قَلَقٌ أمنيّ إيراني آتٍ من كردستان العراق

الهجمات الإيرانية على المتمردين الأكراد الإيرانيين وصلت إلى كردستان العراق.

يتحوّل المُتمرّدون الأكراد الإيرانيون المُقيمون في العراق إلى هدفٍ لحملةٍ منسّقة تقودها إيران لإرغام حكومة إقليم كردستان على السيرعلى خطى سياساتها الأمنية.

تامر بدوي*

في خِضمِّ الاحتجاجات التي تشهدُها المنطقة الواقعة شمالي غرب إيران، إثر وفاة مهسا أميني، شنّ الحرس الثوري الإسلامي الإيراني هجمات على مواقع لمجموعاتٍ كردية إيرانية متمرّدة بين محافظتَي إربيل والسليمانية في إقليم كردستان العراق. ذلك، لأن إيران تتهم المجموعات الكردية الإيرانية في المنفى بتأجيج الانتفاضة الحالية شمالي غرب البلاد. وقد أسفرت الهجمات التي استُخدِمت فيها الصواريخ الدقيقة والمُسيّرات الانتحارية عن سقوط 14 قتيلًا – بينهم مواطن أميركي – وإصابة 58 شخصًا بجروح. غالب الظن أن وحدة الحزب الديموقراطي الكردستاني-إيران والحزب الديموقراطي لكردستان الإيرانية في آب/أغسطس الماضي شكّل مؤشرًا إلى التصعيد المُحتَمل للتمرّد في طهران.

بين كانون الثاني/يناير 2019 وتشرين الأول/أكتوبر 2022، استحوذت الهجمات الإيرانية ضد المتمردين الأكراد الإيرانيين في إقليم كردستان العراق على حيّز صغير مُقارنةً بالهجمات الجوية التركية على حزب العمال الكردستاني في شمال العراق (الشكل 1).1 واستنادًا إلى بيانات صادرة عن مشروع بيانات مواقع النزاعات المسلحة وأحداثها (ACLED) ، شكّلت الهجمات الإيرانية ضد المتمردين نحو 1.7 في المئة من مجموع الهجمات الأجنبية التي استهدفت المجموعات الكردية في كردستان العراق.

الشكل 1: البيانات مأخوذة من مشروع بيانات مواقع النزاعات المسلحة وأحداثها (ACLED)

لكن أسوةً بتركيا، باشرت إيران التوسّع عسكريًا داخل إقليم كردستان العراق من أجل التصدّي للمتمردين الأكراد. في أيلول/سبتمبر 2021، بَنَت إيران، كما أُفيد، ثكنة عسكرية في جبل شيخا دار الذي يُعتبَر القمة الأعلى في كردستان العراق. وفي حين أن الثكنات العسكرية الإيرانية والهجمات التي تشنّها إيران ضد المتمردين لا تُقارَن كمّيًا بالثكنات والهجمات التركية، غير أن طهران تُنفّذُ بصورةٍ مُتزايدة هجمات تتسبّب بأضرارٍ جانبية واسعة بهدف توجيه رسائل ردع.

يُمكِنُ تفسير الهجمات الإيرانية ضد المتمردين، بشكل أوسع، كونها أصبحت جُزءًا لا يتجزّأ من حملةٍ متكاملة للضغط على حكومة إقليم كردستان كي تتقيّد بالخط الأمني الذي وضعته طهران، وتصطف إلى جانب حلفاء إيران السياسيين في بغداد. وتعمد طهران على نحوٍ متزايد إلى تصوير الاضطرابات السياسية في الداخل بأنها مرتبطة بحملات التدخل الخارجي. لهذا السبب، تُمارس طهران ضغوطًا متعاظمة على حكومة إقليم كردستان للتوقّف عن تأمين ملاذٍ للمجموعات الكردية المتمرّدة والحدّ من علاقاتها العسكرية مع البلدان الغربية. من جهة أخرى، تحتفظ حكومة إقليم كردستان، على الأرجح، بالمجموعات الكردية المتمرّدة لاستخدامها بمثابة ورقة ضغط على طهران.

بعد إقدام الولايات المتحدة على اغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإسلامي، وأبو مهدي المهندس، أحد كبار قياديي التنظيمات شبه العسكرية في العراق في كانون الثاني/يناير 2020، أطلق الحرس الثوري الإسلامي والمجموعات شبه العسكرية العراقية المتحالفة معه هجمات عدة بالصواريخ والمُسيّرات على المنشآت التابعة للتحالف بقيادة الولايات المتحدة في العراق وإقليم كردستان العراق من أجل طرد قوات التحالف من هناك (الشكل 2). وفي آذار/مارس وحزيران/يونيو  2022، أطلقت إيران صواريخ باليستية ومُسيّرات لضرب منشآت ومركبات في إربيل ادّعت وسائل الإعلام التابعة لطهران أن جواسيس إسرائيليين يستخدمونها. إثر الهجوم في آذار/مارس، عمد أحد التنظيمات شبه العسكرية الأقرب لإيران في العراق إلى تهديد الحزب الديموقراطي الكردستاني بتغيير النظام.

الشكل 2: البيانات مأخوذة من مشروع بيانات مواقع النزاعات المسلحة وأحداث.

 شكّل التحالف السياسي للحزب الديموقراطي الكردستاني مع مُقتدى الصدر بعد انتخابات تشرين الأول/أكتوبر 2021 شرارةً لانطلاق حملة مُتعدّدة الطبقات من أجل ضرب قطاع الطاقة في إقليم كردستان العراق لإرغام الحزب الديموقراطي الكردستاني على الاستسلام. في شباط/فبراير 2022، اعتبر حُكمٌ قضائي أصدرته السلطة القضائية الاتحادية في بغداد أن قانون النفط والغاز الذي أقرّته حكومة إقليم كردستان في العام 2007 مُخالفٌ للدستور. وقد جابهت حكومة إقليم كردستان الحكم بالرفض واعتَبِرته مُسيّسًا. منذ حزيران/يونيو 2022، حامت شبهات قويّة حول التنظيمات شبه العسكرية المتحالفة مع إيران يشنِّ سبع هجمات صاروخية على الأقل.

على الرغم من الهجمات التي شنّتها إيران، بدأت الأحزاب السياسية في حكومة إقليم كردستان تتقبّل الحاجة إلى المشاركة مع الأحزاب المتحالفة مع إيران في عملية تشكيل الحكومة. ولكن غالب الظن أن العقوبات الغربية على طهران بسبب دورها في أوكرانيا وآفاق الاحتجاجات المستمرة في البلاد ستزيد حدّة الموقف الإيراني الهجومي ضد إقليم كردستان العراق.

  • تامر بدوي هو مُحلّل سياسي مستقل يُركّز على السياسة والأمن في العراق وجواره. باحث دكتوراه ومدرس مساعد في قسم السياسة والعلاقات الدولية في جامعة كنت (كانتربري، المملكة المتحدة) حيث يجري أبحاثًا عن المجموعات شبه العسكرية في العراق. يمكن متابعته عبر تويتر على: @Tamerbadawi1

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى