ملاحظات من بيروت العام 82 إلى كييف اليوم

مايكل يونغ*

مع بدء محاولة القوات الروسية محاصرة العاصمة الأوكرانية كييف، يتساءل كثيرون عما إذا كان ذلك سيؤدي فعلًا إلى حصار المدينة بشكل كامل. قبل أربعين عامًا، في صيف العام 1982، حاصرت القوات الإسرائيلية بيروت الغربية لإجبار المنظمات الفلسطينية المُسَلّحة على الخروج من لبنان. قد تُوفِّرُ الدروس المُستفادة من تلك المعركة بعض الوضوح للأوكرانيين في ما يتعلق بما ينتظرهم.

سيُشكّل حصار كييف مشاكل كثيرة للروس. قد يستغرق الأمر وقتًا ثمينًا، في الوقت الذي يسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى فرض شروطه السياسية بسرعة على الأوكرانيين، قبل أن تشعر روسيا بالتأثير الاقتصادي الكامل للعقوبات. في الوقت نفسه، قد يؤدي التقدم البطيء أو الفشل في كييف إلى تقوية المقاومة في أجزاء أخرى من أوكرانيا.

في هذا الصدد، فإن بوتين في وضعٍ غير مواتٍ مُقارنةً بالإسرائيليين في العام 1982، الذين استمر حصارهم لأكثر من ثلاثة أشهر. لقد أخذوا في الحسبان إطارًا زمنيًا أطول في أهدافهم – باستخدام حصار بيروت الغربية لإجبار القيادة الفلسطينية على الخروج من لبنان، وتنصيب حليف كرئيس للجمهورية للبلاد. علاوة على ذلك، احتلت إسرائيل معظم جنوب لبنان حتى بيروت في أسبوع واحد فقط. روسيا ليست في وضعٍ مُماثل.

السؤال هو: ماذا لو كان الأوكرانيون قادرين على فرض حصار على الروس، عن قصدٍ أو عن غير قصد؟ إذا حاول الروس دخول كييف ووجدوا مقاومة قوية للغاية، فسيتم ترك بوتين أمام أحد خيارين: متابعة الهجوم البري، وإرسال رجاله إلى حمام دم مُكلف سياسيًا. أو الانسحاب إلى أطراف المدينة والاستمرار بالقصف.

كما يعلم الإسرائيليون جيدًا، فإن للتفوّق العسكري تأثيرًا محدودًا نسبيًا على المدافعين المُنَظَّمين جيدًا. حاصروا بيروت الغربية لمدة ثلاثة أشهر، وقطعوا المياه والكهرباء والطعام الطازج. على الرغم من هيمنتهم الجوية، عندما حاولوا دخول المدينة واجهوا مقاومة شرسة واضطروا إلى التراجع.

كما أن القصف المتواصل ليس حلًّا لذلك. في حين أنه قد يُحبِطُ معنويات سكان المدينة لبعض الوقت، فإنه يخلق أيضًا العديد من العقبات أمام الجيش الغازي. يؤدي القصف إلى ملء الطرق بالركام، ما يعيق عمل الدبابات والمدرعات ويُنتِجُ مواقع دفاعية جديدة كثيرة لمَن هم في المدينة.

قد يواجه بوتين مشكلة أخرى. إذا بقي الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كييف، فإن جني الفوائد السياسية الناتجة عن أخذ العاصمة سيعني أقل مما يحدث لزيلنسكي نفسه. وقد يؤدي ذلك إلى تضييق هامش مناورة الروس، حيث يمكن اعتبار البقاء السياسي للرئيس الأوكراني خسارة لبوتين.

في بيروت الغربية، كان خروج القيادة الفلسطينية هدفًا مركزيًا لإسرائيل. وسقوط زيلينسكي كان بالتأكيد أولوية روسية عندما بدأ غزو أوكرانيا، لكن يبدو أن ذلك اليوم أقل تأكيدًا. إذا كان الهدف الأساس لبوتين هو إعادة أوكرانيا إلى مجال نفوذ روسيا -وكان زيلينسكي على استعداد لمناقشة ذلك- فإن جعل حصار كييف يتعلق بمصير الرئيس الأوكراني قد ينتقص من هذا الهدف، ويعني أن زيلينسكي يخرج وكأنه منتصرٌ حتى لو قدّم تنازلات. هذا بالضبط ما حدث للزعيم الفلسطيني ياسر عرفات. في حين مثّل خروجه من لبنان هزيمة كبيرة، فإن حقيقة أنه نجا سياسيًا سمحت له بتصوير المقاومة الفلسطينية في بيروت الغربية على أنها انتصرت.

ثم هناك الرمزية. الحصار يخدم المُحاصَرين، لكن من منظور الرأي العام، فإنه يُعزز المُحاصَرين، ما يجعلهم يبدون بطوليين. إن التحدّي الشجاع لمدن مثل لينينغراد (سان بطرسبيرغ) وسراييفو وغزة يتردد صداه حتى يومنا هذا. إذا كان بوتين يريد إعادة أوكرانيا إلى الحظيرة الروسية، فإن تسليط الضوء عن غير قصد على الطبيعة الشجاعة للمُدافعين عن كييف قد يكون له تأثيرٌ معاكس.

وقد يكون لذلك تداعيات على الموقف الذي يتبنّاه حلفاء روسيا. كلما كان حصار كييف أطول وأكثر دموية، زادت الشكوك لدى حلفاء روسيا، ولا سيما الصين، بشأن دعم أفعالها. وقد يحدّ هذا من الخيارات السياسية لروسيا.

هذا هو بالضبط ما حدث في العام 1982. في البداية، كانت إدارة رونالد ريغان مُستعدّة للتخلّص من الفلسطينيين. لكن عندما أرسلت وسيطها السفير فيليب حبيب إلى لبنان، تغيّرت الأمور. مع تزايد الخسائر في صفوف المدنيين، وإلقاء اللوم على واشنطن جُزئيًا، تصاعدت التوترات بين الأميركيين والإسرائيليين.

ومع ذلك، كانت لإسرائيل ميزة، وهي أن القيادة الإسلامية السنّية في بيروت الغربية عارضت علانية رؤية نصف مدينتهم يُدَمَّر نيابة عن الفلسطينيين. لا يواجه زيلينسكي مثل هذه الصعوبات. هناك ضغطٌ ضئيل داخل كييف يمكن أن يساعد روسيا.

عشتُ حصارَ بيروت ولن أنساه. إنه لمن دواعي اعتزازي أنني نجوتُ وتحمّلت المصاعب التي فرضها. لا أريد أن أعود لمثل هذه التجربة مرة أخرى ولكن بدافع التحدي سيكون بإمكاني القيام بذلك إذا اضطررت. من المرجح ألّا تكون ردود أفعالي مشابهة للنوع الذي سعى بوتين إلى استفزازه عندما غزت روسيا أوكرانيا.

مع اقتراب الإسرائيليين من بيروت الغربية في العام 1982، قال أحد القادة الفلسطينيين، جورج حبش، إنه سيُحوِّل المدينة إلى “ستالينغراد جديدة”. في النهاية، لم يكن الأمر كذلك تمامًا، ولكن مع تقدّم القوات الروسية نحو كييف، قد يجد بوتين أن تاريخ بلاده، ومن المفارقات، يوفّر لأعدائه إرشادات مُلهِمة لمحاربة ومواجهة الهجوم الروسي.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى