ليز تراس قالت: أنا صهيونية و…هَوَت
عرفان نظام الدين*
لم يَتَعرّض أيُّ رئيس للوزراء في بريطانيا لمثلِ الإحراجات والإهانات والفشل الذريع التي تعرّضت لها ليز تراست ما أجبرها على تقديم استقالتها بعد ٦ اسابيع فقط من انتخابها رئيسة لحزب المحافظين الحاكم وبالتالي تولّيها منصب رئيسة الوزراء رُغم محاولتها المستميتة للبقاء وإبلاغها مجلس العموم إنها مقاتلة وليست مستسلمة.
سلسلة فضائح واسعة واستقالات واتهامات بالضعف والتردّد والفشل وصلت الى التعرّض لحياتها الشخصية، إلّا أنَّ القشّة التي قصمت ظهر البعير نجمت عن اصدار موازنة استثنائية تضمّنت خطواتٍ وقراراتٍ مالية واقتصادية أثارت الجدل وأجّجت نيران المعارضة في كل الأوساط والأحزاب والشعب، زاد من شدّتها تراجعها المُهين عنها ورمت المسؤولية على حليفها وزير المالية السابق كواسي كوارتنغ، مع أنها وافقت عليها ثم تراجعت عنها ودفعته للاستقالة.
هذه الأمور صارت معروفة ومُعلنة لا أُريدُ الخوضَ في تفاصيلها، فما يهمني بهذا الحدث هو حماقة تراس عند اعلانها بعد ساعات من انتخابها إنها صهيونية منذ صغرها وأنها ستعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة البريطانية من تل أبيب الى القدس المحتلة رُغمَ علمها بالأضرار التي ستلحق ببريطانيا نتيجة لهذا القرار الجائر في ظروف اقتصادية ومالية صعبة تضعها على حافة الانهيار مع تدهور سعر الجنيه الاسترليني … والواضح أنّ تراس حاولت إغراء اللوبي الصهيوني لتضمن دعمه لها في مواجهة المعارضة الشرسة ضدها، لكن هذا ما لم يحدث وتركها تصارع الأمواج الشرسة لتسقط وحيدة.
وهذا درسٌ آخر علينا ان نستخرج منه العبر، فلا اللوبي الصهيوني مدَّ لها يد العون ولا إسرائيل شكرتها على جميلها المشبوه،
ولا يُمكن لعاقلٍ أن يُرحّبَ أو أن يمتدحَ موقف تراس الأحمق، بل أشاح الجميع بوجوههم عنها عندما قالت أنا صهيونية ثم هَوَت وحيدةً غير ماسوفٍ عليها.
وكان على تراس وغيرها ممن يتابعون الأحداث في الشرق الاوسط إنه ما من مسؤولٍ أو باحثٍ أو حاكمٍ إلّا ويُدرِكُ أن كلَّ مَن يتناول القضية الفلسطينية بالأذى أو يُساهمُ في حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة سيكون مصيره الفشل والخيبة، وهذا نفسه وأكثر ما سيكون مصير كل من يهدد عروبة القدس وقدسية المسجد الاقصى المبارك.
وإذا كانت تراس أخذت القدوة من الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب، فإنه كان عليها ان تتابع أخبار فضائحه والاتهامات الموجَّهه إليه وتخلّي أقرب الناس عنه، مع أنَّ هناك مَن يُراهن على عودته إلى البيت الابيض في انتخابات ٢٠٢٤. وهؤلاء سيحزنون إذا خسر، وسيخسرون إذا ربح والتجربة أكبر برهان .
- عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي مقيم في لندن. كان سابقًا رئيس تحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.