أبوظبي تُعزِّزُ سمعتها في مجال الإبتكار الطبي خلال جائحة “كوفيد-19”

بصفتها مركزاً عالمياً للطيران والترانزيت مع عدد كبير من السكان الذين يتنقّلون بشكل كبير ويُعرّضها لخطر متزايد من انتشار “كوفيد- 19″، اتّخذت أبوظبي تدابير مُبتَكرة للحدّ من تأثير الوباء على الصحة العامة والإقتصاد الأوسع.

الشيخ محمد بن زايد: أصدر حزمة تحفيز شاملة مع استراتيجية لحماية الشركات والأسر الضعيفة.

 

أبو ظبي – عمّار الحلّاق*

كانت دولة الإمارات العربية المتحدة – وعاصمتها أبو ظبي – الدولة الأولى في الشرق الأوسط التي أبلغت عن حالة إصابة بفيروس كورونا في 29 كانون الثاني (يناير). وعلى الرغم من عدم توفّر أرقام فردية لكل إمارة، فقد أفادت دولة الإمارات عن وجود 2,359 حالة مؤكدة ل”كوفيد-19″ و12 حالة وفاة حتى 7 نيسان (إبريل)، من إجمالي 1.43 مليون إصابة عالمية و82,000 حالة وفاة.

في محاولة لمنع الحالات المُستَورَدة، أعلنت أبو ظبي عن الإغلاق المؤقت لمطارها وتعليق جميع الرحلات الجوية في 24 آذار (مارس). وفي 5 نيسان (إبريل)، أُعيد فتح المطار جزئياً للسماح لشركة الطيران الوطنية “الإتحاد” بتشغيل عدد محدود من رحلات العودة إلى الوطن للمسافرين الأجانب العالقين في الخارج.

بالنسبة إلى المُقيمين، لا تزال هناك تدابير صارمة للإبتعاد الإجتماعي: لقد تمّ فرض حظر تجوّل من الساعة 8 مساءً إلى 6 صباحاً، ولا يُسمح للأشخاص بالخروج خلال النهار إلّا لشراء المستلزمات الضرورية أو إذا كانوا يعملون في مهن أساسية.

على الرغم من تشابه إجراءات التباعد الإجتماعي هذه إلى حد كبير مع الأساليب الأخرى المُستخدَمة في جميع أنحاء العالم، إلّا أن أبو ظبي ميّزت نفسها في استخدامها للإبتكار الطبي للحدّ من انتشار الوباء في المجتمع.

إعتباراً من 7 نيسان (إبريل)، قامت دولة الإمارات العربية المتحدة بإجراء فحوص مخبرية واختبارات ل220,000 شخص لـ”كوفيد-19″ من بين عدد سكان يبلغ حوالي 9.9 ملايين – وهو ثاني أعلى عدد من الفحوص والإختبارات في العالم من حيث الحجم وسابع أعلى معدل بالنسبة إلى الفرد.

على المستوى المحلي، من المتوقع أن يزداد معدل الفحوص والإختبارات في أبوظبي بعدما أطلقت الدولة أخيراً مركز فحص الأفراد لفيروس كورونا من سياراتهم.

وبالتعاون والتنسيق مع دائرة الصحة أبوظبي، قامت شركة أبوظبي للخدمات الصحيّة “صحة” بإطلاق مركز مسح من المركبة، والذي يهدف إلى فحص الأشخاص من سياراتهم.

ويتواجد هذا المركز، الذي افتُتِح في الأول من الشهر الجاري، في مدينة زايد الرياضية في أبوظبي، وهو يُعد “الأول في الدولة، والخامس من نوعه على مستوى العالم”، بحسب ما أشار إليه الموقع. وقد أجرى حوالي 3000 اختبار في أول يومين من عمله.

ويُقدم المركز خدمته في أثناء وجود الشخص، الذي يتم فحصه، في داخل مركبته.

ولإجراء الفحص، يعبر المرء خلال 4 مسارات خاصة بالسيارات خلال 5 دقائق فقط، ويسعى المسح إلى تسهيل العملية على الأفراد، وسرعة إنجاز الفحص، بحسب ما ذكره الموقع.

وبعد إجراء الفحوصات اللازمة، أشار حساب “إنستغرام” الرسمي لشركة أبوظبي للخدمات الصحية إلى أنه يتم تسليم النتائج عبر رسالة نصيّة أو من خلال تطبيق “صحة”.

وخلال 10 أيام، ستُقام مراكز مُماثلة لتخدم إمارات ومناطق أخرى في الدولة، وهي تتضمن دبي، والشارقة، وعجمان، وأم القيوين، ورأس الخيمة، والفجيرة، ومدينة العين، إضافةً إلى الظفرة.

كما تُنفّذ سلطات أبو ظبي برنامجاً يوميًا لتطهير شوارع الإمارة، واستخدمت روبوتاً يُستخدَم عادةً لأغراض مكافحة الحرائق للمساعدة في هذه المهمة.

نظام بيئي قوي

في حين كانت استجابة الحكومة ل”كوفيد- 19″ قوية، فقد قام القطاع الخاص في أبوظبي أيضاً بدوره لتعزيز الصمود في مواجهة الوباء.

في 31 آذار (مارس)، أعلنت شركة التكنولوجيا “مجموعة 42” (G42) ومقرها أبو ظبي وشركة الجينوم الصينية “بي جي آي” (BGI) أنهما قاما ببناء مُختبر ضخم للإنتاج في مدينة “مَصدَر” بالإمارة خلال 14 يوماً فقط.

تمّ تصميم المختبر لاكتشاف فيروس كورونا على نطاق السكان وهو الأكبر من نوعه خارج الصين، وهو قادر على إجراء عشرات الآلاف من الإختبارات يومياً.

على الرغم من استخدامها في البداية لتوسيع نطاق الإختبارات والفحوص في أبوظبي وسائر مدن الإمارات، إلا أنه يُمكن توسيع المنشأة لاستقبال عينات من أماكن أخرى، مما يساعد على بناء سمعة أبوظبي المتزايدة كمركز دولي للسياحة الطبية والتكنولوجيا.

قبل تفشّي مرض “كوفيد- 19″، كانت حكومة أبوظبي تعمل على ترسيخ الإمارة باعتبارها “وجهة مركزية على خريطة السياحة العلاجية العالمية”. وحددت وثيقة سياسة دائرة الصحة في أبوظبي في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019 رؤية لجذب السياح الطبّيين من خلال المرافق والخدمات الطبية عالية الجودة التي تدعمها التكنولوجيا الطبية الحديثة ويُسهّلها السفر السهل.

إن جهود أبوظبي لتطوير محركات النمو غير النفطي، مثل السياحة العلاجية والتكنولوجيا، تدعمها إستثمارات في النظام البيئي المحلي الناشىء.

في تشرين الأول (أكتوبر) 2019، أعلنت شركة “مبادلة”، أداة الإستثمار في أبوظبي، عن صندوق تقني بقيمة 250 مليون دولار لتسريع الإبتكار المحلي. من هذا المبلغ، تم تخصيص حوالي 150 مليون دولار لرأس المال الإستثماري لدعم حاضنة التكنولوجيا في الإمارة “هَب 71” (Hub71)، والتي تم إطلاقها في وقت سابق من ذلك العام.

في حديث لوسائل الإعلام الدولية في 2 نيسان (إبريل)، قال إبراهيم العجمي، رئيس المشاريع في “مبادلة كابيتال” والرئيس التنفيذي بالإنابة لـ”هَب 71″، إن ذراع رأس المال الإستثماري ل”مبادلة” يُفكر في إنشاء صندوق مخصص للرعاية الصحية في العام 2021 للإستفادة من الطلب المتزايد على الإستثمار في تكنولوجيا الصحة الرقمية وعلوم الحياة بعد اندلاع “كوفيد-19”.

ومن المتوقع أن يكون الصندوق أكبر من الصناديق الإستثمارية السابقة ل”مبادلة”، والتي تشمل شركة ناشئة بقيمة 400 مليون يورو تم إطلاقها في العام الماضي للإستثمار في أوروبا.

ويتوقع العجمي انتشار الشركات الناشئة في أبوظبي التي تُركّز على الاختبارات السريعة والتشخيص وتطوير سلاسل إمدادات الرعاية الصحية.

تحفيز القطاع الخاص

على الرغم من أن فُرَصَ نمو القطاع الخاص في المدى الطويل في الرعاية الصحية والتكنولوجيا الطبية في أبو ظبي كبيرة، فقد تمّ اتخاذ إجراءات لدعم الأعمال التجارية ضد الآثار السلبية القصيرة المدى للوباء.

في 16 آذار (مارس)، مرّر المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي الذي يرأسه الشيخ محمد بن زايد حزمة تحفيز شاملة مع استراتيجية من 16 نقطة لحماية الشركات والأسر الضعيفة.

وتشمل الإجراءات الرئيسة تخصيص 3 مليارات درهم (816.9 مليون دولار) لمخطط ضمان الإئتمان للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم الذي يديره مكتب أبوظبي للإستثمار، وهو مصمم لتحفيز التمويل من قبل البنوك المحلية للشركات الصغيرة والمتوسطة؛ ومنح إعانات في مجال الكهرباء للشركات الناشئة حتى نهاية العام؛ وإنشاء صندوق مالي لصانع السوق بقيمة مليار درهم (272.3 مليون دولار) لتعزيز السيولة في سوق الأسهم.

على الرغم من الإنهيار الأخير في أسعار النفط بسبب ضعف الطلب وخلاف على العرض بين روسيا والمملكة العربية السعودية، أشار المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي إلى نيته في المضي قدماً في خطط التنمية الطويلة المدى، بما في ذلك الإصلاح المالي ومبادرات السياسة النقدية والمشاريع الرأسمالية.

وقال محمد علي الشرفاء، عضو المجلس التنفيذي ورئيس دائرة التنمية الاقتصادية، في مقابلة تلفزيونية مع قناة “سي أن بي سي” في 19 آذار (مارس) إن “أبو ظبي لديها الموارد، حتى على هذه المستويات من أسعار النفط الخام، لمواصلة التقدم المخطط له”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى