اللاجئون السوريون يواجهون مُستَقبَلًا قاتمًا إذا لم تتحوّل السياسة الدولية

مع وصول النزوح السوري إلى عامه الثالث عشر، يحتاج المانحون والدول المضيفة ومنظمات المجتمع المدني إلى التفكير بشكل خلاق لتجنّب العواقب البشرية والتنموية والأمنية طويلة المدى لتهميش اللاجئين السوريين في الشرق الأوسط.

الرئيس بشار الأسد: هل حقًّا يريد عودة اللاجئين بعد التغيير الديموغرافي الذي حصل منذ 2011؟

ريفا دينغرا*

بعد اثني عشر عامًا على اندلاع انتفاضات العام 2011 وما تلاها من حربٍ أهلية، استطاع الرئيس السوري بشار الأسد الصمود والبقاء في السلطة من خلال استراتيجيةٍ قامت على استهداف المدنيين وتكتيكات الحصار وجرائم حربٍ أُخرى لا حَصرَ لها. قُتل ما لا يقل عن 350 ألف مدني وتشرّدت غالبية سكان البلاد، بما في ذلك أكثر من 6.8 ملايين لاجئ. لكن حتى مع قيام اللاجئين ببناء حياة جديدة في الخارج، فإن معظم السوريين في تركيا ولبنان والأردن –الدول الإقليمية الرئيسة المضيفة– مُهَمَّشون اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا بدرجاتٍ مختلفة. يصل معدل الفقر بين اللاجئين في المنطقة إلى أكثر من 70٪ ويتفاقم بسبب الأزمات الاقتصادية المحلية المتفاقمة. وقد أدّى تسييس وجود اللاجئين في كل بلدٍ إلى تركِ العديد من السوريين في أوضاعٍ قانونية هشّة ومنع الاندماج الدائم. تُثيرُ الجهود التي يبذلها نظام الأسد لتطبيع العلاقات الديبلوماسية الإقليمية -التي تسارعت بعد الزلزال المُدمّر الذي ضرب تركيا وسوريا في 6 شباط/فبراير– مخاوف من عودة اللاجئين القسرية الجماعية.

في لبنان وتركيا على وجه الخصوص، يواجه السوريون سياساتٍ حكومية مُعادية ورأيًا عامًا مُناهِضًا للاجئين بشكلٍ متزايد. لقد جعلت أحزاب المعارضة التركية منذ فترة من إعادة اللاجئين السوريين عنصرًا أساسيًا في أجنداتها وتؤجج المشاعر الشعبية المناهضة لسوريا قبل الانتخابات الرئاسية المُزمع إجراؤها في 14 أيار (مايو) الجاري. تخلّى الرئيس رجب طيب أردوغان عن خطاب حكومته الودية سابقًا، وتعهّدَ في العام 2022 بإعادة مليون لاجئ إلى شمال سوريا. في لبنان، واجه السوريون ارتفاعًا في عمليات الترحيل التعسّفي – بما في ذلك مداهمات الجيش اللبناني في الشهر الماضي.

ولكن حتى في مواجهة التمييز المتزايد، لا يعتزم أكثر من 70٪ من اللاجئين السوريين العودة إلى سوريا في غضون السنوات الخمس المقبلة – لسببٍ رئيس هو أن الكثيرين، كما يدّعون، لا يستطيعون العودة بأمان إلى ديارهم. مع وصول النزوح السوري إلى عامه الثالث عشر، يحتاج المانحون والدول المضيفة ومنظمات المجتمع المدني إلى التفكير بشكل خلّاق لتجنّبِ العواقب البشرية والتنموية والأمنية طويلة المدى لتهميش اللاجئين السوريين في الشرق الأوسط.

السياسات الحالية تجاه السوريين

في بداية الحرب الأهلية، فتحت الدول المجاورة أبوابها أمام السوريين الفارين من العنف المتزايد. نجحت المجتمعات المحلية والجهات الفاعلة الدولية والحكومات المُضيفة في تلبية احتياجات ملايين النازحين حديثًا وتوسيع الخدمات العامة. بينما كانت الحكومة اللبنانية مُعادية نسبيًا للسوريين منذ البداية، فقد نفذت تركيا والأردن مبادراتٍ لتمكين اللاجئين من المشاركة في سوق العمل وتوسيع الخدمات، ومنحت تركيا الجنسية لأكثر من 200,000 لاجئ. لكن اليوم، لدى جيران سوريا سياسات وخطابات مختلفة تمامًا تجاه اللاجئين. العامل المشترك هو أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي-السياسي للاجئين يزداد سوءًا ولا يتحسّن.

كانت بيئة السياسات الخاصة باللاجئين في الأردن أكثر ترحيبًا نسبيًا، ويرجع ذلك جُزئيًا إلى علاقات المملكة القوية مع الغرب. سَنَّ الأردن برامج طويلة الأجل مثل ميثاق الأردن لعام 2016 الذي يُوفّرُ تصاريحَ عملٍ ويُوَسِّعُ الوصول إلى التعليم لأكثر من 660 ألف لاجئ سوري مُسَجَّل مقابل دعمٍ دولي وامتيازات اقتصادية للشركات الأردنية. ومع ذلك، فإن السوريين في الأردن مُقَيَّدون بمهنٍ محدّدة، وقد كافح ميثاق الأردن لتحقيق أهداف تصاريح العمل ونمو القطاع الخاص. تذبذبت السياسات المتعلقة بالوصول إلى الخدمات مثل الرعاية الصحية، ولم تُترجَم المساعدة إلى شمولٍ اقتصادي – أكثر من 80٪ من اللاجئين السوريين في الأردن خارج مخيمات اللاجئين يقعون تحت خط الفقر.

لقد اتَّخَذَ السياسيون اللبنانيون بشكلٍ متزايد من 800,000 لاجئ مسَجّل في البلاد (إضافةً إلى حوالي أكثر من مليون غير مُسَجّلين) مطيةً سياسية يستخدمونها لتحقيق مآرب حزبية وشخصية. وقد سعت الحكومة مرارًا وتكرارًا إلى الترحيل الجماعي للسوريين، الذي أعاقته الضغوط الدولية في المقام الأول. ويواجه اللاجئون الآن في لبنان الترحيل التعسفي والاستبعاد الاجتماعي والاقتصادي العميق. مع تراجع الاقتصاد الحر في البلاد منذ العام 2019، يعاني 9 من كل 10 لاجئين سوريين من الفقر، إلى جانب تزايد الفقر بسرعة بين المواطنين اللبنانيين. وقد لجأ بعض اللاجئين إلى “تيك توك” للتبرّعات، التي يَسَّرها رجال أعمال إستغلاليون.

أخيرًا، تؤوي تركيا أكثر من 3.4 ملايين لاجئ سوري مُسَجَّل، وهي أكبر دولة مضيفة للاجئين في العالم. رحّبت حكومة أردوغان في البداية باللاجئين، وقدمت وصولًا مجانيًا إلى الرعاية الصحية والتعليم، على الرُغم من أنها وضعت قيودًا على التنقل تفرض على اللاجئين عدم الخروج من الولاية التي يُسَجَّلون فيها. ومع ذلك، فإن المشاعر الشعبية المعادية للاجئين والخطاب السياسي ضد السوريين قد ازدادت سوءًا. لقد أدى الوباء والأزمة الاقتصادية الأوسع نطاقًا التي تواجه تركيا إلى دفع المزيد من اللاجئين إلى براثن الفقر.

أدت الزلازل والانتخابات التركية إلى زيادة تعقيد مستقبل اللاجئين السوريين في تركيا وفي جميع أنحاء المنطقة. بعد الزلازل، تجلت المشاعر المعادية للاجئين في تركيا في سَيلٍ من الشائعات على وسائل التواصل الاجتماعي بأنَّ السوريين ينهبون المساعدات، مما أدّى إلى زيادة التوترات الاجتماعية والتمييز ضد السوريين من قبل السلطات الحكومية.

كما استغلَّ نظام الأسد بدوره الزلازل لتوسيع حملة التطبيع مع دول المنطقة. وقد أكّدت كلٌّ من الحكومة والمعارضة التركية التطبيع والعودة الجماعية للاجئين خلال الحملة الانتخابية، على الرُغم من أن سيطرة تركيا على أجزاءٍ من شمال سوريا ودعم المتمردين قد أعاقت جهود التطبيع.

ومع ذلك، كما تشير استطلاعات الرأي الخاصة بالسوريين، من المحتمل ألّا ُيترجَم التطبيع إلى عودةٍ طوعية على نطاق واسع نظرًا لاستمرار العنف والقمع والأزمة الاقتصادية في سوريا. أعاد الأردن انخراط سوريا تدريجًا منذ العام 2017، لكن قلة من اللاجئين عادت بالفعل بسبب استمرار انعدام الأمن. بدت الحكومة السورية نفسها غير راغبة في قبول اللاجئين الذين يشكلون تهديدات محتملة لسلطتها. علاوة على ذلك، في الوقت الذي تتزايد عمليات الترحيل في جميع أنحاء المنطقة، فإن الإعادة القسرية الجماعية ستنتهك القانون الدولي وستجعل المزيد من السوريين يحاولون الوصول إلى أوروبا – وهو أمرٌ لا تريده أوروبا والولايات المتحدة.

بدلًا من ذلك، أصبح السوريون طبقة دنيا اقتصادية واجتماعية وسياسية شبه دائمة في البلدان المضيفة لهم، غير قادرين على العودة إلى ديارهم وواجهوا استبعادًا متزايدًا أثناء نزوحهم. هذا النهج له عواقب إنسانية وخيمة – بالنسبة إلى جيل الأطفال اللاجئين الذين لديهم وصول محدود إلى المدرسة، وعلى الصحة العقلية والمستقبل الاقتصادي لكل من العائلات السورية والمجتمعات المضيفة التي لا تحظى بالدعم الكافي. ستكون العواقب على الاستقرار والأمن كبيرة أيضًا، لا سيما إذا ركزت الدول الغربية بشكل أساسي على إنفاذ الحدود لمنع الهجرة بدلًا من دعم اللاجئين والدول المضيفة.

حلول السياسة

تتطلب الاستراتيجية الحالية إعادة تفكير جادة. أولًا، من الضروري الانتقال الكامل إلى نهج طويل الأجل في تقديم المساعدة والدعم الاقتصادي للبلدان المضيفة للاجئين. في حين دعا أصحاب المصلحة إلى البرمجة الموجهة نحو التنمية، لا سيما في حالات اللاجئين التي طال أمدها، تعتمد برامج المساعدة في كثير من الأحيان على دورات تمويل قصيرة الأجل تنفذها المنظّمات غير الحكومية الدولية خارج أنظمة البلد المضيف.

كما يُعَدُّ تسهيلُ النمو الاقتصادي الشامل ومشاركة المجتمع المضيف وعمل اللاجئين أمرًا بالغ الأهمية. بناءً على ميثاق الأردن، دعا الخبير في معهد بروكينغز كمال كيريشي إلى ميثاق تركيا لضمان إدراج اللاجئين في إعادة الإعمار. ويُحدّدُ نهجًا يتم بموجبه تقديم الامتيازات التجارية إلى تركيا من قبل الدول الغربية لتحفيز نمو الأعمال وخلق فرص العمل، لا سيما في القطاعات ذات المستويات العالية من توظيف اللاجئين. تتطلّبُ مثل هذه النماذج التعلّم من أخطاء ميثاق الأردن في استبعاد اللاجئين والمدخلات من أصحاب المصلحة في القطاع الخاص.

ثانيًا، هناك حاجة إلى مزيدٍ من مشاركة المسؤولين المحليين ومنظمات المجتمع المدني الأكثر استعدادًا لدعم اللاجئين في مجتمعاتهم. يُعتَبَرُ مسؤولو البلديات في تركيا ولبنان والأردن جهات فاعلة في الخطوط الأمامية ومفتاحًا لتسهيل دمج اللاجئين محليًا، ومع ذلك غالبًا ما يتم تأميم تمويل الاستجابة للاجئين إلى حدٍّ كبير. طرحت المنظمات إجراءات سياسية ملموسة يمكن للمانحين والدول المضيفة اتخاذها للبناء على القدرات المحلية لتخفيف التوترات.

ثالثًا، يجب على المجتمع الدولي أن يفي بالوعود التي قطعها بشأن مساراتِ إعادةِ توطينٍ آمنة للاجئين وكذلك توسيع مسارات هجرة اليد العاملة. في العام 2021، تم إعادة توطين ما يقرب من 17,000 سوري فقط. بدلًا من ذلك، يسلك المزيد من السوريين طرق تهريب خطيرة. في العام 2022، كانت طلبات اللجوء المقدمة من السوريين في الاتحاد الأوروبي هي الأعلى منذ العام 2016. كما أن زيادة إعادة التوطين للسوريين أمرٌ بالغ الأهمية كإشارة إلى أن الدول المتقدمة مستعدة لتقاسم المسؤولية في الترحيب باللاجئين. في أعقاب الزلازل، عرضت إسبانيا إعادة توطين عاجلة للاجئين في مناطق الكوارث، وتعمل الولايات المتحدة على تكثيف إعادة التوطين بعد سنوات من انخفاض القبول.

إن مطابقة اللاجئين مع احتياجات العمل وتوفير التدريب على المهارات يمكن أن يساعد أيضًا اللاجئين على الوصول إلى مجموعة واسعة من تأشيرات العمل في الخليج وأماكن أخرى. في أعقاب الحروب العربية-الإسرائيلية في العام 1948 و1967، تمكن العديد من اللاجئين الفلسطينيين في الدول المجاورة من العمل في دول الخليج. أرسلَ اللاجئون الفلسطينيون تحويلات لعائلاتهم في الأردن، على سبيل المثال، ودعموا اقتصاده بشكل مباشر. ومع ذلك، وكما أظهر طرد مئات الآلاف من الفلسطينيين في أعقاب حرب الخليج 1990-1991، فإن هذه التأشيرات غالبًا لا توفر الحماية القانونية طويلة الأجل لوضع اللاجئ.

أخيرًا، هناك حاجة إلى بذل جهود متزايدة بشكل كبير لتحسين الوضع الاقتصادي والسكني والأمني في شمال سوريا لأولئك اللاجئين الذين يرغبون في العودة. كان أكثر من 1.7 مليون شخص في شمال غرب سوريا يعيشون في مخيمات قبل الزلازل، وقد أدى الدمار إلى تفاقم الوضع السكني المتردّي أصلًا. جادل الخبراء حتى قبل وقوع الزلزال بضرورة تبنّي نهجٍ يُركّزُ على إعادة الإعمار والتنمية في شمال سوريا.

في العام 2019، نزح 78٪ من اللاجئين لمدة تزيد عن خمس سنوات. يصبح اللاجئون أعضاء لفترة طويلة في المجتمعات سواء قوبلوا بسياسات داعمة أم لا. تُظهرُ الأبحاث أن اللاجئين يساهمون في الاقتصادات المحلية ويجتذبون الدعم الدولي للتنمية المحلية. ومع ذلك، بدون الدعم الكافي والإدماج الاجتماعي والاقتصادي، يمكن للاجئين إجهاد الاقتصادات المحلية وأنظمة الخدمة العامة. بدون نهجٍ جديد، يواجه اللاجئون السوريون والمجتمعات المضيفة في الشرق الأوسط مُستقبلًا قاتمًا.

  • ريفا دهينغرا انضمت إلى معهد بروكينغز كزميلة أبحاث ما بعد الدكتوراه في برنامج السياسة الخارجية للعام الدراسي 2022-23. تركز أبحاثها على سياسات الهجرة القسرية والاستجابات الإنسانية في الشرق الأوسط والدول النامية الأخرى. يمكن متابعتها عبر تويتر على: @Reva__D
  • كُتِبَ المقال بالانكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى