كيف تُعِدُّ سلطنة عُمان نفسها للإنتقال إلى إقتصاد ما بعد النفط

منذ سنوات عدة، وبالتحدبد منذ العام 2011، وسلطنة عُمان تبحث عن سُبُلٍ لتنويع إقتصادها بعيداً من النفط والغاز بعدما تدنّت أسعارهما الأمر الذي أثّر سلبياً في إقتصاد البلاد وحياة العباد وولّد حالات من الغضب تجلت أكثر بين الشباب الذين بلغت البطالة لديهم مستوى مرتفعاً. فكيف تعمل مسقط لنجاح توجهها وإستراتيجيتها في تنويع الإقتصاد وزيادة نموّه؟

الدقم: مشروعها كان حلماً وصار الآن حقيقة.

بقلم جون كالابريس*

فيما تسعي عُمان إلى تحقيق نموٍ متوازن ومُستدام، فإنها تواجه ضغوطاً مالية متواصلة ومستمرة وتحدّيات إجتماعية مُلحّة. وقد أفادت توقّعات البنك الدولي بأن النمو الإقتصادي في السلطنة سيعرف إنتعاشاً في السنوات القليلة المقبلة. ومع ذلك، وبسبب إستمرار إعتماد البلاد الكبير على قطاع الهيدروكربونات، فإنها ستكون مُعَرَّضة بدرجة عالية لمخاطر إقتصادية.
في ظل هذه الخلفية، صمّمت حكومة عُمان إستراتيجية تهدف إلى التنويع الإقتصادي، وسعت في الآونة الأخيرة إلى التعجيل والتسريع بتنفيذها. ويُعتبَر تطوير ميناء الدُقم والمنطقة الإقتصادية الخاصة في طليعة جهود السلطنة للإنتقال إلى إقتصاد ما بعد النفط. إن نموذج إدارة التحوّل الإقتصادي الماليزي، والمثال السنغافوري لتحقيق الرخاء من خلال الجمع بين التجارة الحرة والسياسات الصديقة للأعمال ودور البلاد كمركز للشحن والنقل والإمداد، بالإضافة إلى ضخٍّ إستهلالي لرأس المال الإستثماري الصيني الكبير والمشاركة في المشاريع، كلها لعبت أدواراً مركزيةً في الكيفية التي تكشّفت بها هذه العملية – وسوف تظل على الأرجح العوامل الرئيسية المُحَدِّدة لتقدمها في المستقبل.

المزايا والتحديات الاقتصادية

كانت عائدات النفط مفيدة في تمويل مشروع بناء الدولة في عُمان. وقد أدّى الجمع بين الريع النفطي والقيادة ذات البصيرة إلى تمكين البلاد من تحقيق تقدّم كبير في تحقيق أهدافها الإنمائية للألفية.
ومع ذلك، تُعدُّ السلطنة أقل ثراءً في مجال المواد الهيدروكربونية من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، كما أن إحتياطاتها النفطية آخذة في التضاؤل. علاوة على ذلك، فإن الإنكماش في أسعار النفط، الذي أضعف إقتصادات وموارد جميع دول مجلس التعاون الخليجي الست، أصاب عُمان بشكل خاص. منذ العام 2014، إتسع العجز المالي في السلطنة، وخفّضت الحكومة دعم الوقود، وتمّ تأجيل العديد من مشاريع البنية التحتية.
في غضون ذلك، واصلت مسقط مواجهة تحدّيات إجتماعية مُعقّدة. وتُعتَبر البطالة، خصوصاً بين الشباب – وهي مشكلة هيكلية في جميع أنحاء المنطقة – حادة بشكل خاص في عُمان. وإستجابةً لعرضٍ نادر للإستياء العام خلال “الربيع العربي” في العام 2011، أنشأت الحكومة العُمانية حوالي 50 ألف وظيفة جديدة في القطاع العام، ورفعت الحد الأدنى للأجور لموظفي القطاع الخاص، وأطلقت بدلات ومنح جديدة للبطالة، وإرتفع عدد المُلتحقين بالجامعات إلى الضعف تقريباً، وزادت المنح الشهرية للطلاب.
مع ذلك، لا تزال البطالة عالية بعناد. وتُقدّر منظمة العمل الدولية معدل بطالة الشباب في عُمان ب20٪، وهو أمر مثيرٌ للقلق نظراً إلى أن 40٪ من سكان البلاد تقل أعمارهم عن 25 سنة. ومن جهتهم يُبدي العاطلون من العمل عدم رضاهم، كما يتضّح من الإحتجاجات التي إندلعت في كانون الثاني (يناير) من هذا العام في مسقط وصلالة، وانتشرت إلى مدن أخرى. ورداً على ذلك، وضعت الحكومة تدابير عدة لإيجاد الحلول، بما في ذلك تجميد مؤقت لإصدار تصاريح العمل والتأشيرات للعمال الأجانب في عشرة قطاعات. ومع ذلك، من المرجح أن تتزايد الضغوط الإجتماعية مثل هذه التي حصلت إذا لم يستطع القطاع الخاص توفير وظائف كافية وإستمرت القيود المالية في الحدّ من قدرة الحكومة على خلقها. والخبر السار، على الأقل في الوقت الحالي، هو أن إقتصاد عُمان عاد إلى النمو. ولكن، فإن هذا الترحيب، على الرغم من كون التعافي متواضعاً، لا يعدو كونه فترة راحة مؤقتة في ظروف تتطلب من السلطنة أن تسير بقوة أكبر وأسرع نحو إقتصاد ما بعد النفط.

الدافع نحو إقتصاد ما بعد النفط

في العام 1995، بعد عقد من العجوزات المالية وضعف عائدات النفط، أصبحت عُمان أول دولة في مجلس التعاون الخليجي تصوغ إستراتيجية إنمائية طويلة الأجل في شكل وثيقة “رؤية”. وبناء على تقرير تفصيلي عن حالة إقتصاد البلد قدّمه البنك الدولي، أطلقت السلطات العمانية مبادرة “رؤية 2020″، وهي خطة تتمحور حول المستقبل الإقتصادي لعُمان حتى العام 2020، وخارطة طريق للانتقال من الإقتصاد الهيدروكربوني، وإطلاق العنان للقطاع الخاص، وخلق قاعدة صناعية واسعة.
ومع ذلك، كانت وتيرة التقدم أبطأ من المتوقع سواء من حيث زيادة المشاركة الإقتصادية للعُمانيين وتنويع الإقتصاد. وبناءً عليه، تؤكد خطة التنمية الخمسية التاسعة الحالية (2016 – 2020) على الحاجة إلى تسريع التنويع. وتستهدف الخطة ستة قطاعات للتنمية: التصنيع، والسياحة، والنقل، والخدمات اللوجستية، والتعدين، ومصايد الأسماك.
في جهدٍ يهدف التصدي للتحديات المرتبطة بتحقيق أهداف الخطة الخمسية التاسعة ، أنشأ المجلس الأعلى للتخطيط البرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي (تنفيذ) الذي تتمثل أهدافه الرئيسية في:
• تحديد المسؤوليات والموارد والأُطر الزمنية اللازمة لتنفيذ المبادرات التي تدفع التنوع الإقتصادي؛
• وضع معايير واضحة ومؤشرات الأداء الرئيسية للمبادرات المذكورة؛
• تقديم تقارير دورية عن التقدم المحرز في تنفيذ المبادرات لضمان إطلاع الجمهور بصورة روتينية على تقدم البرنامج .
مع تبنّي برنامج “تنفيذ”، إحتضنت عُمان الفُرَص التي تتيحها تنمية نفسها كمركز لوجستي رئيسي في الشرق الأوسط. وقد دفع هذا التركيز على استخدام الموقع الإستراتيجي للسلطنة وتحسين قطاع الخدمات اللوجستية فيها إلى الاستفادة من أفضل الممارسات.

إحتضان النموذج الماليزي

تم تطوير الخطة الرئيسية لـ”تنفيذ” وتكييفها لتلائم سلطنة عمان بناءً على النموذج الماليزي، وتم إطلاقها بالتعاون مع وحدة إدارة الأداء والتسليم “بيماندو” (PEMANDU) التابعة للحكومة الماليزية. وعلى رأس “بيماندو” كان، ولا يزال، إدريس جالا، الذي، قبل توليه مسؤولية الإشراف على التقدم وقيادة تنفيذ برنامج التحوّل الإقتصادي في ماليزيا، إكتسب سمعة في مجال الأعمال الهندسية.
إستمدّ برنامج “تنفيذ” من منهجية مؤلفة من ثماني خطوات تم تطويرها وإستخدامها من قبل ماليزيا في جهودها للحدّ من التأخير في تنفيذ وإدخال مشاريع وخطط جديدة. وقد جاء تصميم وإطلاق “تنفيذ” بعد مراجعة شاملة للتجربة الماليزية، والتي تضمنت زيارات متبادلة من قبل وفد “بيماندو” وأعضاء من الأمانة العامة لمجلس التخطيط في سلطنة عُمان. بعد ذلك، تم التعاقد مع “بيماندو” كشركة إستشارات دولية لتقديم الدعم الفني للأمانة العامة. ومن هذا التعاون برزت منهجية برنامج وطني، تم تطويرها حسب الطلب للسلطنة.

إتّباع المثال السنغافوري

في إطار برنامج “تنفيذ”، يُعتبَر قطاع اللوجستيات مفتاحاً للإستثمار الداخلي ومُحفّزاً مهمّاً للشركات المختلفة العاملة في جميع أنحاء السلطنة، حيث تُشكّل الموانئ في البلاد العمود الفقري لها. الهدف الرئيسي هو الإستفادة من موقع عُمان الاستراتيجي على مفترق طرق بحر العرب والمحيط الهندي وعلى مقربة من بعض طرق التجارة البحرية الأكثر إزدحاماً في العالم.
إن البنية التحتية للنقل والخدمات اللوجستية التي سعت إليها عُمان هي موانىء الدقم وصلالة وصحار. في جميع الحالات الثلاث، نجحت مسقط في جذب شركاء دوليين، وخصوصاً من آسيا. يوفّر ميناء صلالة أحد أسرع أوقات العبور “الترانزيت” من المنطقة لربط وتوصيل الشركات والأعمال إلى ممر التجارة بين آسيا وأوروبا. إن توسيع نطاق العمل الذي تقوم به شركة “تشاينا هاربور كونستراكشن” (China Harbour Construction Co) في ميناء صحار سهّل االتواصل المباشر مع السفن الأكبر حجماً وزيادة عدد خطوط الشحن الآسيوي، مما ساهم في ظهور الميناء باعتباره أكبر مرفق للشحن الجاف في الشرق الأوسط وجنوب آسيا. بالإضافة إلى ذلك، من المقرر أن يتم بناء المرحلة الأولى من منشأة تخزين نفط رئيسية جديدة في الميناء من قبل “مجموعة تريسكورب” (Trescorp Group) ومقرها سنغافورة.
من المواقع الثلاثة، برز الدقم كرائد لتوسيع موانىء عُمان، ويُعتبر “المحرك الرئيسي” لمنطقة الدقم الإقتصادية الخاصة، ومن المتوقع أن يكون مساهماً رئيسياً في جهود التنويع الإقتصادي للبلاد. بموجب المرسوم السلطاني رقم 119 الصادر في 26 تشرين الأول (أكتوبر) 2011، أنشأت الحكومة العُمانية “هيئة المنطقة الإقتصادية الخاصة بالدقم” لإدارة وتنظيم وتطوير جميع الأنشطة الاقتصادية في الدقم. ومنذ ذلك الحين، ألّقت هذه الهيئة شبكة واسعة في سعيها إلى جذب المستثمرين والشركات الأجنبية، وبالتالي حوّلت الدقم تدريجاً إلى ميناء عبّارات ومركز لنقل البضائع.
ومثلما إستوحى إنشاء “تنفيذ” من “النموذج الماليزي”، فإن جهود عُمان لتطوير الدقم قد إستندت إلى “التجربة السنغافورية” – وعلى المواهب السنغافورية. فالرئيس التنفيذي لهيئة المنطقة الخاصة بالدقم، لي تشي كيان، هو سنغافوري. كانت سنغافورة موقعاً لحملة ترويجية لحملة “الدقم تُنادي” في أيلول (سبتمبر) 2013 والتي نظمتها هيئة المنطقة الإقتصادية الخاصة بالدقم لعرض فرص الاستثمار في السلطنة. و”مرافي”، وهي شركة مشروع مشترك أنشأتها شركة تكامل للاستثمار العُمانية (إحدى الشركات التابعة لشركة النفط العُمانية) وشركة سيمبكورب للمرافق (عُمان) المحدودة، وهي شركة فرعية مملوكة بالكامل للمجموعة الصناعية السنغافورية سيمبكورب للصناعات المحدودة، هي في طور تطوير مشروع للطاقة بقدرة 300 ميغاواط في المنطقة الاقتصادية الخاصة في الدقم. وفي وصفهم للأساس المنطقي للشروع في تشييد مرافق تخزين النفط في الدقم، أشار مسؤولون عُمانيون إلى النجاح الذي حققته سنغافورة في استخدام تخزين النفط لتعزيز التنوّع الإقتصادي.

إشراك مستثمرين وشركات من الصين

إن هدف عُمان بتحويل ميناء الدقم والمناطق الإقتصادية المحيطة به يتلازم مع مبادرة الحزام والطريق الصينية، أي مع بحث بكين عن قاعدة تشغيل يُمكن للشركات الصينية من خلالها تطوير أسواق التصدير في الخليج وشبه القارة الهندية وشرق أفريقيا. وقد أسفرت هذه المصالح المُتقاربة بالفعل عن نتائج ملموسة. في العام 2016، خصص “بنك الإستثمار في البنية التحتية الآسيوي” (Asian Infrastructure Investment Bank) الذي أطلقته الصين مبلغ 265 مليون دولار أميركي لدعم برنامج توسيع القدرات في مشروع الدقم. في العام نفسه، وقّعت مجموعة من المستثمرين الصينيين إتفاقية لاستثمار 10.7 مليارات دولار في بناء المجمع الصناعي الصيني-العُماني في الدقم – وهو مسعى ضخم يضم 35 مشروعاً، سيتم تطويرها على مراحل، مع أول شريحة سييكتمل تنفيذها بحلول العام 2022.
إن المشاركة الصينية في تطوير الدقم التي تحمل بصمات “إطار بلد ريفي”، هي خاصية “مكانية” مميزة لمبادرة الحزام والطريق. إن شركة “عُمان وانفانغ” (Oman Wanfang LLC)، التي تعمل كمطوّر ومُشغِّل للمنطقة، هي “كونسورتيوم” مؤلّف من ست شركات صينية، كلها من إقليم “نينغشيا” الذي يتمتع بالحكم الذاتي لقومية “هوي” (Ningxia Hui Autonomous Region):
• “نينغشيا شونيي أسيت إنفستمنت مَنجمنت ليمتد” (Ningxia Shunyi Assets Management Ltd)؛
• “نينغشيا واتر إنفسمنت غروب كومباني ليمتد” (Ningxia Water Investment Group Co. Ltd)؛
• “نينغشيا كونسترَكشن إنفسمنت غروب” (Ningxia Construction Investment Group)؛
• “نينغشيا ريزيدنس غروب كومباني ليمتد” (Ningxia Residence Group Co. Ltd)؛
• “ينشوان يوشون أويلفيلد سيرفيسز تكنولوجيز كومباني ليمتد” (Yinchuan Yushun Oilfield Services Technologies Co. Ltd)؛
• “ينشوان فانغدا إلكتريك إنجينيرنغ كومباني” (Yinchuan Fangda Electric Engineering Company).
تُعد الحديقة الصينية – العُمانية واحدة من المجمعات الرائدة في الخارج التي تروّج لها لجنة التنمية الوطنية والإصلاح ووزارة التجارة في الصين في حملتهما الأوسع لتشجيع ودعم “نينغشيا” داخلياً من أجل “التحوّل إلى العالمية”. وعلى الرغم من أن الكيانات الصينية المُشاركة في بناء المنطقة الصناعية تُعتبر من شركات القطاع الخاص، ومع ذلك فهي تتمتع بالدعم الكامل من الدولة الصينية، التي تقود جهودها السلطات الإقليمية في “نينغشيا”.
إن إقامة روابط إقتصادية بين “نينغشيا” والدقم هي جزء من دفعة أوسع نطاقاً من جانب سلطات “نينغشيا” للإستفادة من الصلات الثقافية بين الإقليم – الذي لديه عدد كبير من السكان المسلمين- والدول العربية. بالإضافة إلى كونه مكاناً رئيسياً لجذب المشاركة الصينية في تطوير الدقم، كانت “ينشوان”، عاصمة إقليم “نينغشيا”، موقعاً للمعرض الصيني – العربي الذي يتم كل عامين، والذي حدده الرئيس الصيني شي جين بينغ كمنصّة مهمة لـمبادرة الحزام والطريق.
البُعد الثقافي – التجاري للتعاون بين إقليم “نينغشيا” والمنطقة الإقتصادية الخاصة في الدقم يظهر بطرق أخرى، وبالتحديد في الجهود المبذولة لتزويد الشباب العُماني بالمعرفة والمهارات اللازمة لدخول سوق العمل. في العام الماضي، أرسلت هيئة المنطقة الإقتصادية الخاصة بالدقم 88 طالباً عُمانياً، على دفعتين، في البداية في دورات تدريبية في اللغة الإنكليزية ومن هناك إلى كلية “نينغشيا بوليتيكنيك” لمدة عامين للحصول على ديبلوم تخصصي يؤهلهم للعمل في الشركات التي تستثمر في منطقة الدقم.
لم تُركّز جهود سلطنة عُمان لجذب المستثمرين الصينيين إلى ميناء الدقم والمناطق الاقتصادية الخاصة فقط على “نينغشيا”. لقد شملت حملة الترويج التي قامت بها هيئة المنطقة الإقتصادية الخاصة بالدقم تحت عنوان “إستثمر في الدقم” مدينتي داليان وشانغهاي أيضاً. علاوة على ذلك، ينبغي التأكيد على أن هيئة المنطقة الإقتصادية الخاصة بالدقم قد سعت إلى تنويع مصادرها للإستثمار الداخلي، ولم تصل إلى المستثمرين الصينيين المُحتَمَلين فحسب، بل إلى آفاق أخرى في آسيا (على سبيل المثال، في الهند) وخارجها.

إستنتاج

منذ وصول السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور آل سعيد إلى العرش في العام 1970، تحوّلت عُمان من المياه العادمة الفقيرة إلى بلد متوسط الدخل مستقر وحديث وعامل مهم في العلاقات الدولية في منطقة الخليج والشرق الأوسط الأوسع. ومع ذلك، فإن البلد لا يخلو من العيوب – وليس من دون مشاكل.
على الصعيد الإقليمي، تواجه عُمان حالة إنعدام أمن متواصلة، إن لم تكن آخذة في النمو على حدودها، بما في ذلك الحرب المستمرة في اليمن، وأزمة دول مجلس التعاون الخليجي – قطر، والتنافس الاستراتيجي بين المملكة العربية السعودية وإيران. وعلى الصعيد المحلي، أدت البيئة المُنخفضة لأسعار النفط إلى تعقيد مهمة تلبية إحتياجات وتوقّعات الديموغرافية الشبابية الكبيرة في البلد. لقد جعلت القيود المالية التحديَين المزدوجَين المتمثلين في إصلاح التعليم وخلق الوظائف أكثر صعوبة على الحلّ.
وتُعدّ خطة عُمان لتحويل ميناء الدقم والمنطقة الإقتصادية الخاصة ركيزة أساسية لاستراتيجية التنمية الأوسع نطاقاً في البلاد، والتي تهدف إلى تنويع الإقتصاد. حتى الآن، برزت آسيا بشكل بارز في تصميم الخطة وتنفيذها. إن تطبيق “نموذج” الإدارة الماليزية في شكل “تنفيذ”، واحتضان “المثال” السنغافوري كمركز للشحن العابر واللوجستي، والتزام رأس المال الاستثماري الصيني الكبير والمشاركة التجارية قد تم تسخيرها كلها في مهمة أوسع هدفها الإنتقال إلى إقتصاد ما بعد النفط.
للتأكيد، قد يحدث الكثير مما قد يُعيق هذه الجهود أو يُعرقلها. ولأي عدد من الأسباب، قد تكون عُمان غير قادرة على تعبئة رأس المال اللازم لمشاريعها الطموحة. يُمكن أن تواجه الجهود المبذولة لتحويل ميناء الدقم تحدّياً من خلال المنافسة المتزايدة من المملكة العربية السعودية و/ أو الإمارات العربية المتحدة. إن التطوير الاستراتيجي للبنية التحتية للميناء يُمكن أن يضع بنجاح سلطنة عُمان في الساحة الإقليمية والدولية، لكن من دون أن يؤدي بالضرورة إلى نمو الصناعة وخلق فرص العمل وتنويع الصادرات في داخل البلاد التي تحتاجها الحكومة أو تتوقعها. كما لا يُمكن ضمان عملية الخلافة بأن تكون مُنتظمة ومن دون مشاكل.
مع ذلك، وبينما ترتفع الأبراج وترتفع المباني على طول شاطئ قرية صيد ناعمة سابقة تتصدّى للمحيط الهندي، فإن ما بدا منذ وقت ليس ببعيد خيالياً يبدو حالياً أكثر قابلية للتحقيق – حيث تبدو آسيا البعيدة الآن وكأنها تقع فوق الأفق.

• جون كالابريس أستاذ مساعد، مدير مشروع الشرق الأوسط وآسيا في الجامعة الأميركية ومعهد الشرق الأوسط في واشنطن.
• كُتب هذا البحث بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى