لماذا لن يَختارَ خامنئي ابنه ليَخلفهُ في مَنصبِ المُرشِدِ الأعلى لإيران

كَثُرَ الحديثُ في الفترة الأخيرة عن أن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي مريض وقد يختار إبنه مُجتَبى لخلافته.

آية الله أحمد علم الهدى: من الداعمين لرئيسي

سعيد جولكار وكسرى أعرابي*

وسط السيرك المستمر حول الجهود المبذولة لإحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، بدأت شائعتان تكتسب زخمًا داخل إيران وخارجها: المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي على فراش الموت ووُضِعَت التحضيرات اللازمة لابنه مُجتَبى لخلافته.

وعادت التكهنات بشأن اعتلال صحة خامنئي للظهور في الأسبوع الفائت بعد أن ألغى آية الله المُسِنّ بشكلٍ غير متوقع اجتماعًا مهمًّا مع مجلس الخبراء. في الأسبوع عينه، كان من المقرر أيضًا أن يبث مكتب المرشد الأعلى (بيت الرهبري) لقاء خامنئي مع مجموعة من الرياضيين، ومع ذلك لم يتم نشر صور هذا التجمّع السنوي.

الواقع أن تداول الأسئلة المتعلقة بصحة المرشد الأعلى قد جرى على  مدى العقد الفائت. في العام 2014، تم التأكيد على أن خامنئي خضع لعملية جراحية “ناجحة” لسرطان البروستاتا. منذ ذلك الحين، ظهرت شائعات عن وجود آية الله على فراش الموت عاماً بعد عام. لكن مثل قطة ب”تسع أرواح”، في كل مرة كان يظهر خامنئي “حيًّا ويَركُل”، كما نقول بالفارسية.

لكن هذه المرة، راجت هذه الشائعات جنبًا إلى جنب مع الجهود الرامية إلى الترويج بشكل علني لنجل خامنئي، مُجتَبى، الذي يُدير مكتب المرشد الأعلى، كرجل دين يتمتع بمركز “آية الله” – وهو شرطٌ أساس للقيادة العليا. يأتي ذلك بعد شهر واحد فقط من تحذير مير حسين موسوي، المرشح الرئاسي السابق وزعيم “الحركة الخضراء” لعام 2009 والذي لا يزال قيد الإقامة الجبرية، من التحضير لإنشاء قيادة عليا “وراثية”. يعتقد الكثيرون الآن أن مُجتَبى يتم إعداده ليصبح المرشد الأعلى المقبل.

النقاشُ حول خلافة مُجتَبى لوالده ليس بجديد. لبعض الوقت، كان هو والرئيس الحالي للجمهورية الإسلامية، إبراهيم رئيسي، من المرشحين الأوائل للمنصب. بناءً على تشكيل مجلس الخبراء، ونظرًا إلى ظهور نخبة إيديولوجية جديدة نصّبها خامنئي، فإن احتمال وجود أي مرشح آخر – بمن فيهم الرئيس السابق حسن روحاني، أو حسن الخميني، حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية الراحل- غير محتمل للغاية. شكّلت لعبة شدّ الحبل الضمنية هذه بين نجل خامنئي ورئيسي ديناميكيات النخبة في الجمهورية الإسلامية منذ العام 2019، عندما أطلق المرشد الأعلى البالغ من العمر 83 عامًا بيانًا للأربعين عامًا المقبلة. في العام الماضي، أدى انتخاب رئيسي رئيسًا للجمهورية -تعيين بحكم الواقع- إلى هذا الأمر بشكل مباشر. فبينما يقرأ البعض رئاسة رئيسي على أنها إشارة إلى أن خامنئي يسعى إلى إعداده للخلافة، اقترح البعض الآخر أن القصد من ذلك هو تحقيق العكس تمامًا: أي نزع الشرعية عنه وإفساح المجال أمام مُجتَبى. هذا المعسكر الأخير يَدَّعي الآن أن له اليد العليا.

لا شك في أن مُجتَبى يريد أن يكون المرشد الأعلى. ومن الطبيعي أن يريد الابن المتعطّش للسلطة أن يخلفَ والده “كممثل لله على الأرض” وأن تكون له سلطة مطلقة على نظام رجال الدين.

لكن أولئك الذين يتوقعون الآن أن مُجتَبى -وليس رئيسي- سيكون الخليفة يتجاهلون بعض العقبات الرئيسة أمام تعيينه.

المتطلبات الدستورية

الأمر الأول يتعلق بالمتطلبات الدستورية. وفقًا لدستور الجمهورية الإسلامية، يُعيِّنُ مجلس الخبراء خليفة خامنئي، ويُشترَطُ قانونًا أن يتمتع المرشحون للقيادة العليا بـ “الخبرة السياسية”. مُجتَبى فشل في هذا الأمر. على الرغم من إدارته الفعلية لمكتب المرشد الأعلى، فهو لم يشغل أي مناصب سياسية رسمية في النظام. في المقابل، يقود رئيسي الآن السلطة التنفيذية ورأس سابقًا الفرع القضائي للجمهورية الإسلامية. يتمتع مكتب المرشد الأعلى بنفوذٍ كبير على مجلس الخبراء – بعد كل شيء، يسيطر خامنئي بحكم الواقع على هذه المؤسسة، بعد أن نصَّبَ مجموعةً من الموالين المُطلقين لعضويتها، خصوصًا بعد العام 2016. لكن لا ينبغي التقليل من تأثير مؤيدي رئيسي في سياق ما بعد خامنئي. الرئيس الحالي ليس فقط عضوًا في مجلس الخبراء، ولكن أيضًا والد زوجته صاحب الوزن الثقيل، رجل الدين المتشدد آية الله أحمد علم الهدى. إذا كان على مجلس الخبراء تعيين المرشد الأعلى التالي، فقد يكون رئيسي وعلم الهدى قادرَين على قلب ميزان النفوذ لصالحهما بالنظر إلى أن التعيين، على الأقل من الناحية النظرية، سيحدث بعد وفاة خامنئي.

بالطبع، النظرية شيء والواقع شيءُ آخر. من الناحية العملية اعتبر خامنئي نفسه دائمًا فوق القانون في الجمهورية الإسلامية. من المحتمل أن يقرر آية الله تعيين المرشد الأعلى المقبل قبل وفاته.

ولكن حتى ذلك الحين، فإن الاحتمالات مُكدّسة ضد مُجتَبى.

إضطرابات داخل النظام

يُدرِكُ خامنئي تمامًا أن تعيينَ ابنه خلفًا له من شأنه أن يُحفِّزَ الانقسام والفوضى والاضطراب داخل النظام – وهو عكس الانتقال السلس تمامًا الذي يحاول تحقيقه. كما أن مفهوم المرشد الأعلى بالوراثة يتعارض مع الأعراف الإسلامية الشيعية، حيث يتم تخصيص نسب الدم للعباءة حصريًا للأئمة الشيعة الاثني عشر الذين رُسِموا إلهيًا. كان هذا واضحًا من خلال تعيين خامنئي في منصب المرشد الأعلى في العام 1989، عندما لم يناقش مجلس الخبراء حتى فكرة اختيار نجل الخميني المؤثّر، أحمد. اليوم، إذا دفع خامنئي إلى الأمام بهذا الخيار، فمن المحتمل أن يتسبب ذلك بعد وفاته في إثارة ضجة في جميع الحوزات الشيعية (المعاهد الدينية) وبين فصائل مُعَيَّنة من النخب السياسية في الجمهورية الإسلامية. في المرة الأخيرة التي عانى فيها النظام من هذا الانقسام الداخلي في العام 2009 -بعد التزوير الصارخ للانتخابات الرئاسية- كاد النظام أن ينهار بأكمله تقريبًا. في النهاية، تمكّن خامنئي من التغلب على تفكك الجمهورية الإسلامية من خلال الاعتماد على قوة الحرس الثوري الإسلامي، الجيش الإيديولوجي لنظام الملالي.

نظامُ خامنئي مُدينٌ بوجوده للحرس الثوري الإيراني. مع تصاعد المعارضة المناهضة للنظام في إيران، أظهر الحرس الثوري الإيراني مدى استعداده للعمل للحفاظ على “النظام المقدس” من خلال إراقة الدماء باستمرار في الشوارع الإيرانية. هذا هو السبب في أن خامنئي أعطى المزيد والمزيد من السلطة للحرس – الذي يعتبره “الركيزة الأساسية للثورة الإسلامية”. ستكون آراء الحرس الثوري الإيراني حاسمة في تشكيل قرار خامنئي ومجلس الخبراء بتعيين المرشد الأعلى المقبل. لقد وصلت شهية الشعب الإيراني للإطاحة بالجمهورية الإسلامية إلى مستويات غير مسبوقة، ما يعني أن خليفة خامنئي سيحتاج إلى الاعتماد على قوة الحرس الثوري الإيراني أكثر من أي وقت مضى لدعم النظام. في الأساس، بمجرّد وفاة خامنئي، سيكون الحرس الثوري الإيراني صانع المرشد الأعلى.

وهذا الأمر يفرض السؤال التالي: مَن يُفضّلُ الحرس، مُجتَبى أم رئيسي؟ يتمتع الحرس الثوري الإيراني بعلاقات جيدة جدًا مع كلا المرشحين المُحتَمَلين للقيادة العليا. سيكون العامل الحاسم هو خطوط صدع القوة وليس الصداقة. شهدت السنوات الـ43 الماضية تحول الحرس الثوري الإيراني من ميليشيا إسلامية إلى أقوى مؤسسة منفردة في النظام بأمر من خامنئي. بمجرد وفاته، سيرغب الحرس في القيام بكل ما هو ممكن للتأكد من أن المرشد الأعلى المقبل لا يُقلّل أو يتحدّى سلطته. لضمان ذلك وليكون قادرًا على ممارسة المزيد من السيطرة، يحتاج إلى أن يكون المرشد الأعلى التالي “أحمقَ مفيدًا” وليس سياسيًا ذكيًا. وهذا من شأنه أن يجعل رئيسي المرشح المُفضّل للحرس الثوري الإيراني. إذا كان هناك شيء واحد معروف عن الرئيس الحالي – بصرف النظر عن سمعته كـ “جزار طهران” – فهو افتقاره إلى الذكاء والدهاء السياسيَين. لم يكن صعود رئيسي داخل النظام من صنعه. منذ العام 2016 حتى الآن، كانت جميع المناصب السياسية الرئيسة التي شغلها إما نتيجة التعيين المباشر أو النتائج المُهَندَسة. غالبًا ما يمزح الناس في إيران قائلين إن رئيسي غبيٌّ جدًا، ولم يكمل سوى المدرسة الابتدائية. هناك ذرة من الحقيقة في كل نكتة – ويدرك الحرس الثوري الإيراني ذلك تمامًا.

إذن، هاتان ضربتان لمُجتَبى – واحدة أخرى ويُصبح خارج السباق.

طموحات خامنئي

من المرجح أن تأتي الضربة الثالثة لمُجتَبى من طموحات والده لمستقبل الجمهورية الإسلامية. المرشد الأعلى الحالي يسعى إلى ضمان شيئين بعد وفاته.

أوّلًا، يريد أن يفعل كل ما في وسعه لضمان بقاء إيديولوجيته الإسلامية المتشددة بعده. وقد انعكس هذا من خلال التغييرات الهيكلية التي أدخلها آية الله منذ أن أطلق بيانه لل40 عامًا المقبلة في العام 2019. وبدلًا من ترقية مُجتَبى إلى دور يواجه من خلاله الجمهور، بذل خامنئي كل طاقته في “تنقية” النظام وتنصيب أكثر المتعصّبين المتشدّدين، بمن فيهم رئيسي، عبر مؤسساته. هذا لا يعني أن مُجتَبى ليس متطرفًا راديكاليًا – إنه كذلك. لكن بالنسبة إلى خامنئي، فإن ضمان هذه الرؤية هي أكبر وأهم بكثير من ابنه. بالنظر إلى السنوات الثلاثين الماضية من حكمه، لا يوجد دليل على أن إنشاءَ قيادة عليا وراثية أمرٌ يهتم به خامنئي. وهذا متجذّر في إيديولوجيته الإسلامية الشيعية المتطرفة.

ثانيًا، المرشد الأعلى يريد ضمان أمن عائلته، ليس أقلها مُجتَبى. إن تنصيب ابنه كمرشدٍ أعلى قد يُعرّضه لخطر الاغتيال من قبل عناصر من داخل النظام. يعرف خامنئي ذلك جيدًا. بعد كل شيء، يُزعَمُ أنه والراحل آية الله أكبر هاشمي رفسنجاني كانا القوتين وراء مقتل أحمد الخميني، نجل آية الله روح الله الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية وأول مرشد أعلى لها. لدى مُجتَبى ما يكفي من الأعداء داخل النظام، ويميل التاريخ إلى تكرار نفسه.

من شأن تعيين رئيسي في منصب المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية أن يُعالِجَ مخاوف خامنئي. لكن بالنسبة إلى مُجتَبى ليست كلها خسارة – بل على العكس تمامًا في الواقع.

إن تنصيب رئيسي، الذي لا يعرف يساره من يمينه، كقائد أعلى دمية من شأنه أن يفتح الطريق أمام مُجتَبى والحرس الثوري الإيراني لاتخاذ القرارات – سيصبحان سادة الدمية. هناك أيضًا اللعبة الطويلة. بالنظر إلى أن رئيسي ليس لديه ابن ووريث، فقد يأمل مجتبى أن يؤدي هذا الترتيب في النهاية إلى أن يصبح هو المرشد الأعلى في المستقبل. يمكن لمُجتَبى أن ينظرَ إلى رئيسي باعتباره المرشد الأعلى المؤقت، وهو كحملٍ سيتبع أوامره. بالطبع، نحن نعلم أن السلطة تُغيِّرُ الناس. يمكن أن يتحوّل رئيسي الخروف إلى ذئب ويتصرّف وفقًا لذلك.

خلافًا للرأي السائد، في السباق بين مُجتبى ورئيسي، نتوقّع أن يكون رئيسي هو الأوفر حظًا.

يأمل خامنئي أن يتمكّنَ من خلال هذا الترتيب ضمان بقاء نظامه، والسيطرة على انقسام النخبة، وضمان بقاء إرثه الإسلامي المتشدد والمناهض للغرب بعده. لكن هناك قوة واحدة غير متوقعة تُهدّدُ بتقويض هذه النتيجة المُهندَسة: الشعب الإيراني.

بغض النظر عن مدى دقة تصميم خامنئي لهذا المخطط الرئيس، فإن وفاته ستخلق إحساسًا بعدم اليقين لدى النخبة وستضخّ جرعة قوية من الأمل بين الشعب الإيراني في أن تغيير النظام أمرٌ ممكن، والآن حان الوقت. باختصار، بينما قد يكون خامنئي قادرًا على السيطرة على نخبته من خلال هذه الخطة الكبرى، فإنه ببساطة لا يستطيع أن يفعل الشيء نفسه للشعب الإيراني. قد يؤدي زواله إلى انهيار النظام بأكمله.

  • كسرى أعرابي هو رئيس برنامج إيران في معهد طوني بلير للتغيير العالمي، حيث يتخصص في إيران والتطرف الإسلامي الشيعي. وهو أيضًا باحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط في واشنطن. وسعيد جولكار هو زميل كبير في معهد طوني بلير للتغيير العالمي. وهو أيضًا أستاذ مساعد في قسم العلوم السياسية والخدمة العامة بجامعة تينيسي في تشاتانوغا. الآراء الواردة في هذا المقال خاصة بهما.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى