الإنتخابات العراقية المُقبِلة: الناخبون والفائزون المُحتَمَلون

من المتوقع أن تجري الإنتخابات العراقية المقبلة في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، ولكن هناك أسئلة كثيرة تُطرح حولها لا سيما بالنسبة إلى مشاركة النشطاء والأحزاب الإحتجاجية.

آية الله العظمى علي السيستاني: له الكلمة الفصل لمقاطعة الإنتخابات أو المشاركة فيها.

مارسين الشَمَري*

لفَهمِ النتائج المُحتَمَلة وغير المُحتَمَلة للانتخابات البرلمانية العراقية المُبكِرَة، المُقرَّر إجراؤها في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، نحتاجُ أولاً إلى فَهم ومعرفة مَن سيترشّح ومَن سيَقترع. على الرغم من أن هذه الانتخابات المُبكرة كانت استجابةً لمطالب حركة تشرين الأول (أكتوبر) 2019 الإحتجاجية، فمن المرجح أن يُقاطعها النشطاء أنفسهم الذين طالبوا بها بسبب بيئة ما قبل الانتخابات غير المواتية. وسيتم تخفيف تأثير هذه المقاطعات من خلال إئتلافات رسمية وغير رسمية ستتشكّل بين الأحزاب السياسية القائمة، ولكن من المرجح أن تؤدي إلى نتائج مماثلة للانتخابات السابقة التي جرت في العام 2018.

من بين قادة الأحزاب القائمة في العراق، هناك فقط رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي وعمار الحكيم اللذان شكّلا رسمياً ائتلافاً، سُمِّيَ “تحالف قوى الدولة الوطنية”. الحكيم رجل دين وسياسي في الوقت نفسه، ترأس سابقاً المجلس الأعلى الإسلامي العراقي قبل أن ينفصل عنه ليؤسّس “تيار الحكمة الوطني”، مُدَّعياً أنه حزبٌ “مدني” وليس إسلامياً.

الائتلافات غير الرسمية، المُتَوَقَّع تشكيلها في المرحلة المقبلة، هي بين حركة مقتدى الصدر والحزب الديموقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، وبين تحالف الفتح بزعامة هادي العامري والاتحاد الوطني الكردستاني، الذي يتشارك في قيادته لاهور وبافل طالباني. في حين أن السابق قد يصنّف نفسه على أنه تحالفٌ مُناهِضٌ لإيران، فإن كلاً من الصدر وبارزاني يتمتّعان بعلاقات وثيقة مع إيران. الصدر رجل دين شعبوي ويشتهر بأنه غير مُتّسق سياسياً. في انتخابات 2018 في العراق، فاز “تحالف سائرون” بأكبر عدد من المقاعد، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى انخفاض نسبة التصويت نتيجة لحركة المقاطعة. ومن المتوقع أن يتحالف معهما محمد الحلبوسي، رئيس مجلس النواب الحالي. مثل هذا التحالف سيكون كارثيا على حرية التعبير المتضائلة أصلاً في العراق، حيث كان من المعروف أن كلاً من الصدريين والحزب الديموقراطي الكردستاني يُقيّدان الحريات.

بالنسبة إلى هذه الأحزاب الراسخة والسياسيين ذوي الأسماء الكبيرة، فإن الدوائر الانتخابية الجديدة والأصغر في العراق -وهو مطلب احتجاجات 2019- تعني أنهم سيكونون أقل ميلاً لترشيح العديد من الأعضاء، بل سيركزون بدلاً على الدوائر التي يُمكنهم الفوز فيها. وقد أدى ذلك إلى انخفاضٍ حاد في عدد المرشحين المُسجّلين من 7,178 مُرشّحاً في العام 2018 إلى 3,532 مرشحاً في العام 2021. إن القدرة على الفوز على مستوى المحافظات، ولكن ليس على مستوى المنطقة، سوف تردع بعض قادة الأحزاب عن الترشح للمناصب. على الرغم من أن هذا الأمر يُعتَبَر تطوراً إيجابياً، إلّا أنه يأتي مع تداعيات بما فيها الخوف بين النشطاء من سهولة استهدافهم عندما يترشحون في مجتمعات أصغر.

في الواقع، تُمثّل البيئة الأمنية العراقية الحالية واحدة من أكبر العقبات أمام المشاركة السياسية. منذ نهاية حركة احتجاج تشرين الأول (أكتوبر) 2019، إزداد العنف ضد النشطاء وتنوّع بين القتل العشوائي والاغتيالات المُستَهدِفة. أحد المطالب الرئيسة التي لم تتم تلبيتها لحركة الاحتجاج هو تحقيق العدالة للمتظاهرين والنشطاء الذين قُتلوا. لقد أثار فشل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في تحقيق العدالة احتجاجات على مستوى البلاد تحت شعار “مَن قتلني؟”. ألهمت وفاة الناشط المقيم في كربلاء إيهاب الوزني العديد من الأحزاب السياسية الاحتجاجية الجديدة في العراق لإعلان مقاطعة الانتخابات. من المُتصَوَّر أن هؤلاء السياسيين الطامحين قد يخشون وضعاً شبيهاً بالمكسيك، حيث يُقتَل المرشحون قبل الانتخابات مع الإفلات من العقاب.

وانضم الحزب الشيوعي العراقي إلى صفوف المقاطعين، على الرغم من خوضه إنتخابات 2018 إلى جانب التيار الصدري. وأوضح رئيس الحزب في مقالٍ له أن الانتخابات تتم مقاطعتها لتجريد الحكومة من الشرعية. وكتب أن الانتخابات المقررة لا تعكس مطالب المُحتجّين، لا سيما التغييرات القانونية المطلوبة، ولا البيئة الأمنية المناسبة، ولا استقلالية المفوضية الانتخابية. وقد وافق العديد من الأحزاب الاحتجاجية على ما جاء في مقاله، على الرغم من أن البعض لا يزال يناقش مزايا المقاطعة ويُفكّر في الترشح لمنصب.

يجب التمييز بين احتجاج الأحزاب والمقاطعة العامة. بالطبع، للأحزاب الاحتجاجية ونشطاء النخبة دورٌ يلعباه في وضع الخطاب العام، لكنهما ليسا وحدهما اللذين يصنعان الرأي العام. اللاعب الرئيس هو آية الله العظمى علي السيستاني، الذي قد يصدر بياناً بشأن الانتخابات قد يشجع الناس على التصويت (كما في 2005) أو قد يترك الخيار لهم وبالتالي يخلق مساحة للمقاطعة (كما في 2018). الواقع أن اضطرابات عامة شديدة فقط قد تجعل السيستاني يقرر إصدار مثل هذا البيان، وسوف يفعل ذلك مع موازنة مصداقيته مع تفانيه في حماية الآليات القانونية والدستورية القائمة. بالإضافة إلى السيستاني، وافقت الأمم المتحدة بشكل غير متوقَّع على طلب الحكومة العراقية لمزيدٍ من المساعدة الانتخابية من خلال توفير المراقبة في يوم الانتخابات. وقد أعربت عن نيّتها ​​في إيصال دورها إلى الجمهور العراقي، وهو أمرٌ بالغ الأهمية حيث أعرب العديد من النشطاء عن مطالبتهم برقابة دولية لضمان نزاهة الانتخابات.

في سيناريو يُقاطع فيه الجمهور والأحزاب الاحتجاجية معاً، فإن النتيجة المُحتَمَلة هي الانقسام بين الحزبين الشيعيين الرئيسيين – تيار الصدر وتحالف الفتح – وحلفائهما من الأحزاب الكردية. سيؤدي ذلك إلى مفاوضات مألوفة حول مُرَشَّحِ حلٍّ وسط كرئيس للوزراء، والتي يمكن أن ينتج عنها إما مستقلٌّ ضعيف (مثل عادل عبد المهدي أو مصطفى الكاظمي) أو شخص مدعوم سياسياً يُنظر إليه على أنه متورّط للغاية في النظام السياسي. من المرجح أن تذهب الرئاسة، كما هو الحال في كثير من الأحيان، إلى الاتحاد الوطني الكردستاني الذي أعلن رئيسه المشارك أخيراً دعمه لإعادة انتخاب الرئيس برهم صالح، الذي يمكن القول إنه المرشح الأكثر نفوذاً سياسياً في بغداد. على الرغم من النجاح الانتخابي المتوقع للحلبوسي في دائرةٍ في الأنبار، لم يكن هناك رئيس برلمان أكثر من فترة ولم يتمكّن سلفه سليم الجبوري حتى من النجاح بمقعده في البرلمان بعد ذلك.

إذا لم تكن هناك مقاطعات، فستكون أجزاء الكعكة لهذه الأحزاب القائمة أصغر وقد تستغرق المفاوضات بشأن رئاسة الوزراء وقتاً أطول. النتائج، للأسف، لن تكون مختلفة على الأرجح بالنسبة إلى المناصب العليا الثلاثة. حيث ستتغير الأمور في البرلمان، إذ قد تتمكن الأحزاب الجديدة من التفاوض بطريقة أفضل. لكن أكثر ما يمكن أن نأمله في مثل هذا السيناريو هو التغيير التدريجي، على مدى سنوات، من خلال البرلمان.

حتى ذلك الحين، هناك دائماً فرصة للاحتجاجات في العراق. طالما أن المظالم الأساسية القديمة (ضعف الخدمة والبطالة والفساد) والمظالم الجديدة (لا عدالة للقتلى وتدهور حرية التعبير) موجودة، فإن أيّ أمر قد يشعل الاحتجاجات.

  • مارسين الشَمَري هي زميلة أبحاث ما بعد الدكتوراه في برنامج السياسة الخارجية في معهد بروكنز. تُركّز أبحاثها على السياسة العراقية والعلاقات العراقية-الأميركية، والنشاط السياسي الشيعي، وكذلك المجتمع المدني والحركات الاجتماعية في الشرق الأوسط الكبير. يمكن متابعتها عبر تويتر على: @MarsinRA

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى