الإتحاد الأوروبي والمعضلة المغاربية
محمد الفويرس*
منذ إعلان الجزائر في 8 حزيران/يونيو الماضي تعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون مع المملكة الإسبانية بعد مرور عقدين على إبرامها، بدا واضحا أن كرة الثلج تكبر بشكل متسارع، وتباين الموقف بين الطرفين يزداد تعقيدًا في ظل صدور بيانات رسمية من الجانبين توضح وجهات النظر وتدافع عن قرارات كل بلد.
لم تكن إسبانيا الوحيدة التي غيرت موقفها بشأن ملف الصحراء الغربية؛ بل سبقتها الولايات المتحدة الأميركية في النزع الأخير من فترة الرئيس السابق دونالد ترامب الذي وقّع مرسومًا رئاسيًّا يصدق بموجبه على اعتراف بلاده بمغربية الصحراء – وهي خطوة لم يتخذها قبله أي رئيس أميركي. كذلك أعربت الحكومة الألمانية – بعد انتخاب أولاف شولتس كمستشارٍ جديد في نهاية السنة الماضية– عن رغبتها في طيّ الأزمة الديبلوماسية بين المغرب وألمانيا التي كانت قائمة منذ شهر آذار/مارس 2021، واعتبار مقترح الحكم الذاتي “مساهمة مهمة” من المغرب لحل النزاع حول الصحراء.
إضافة إلى ذلك، دخلت المؤسسات الفاعلة في الاتحاد الأوروبي على الخط في الأزمة الإسبانية-الجزائرية عندما أعربت المفوضية الأوروبية عن “قلقها البالغ” بشأن قرار الجزائر تعطيل العلاقات التجارية مع إسبانيا مُعتبرةً إياه “انتهاكًا” لاتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والجزائر التي تعود لعام 2005.
في الغالب، تتأثر العلاقات الأوروبية مع البلدين المغاربيتين بمستجدات وتطورات ملف الصحراء، بحيث لم تخفِ الجزائر الدافع الرئيس وراء اتخاذها الخطوة الأخيرة التي ساهمت بشكلٍ كبير في تأزّم العلاقة بين البلدين، من خلال التنديد الصريح بالموقف الاسباني المساند للطرح المغربي بخصوص مقترح الحكم الذاتي، مُعتبرةً –أي الجزائر – أن هذا الموقف غير المسبوق يتناقض مع الشرعية الدولية، ومع الوضع التاريخي لإسبانيا كبلد مستعمر سابق للمنطقة. في الجهة الأخرى، اتسم الموقف المغربي، في الآونة الأخيرة، بالشدة والصرامة بعد أن صرح العاهل المغربي الملك محمد السادس في إحدى خطبه أن العلاقات المغربية مع البلدان الأخرى ستُبنى أساسًا على احترام السيادة المغربية على الصحراء.
ما يثير الاستغراب في التعاطي الجزائري “المُتشدّد” مع الخطوة الإسبانية في تعاملها مع ملف الصحراء هو أن دولًا كبرى أخرى – أكثر حضورًا وقوة مثل الولايات المتحدة الأميركية، اتخذت خطوات أكثر تقدّمًا وغير مسبوقة مثل اعتراف القوة العظمى في العالم بسيادة المغرب على الصحراء، وافتتاحها تمثيلية ديبلوماسية في مدينة الدخلة في جنوبي المغرب، ورُغم ذلك لم ترد الجزائر على هذه الخطوة المتقدمة. وكذلك الحال بالنسبة إلى فرنسا –الدولة الحليفة للمغرب- والتي كانت دائما مناصرة للمغرب في الدفاع عن “وحدته الترابية”.
الأكثر غرابة، أن الديبلوماسية الجزائرية اشتغلت على محوري إيطاليا وفرنسا وعملت على تقوية العلاقات الاقتصادية والسياسية مع البلدين في مقابل استمرار التوتر مع إسبانيا رُغمَ أن العلاقات الجزائرية-الفرنسية كانت دائمًا تتأرجح بين المدّ والجزر. وقد حملت زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لإيطاليا في 25 أيار/مايو دلالات مهمة، مثل الاستقبال بالطائرات الحربية وتوقيع عدد من الاتفاقات الهامة، كانت الجزائر -إلى عهد قريب- مورد الغاز الرئيس لإسبانيا من طريق الأنبوب العابر للأراضي المغربية. ولكن، بعد تأزم العلاقات بين البلدين، اشترطت الجزائر عدم بيع الغاز الموَرد إلى إسبانيا للمغرب. زيادة على ذلك، قررت الحكومة الجزائرية أخيرًا تحويل الكميات الموجّهة سابقًا لإسبانيا إلى إيطاليا كخطوة عقابية.
يثير توتر العلاقات الإسبانية-الجزائرية، بسبب قضية الصحراء، تساؤلات كثيرة بشأن طبيعة العلاقات المغربية والجزائرية مع دول الاتحاد الأوروبي مُستَقبلًا في حال قامت دول أخرى باتخاذ الخطوات ذاتها، والاصطفاف في قائمة الدول المؤيدة لمقترح الحكم الذاتي، مع ما يترتّب على ذلك من ردود فعل جزائرية تُماثل موقفها من إسبانيا أخيرًا. لا يلوح في الأفق انفراجٌ للأزمة في ظل استمرار تباين المواقف المغربية والجزائرية، واستمرار القطيعة الديبلوماسية بين البلدين، وإصرار كل طرف على موقفه من قضية الصحراء الغربية رُغم الجهود الأممية المبذولة من أجل التوصّل إلى حلّ نهائي للنزاع.
- محمد الفويرس هو صحافي وباحث مغربي ومرشح دكتوراه في كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس /فاس/ وهو مهتم بدراسة تأثير العصرالرقمي على الممارسة الإعلامية.