لهذه الأسباب تُحقِّقُ خمسُ دول أوروبية مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة

خضعت الثروة الشخصية لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة خلال العامين الماضيين لتدقيق شديد ومزاعم صحافية محلّيًا ودوليًا . ماذا كانت النتيجة؟

رجا سلامة: تحت المجهر في خمس دول أوروبية.

ندى موكوران عطالله*

لِما يقرب من 30 عامًا، حظي حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة بالثناء على نطاقٍ واسع لإبقائه القطاع المالي مزدهرًا كرئيسٍ لأهم مصدر للعملة الصعبة في البلاد – وكمصدَرٍ للفخر الوطني.

كل ذلك تغيّرَ في أواخر العام 2019، عندما بدأت علامات الانهيار تظهر على الاقتصاد اللبناني بعد عقودٍ من الفساد وتبديد الأموال العامة.

يُلقي الكثيرون باللوم على النخبة الحاكمة والراسخة في البلاد، بمن فيهم سلامة، بالنسبة إلى الكارثة الاقتصادية التي أعقبت ذلك. ويواجه الحاكم الآن مطالب بالمساءلة بشأن مخالفاتٍ مزعومة، وكذلك تحقيقات من قبل دول أوروبية عدة حول موارده المالية الشخصية.

افتتح مكتب المدعي العام السويسري أول تحقيق جنائي في تعاملات سلامة في تشرين الأول (أكتوبر) 2020، حيث بدأت المحاكم في جميع أنحاء أوروبا تحقيقات بعد فترة وجيزة، بما في ذلك في فرنسا وليختنشتاين ولوكسمبورغ وألمانيا.

يقوم هؤلاء المحققون بالتحقيق مع سلامة في مزاعم غسل أموال بأكثر من 330 مليون دولار من مصرف لبنان المركزي و5 ملايين يورو من خلال عقود ممنوحة لمقرّبين منه.

يحاول المُدَّعون العامون تحديد ما إذا كانت الأرباح المُتَأتية من الاختلاس المزعوم للأموال العامة قد تم تحويلها إلى أوروبا، حيث يمتلك الحاكم استثمارات كبيرة، خصوصًا في العقارات.

في حالة إدانته، يمكن أن يقضي سلامة ما يصل إلى خمس سنوات في السجن ومُصادرة أصوله في أوروبا. علمًا أنه نفى مرارًا وتكرارًا ارتكاب أي مخالفة.

يدّعي أن ثروته، التي يُقدّرها بـ 23 مليون دولار، قد حصل عليها بشكل قانوني وتأتي من الاستثمارات التي قام بها أثناء عمله في ميريل لينش كمصرفي، قبل أن يصبح حاكمًا لمصرف لبنان في العام 1993. ونظرًا إلى تعقيد القضية، التي تنطوي على مجموعة مُتعدّدة المستويات من الشركات والمعاملات عبر مختلف البلدان، أنشأت المحاكم الأوروبية فريق تحقيق دوليًا لتبادل المعلومات.

لا يُسمح للمُدَّعين العامين التعليق على القضايا المستمرة، لكن تمَّ تسريب بعض المعلومات حول التحقيقات إلى وسائل الإعلام.

إليكم ما هو معروف:

سويسرا

تأتي معظم المعلومات حول التحقيق السويسري من طَلَبٍ مُسَرَّب للمساعدة القانونية المتبادلة أرسلته سويسرا إلى لبنان في كانون الثاني (يناير) من العام الماضي. ووفقًا للوثيقة، يشتبه المدعي العام السويسري في أن سلامة اختلس حوالي 330 مليون دولار من الأموال العامة من خلال “فوري أسوسياتس” (Forry Associates)، وهي شركة مسجلة في “جزر العذراء” (Virgin Islands) يملكها شقيقه رجا سلامة.

بموجب عقد وساطة تم توقيعه في العام 2002، دفعت البنوك التجارية عمولات لشركة “فوري” عندما اشترت شهادات إيداع -أداة استثمارية مقدمة للبنوك- من مصرف لبنان. وفي حين أنه ليس من غير المعتاد أن تستخدم البنوك المركزية الوسطاء لبيع منتجاتها المالية، فإن غموض هذا العقد أثار شكوك الممولين اللبنانيين.

البنوك اللبنانية والمجلس المركزي لمصرف لبنان، الذي يضم الحاكم ونواب الحاكم والمديرين العامين لوزارتَي الاقتصاد والمالية، قالوا جميعًا إنهم لم يسمعوا بشركة “فوري” أبدًا. وقالت وكالة “رويترز” إن البنوك لم تكن تعلم أنها تدفع عمولات لشركة مملوكة لشقيق الحاكم، حيث لم يَرِد ذكر المُتَلَقّي النهائي للعمولات في العقود المبرمة بين البنوك المركزية والبنوك التجارية.

وكان سلامة قال في ذلك الوقت إن مهمة شركة “فوري” الوحيدة هي جمع العمولات والرسوم وإعادة توزيعها “وفقًا للتعليمات”.

وقد توصّلَ الادّعاء السويسري إلى أن غالبية العمولات تم تحويلها إلى حساب رجاء سلامة في سويسرا، ثم تم تحويل بعضها إلى حساباته في خمسة بنوك لبنانية. وحُوِّلَ الباقي إلى ثلاث شركات أخرى يشتبه في أن سلامة يمتلكها وهي: “ويستلايك كوميرشال” (Westlake Commercial) و”أس 12 أس آي” (SI2SA) و”راد ستريت 10″ (Red Street 10).

فرنسا

في حزيران (يونيو) من العام الماضي، فتح مكتب المدعي المالي الوطني الفرنسي تحقيقًا أوليًا في ثروة سلامة، بعد شكويين من قبل منظمات لمكافحة الفساد. وبعد شهر على ذلك، تولت قاضية مكافحة الفساد الفرنسي “أود بوريسي” (Aude Buresi ) القضية.

في 14 تموز (يوليو)، وَجَّهت بوريسي الاتهام إلى آنّا كوساكوفا، 46 عامًا، وهي شريكة سابقة للحاكم سلامة ولديهما معًا إبنة، وفقًا لشهادة ميلاد اطلعت الكاتبة عليها. ويشتبه المحقّقون الفرنسيون في تورّطها في مؤامرة إجرامية وغسيل أموال منظَّم وغسيل ضريبي مشدد حيث وجدوا عناصر تربطها بشركة “فوري” التي يديرها شقيق الحاكم رجا.

كشفت مجلة التحقيق الفرنسية “ميديابار” (Mediapart) أن كوساكوفا هي إحدى المستفيدين من شركة رجا سلامة، من خلال شركة أخرى تحمل الاسم نفسه تدعى “فوري” Forri))، والتي تعني “First Overseas Relation for Realty and Investment Ltd”، وهي مجموعة أنشأتها في قبرص في العام 2004، وفقًا للسجل التجاري للبلاد.

تمكّن المحقّقون، كما ذكرت “ميديابار”، من تعقّب شبكة غسيل أموال مزعومة. لقد كشفوا النقاب عن مخطط مُفَصَّلٍ يتضمّن الأموال العامة المسحوبة عبر “فوري” (Forry) وتحويلها إلى فرنسا من خلال استثمارات عقارية ضخمة.

إحدى الشركات التي يُزعم أن الحاكم سلامة استخدمها لتوجيه الأموال هي “SCI ZEL”. استحوذت شركة الاستثمار العقاري التي كان يديرها في البداية رجا سلامة، ثم كوساكوفا بعد العام 2015، على ما لا يقل عن 14.3 مليون يورو من الممتلكات في فرنسا، وفقًا لسندات البيع التي اطلعت عليها الكاتبة.

ويشمل ذلك شقتين في الدائرة 16 في باريس في شارع جورج ماندِل، حيث تعيش كوساكوفا وسلامة، ومكاتب في شارع الشانزليزيه الراقي مقابل 8.7 ملايين يورو. وتشكّلُ هذه المكاتب الجزء الثاني من التحقيق الفرنسي. وقد قامت “SCI ZEL” بتأجيرها لشركة أخرى مملوكة  لكوساكوفا تُدعى “Eciffice Business Center”، والتي وقّع مصرف لبنان عقد إيجار معها في أيلول (سبتمبر) 2010.

تم استخدام المكاتب الباريسية “كمركز استرداد”، والذي يوفر خادمًا احتياطيًا لبيانات مصرف لبنان للحفاظ على الاستمرارية في حالة الفشل في المكتب الرئيسي في بيروت. وقد دفع مصرف لبنان ما يقرب من 5 ملايين يورو لشركة “Eciffice” منذ العام 2011 كإيجار كجُزءٍ من العقود التي وقعتها كوساكوفا وسلامة معًا وجُدِدت مرات عدة.

وبما أن مكاتب الشانزليزيه غير مُسَجَّلة لدى السلطات الفرنسية، لا يتعيَّن على مصرف لبنان تبرير أي أغراض رسمية لعقد الإيجار. ولكن المحققين نظروا في الخدمات المحددة التي تقدمها شركة “Eciffice”، فضلًا عن اختيار الموقع، في أحد أغلى الشوارع في العالم.

“SCI ZEL” مملوكة بنسبة 99 في المئة لشركة “BET”، وهي شركة لإدارة الأصول تأسست في لوكسمبورغ في العام 2007، والمُساهِمة الوحيدة فيها هي كوساكوفا. وفي العام 2020 ، نقلت الملكية العارية لابنتها مع الاحتفاظ بحق الانتفاع، وهو حق الانتفاع من الشركة. وهذا يعني أنه تم تحويل أموال إيجار مصرف لبنان إلى شركة مملوكة في الغالب لابنة الحاكم سلامة.

ويشتبه القضاء الفرنسي في أن العقود ربما كانت جُزءًا من مُخطّط آخر لتحويل ملايين اليورو من الأموال العامة، ما دفع الشرطة إلى مداهمة المقر في تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي للوصول إلى حسابات الشركة.

ليختنشتاين

قال المدعي العام في ليختنشتاين في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي إن البلاد بدأت “تحقيقًا في غسل الأموال” بحق سلامة.

يأتي معظم ما نعرفه من طَلَبٍ مُسَرَّب للمساعدة القضائية أرسلته ليختنشتاين في حزيران (يونيو) إلى القضاء اللبناني.

وفقًا للوثيقة التي أرسلتها محكمة ليختنشتاين الابتدائية، فإن التحقيق يبحث على وجه التحديد في شركتين مقرهما ليختنشتاين – “كروسلاند ليمتد” (Crossland Ltd) والمساهم الوحيد فيها، شركة استئمانية تسمى “سلامَندور تراست” (Salamandur Trust)- للاشتباه في غسل الأموال.

ملكية الشركات غير معروفة، حيث لا يُطلب من الصناديق الاستئمانية في ليختنشتاين الكشف عن المعلومات العامة حول مساهميها. لكن تقريرًا في العام 2020 صادر عن “مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد” و”دَرَج”، وهي منصة إعلامية عربية، زعم أن الشركتين مرتبطتان بسلامة.

كشف التقرير أن شركة “كروسلاند”، المسجلة في بنما باسم “كروسلاند أسيتس” (Crossland Assets) قبل انتقالها إلى ليختنشتاين في العام 2018، اشترت حصصًا في “كروسبريدج كابيتال” (Crossbridge Capital)، وهي شركة لإدارة الثروات في لندن حيث كان يعمل فيها نجل الحاكم، نادي سلامة.

بموجب القانون اللبناني، لا يجوز لحاكم مصرف لبنان أن يمارس أي نوع من النشاط في شركة أو أي عمل مهني آخر، سواء بمقابل أو بدون مقابل.

بعد الشراء، نقلت “كروسبريدج كابيتال” يومها الأسهم إلى شركة تابعة لبنك عودة، أحد البنوك اللبنانية الكبرى، في العام 2016. وقد أثارت الصفقة المزعومة بين شركة مرتبطة بالحاكم وبنك ينظمه مسألة تضارب المصالح، وهو ما نفته الأطراف المنخرطة المعنية.

لوكسمبورغ وألمانيا

ما هو معروف عن التحقيقات في لوكسمبورغ وألمانيا يأتي من طلب ليختنشتاين للمساعدة القضائية للبنان.

وبحسب الخطاب، بدأت السلطات القضائية في البلدين تحقيقاتها بعد أن بدأت سويسرا التحقيق مع شركة “فوري” بشبهة قيام الشركة ب”تحويل وغسل الأموال من خلال الاستثمار العقاري” الذي نفذته شركات مقرها في لوكسمبورغ وألمانيا.

يبحث المحققون في ثلاث شركات مقرها لوكسمبورغ يسيطر عليها سلامة – “BR 209 Invest” و”Fulwood Invest Sarl” و “Stockwell Investissement”- والتي استثمرت في عقارات بقيمة لا تقل عن 50 مليون دولار في ألمانيا والمملكة المتحدة، وفقًا لتحقيق “مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد” لعام 2020.

في آذار (مارس)، جمّدت وكالة العدالة الجنائية التابعة للاتحاد الأوروبي ومقرها لاهاي 120 مليون يورو (124.3 مليون دولار) من الأصول المملوكة لرياض سلامة وأفراد من عائلته. ويشمل الإجراء الاحترازي خمسة عقارات في ألمانيا وفرنسا، وحسابات بنكية مرتبطة بالتحقيقات المستمرة في غسل الأموال.

قد تكون هذه خطوة مهمة للبنان لاستعادة الأصول، إذا كشف التحقيق أن الحاكم حصل فعلًا على أصول غير مشروعة.

  • ندى موكوران عطاالله هي صحافية لبنانية – فرنسية تعمل في صحيفة “ذا ناشيونال”. يمكن متابعتها عبر تويتر على: @MaucourantNada
  • يُنشَر هذا المقال بالعربية في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع نشره بالإنكليزية في صحيفة “ذا ناشيونال” (أبوظبي).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى