشكّلُ شطبُ “هيئة تحرير الشام” من قائمة الإرهاب أو إبقاؤها ضمنها صميمَ نقاشٍ حادٍّ ومُستمرّ.
في بعض النواحي، يشعرُ فريق ترامب بتفاؤل بشأن ما قد يعنيه سقوط الأسد في سوريا للمصالح الأميركية في المستقبل، وخصوصًا في ما يتعلّق بإخراج إيران و”حزب الله” من البلاد. ومع ذلك، تُساوِرُ المسؤولين في إدارة ترامب، وخصوصًا معارضو التيّارات الإسلامية –إن لم نقل مُعادي الإسلام– شكوكٌ عميقة بشأن “هيئة تحرير الشام” وجذورها، وطبيعة صعودها إلى السلطة، ونواياها في سوريا ما بعد الأسد.
وعلى الرُغم من إدراك إدارة ترامب ضرورة التعامل مع “هيئة تحرير الشام” بواقعية، لا تزال الولايات المتّحدة غير مُستَعِدّة لشطب المنظّمة من القائمة. إذ يبدو أنّ إدارة ترامب، المهتمّة بأفعال حكّام سوريا الإسلاميين الجدد أكثر من خطابهم، تتريّث قبل اتخاذ القرار. وعلى الرغم من قدرة ترامب على شطب “هيئة تحرير الشام” فورًا من قائمة المنظّمات الإرهابية الأجنبية، نظرًا لصلاحية وزير الخارجية ماركو روبيو بتعديل القائمة في أيِّ وقت، تخضعُ عمليات تعديل القائمة في الحقيقة لمداولاتٍ داخلية مُطوّلة بين كبار المسؤولين الأمنيين في واشنطن، ما يُعرِّضُ العملية لما يُعرف ب”«الجمود المؤسّسي العام”. وبالتالي، قد يستغرق اتّخاذ قرار شطب “هيئة تحرير الشام” من القائمة سنوات.
ويبدو أنّ التساؤلات حول خيارات إدارة ترامب في حال حُلّت “هيئة تحرير الشام” لا تؤدّي إلّا إلى المزيد من الأسئلة. وعلى الرُغم من إعراب الشرع عن رغبته في حلّ الهيئة، لا تزال الخطوات التنفيذية غير واضحة. وحتى الآن لم تتّخذ “هيئة تحرير الشام” أيَّ قرارٍ رسمي بشأن مستقبلها. وتزداد هذه الأسئلة تعقيدًا مع تحوّل “هيئة تحرير الشام” من طرفٍ غير حكومي يسيطر على إدلب إلى مجموعةٍ يُهيمن أعضاؤها على الحكومة الوطنية المؤقّتة في سوريا. وباستثناء فوز “حماس” في انتخابات السلطة الفلسطينية في العام 2006، لا توجد سابقة بأن تُشكّل مجموعة مُدرجة على قائمة المنظّمات الإرهابية الأجنبية الحكومة في دولة أو كيان له علاقات مع الولايات المتّحدة.
وعلى الرُغم من الحظر المفروض، يبدو أنّ واشنطن تستغل في الوقت الحالي المنطقة الرمادية الفاصلة بين “هيئة تحرير الشام” والحكومة السورية الجديدة. ومع ذلك، يُعقّدُ إبقاء “هيئة تحرير الشام” على قائمة المنظّمات الإرهابية الأجنبية علاقة واشنطن بدمشق ما بعد الأسد. ويجعل هذا التصنيف التعامل مع “هيئة تحرير الشام” “متفجّرًا” لأنه يُجَرّمُ تقديم أي مساعدة أو تمويل أو مشورة لها، ويُعرّضُ المخالفين لعقوباتٍ قاسية بما في ذلك السجن لعقود وفرض غرامات مالية تصل إلى مئات الملايين من الدولارات. والآن، مع تحوُّلِ “هيئة تحرير الشام” إلى حكومة تصريف أعمال، فقد يُلقي تصنيفها مخاطرَ قانونية وأعباءً إدارية خطيرة على الشركات الأميركية والمنظّمات الإنسانية التي تسعى إلى التعامل مع سوريا ما بعد الأسد.
ومع ذلك، من غير المرجّح أن تدفع هذه المسائل، وحدها، إدارة ترامب إلى شطب فرع تنظيم “القاعدة” السابق من القائمة بسرعة، أو اعتبار ذلك قرارًا حكيمًا. في نهاية المطاف، تخضع العوامل التي قد تؤثّر في تحليل البيت الأبيض للتكاليف والفوائد الناجمة عن شطب المنظّمة من قائمة الإرهاب لخمسة قضايا رئيسة:
أوّلًا، موقف حكومة الشرع تجاه إسرائيل. حتى الآن، لم تُبيّن الإدارة الجديدة في دمشق عن أيِّ معاداةٍ ظاهرية لإسرائيل، بل مارست ضبط النفس حتّى في مواجهة الغارات الإسرائيلية واحتلال المزيد من الأراضي السورية. وإذا حافظت الحكومة التي تقودها “هيئة تحرير الشام” على هذا النهج غير المواجه لإسرائيل فقد تزيد احتمالات تحرّك إدارة ترامب نحو شطبها من قائمة الإرهاب.
ثانيًا، وضع إيران و”حزب الله” في سوريا. لقد أبدت حكومة الشرع، منذ تولّيها السلطة قبل شهرين، عن عزمها منع إيران من استخدام الأراضي السورية لإرسال الأسلحة إلى “حزب الله”، ورفضت أيضًا التعاون مع المنظّمة اللبنانية كما فعل نظام الأسد في الماضي. يُسجّل تمسّك حكومة دمشق الجديدة بهذا الموقف تجاه إيران و”حزب الله” نقطة في صالح شطب الولايات المتّحدة ل”هيئة تحرير الشام” من قائمة المنظّمات الإرهابية.
ثالثًا، مسألة “داعش”. في هذه المرحلة، لم تتمكّن السلطات الجديدة في دمشق بَعد من بسط سلطتها الكاملة في أنحاء سوريا كافة، ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الولايات المتّحدة ستعتبر إدارة الشرع شريكًا كفوءًا وجديرًا بالثقة في الحرب ضدّ تنظيم “الدولة الإسلامية”. ومع ذلك، إذا أثبتت الحكومة السورية الجديدة بمرور الوقت التزامها الحازم بمحاربة “داعش”، فقد يُعزّز ذلك احتمالات شطب “هيئة تحرير الشام” من القائمة الأميركية قبل الوقت الذي يتوقّعه المحلّلون. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنّ استمرار العقوبات الأميركية على سوريا ما بعد الأسد يُعيقُ بشكلٍ كبير قدرة الحكومة الجديدة على ترسيخ سيطرتها على جميع أنحاء البلاد، وبالتالي يجعل قمع “داعش” أكثر صعوبة.
رابعًا، وضع الأقلية المسيحية في سوريا في ظل حكم “هيئة تحرير الشام”. من المرجّح أن تكون إدارة ترامب أكثر استعدادًا لشطب “هيئة تحرير الشام” من القائمة إذا أثبتت الحكومة السورية الجديدة التزامها الراسخ باحترام حقوق الإنسان وكرامة المسيحيين في سوريا وضمان أمنهم وحمايتهم.
خامسًا، العلاقة بين الحكومة السورية الجديدة والمجموعات الجهادية ذات الأجندات الدولية. لن ترغب إدارة ترامب في تصويرها بأنّها “تضفي الشرعية” على “هيئة تحرير الشام”، لا سيما إذا دعمت الأخيرة المجموعات الجهادية العابرة للحدود التي تسعى إلى مهاجمة أهداف غربية. وفي الوقت الحالي، يبدو أنّ المجموعات الجهادية الخارجية المُتحالفة مع “هيئة تحرير الشام” في سوريا هي من أمثال “الحزب الإسلامي التركستاني” الذي يتطلّع للتقرّب من الصين، ومن غير الواضح كيف تنظر إدارة ترامب إلى تولّيها مناصب السلطة في “سوريا الجديدة”. ففي أواخر العام الماضي، على سبيل المثال، أعلنت السلطات السورية الجديدة تعيين صينيين من الإيغور ومقاتلين أجانب من الأردن وتركيا في مناصب رسمية عُليا في الجيش الوطني، الذي أعادت “هيئة تحرير الشام” تنظيمه.
وفي النهاية، تبقى مسألة شطب “هيئة تحرير الشام” من قائمة الإرهاب مثيرة للجدل داخل واشنطن، ومن غير المؤكّد ما إذا كانت إدارة ترامب ستقوم بذلك ومتى. ويبقى القرار سياسيًا بطبيعته وليس مُرتبطًا بمسألة الإرهاب بحدّ ذاتها. ونظرًا لقيمة سوريا الجيوسياسية بالنسبة إلى الولايات المتّحدة وغيرها من الدول الغربية، فإنّها مسألة وقت قبل أن تتّخذ واشنطن الخطوات اللازمة “لإضفاء الشرعية” على “هيئة تحرير الشام” في حال حافظت المجموعة على قبضتها على السلطة. وكلّما أثبت ثوّار سوريا في الأمس وحكّامها اليوم لفريق ترامب استحقاقهم الثقة، يصبح شطبهم من القائمة أكثر ترجيحًا، ولو أنّ الإدارة الأميركية الجديدة لن تتعجّل في هذا المسار.
جورجيو كافييرو هو محلل سياسي، أستاذ مساعد في جامعة جوجتاون، والرئيس التنفيذي والمؤسس لشركة “Gulf State Analytics“. يمكن متابعته عبر منصة “إكس” على: @GiorgioCafiero
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.