فاتحة لبنانية إِلى شعب فلسطين
هنري زغيب*
قبل 25 سنة (1998) كتبتُ قصيدتي هذه عن فلسطين، لِـمرُور 50 سنة على نكبة شعبها، وأَلقيتُها في احتفالٍ للذكرى في بيروت.
اليوم، بعد 75 سنة على النكبة، لم يتغيَّر سوى أَمر واحد: ازدياد وحشية الصهيونيّ الغاصبِ الأَرضَ ومزوِّرِ التاريخ.
وطبعًا لم يغِبْ لبنان عن قصيدتي. وهل يُمكن أَن يغيب، ولُبنان هو القلبُ في أَيِّ جسم آخر من المحيط؟
لذا أُعيدُ اليومَ نشْرها، لعلَّ “طوفان الأَقصى” يكون زخَّةً أُخرى في طوفانات مقبلة.
هنا مقاطع مختارة من قصيدتي القديمة:
يومئذٍ قالوا: “أَيامًا وتعودْ
في المنأَى،
أَو في المنفى،
أَو في الغُربةِ
أَيامًا وتعود”…
ومَضَت أَيامٌ
تتمطَّى أَيامًا وشُهُورًا
سنواتٍ عشْرًا، عشرين، ثلاثينَ…
وها نصفُ القرنِ وأَنتَ شريدْ
***
واستوطنْتَ خيامًا، أَطلالًا،
تنتظر العودة في التشريدْ
في لبنان وفي الأُردنِّ
وفي أَصقاعٍ وبقاعٍ
تنتظر العودة في التشريدْ
وفلسطينُ تمرّ
الجيلَ وراءَ الجيلِ
منِ ابنٍ لِحفيدٍ لجنينْ
والعربُ الحكَّامُ
يُمنُّونَكَ بـ”العودةِ حتمًا” !
ما أَحقَر حكَّام التمنينْ
نصفُ القرن وهم يَعِدونَكَ
باعوكَ مرارًا
واقتسموا قمصانكَ
واقترعوكَ:
“سترجع يا شعبَ فلسطينْ”
زرعوكَ وُعُودًا أَن ستعودُ
ولم تحصدْ إِلَّا المورفينْ.
***
لم يبقَ سواكَ الرقمَ الصعبَ
فقاوِمْ من أَجل فلسطينْ
يا شعبًا من فجر التاريخ
يكافح من أَجل الأَرض
ومن أَجلِ الإِنسانْ
يتغلغلُ في دمكَ الثُعبانْ
ليعمِّقَ فيكَ الشرخَ وليس يشيخْ
قاوِمْ…
فعَدوُّكَ لا يَغتصبُ الأَرضَ
ولكنْ يغتصبُ التاريخْ.
***
يا عار الأُمَّةِ بالحُكَّام وبالأَحقابْ
خانوا التاريخ ولم يَرثُوا
حرفًا من شرف الأَعرابْ
قاوِمْ…
إِياكَ تُصدِّقُهم فعروبتُهم
تُستَهْلَكُ في سوق الدولارْ
والبيتُ الأَبيض شرطيٌّ
منحازٌ لهوى السمسارْ
قاوِمْ…
لا ترضَ مساوَمةً
لا تقبَلْ إِلَّا القدسَ
العاصمةَ الأَقدسَ في البلدانْ
لا يمكنُ أَبدًا تعويضُ الأَوطانْ
لا ترضَ بــ”غَزَّةَ” ترضيةً
لا تقبَلْ إِلَّا آخرَ شبرٍ
في أَرضكَ تحضنُهُ
بالأَهداب وتَسكُنُهُ
وطنًا تغمرُهُ الأَحلامْ
فطريقُكَ ما غيرُ فلسطينْ
لا ترضَ سواهُ
جسرًا لعبورٍ
فارفضْهُ مَقَرًّا أَو خيمةَ توطينْ.
قاوِمْ…
فالأَقصى في خطَرٍ
والمهدُ تحاصرُهُ الأَنيابْ
من صلَبُوا “السيِّدَ”
لن يرتدعوا
عن صَلْب السِلْم الكذَّابْ
قاوِمْ… لا ترضَخ للتزويرْ
قاوِم… فَلَوَحدكَ أَنت مصيرْ
قاوم… ولأَنتَ التغييرْ
***
ها الشعب العربيُّ
الممتدُّ من التسيير إِلى التحريرْ
يَنْشُدُ في لبنان الحريَّه
لبنانُ الضوءُ
الطالع من ديجور الشرق
شعاعًا تحسُدُهُ اللمعةُ
في الأَبصار المغشيَّه
لبنانُ الواحةُ
يحسُدُها عقْمُ الصحراء المغميَّه
لبنانُ النزفُ يقاومُ
من أَجل كرامة شعبٍ
من طهْر التربة مُستَلَّه
ولذا لن نركَعَ يا وطني
للسلْم يصيِّرُهُ الطاغوتُ
استسلامًا دَنِفَ العلَّه
لن نُحني هامةَ أَرزتنا
حتى لا تصبح، يا وطني،
بيروتُ كأَيَّة طاهرةٍ
تتدنَّسُ قُدْسًا محتلَّه.
(1998)
- هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib
- يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار” (بيروت).