مصر لا تزالُ وُجهَةَ استثمارٍ أفريقية رئيسة رُغمَ التحدّيات الاقتصادية

بينما تراجعت قِيَمُ الصفقات الأفريقية في العام الماضي بما يتماشى مع الاتجاهات الدولية، لا تزالُ مصر وجهةً استثماريةً مُهمّة للمستثمرين في الشرق الأوسط.

بنك عودة في مصر: إشتراه بنك أبو ظبي الأول

هدى أحمد*

لا تزال مصر تُعتَبَرُ واحدة من مناطق الاستثمار الرئيسة في أفريقيا، على الرغم من التحدّيات الاقتصادية المتزايدة في البلاد. في حين أن الانخفاض المُتتالي في قيمة العملة واستيلاء الجيش المتزايد على الاقتصاد قد أعاق الاستثمار الخاص في السنوات الأخيرة، كانت الدولة الواقعة في شمال إفريقيا مكانًا بارزًا للصفقات في القارة السمراء في العام 2022، ويرجع الفضل في ذلك إلى حدٍّ كبير إلى دور دولة الإمارات العربية المتحدة والمستثمرين التابعين لها.

تتناقض المستويات الصحّية لعمليات الاندماج والاستحواذ في مصر مع الكثير من دول أفريقيا الأخرى. تماشيًا مع الاتجاهات الدولية، شهدت القارة السمراء تراجعًا في نشاط الاندماج والاستحواذ في العام 2022، بعدما عرفت انفجارًا في الصفقات في العام 2021. ومع ذلك، لا يزال نشاط الاندماج والاستحواذ سليمًا في قطاعَي التمويل والتكنولوجيا المالية في القارة السمراء. وبينما تَرَكَّزَ جُزءٌ كبير من هذا النشاط على مصر، تم تسجيل صفقات كبيرة أيضًا في الاقتصادات الرئيسة الأخرى في القارة، ولا سيما في كينيا ونيجيريا.

إذا كان العام 2021 هو العام الذي تجرّأ فيه العالم على الحلم بالعودة إلى الحياة الطبيعية، مع انحسار شبح كوفيد-19، كان العام 2022 عام التوقعات المُحبِطة. لقد ألقى الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط (فبراير) بشكوكٍ جديدة عبر المشهد الاقتصادي العالمي، حيث عرف تمويل الصفقات تقييدًا شديدًا مع ارتفاع أسعار الفائدة على مستوى العالم على مدار العام.

بعد ارتفاعها بنحو الثلثين في العام 2021، تراجعت قِيَمُ الصفقات العالمية بنسبة 36٪ إلى 3.8 تريليونات دولار في العام 2022، وفقًا لبيانات من منصة الأسواق المالية “ديالوجيك” (Dealogic). كان التباطؤ حادًا بشكلٍ خاص في الأشهر الستة الثانية من العام، حيث انخفضت القِيَمُ بمقدار الثلث مقارنة بالنصف الأول من العام.

ضُرِبَت بقوة

كان الاتجاه أكثر وضوحًا في أفريقيا، بعد عام قياسي في 2021 شهد زيادة في القِيَمِ بأكثر من 700٪. في حين شهدت أحجام الصفقات في العام 2022 ارتفاعًا على أساسٍ سنوي بنسبة 17٪، تراجعت القِيَمُ بنسبة 71٪ لتصل إلى 24.4 مليار دولار، بما يتماشى بشكلٍ عام مع متوسط الخمس سنوات للقارة السمراء قبل الوباء.

“في العام 2021، كانت أسعار الفائدة لا تزال منخفضة للغاية، بينما كانت لدى شركات الأسهم الخاصة ورؤوس الأموال الاستثمارية أموال كبيرة لأستخدامها. مع تزايد تكلفة الصفقات في العالم المتقدّم، أصبحت الشركات الأفريقية جذابة بشكل متزايد، بالنظر إلى التركيبة السكانية للقارة وإمكانات النمو في المدى المتوسط”، كما يقول مايكل لو، رئيس عمليات الاندماج والاستحواذ في “كاي بي أم جي” (KPMG) في جنوب أفريقيا.

ويضيف: “جاء الانخفاض في القِيَمِ في العام 2022 فيما كانت سياسة الإدارة تتشدّد وتضيق في بيئة اقتصادية أكثر صعوبة، في كل من أفريقيا وأماكن أخرى، مع اختيار مستثمرين آخرين اتباع نهج الانتظار والترقب حتى تستقر أسعار الفائدة مرة أخرى”.

بينما شكلت الصناعات الاستخراجية للتعدين والنفط والغاز معًا ثلث إجمالي قيمة الصفقات، شهد قطاعا التمويل والتكنولوجيا (بما في ذلك التكنولوجيا المالية) أحجامًا أكبر، وهو ما يمثل ثلث جميع الصفقات التي تم الإعلان عنها في القارة خلال العام 2022.

وقد أثبتت الصفقات داخل القطاع المالي في أفريقيا على وجه الخصوص أنها مزدهرة بشكل خاص، مخالفة بذلك الانخفاض الذي شهدته القطاعات الأخرى. نمت قيم الصفقات في المجال المالي بنسبة 16٪ لتصل إلى 2.9 ملياري دولار لعام 2022، مع زيادة الأحجام وفقًا لمنصة الأسواق المالية “ديالوجيك”. ربما ليس من المستغرب أن تظل الاقتصادات الثلاثة الأكبر في القارة – مصر ونيجيريا وجنوب إفريقيا – مهيمنة من حيث إبرام الصفقات بشكل عام، حيث تمثل معًا 7 من أكبر 10 صفقات في القارة تم الإعلان عنها خلال العام.

كانت أكبر صفقة منفردة في قطاع الخدمات المالية في أفريقيا لهذا العام هي الاستحواذ على حصة 17٪ في البنك التجاري الدولي — ثالث أكبر مقرض في مصر من حيث الأصول– من قبل صندوق الثروة السيادية الإماراتي “القابضة” (إي دي كيو). تم الاستحواذ على الأسهم من البنك الأهلي المصري، أكبر بنوك مصر، مقابل 910 ملايين دولار.

كانت صفقة البنك التجاري الدولي أكبر عنصر في صفقات بقيمة 1.85 مليار دولار التي أعلنت عنها شركة “القابضة” في نيسان (أبريل) 2022، في دليل قوي على العلاقة السياسية والاقتصادية العميقة بين مصر والإمارات على المستوى الحكومي.

يقول طارق فضل الله، الرئيس التنفيذي لشركة نومورا لإدارة الأصول (الشرق الأوسط): “مع اقتصادها الكبير، وعدد سكانها الضخم، وقربها الجغرافي، كانت مصر دائمًا وجهة استثمارية جذابة لشركات مجلس التعاون الخليجي”.

مضيفًا بأن “حكومات دول مجلس التعاون الخليجي هي التي تقود الآن المرحلة الجديدة من الاستثمارات في التطورات الصناعية ذات المنفعة المتبادلة”.

في أعقاب صفقة البنك التجاري الدولي، أعلنت “القابضة” الإماراتية في تشرين (أكتوبر) عن خطط لاستثمار ما يصل إلى 20 مليار دولار في مجموعة واسعة من القطاعات على مدى العقد المقبل، بالشراكة مع الصندوق السيادي المصري.

ومن المقرر أن تواكب المملكة العربية السعودية مثل هذا الالتزام. لقد أطلق صندوق الاستثمارات العامة السعودي في العام الماضي الشركة السعودية-المصرية للاستثمار بهدف الاستثمار في قطاعات تشمل البنية التحتية والتطوير العقاري والرعاية الصحية والخدمات المالية.

مصلحة الإمارات

يمتد اهتمام دولة الإمارات العربية المتحدة بالقطاع المصرفي المصري إلى ما بعد صفقة “القابضة إي دي كيو”. أعلن بنك أبوظبي الأول – أكبر مقرض في البلاد من حيث الأصول – عن عرض لشراء حصة أغلبية في بنك الاستثمار المصري “المجموعة المالية هيرميس” في آذار (مارس) 2022، ليتم سحب العرض فقط في الشهر التالي. وجاءت هذه الخطوة في أعقاب إعلان بنك أبوظبي الأول عن الاستحواذ على الشبكة المصرفية للمقرض اللبناني بنك عودة في مصر في العام 2021، مع إتمام الصفقة في حزيران (يونيو) 2022.

بفضل الارتفاع الحاد في أسعار النفط منذ أواخر العام 2020، أصبح بنك أبوظبي الأول في وضع استحواذ دولي كامل. ظهرت تقارير في كانون الثاني (يناير) 2023 تفيد بأن البنك كان يعمل منذ ما يقرب من عام لشراء ستاندرد تشارترد، وهو استحواذ غير مسبوق لأي بنك إقراض في الشرق الأوسط. انسحب بنك أبوظبي الأول بسرعة من الصفقة مع انتشار الأخبار، على الرغم من أن صحيفة فايننشال تايمز ذكرت في شباط (فبراير) أن المقرض قد يعيد المشاركة في العملية في تموز (يوليو)، بعد فترة تهدئة إلزامية مدتها ستة أشهر، نقلًا عن مصادر قريبة من العملية.

زاد بنك أبو ظبي الإسلامي، الزميل الإماراتي، سابع أكبر بنك إسلامي في الإمارات، في أوائل ;كانون الثاني (يناير) 2023 حصته في عملياته المصرية إلى 52.6%، وفقًا لإيداعات البورصة. خلال العام 2022، أعلن البنك عن عزمه التخلص من حصته الأكبر في شركة القاهرة الوطنية لتداول الأوراق المالية.

بصرف النظر عن القطاع المصرفي التقليدي، من المتوقع أن تزداد جاذبية أصول التكنولوجيا المالية المصرية في السنوات المقبلة فقط، حيث أدت القوانين الصادرة عن البنك المركزي المصري وهيئة الرقابة المالية في السنوات الأخيرة إلى حدوث انفجار في النشاط في المجال المالي الرقمي.

تضمنت المبادرات التي تم الإعلان عنها خلال العام 2022 قانون التكنولوجيا المالية الجديد في البلاد، والذي يهدف إلى زيادة تعزيز استخدام التكنولوجيا في القطاع المالي غير المصرفي في البلاد، وخططًا جديدة من وكالة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات لزيادة الاستثمار الأجنبي في النظام البيئي التكنولوجي المحلي.

بالإضافة إلى الاستحواذ على حصة البنك التجاري الدولي، كانت إحدى أبرز صفقات بنك أبوظبي التجاري في نيسان (أبريل) هو الاستحواذ على حصة 12.6٪ في مزود المدفوعات الإلكترونية “فوري” (Fawry) مقابل 69 مليون دولار، وهي ثاني أكبر صفقة في مجال التكنولوجيا المالية في إفريقيا في العام 2022، بعد الاستثمار المشترك البالغ 110 ملايين دولار في شركة “إنترسويتش” (Interswitch) في نيجيريا من قبل “ليبفروغ إنفستمنتس” (LeapFrog Investments) و”تانا أفريقا كابيتال” (Tana Africa Capital).

أعلنت شركة الاتصالات المحلية، فودافون مصر، في نيسان (أبريل) أنها زادت حصتها في شركتي التكنولوجيا المالية المحليتَين “بي” (Bee) و”مصاري” (Masary) -وهما شركتان تابعتان لشركة ابتكار القابضة للاستثمارات المالية- إلى 9.99٪ لكلٍّ منهما، من خلال الاكتتاب في زيادة رأس المال للكيانَين.

ومع ذلك، فإن مثل هذه الصفقات تضاءلت أمام تمويل بقيمة 400 مليون دولار جمعته الشركة المالية الرقمية المصرية “أم أن تي-حالًا” (MNT-Halan) في شباط (فبراير) 2023، بقيادة “شيميرا للإستثمار” الإماراتية. وستشهد الصفقة شراء شركة شيميرا —   وهي جزء من “مجموعة رويال” (Royal Group) في أبو ظبي، التي يسيطر عليها مستشار الأمن القومي الإماراتي ورجل الأعمال الملياردير الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان– بنسبة 20٪ في الشركة مقابل 200 مليون دولار. ومن بين شركاء التمويل الآخرين “Development Partners International” و”Apis Growth Fund II” و”Lorax Capital Partners”.

كما يتم جذب مستثمرين دوليين آخرين من خارج مصر إلى مجال التكنولوجيا المالية في مصر. حصلت “باي موب” (Paymob) على تمويل بقيمة 50 مليون دولار من السلسلة “B” في أيار (مايو) 2022، مع “PayPal Ventures” و”Kora Capital” و”Clay Point”. في الشهر نفسه، وافقت شركة “أمازون” على استحواذ ما قيمته 10 ملايين دولار من أسهم إيصالات الإيداع العالمية للمجموعة المالية هيرميس مع خيار تحويلها إلى حصة 4٪ في “فال يو” (ValU) – ذراع البنك الذي ينمو بسرعة في طريقة الشراء الآن والدفع لاحقًا– مضيفًا “ValU” كدفعة خيار ل”amazon.eg” من تموز (يوليو).

كينيا على لفة

خارج مصر، لا تزال كينيا واحدة من المراكز الرئيسة لعقد الصفقات داخل المجال المصرفي للقارة السمراء، مدفوعةً بالمنافسة الإقليمية المتزايدة بين أكبر مقرضين في البلاد، والاستثمار الإقليمي الداخلي.

في آب (أغسطس)، استحوذ “بنك كينيا التجاري” (KCB)، ثاني أكبر بنك في البلاد، على 85٪ من “تراست ميرشنت بنك” (Trust Merchant Bank ) في جمهورية الكونغو الديموقراطية  مقابل 4.9 مليارات فرنك كونغولي (2.39 مليوني دولار)، ما زاد من تواجد البنك في شرق ووسط إفريقيا إلى ثمانية بلدان. تأتي هذه الخطوة في أعقاب دخول منافسه اللدود “Equity Bank” إلى جمهورية الكونغو الديموقراطية في العام 2019، مع الاستحواذ على حصة مسيطرة في “بنك كونغو التجاري” (Banque Commerciale du Congo).

أعلنت “إيكويتي” (Equity)، أكبر مجموعة مصرفية في كينيا من حيث الأصول، أنها ستستحوذ على أصول والتزامات معينة ل”بنك سباير” من تعاون مع مقرض محلي “مواليمو ساكو”، في صفقة إنقاذ للبنك المتعثر بدعم من البنك المركزي الكيني.

من جهته رفع “ستاندرد بنك” في جنوب أفريقيا في العام 2022 حصته في “ستانبيك هولدنغز” الكيني إلى 75٪، استكمالًا لزيادة حصته في البنك (المملوك من خلال الشركة القابضة ستانبيك أفريكا هولدنغز ليمتد) التي بدأت في العام 2018.

في تموز (يوليو) 2022، استحوذت شركة “أومبا”، وهي شركة مصرفية رقمية أميركية ناشئة لها عمليات في كينيا ونيجيريا، على حصة الأغلبية في “درجة” (Daraja)، وهو بنك كيني للتمويل الأصغر يتلقى الودائع، مقابل مبلغ لم يكشف عنه. تستهدف “أومبا”، التي من بين أنصارها مؤسس “مونزو” توم بلومفيلد، المزيد من الفرص في غانا ومصر.

وفي الوقت نفسه، عانت شركة “أكسس هولدنغز” (Access Holdings) النيجيرية من انتكاسة في محاولتها لزيادة موطئ قدمها في كينيا، والتي حصلت عليها لأول مرة من خلال الاستحواذ على مصرف “ترانسناشيونال بنك” (Transnational Bank) (الآن Access Bank Kenya) في العام 2020. وأعلنت المجموعة المصرفية – وهي الأكبر في نيجيريا من حيث الأصول – عن صفقة في حزيران (يونيو) للاستحواذ على 83.4٪ من أسهم “سيديان بنك” مقابل 4.9 مليارات فرنك كونغولي من “سانتروم إنفستمنت” (Centum Investment). ومع ذلك، أعلن الطرفان في كانون الثاني (يناير) أنهما لم يتمكنا من إتمام الصفقة ضمن الإطار الزمني المتفق عليه أصلًا.

من غير المرجح أن تؤثر مثل هذه الانتكاسة على استراتيجية الاستحواذ الأوسع لشركة “أكسس هولدنغز”، عبر القارة السمراء وخارجها. وفي بيان يؤكد إنهاء صفقة “سيديان بنك”، جددت الشركة عزمها على زيادة تواجدها الدولي من 16 دولة إلى 26 دولة بحلول العام 2028، مع إدراج ناميبيا وأنغولا وإثيوبيا ومصر على قائمة الأهداف الأفريقية.

كما أعلنت شركة “أكسس هولدنغ” في تشرين الأول (أكتوبر) عن الاستحواذ المقترح على حصة 51٪ في “فينيبنكو” (Finibanco) الأنغولي – الذي يمتلك أصولًا تبلغ حوالي 300 مليون دولار – مقابل مبلغ لم يكشف عنه، عبر فرع “أكسس بنك” التابع لها. من المتوقع إتمام الصفقة في النصف الأول من العام 2023.

يستمر التوحيد في السوق المصرفية الخاصة بنيجيريا. في خطوة ترمز إلى صعود الوافدين الرقميين الجدد على حساب البنوك التقليدية في البلاد، أكمل “تيتان تراست بنك” (Titan Trust Bank) – المقرض الرقمي إلى حد كبير الذي أطلق خدماته في العام 2019 – الاستحواذ على حصة 93.4٪ في “يونيون بنك أوف نيجيريا” (Union Bank of Nigeria)، ثاني أقدم بنك وعاشر أكبر بنك من حيث الأصول، في حزيران (يونيو) 2022. وقد أعلن “تيتان تراست بنك” في ذلك الوقت أنه تلقى تسهيلات تمويل استثمار أفريقي بقيمة 300 مليون دولار من بنك التصدير والاستيراد الأفريقي لتمويل عملية الاستحواذ.

في تشرين الأول (أكتوبر)، أعلن البنك المركزي النيجيري عن بيع المقرض المتعثر “بولاريس بنك” إلى “ستراتيجيك كابيتال إنفستمنت” مقابل 50 مليار نيرة (108.6 ملايين دولار). ألغى البنك المركزي ترخيص البنك في العام 2018، عندما كان يتداول باسم “Skye Bank” بعدما فشل في تلبية متطلبات رأس المال للاستحواذ المشؤوم للمقرض “Mainstreet Bank” في العام 2014.

  • هدى أحمد هي مراسلة “أسواق العرب” في القاهرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى