أجندة التنافسية الإماراتية

الإمارات العربية المتحدة هي أصلًا واحدة من أكثر الاقتصادات ديناميكية في الشرق الأوسط، وهي تواصل تمرير إصلاحات جريئة لجذب الاستثمار والمواهب من جميع أنحاء العالم.

وزير الدولة الإماراتي للتجارة الخارجية الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي: “لن نعود إلى الإغلاق الكامل للبلاد”

عمّار الحلّاق*

بعد تسجيلِ أعمقِ انكماشٍ منذ ثمانينات القرن الفائت في العام 2020، استقرّ اقتصاد الإمارات – ثاني أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط – في العام 2021، حيث خفف انتشار اللقاحات وانتعاش الاقتصاد العالمي الضغط على المالية الحكومية.

من المُقرّر أن يكتسبَ التعافي مزيدًا من الزخم في العام 2022، على خلفيةِ ارتفاع عائدات النفط والتحسينات في أعداد السياح، واللذين يدعمهما أحد برامج التطعيم الأكثر تقدّمًا في العالم ضد كوفيد-19. هذا على الرغم من المخاوف المستمرة بشأن قطاع العقارات في البلاد.

بعد الانكماش بنسبة 6.1٪ في العام 2020، من المتوقع أن ينمو الاقتصاد بنسبة 2.1٪ في العام 2021 و4.2٪ في العام 2022، وفقًا للبنك المركزي الإماراتي، مع استمرار تعافي عائدات النفط وعدد الوافدين من السياح. بعد تشغيلِ عجزٍ في الموازنة المُوَحَّدة بنسبة 2.4٪ من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2020 – الأول منذ العام 2017 – من المرجح أن تسجل المالية العامة للدولة فائضًا بنسبة 1.2٪ في العام 2021، وفقًا لتوقعات بنك الإمارات دبي الوطني، ثاني أكبر مصرف في البلاد من حيث الأصول.

“في حين أن التوقّعات على المدى القريب تُخيّم عليها الزيادة الكبيرة في حالات الإصابة بفيروس كورونا، فإن معدل التطعيم المرتفع في الإمارات العربية المتحدة، وخصوصًا بين الشباب، يجعل االبلاد في وضعٍ جيّد لتحمّل ومواجهة الموجة الحالية من العدوى من دون الحاجة إلى إعادة فرض الإجراءات الصارمة التي كانت سارية [في “بداية الوباء]”، تقول خديجة حق، رئيسة البحوث الإقليمية لدى بنك الإمارات دبي الوطني.

إنتعاش أسعار النفط

من المتوقع أن يعود قطاع النفط في الدولة إلى النمو في العام 2022 بعد عامين صعبين، حيث توقع البنك المركزي الإماراتي نموًا بنسبة 5٪ للعام الجديد.

بعد الانخفاض إلى ما دون 30 دولارًا للبرميل في الأيام الأولى للوباء، انتعشت أسعار النفط إلى مستويات ما قبل الوباء في أوائل العام 2021، مع إطلاق اللقاحات الذي أدى إلى زيادة توقعات النمو الاقتصادي العالمي. في الأشهر الأخيرة، تجاهلت الأسواق إلى حدٍّ كبير المخاوف بشأن انتشار المتحور “أوميكرون” (Omicron) الجديد، حيث تم تداول النفط حول 85 دولارًا للبرميل في أوائل كانون الثاني (يناير).

توقّع مصرف “مورغان ستانلي” (Morgan Stanley) أن ترتفع الأسعار إلى 90 دولارًا للبرميل في النصف الثاني من العام، وذلك بفضل مزيج من المخزونات المنخفضة والقدرة الاحتياطية المنخفضة والاستثمار المنخفض عبر الصناعة في السنوات القليلة الماضية. ومع ذلك، فإن هذا الاتجاه الصعودي ليس عالميًا، حيث توقعت شركة الإستشارات الإقتصادية البريطانية  “كابيتال إيكونوميكس” (Capital Economics) انخفاض الأسعار إلى حوالي 60 دولارًا للبرميل بحلول نهاية العام، مع زيادة العرض وعودة الطلب إلى طبيعته.

بغضّ النظر عن تحركات الأسعار، من المتوقع أن تزيد عائدات النفط الإماراتية بشكل كبير خلال العام الجديد. من المقرر أن ترتفع حصة إنتاج البلاد إلى 3.65 ملايين برميل يوميًا – وهو أعلى مستوى لها منذ أكثر من ثلاث سنوات – كجُزءٍ من اتفاقٍ تمّ التوصّل إليه مع مجموعة منتجي النفط “أوبك +” في تموز (يوليو) 2021، مع احتمال حدوثِ زياداتٍ أخرى.

يقول روبن ميلز، الرئيس التنفيذي لشركة “قمر للطاقة”: “إن إعادة تنظيم الحصص في نيسان (أبريل) تستحق المشاهدة، حيث من المحتمل أن تكون هناك إعادة تعيين/توزيع أخرى، نظرًا إلى تزايد عدم قدرة بعض الأعضاء على تحقيق أهدافه”.

إستجابة كوفيد

دخلت الإمارات جائحة كوفيد-19 في أوائل العام 2020 في حالة ضعيفة أصلًا، حيث أدى تراجع قطاعي العقارات والبناء إلى تقييد نشاط الأعمال المحلية. إلى جانب الانهيار في عائدات النفط – التي شكلت 25٪ من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2019 – كان للوباء تأثيرٌ مفاجئ وشديد على التجارة الدولية والسياحة، وهما جُزءان مهمّان وأساسيان في اقتصاد البلاد.

قدّمت السلطات ما قيمته 388 مليار درهم (105.6 مليارات دولار) من التحفيز لتعزيز الاقتصاد المحلي في العام 2020، بما في ذلك مخطط دعم اقتصادي مستهدف بقيمة 50 مليار درهم لتعزيز السيولة في القطاع المصرفي، وهو مخطّط تمّ تمديده لاحقًا حتى حزيران (يونيو) 2022 على الأقل.

بشكل ملحوظ، بدأت دولة الإمارات العربية المتحدة حملة التطعيم في وقتٍ مُبكر، حيث قدمت لقاح “سينوفارم” اعتبارًا من أوائل كانون الأول (ديسمبر) 2020، حيث تلقّى جميع سكان الدولة جرعةً واحدة من اللقاح بحلول أواخر تشرين الثاني (نوفمبر) 2021، وتلقى 90٪ جرعتين. بينما لا تزال قيود السفر الدولية والمحلية سارية، مكّن معدل التطعيم المرتفع الاقتصاد من إعادة فتح أبوابه إلى حدٍّ كبير في العام 2021.

يقول جيمس سوانستون، الإقتصادي المسؤول عن شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في “كابيتال إيكونوميكس”: “يمنح برنامج التطعيم البلاد غطاء حماية للمضي قدمًا من شأنه أن يُمكّن الاقتصاد من الاستمرار كالمعتاد. كان هناك ارتفاع في الحالات بسبب أوميكرون، ولكن حتى الآن كان هناك عددُ قليل جدًا من الوفيات وقليل من الضغط على نظام الرعاية الصحية”.

كان متوسط ​​مؤشر مديري المشتريات غير النفطية في البلاد للربع الرابع من العام 2021 هو الأعلى منذ الربع الثاني من العام 2019، ما يشير إلى نموِّ الناتج المحلي الإجمالي بشكل أسرع في الربع الأخير من العام الماضي، حسب قول خديجة حق.

في حين أعلنت المدارس عن تأجيل العودة إلى التدريس الشخصي في أوائل كانون الثاني (يناير)، إلّا أن السلطات رفضت عمليات الإغلاق الجديدة.

قال وزير الدولة الإماراتي للتجارة الخارجية، الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي لتلفزيون “بلومبيرغ” في منتصف كانون الثاني (يناير): “أوميكرون هو أقل تأثيرًا من دلتا [المتحور] وحتى أثناء دلتا لم نُغلق البلاد. التوازن كان موجودًا في أثناء انتشار أوميكرون بالتأكيد، [و] لن نعود إلى الإغلاق الكامل للبلاد”.

عودة السياح

إن إعادة فتح الاقتصاد المحلي ومعدلات التطعيم المحلية المرتفعة لهما أهمية خاصة بالنسبة إلى قطاع السياحة الذي يتركّز في ثاني أكبر إمارة، دبي. تراجعت السياحة في الإمارة – المشهورة بفنادقها ومراكز التسوّق والشواطئ – من 18٪ من الناتج المحلي الإجمالي لدبي في العام 2019 إلى 13٪ في العام 2020، وفقًا لبيانات من وكالة التصنيف الدولية “ستاندرد أند بورز”.

وقد تحسّنت أعداد الزوار في وقت لاحق مع تخفيف قيود السفر في جميع أنحاء العالم. وسجّلت معدلات الإشغال والغرف في فنادق دبي أعلى مستوياتها منذ العام 2015 ، وفقًا لبيانات من “أس تي آر” (STR)، الشركة التي تحدد مقياس صحة البيانات والمعايير العالمية.

تقول حق: “تُظهر أحدث البيانات الصادرة عن وزارة الاقتصاد والسياحة أن أعداد الزائرين الدوليين إلى دبي في تشرين الثاني (نوفمبر) قد تعافت إلى ما يقرب من 76٪ من مستويات العام 2019، ومن المرجح أن تُظهِرَ بيانات كانون الأول (ديسمبر) مزيدًا من التحسّن”.

كان مفتاح التعافي في أعداد السائحين هو استضافة دبي لمعرض إكسبو 2020. بعد تأجيلٍ دام 12 شهرًا، إفتَتَحَ المعرض الذي يستمر ستة أشهر – وهو أول معرض إكسبو عالمي يُقام في الشرق الأوسط – أبوابه في تشرين الأول (أكتوبر)، ما جذب تسعة ملايين زائر (حوالي الثلث من خارج الإمارات) في الأشهر الثلاثة الأولى.

بالإضافة إلى الإنتعاش المؤقت لأرقام السياحة، فقد رأت السلطات أن معرض إكسبو 2020 هو محرِّكٌ للنمو الاقتصادي لفترة طويلة بعد أن يُغلق أبوابه نهائيًا في نهاية آذار (مارس) 2022.

تقول حق: “أدت الاستعدادات لمعرض إكسبو 2020 إلى ترسيخ الاستثمار في البنية التحتية في دبي على مدى العقد الماضي، ودعم نمو الناتج المحلي الإجمالي في الإمارة حتى في الوقت الذي دفع الانخفاض الحاد في أسعار النفط دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى إلى الركود [في العام 2017]”.

وتضيف: “ستوفر البنية التحتية للنقل والترفيه والضيافة التي تم بناؤها على مدى السنين العشر الماضية مع وضع إكسبو 2020 في الاعتبار منصّة للنمو في قطاعي السياحة والخدمات لسنوات مقبلة”.

من المرجح أن تكون الآمال الكبيرة للسلطات في الحصول على دفعة اقتصادية طويلة الأجل من معرض إكسبو 2020 قصيرة الأجل، حتى لو اقترب الحدث من هدفه البالغ 25 مليون زائر، وقد يُقوِّض قطاع العقارات الهشّ في دبي بشكل أكبر.

يقول سوانستون: “على الرغم من أنه لا يوجد شك في أنه قدّم دفعةً من حيث أرقام السياحة، فمن المرجح أن يكون التأثير قصير الأجل. علاوةً على ذلك، يمكن أن يترك معدلات عالية من الطاقة الفائضة في قطاعي العقارات والضيافة في دبي في أعقابه، مما قد يؤدي في النهاية إلى إعادة إشعال المخاوف بشأن ديون الكيانات المرتبطة بالحكومة في الإمارة”.

تحوّلت أسعار العقارات – التي شهدت انخفاضًا ثابتًا منذ العام 2014 بسبب مزيجٍ من زيادة العرض والظروف الاقتصادية الضعيفة – إلى منعطفٍ في العام 2021، مدفوعةً باتجاهات العمل من المنزل، والعوائد الأكثر جاذبية والإصلاحات لنظام التأشيرات في البلاد. زادت قيمة الصفقات العقارية في دبي بأكثر من الضعف في العام 2021 مُقارنةً بالعام 2020، وفقًا لموقع القوائم المحلية “Property Finder”، مُسجّلة أعلى مستوى لها منذ العام 2009.

ومع ذلك، لا تزال الأسعار في دبي أقل بنسبة 20٪ تقريبًا من أعلى مستوياتها في 2014، وفقًا لشركة العقارات الدولية “سافيلس” (Savills)، حيث من المقرر تسليم حوالي 78,000 وحدة قبل نهاية هذا العام.

استراتيجيات التنويع

الإمارات العربية المتحدة هي أصلًا واحدة من أكثر الاقتصادات ديناميكية في الشرق الأوسط، وتواصل تمرير إصلاحات جريئة لجذب الاستثمار والمواهب من جميع أنحاء العالم. في حين أن مثل هذه الإجراءات هي جُزءٌ من اتجاه التحرير الاقتصادي المستمر منذ عقود، فقد تسارعت أجندة الإصلاح في السنوات الأخيرة استجابةً جزئيًا على الأقل لأجندةٍ مُماثلة، وإن كانت أحدث في المملكة العربية السعودية. تميل الدولة الخليجية المجاورة، التي أطلقت برنامج إصلاح اهو لأكثر شمولًا في تاريخها في السنوات الخمس الماضية، بشكلٍ متزايد إلى الطلب من الشركات لنقل مقارها الإقليمية من دبي وأبو ظبي إلى الرياض.

حرّرت الإمارات قواعد الإقامة الخاصة بها كجزء من برنامجها “مشاريع الخمسين”، الذي تم إطلاقه في أيلول (سبتمبر) 2021 بمناسبة إحتفالها بيوبيلها الذهبي. تهدف القواعد الجديدة إلى جذب العمال المهرة من خلال تقديم برنامج “التأشيرة الخضراء” لأصحاب الأعمال والمستثمرين ورجال الأعمال، إلى جانب تأشيرات التقاعد للوافدين الذين تبلغ أعمارهم 55 عامًا وأكثر. قامت دولة الإمارات العربية المتحدة أيضًا بإجراء تغييرات على قانون الشركات التجارية، مما سمح للملكية الأجنبية بنسبة 100٪ للشركات المحلية في قطاعات معينة لأول مرة.

أكثر الإصلاحات الأخيرة اللافتة للنظر جاءت في كانون الأول (ديسمبر) 2021، عندما أعلنت الحكومة أن المدارس والهيئات الحكومية ستتبنّى عطلة نهاية أسبوعٍ جديدة من السبت إلى الأحد، وهو تحوّل من عطلة نهاية الأسبوع من الخميس إلى الجمعة في معظم أنحاء العالم العربي. وقد تم تبنّي هذه الخطوة، التي دخلت حيّز التنفيذ في كانون الثاني (يناير)، من قبل الغالبية العظمى من القطاع الخاص في البلاد أيضًا.

تقول حق: “يتوافق أسبوع العمل الجديد مع الأسواق المتقدمة ومعظم البلدان الأخرى. وينبغي النظر إلى التغيير كجزءٍ من مجموعة أوسع من الإصلاحات الهيكلية لتعزيز القدرة التنافسية لدولة الإمارات العربية المتحدة وجذب المزيد من استثمارات القطاع الخاص المحلي والأجنبي”.

ومع ذلك، فقد أدّى التحوّل بالفعل إلى تعقيد تفاعلات الشركات المحلية مع نظيراتها الإقليمية.

يقول سوانستون: “إن هذه الخطوة تُقلّل من الصعوبات في التعامل مع الشركات في الغرب، والتي يمكن أن تجذب الاستثمار إلى الإمارات، [لكنها] قد تزيد الاختلاف والإرتباك مع الشركات في أجزاء أخرى من الخليج والشرق الأوسط التي تحافظ على أسبوع العمل من الأحد إلى الخميس”.

  • عمّار الحلّاق هو مراسل “أسواق العرب” في أبو ظبي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى