… ومن قبائِلِهم تعرفُونَهُم

بقلم هنري زغيب*

 

قرأْنا في الصُحُف أَن الجلسات الحكومية فشلَت في إِعلان التعيينات بسبب عدم التوافُق بين مكوِّنات الحكومة.

وقرأْنا في الصُحُف عن “الدعوة إِلى حوار اقتصادي في قصر بعبدا تَـمَّ التمهيد له باجتماعات على مستوى خبراء يمثلون الأَحزاب السياسية الأَبرز”.

وقرأْنا في الصُحُف: “تخشى أَوساط سياسية انفجارَ الحكومة من الداخل إِذا فُـرِضَتَ التعيينات فرضًا، أَو إِذا جرى تقاسُمُها من دون اعتماد آليةٍ موحَّدة”.

وقرأْنا في الصُحُف: “عدَمُ بَتِّ مجلس الوزراء التعييناتِ القضائيةَ يؤَخِّرُ التحضير لدورة السنة القضائية الجديدة”.

وقرأْنا في الصُحُف: “كان يُفترض أَن تكون التشكيلات القضائية أُنْجِزَت، لكن التعقيدات السياسية لا تزال تَحُول دون الشروع في تحضيرها”.

وقرأْنا في الصُحُف عن “مطالبة بعض الوزراء بالاطِّلاع على ملفَّات السِـيَــر الذاتية للأَسماء الـمقترح تعيينُها لـمعرفة ما إِذا كانت تستحقُّ أَم لا، ولكي لا يكون الـمرشَّحون في موقع التبَعية السياسية الـمطلقة”.

وقرأنا في الصُحُف بيانَ نادي قضاة لبنان “الـمُنادي السلطةَ السياسيةَ إِلى الترفُّع عن الـمصالح الشخصية، وتعيين الشخص الـمناسب الذي يعيد الأَمل إِلى القضاء بسُلطة مستقلَّة تُعيد الثقة بدولة القانون، وهذه آخرُ فرصةٍ للـمواطن الصادق بقضاءٍ شريفٍ مُـنَــزَّهٍ قَويٍّ يُعيد الثقة بلبنان”.

ماذا يعني كلُّ ذلك؟

يعني أَن السيرةَ الذاتية لا قيمة لها أَمام التبَعية، ويعني أَنْ لا آليةَ واحدةً موحَّدةً تساوي الـمواطنين جميعًا سواسيةً بما أَتاحه لهم الدستور، ويعني أَن الـمعيار ليس الكفاءَة بل الإستزلام، ويعني أَن اجتماع الاثنين (02/09/2019) في قصر بعبدا لن يضمَّ الهيئاتِ الاقتصاديةَ الـمعنيةَ الخبيرة، بل سيضمُّ خبراء يمثلون الأَحزاب السياسية الأَبرز، أَي أَن الخبراء خارج الأَحزاب لا مكانَ لهم يوم الاثنين لا في بعبدا ولا في أَيِّ مكانٍ من هذه الـجمهورية، ويعني أَن الزبائنية ما زالت تَـحْكُم وتَتَحَكَّم، ويعني أَن الـمقياس لتعـيـيـنِك أَيها الـمُواطن: من أَيِّ طائفة أَنت؟ من أَيِّ مذهب أَنت؟ إِلى أَيِّ جهة تنتمي أَنت؟ مَن هو مرجِعُكَ السياسي؟ وعلى مَن أَنت محسوب؟

خارجَ هذه الـمعايير والـمقايـيـس، يا حضرةَ الـمُواطن، لا مكانَ لكَ ولا أَمل، طالـما ترفض أَن تبوسَ اليد التي تُــعَـــيِّــنُك وطالـما تَرفُض حتى أَن تَلْعَنَها وأَنتَ تَبُوسها، وتَرفض كرامتُكَ الرائعة أَن تكونَ أَنتَ حَبَّةً في مسبحة سيِّد العشيرة أَو إِقطاعيِّ الـمزرعة أَو زعيمِ القبيلة.

هوذا واقعكم مع معظم قادتكم أَيها اللبنانيون… ومن قبائلهم تعرفونهم!

إِنَّ دولةً تقوم على الـمذاهب لا الـمواهب، وعلى الـمحاصصات الطائفية، وعلى الزبائنية السياسية، وعلى التَبَعية الحزبية، وعلى الكوتا السياسية حتى لأَرفع الـمناصب الحسَّاسة في الدولة ولو كانت معدومةً كفاءةُ هذا “الـمَحسوب على مَن”،… هي دولةٌ لا تُؤَمِّن لِـجيلها الجديد أَمَلًا بالبقاء، ولا سببًا للتعلُّق بالأَرض والوطن، وهي دولةٌ لن تستقيم إِلَّا متى استقامت مقصلةٌ علْـمانيةٌ غاضبةٌ تُعلِن في هذا الشرق مطْلعَ عهدٍ جديدٍ يَفتح بوابةَ “باستيل” جديدةً في كلِّ دولةٍ فاشلةٍ من هذا العالـم الثالث.   

 

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني مخضرم. يُمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني التالي: email@henrizoghaib.com أو متابعته على:henrizoghaib.com أو  www.facebook.com/poethenrizoghaib

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى