وباء الكوليرا يُهَدِّدُ سوريا ولبنان و… المنطقة

بدأ وباء الكوليرا منذ أسابيع ينتشر في سوريا ولبنان، ووفقًا لخبراء الصحة فإن سرعة انتشاره تزداد بفعل عدم قدرة الحكومتين في دمشق وبيروت على مواجهته.

تلوث المياه أحد الأسباب الرئيسة لانتشار الكوليرا.

داني مكي*

يجتاحُ وباء الكوليرا منذ أسابيع سوريا ولبنان بوتيرة تُنذِرُ بالخطر، مُخَلِّفًا وراءه آلاف المرضى ومئات القتلى، مع نسبةٍ ضئيلة فقط من الحالات المُسَجَّلة رسميًا في قواعد البيانات.

ومع ذلك، يَتّضِحُ أن عدد حالات الإصابة بالمرض البكتيري في كلا البلدين يتزايد باطراد، حيث تُقدِّرُ منظمة اليونيسيف العدد الإجمالي في سوريا بـ 35,569 حالة بينما تُقدّرُ وزارة الصحة العامة في لبنان ذلك بـ3,369. ووفقًا للاتحاد الأوروبي، فإن أسباب تفشّي المرض في سوريا تشمل الجفاف والتدهور الاقتصادي والحالة المُدمِّرة للبنية التحتية المائية في البلاد، الأمر الذي ترك 47٪ من السكان يعتمدون على مصادر مياه غير آمنة لتلبيةِ احتياجاتهم اليومية.

تنتقل الكوليرا من طريق تناول الطعام أو مياه الشرب المُلَوَثَين، وتُسبّبُ مشاكل معَوِيّة وجفاف الجسم اللذين يمكن أن يكونا قاتلَين ما لم يتم علاجهما بسرعة. إنَّ مفتاحَ مُكافحة المرض هو النظافة الجيدة والمياه النظيفة، ولكن في بعض المناطق النائية وغير المُطَوَّرة في سوريا، يكون الوصول إليها صعبًا ونادرًا، ما يعني أن هناك فرصةً حقيقية لارتفاع عدد الحالات.

وقد أعرب مسؤولو الأمم المتحدة في السابق عن قلقهم بشأن المشكلة وحذّر مُنسّقُ سوريا الأممي، عمران رضا، من أن “تفشّي المرض يهدد المنطقة بأسرها”. ومع ارتفاع الحالات الآن في لبنان، ما لم يتّخذ المجتمع الدولي إجراءاتٍ سريعة، فقد يستمرُّ انتشار الكوليرا.

إمدادات المياه الخطرة

تم القضاء على الكوليرا في سوريا منذ 14 عامًا، ولكن بعد التلوّث الجماعي لنهر الفرات بمياه الصرف الصحي وما تلاه من استخدام المياه غير النظيفة لريِّ المحاصيل، بدأت الحالات في الانتشار بسرعة ولم يكن هناك سوى القليل من الخدمات الصحية، التي تجاوزت طاقتها أصلًا،  لمعالجة المشكلة. وقالت رندة يوسف، مسؤولة عن الرعاية الصحية في دمشق: “ليس من الطبيعي أن يكون لدينا هذا العدد الكبير من الحالات. هناك مشكلة أساسية في إمدادات المياه التي تؤثر في بعض الأطعمة. حاولنا إخبار الناس، لرفع مستوى الوعي، لكن ذلك لم يكن ناجحًا. لا يتم حتى فحص بعض [الأشخاص]؛ إنهم يعانون من الجفاف في أجسامهم. كما إنَّ آخرين أُصيبوا بالكوليرا واعتقدوا أنهم مصابون بفيروس كورونا”.

وتضيف: “نحن بحاجة إلى استراتيجية وجهد على الصعيد الوطني لتوعية الناس بماهية الكوليرا أوّلًا، ثم تنفيذ الإجراءات الصحيحة. يجب ألّا يكون الطعام مُلَوَّثًا، بينما يجب أن تكون المياه نظيفة من المصدر، وإلّا ستزداد الأمور سوءًا”.

في أواخر أيلول (سبتمبر)، بدأ آلاف الأشخاص في جميع أنحاء سوريا يشتكون من الإسهال الحاد، وازداد عدد الحالات بشكل مطرد منذ ذلك الحين. في قرية البياضية في محافظة حمص، تم اكتشاف أكثر من 140 حالة إصابة بالتهاب الكبد، ويرتبط انتشارها أيضًا بنقص المياه النظيفة وسوء الصرف الصحي والنظافة. لقد ارتبط تفشّي المرض باختلاط المياه الغذبة بمياه الصرف الصحي، مما يؤكد خطورة مشاكل سلامة المياه في سوريا.

وأكّدَ الدكتور معاذ الشوباشي، مدير الصحة في المحافظة، أن “تفشّي المرض جاء نتيجة الشرب من مصادر مياه غير موثوقة (آبار) بسبب شح المياه في القرية. قمنا بتحليل الآبار ووجدنا أنها غير صالحة للشرب”.

وأضاف المدير أن خزانات المياه في المدارس يجب أن يتمَّ فحصها وتعقيمها بشكلٍ كامل أيضًا، مُضيفًا: “نحتاج إلى إيجاد حلول للمياه في هذه القرى لتجنّب الإصابات لاحقًا. يتم تسجيل عدوى التهاب الكبد بشكل دوري نتيجة ندرة المياه، وتقل مع تقدّم فصل الشتاء وهطول الأمطار الغزيرة”.

وفقًا للجنة الإنقاذ الدولية، فإن جُزءًا من تفشّي الكوليرا كان بسبب قيام تجار رعاة البقر بالقرب من نهر الفرات بعملية احتيال بالمياه، حيث باعوا المياه غير النظيفة في شاحنات غير منظمة وملوثة ووصفوها بأنها نظيفة.

لكن مشاكل سوريا في ما يتعلق بمعالجة المياه أوسع بكثير، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى تأثير الحرب التي استمرت عقدًا من الزمن: فقد تضرّرَ ما يقرب من ثلثي محطات المياه في البلاد، ونصف محطات الضخّ، وثلث أبراج المياه بسبب الصراع.

كان هناك أكثر من 90 حالة وفاة في البلاد حتى الآن، وفقًا للأرقام الرسمية –ويُعتَقَدُ أن الإجمالي غير الرسمي أعلى– و35,000 حالة مشتبه بها. دفع حجم وسرعة تفشي المرض الاتحاد الأوروبي إلى التحرّك، حيث قدّمَ 700 ألف يورو كمساعدات إنسانية لاحتواء الوباء.

كما أشار مفوض الاتحاد الأوروبي لإدارة الأزمات، جانيز لينارتشيتش: “يعتمد نصف السوريين تقريبًا على مصادر المياه غير الآمنة لتلبية احتياجاتهم اليومية. هذا هو نتيجة ما يقرب من 12 عامًا من الصراع الذي تفاقم بسبب الأزمة الاقتصادية الحادة والجفاف الذي طال أمده. إن الاتحاد الأوروبي ينضم إلى الجهود للحدّ من الوباء”.

ومع ذلك، عندما يتعلّقُ الأمرُ بالقضية الأوسع للبنية التحتية لمعالجة المياه، فإن احتياجات البلاد أكبر بكثير من قدرتها الحالية. وفقًا ل”استعراض الاحتياجات الإنسانية في سوريا لعام 2022″، يتم تصريف ما يقرب من 70٪ من مياه الصرف الصحي بدون معالجة، ما يؤدي إلى تلويث مصدر مياه الشرب لملايين السوريين. ونظرًا إلى حجم المشكلة، يجب بذل المزيد من الجهد لإصلاح قدرة معالجة المياه في البلاد وإلّا ستعود الكوليرا دائمًا ومرة تلوَ الأخرى في المستقبل.

الكوليرا تنتشرُ في لبنان

مع تزايد تفشّي المرض في سوريا، إنتشرت الكوليرا إلى لبنان المجاور، الذي يُعاني بدوره من انهيارٍ اقتصادي وأزمةٍ سياسية مستمرة وعددٍ كبيرٍ من المشاكل الأخرى. وقد سهّل انتقال المرض من خلال حرية التنقل بين البلدين. لبنان موطن لعدد كبير من اللاجئين السوريين يقدر بنحو 1.5 مليون، أو ربع مجموع السكان.

بعد انتشار الكوليرا في لبنان، قَيَّمَت منظمة الصحة العالمية خطر تفشي المرض هناك بأنه مرتفعٌ بسبب نقص مياه الشرب والنظام الصحي الهش والمتوتر في البلاد. وقد أدّى نقص الكهرباء والنقص الكبير في المياه العذبة في لبنان إلى زيادة الضغط على النظام الصحي.

تمَّ الإبلاغ عن الحالات الأولى في لبنان في أوائل تشرين الأول (أكتوبر). وقال وزير الصحة اللبناني فراس أبيض متحدثًا عنها حينها: “النقطة المشتركة بين هذه الحالات هي أن غالبية المرضى هي من السوريين النازحين”. وأضاف: “إن غياب الخدمات الأساسية، مثل المياه الصالحة للشرب وشبكات الصرف الصحي، في الأماكن التي يتجمع فيها اللاجئون يُشكّلُ أرضًا خصبة للوباء أيضًا”. وفقًا للأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة العامة اللبنانية، حتى 13 تشرين الثاني (نوفمبر)، أصيب حوالي 3,369 شخصًا وتوفي 18 في أول تفشٍّ للكوليرا في البلاد منذ أكثر من 30 عامًا.

نظرًا إلى الخلط أو الاختلاط المستمر بين مياه الصرف الصحي ومياه الشرب النظيفة، فقد تضخّمَ خطر الكوليرا الآن في كلا البلدين إلى أَبعادٍ يُحتَمَلُ أن تكون خطرة مع تلوث المحاصيل والأغذية وانتشار الحالات. وما لم يتم عمل المزيد، فسوف تتفاقم الأزمة بسرعة.

من جهتها، اتخذت اليونيسيف إجراءات سريعة للمساعدة في الجهود المبذولة في لبنان، حيث وزّعت 80 ألف ليتر من الوقود على محطات ضخ المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي في المواقع التي يوجد فيها حالات مؤكدة ومشتبه بها، بالإضافة إلى شراء الإمدادات الطبية الطارئة لعلاج الكوليرا، مثل أملاح الإماهة الفموية ومجموعات علاج. شاركت منظمة الصحة العالمية أيضًا، حيث ساعدت على ترتيب شحنة من 600,000 جرعة من لقاح الكوليرا. وانطلقت في 12 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري حملة تطعيم في لبنان تستهدف اللبنانيين واللاجئين على السواء.

ينتشرُ الوباء بسرعةٍ في كلا البلدين ويُهدّدُ بإدخال سوريا ولبنان في مزيدٍ من عدم اليقين واليأس والأزمات. ما لم تتم معالجة الدوافع الأساسية وتحسين محطات ومنشآت معالجة المياه، لا سيما في سوريا، فلا شك أن الوباء سيتكرر في المستقبل بشكلٍ مُنتَظِم.

  • داني مكي هو محلل يُغطي الديناميكيات الداخلية للصراع في سوريا وباحث غير مقيم في برنامج سوريا التابع لمعهد الشرق الأوسط في واشنطن. وهو مُتخصّص في علاقات سوريا مع روسيا وإيران. يمكن متابعته عبر تويتر على: @danny_makki

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى