الحوار مع إيران: الرّياض تستبق “فيينا”!

محمّد قوّاص*

على أعتابِ جَلبةٍ حولَ الإعدادِ لجولةِ حوارٍ جديدة بين المملكة العربية السعودية وإيران، تطلّ الرياض على طهران حاملةً ملفّاتٍ تُحمّل نظام الولي الفقيه مسؤولية ما يُصيب المملكة والمنطقة من أخطارٍ وتهديدٍ للأمن والاستقرار.

استهلكت السعودية المرحلة “الاستكشافية” التي وصفت بها، بلسان وزير الخارجية فيصل بن فرحان، حوارها الغامض مع إيران، وهي بصدد الانتقال، في أيِّ جولاتِ حوارٍ مُقبلة، لوضعِ النقاطِ على الحروف، ومُناقشة دوائر النزاع بلا لبس ومواربة، ومن دون لغة مُلتَبِسة حمّالة أوجه.

في طهران خرج من المُحللين مَن توقّع أن تستغرق جولات الحوار وقتًا طويلًا، ذلك، بحسب زعمهم، أن قضايا الخلاف عديدة عتيقة عميقة، تحتاج إلى كثير من الجلسات وإلى ارتقاءٍ في مستويات المُتحاورين. ولئن انتقلت الرياض من لغةٍ مُتشدِّدة إلى لغة مَرنة لتسهيل التواصل مع إيران، غير أن السعودية أعادت تحديث لغتها وضبط معانيها، بما يشي بانتهاء حقبة “الاستكشاف” والانتقال إلى مرحلة أكثر حزمًا، على عكس ما تُكرّر منابر طهران الرسمية والإعلامية من أن هذا الحوار يُحقّق “تقدّمًا إيجابيًا”.

والحال أن تبدّلًا لافتًا طرأ على موقف السعودية بالنسبة إلى مقاربة الحلّ في اليمن. استمر الخطاب الرسمي في الرياض، في الدعوة إلى معابر سياسية للأزمة اليمنية، يشمل كل المكوّنات السياسية اليمنية، بما فيها جماعة الحوثي. ولطالما تسرّبت خلال سنوات الصراع اليمني، وحتى في الأشهر والأسابيع الأخيرة، أنباء عن تواصل تُجريه المملكة مع الحوثيين، بعضه في مسقط. غير أن تطوّر الوضع الميداني وتبدّل خطط التحالف العربي، كما وصول الحوار مع الحوثيين إلى نتائج صفرية، غيّرت من قراءة الرياض لأبجديات الصراع في اليمن.

جديد الرياض أنها لم تعد ترى في الحوثيين شريكاً في أيِّ حلّ في اليمن. باختصار، وآخر الكلام، وكما أعلن المتحدث الرسمي باسم تحالف دعم الشرعية في اليمن العميد الركن تركي المالكي، فإن “الحوثيين لا يملكون القرار ليكونوا جُزءًا من الحلّ السياسي في اليمن”. بكلمة أخرى، فإن أمر الحوثيين وأجنداتهم ليست يمنية يمكن التفاهم بشأنها بمفرداتٍ يمنية، بل ترتبط بصاحب الأمر في طهران، على نحوٍ لم يعد معه بإمكان السعودية القبول بالزعم الإيراني، الذي قيل إنه طُرِحَ داخل جلسات الحوار في بغداد، بأن الصراع في اليمن يمنيٌّ داخلي ولا شأن لطهران به.

وحين تُقارب السعودية الموقف من “حزب الله” في اتهامه بالدور الفاعل في اليمن لتوجيه الصواريخ البالستية والطائرات المُسيَّرة باتجاه المملكة، فإنها تُعامله في الجُزء بأنه إرهاب لا يمكن التسامح معه ولا يمكن نسيان إجرامه، وتُعامله في الكلّ بصفته، وفق المالكي، تابعاً لـ”النظام الإيراني الذي يرعى الأذرع في المنطقة ويقوم بالدمار والخراب”. وعليه، فإن إيران التي تجلس الى طاولة الحوار، تشنّ عبر تلك الأذرع حربًا حقيقية ضد اليمنيين والسعودية، وهي وراء الأذرع الأخرى التي تُهدّد الدولة في العراق ولبنان وسوريا، وبالتالي تُهدّد مصالح السعودية في المنطقة.

لن يكون الحوار السعودي – الإيراني أداة من أدوات السياسة الخارجية للحاكم في طهران. ولا يُمكن لذلك الحوار أن يستمر، بالنسبة الى الرياض، هامشًا لمتن يجري دفع الاستثمار الأول به في فيينا. كما أن المنطقة العربية برمّتها تستنتج، من دون أي مفاجأة، اندفاع الولايات المتحدة وشركائها في نادي دول الـ 5+1، نحو صيغ ماكيافيلية لإبرام اتفاق مع إيران بشأن البرنامج النووي، من دون الأخذ بالاعتبار خطورة العامل الإيراني على استقرار دول المنطقة وأمنها ووحدتها. وعليه تقود السعودية، حتى من خلال الحوار مع إيران، جهدًا عربيًا لمنع طهران من صرف اتفاقها المُحتَمل مع القوى الدولية لمصلحة تدعيم نفوذها في المنطقة، والسعي الى انتزاع إقرارٍ به في اليمن وبقية بلدان نفوذها في المنطقة.

في هذا السياق أيضاً يأتي الموقف السعودي الذي عبّر عنه مندوب المملكة لدى الأمم المتحدة السفير عبد الله المعلمي، خلال جلسةٍ للجمعية العامة للأمم المتحدة لمناقشة قضايا حقوق الإنسان في بعض دول العالم، ومن بينها سوريا، في 16 الشهر الجاري.

شنّ المعلمي هجوماً شديداً ضد النظام السوري. قال: “لا تُصدّقوهم إن قالوا إن الحرب قد انتهت (…)، لا تُصدّقوهم إن وقف زعيمهم فوق هرم من جماجم الأبرياء مُدّعياً النصر العظيم”. ذهب لاتهام نظام بشار الأسد بدعم الإرهاب، وهنا بيت القصيد، “عندما أدخلوا إلى بلادهم “حزب الله” الإرهابي زعيم الإرهاب في المنطقة، والمنظمات الطائفية القادمة من الشرق وشرق الشرق”. والواضح أن هذا الموقف يندرج داخل سياق التصويب على سلوك إيران بالذات في هذا البلد، وبالتالي يضع “فيتو” على أي تطبيع عربي كان مُحتَملاً مع دمشق.

حرّكت السعودية منابرها السياسية والإعلامية باتجاه مُنسَّق (يتواكب مع توسّع العمليات العسكرية للتحالف العربي في اليمن)، يتّهم إيران بالمسؤولية الكاملة عن كوارث تشهدها المنطقة. والأرجح أن الرياض ستُطوّر خطابها في الاتجاه نفسه عشية أيّ تحضيرات لطاولة حوار جديدة بين البلدين. والواضح أن السعودية تستبق في موقفها هذا أي تطوّر قد يحمله أي اتفاق جديد قد يتوصل إليه أطراف المفاوضات في فيينا. وبالتالي فإن ممثلي السعودية داخل رواق الحوار مع إيران يتسلّحون بلهجة سعودية جديدة تُعبّر عن رفضٍ للأمر الواقع الإيراني، سواء أغفله “نادي فيينا” أو عدّلته تفاهماته الجديدة، وتُعبّر عن ديناميات سعودية، واضحة في اليمن ولبنان (لا سيما في الحملة المتصاعدة ضد “حزب الله”)، وقد تصبح أكثر دينامية في سوريا (وفق حديثٍ عن إعادة رسم مشهد المعارضة) لرفض اعتماد أوراق إيران كحقيقة نهائية في الشرق الأوسط.

  • محمّد قوّاص هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني مُقيم في لندن. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @mohamadkawas
  • يَصدُرُ هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره على موقع “النهار العربي” (بيروت)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى