الإنتخاباتُ العراقية: تَوازُنٌ هشٌّ آيِلٌ للسقوط

في ظلِّ دعواتٍ شعبية لمقاطعة الانتخابات النيابية التي ستجري في العاشر من تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، أصبحت القوى المُسلَّحة القريبة من إيران أشد رغبة في السيطرة على مستقبل العراق، في الوقت الذي يتوقّع الصدريون أن يصبح مُرشّحهم رئيس وزراء البلاد المقبل.

مقتدى الصدر: هل ينجح في كسر شوكة ائتلاف الفتح؟

هيثم نعمان*

إستفادت القوى المُرتَبِطة بإيران، المُتمثِّلة ب”تحالفِ الفتح”، وبينها مجموعات مُسَلَّحة مثل “عصائب أهل الحقّ” و”حزب الله”، من نشوء تنظيم “الدولة الإسلامية” لتحصل على شرعيةٍ دينية عبر فتوى الجهاد التي أطلقها المرجع الشيعي آية الله علي السيستاني، وشرعية برلمانية جعلتها تحتلّ عدداً أكبر من المقاعد في انتخابات 2018 من تلك التي حصلت عليها في 2013، حيث حصلت “كتلة الفتح”، التي كانت تُدعى “قائمة بدر” والتي رأسها هادي العامري، على 46 مقعداً برلمانياً في حين كان لها سابقاً 20 مقعداً، كما حصلت مِليشيا “عصائب أهل الحق” برئاسة قيس الخزعلي على مقعدين إضافيين تحت مُسمّى “صادقون”، وأصبح لها 15 مقعداً.

فازت “كتلة الفتح” ومعها القوى المُسلّحة التي تطلق على نفسها اسم “المقاومة” في 2018 باعتبارها ثاني قوة سياسية بعد التيار الصدري، وساهمت قوى المقاومة هذه بإصدار قرارٍ في 5 كانون الثاني (يناير) 2020 يُطالب بخروج القوات الأميركية، وقامت أجنحتها المُسلحة بعمليات قصف للبعثات الديبلوماسية والمصالح الدولية في العراق تحت حجّة مقاومة الاحتلال، وأدّى ذلك إلى مقتل مدنيين وأضرار عامة. رُغمَ ذلك فقدت هذه القوى شعبيتها الجماهيرية بعد انتفاضة تشرين الأول (أكتوبر) 2019 والتي قُتِلَ فيها أكثر من 700 محتج، اتُهِمَت بقتلهم، خصوصاً بعد رفع المُحتَجّين شعارات ضد الفساد وتدخّل إيران.

في المقابل، يسعى التيار الصدري بوصفه أكبر قوّة سياسية حالياً إلى الفوز، و هو المنافس الشيعي للقوى المُسَمَّاة “المقاومة” أو “كتلة الفتح”، مُستَغِلّاً انحسار شعبيتها نتيجة انتفاضة تشرين الأول (أكتوبر) لترشيح رئيس وزراء صدري. ورُغم أن للتيار الصدري جماعةً مُسَلَّحة يُطلَقُ عليها “مِليشيا المهدي”، وله علاقة وطيدة مع إيران، إلّا إنه يختلف عن “قائمة الفتح” في أنه تيارٌ شيعي تأسّسَ داخل العراق وجذوره اجتماعية دينية تعود إلى السيد محمد باقر الصدر العراقي المَنشأ. أما “كتلة الفتح” (بدر سابقاً) فجذورها عسكرية إيديولوجية مُرتبطة بالحرس الثوري وتأسّست في إيران وحاربت مع الجيش الإيراني ضد العراق أثناء الحرب الإيرانية-العراقية في الثمانينات الفائتة.

غير أن طموحاتَ التيار الصدري صعبةُ المنال، لأن قائمة الفتح وقوى المقاومة قامت بعدد من الخطوات لتعقيد فكرة نجاح التيار الصدري، تتمثّل في الآتي:

  • قمع حركة تشرين الأول/أكتوبر

عبّرت مظاهرات تشرين الأول (أكتوبر) عن وعيٍ اجتماعيٍ جماهيري يبحث عن تحوّلٍ سياسي، ويرفض القوى الموالية لإيران. وقد وجدت قوى المقاومة وكتلة الفتح أن هذا التحرك الجماهيري يُشكّل خطراً يُهدّدُ كيانها، خصوصاً عندما رُفِعت شعارات الوحدة الوطنية، وطالبت بإسقاطِ النظام، لذا اتبعت هذه القوى أساليب القتل الجماعي في ساحات التظاهر، وعمليات الإغتيال النوعية التي طالت ناشطين أصبحوا يُشكلون خطراً مُحتَمَلاً، في حال شاركوا في الانتخابات مثل هشام الهاشمي وإيهاب الوزني.

  • دعم العشائر السنّية

لم يكن لمحمد الحلبوسي رئيس البرلمان العراقي، ولخميس الخنجر رئيس تحالف العزم دوراً سياسياً بارزاً قبل 2018، كلاهما يُمثِّلُ خطاً عشائرياً يبتعد من الاتجاه الوطني الذي كان سائداً في الساحة السنّية، وأصبحا الآن أبرز شخصيتين سنّيتين تحاولان الحصول على الأصوات في المحافظات السُنية التي تُسيطَرُ عليها عسكرياً قوات الحشد الشعبي وجماعات المقاومة الموالية لإيران.

رُغم التنافس بين الحلبوسي والخنجر، إلّا أنهما الأبرز في تحالفاتهما السياسية مع قوى المقاومة الموالية لإيران، إذ أنهما يتنافسان لإرضائها، وبالتالي فإن تحالف الفتح وقوى المقاومة الموالية لإيران يسعيان إلى دعم الحلبوسي والخنجر. ووفقاً لوزارة الخزانة الأميركية، فإن خميس الخنجر مُعاقَب أميركياً، أما محمد الحلبوسي فهو أحد الأطراف التي التقت الجنرال قاسم سليماني سرّاً مرات عدة قبل تنصيبه لتقديم الولاء لإيران وفقاً لما أدلى به النائب مشعان الجبوري.

  • القانون الانتخابي

يختلف قانون الانتخابات الجديد عن قانون طرقة “سانت ليغو” الذي سبقه في انتخابات 2018، ويُتيح هذا القانون الفرصة لفوز المُرَشّحين المحلّيين الذين يستطيعون الحصول على أصواتٍ من السكان المحلّيين والذي يعتبر الأقضية (القرى والمدن الصغيرة) دوائر انتخابية، بينما اعتمد القانون السابق كل محافظة دائرةً انتخابية، وسمح بتعويضِ المُرشَّحين المحلّيين، الذين لا يحصلون على أصواتٍ محلية كافية للفوز بأصواتٍ من رئيس الكتلة في المحافظة، أي أن قادة الكتل كانوا يستفيدون من القانون القديم، أما القانون الجديد فيستفيد منه المرشحون المحلّيون. مثالٌ على ذلك، عند حصولِ مُرشّحٍ على خمسمئة صوت ويحصل رئيس الكتلة على مئات الآلاف من الأصوات، يُمكن لرئيس الكتلة أن يُعوِّض/يُعطي المرشح عدداً من أصواته ليُحقّق الفوز رُغمَ خسارته. مع ذلك، لن ينجح قانون “سانت ليغو” الجديد في إحداثِ تغييرٍ حقيقي، لأن نجاح التمثيل المحلّي يعتمد على نسبة المشاركة العالية، في حين تُواجه الانتخابات المقبلة تحدّياً يتمثّل في انخفاضِ المشاركة نتيجة لانعدام الثقة في السياسيين. وفقاً لأحدث استطلاع رأي أجراه المعهد الديموقراطي في شباط (فبراير) 2020، فإن 68 في المئة من العراقيين يؤيدون الاحتجاجات، وهذا يُثبتُ إيمان العراقيين بأن الاحتجاج يُشكّل وسيلة للتغيير بدلاً من الانتخابات. تُعَدُّ نسبة المشاركة المُنخفضة فرصةً للجماعات المُسلّحة لتنظيم الانتخابات وبالتالي فوز قياداتها المحلية من طريق دفع مؤيديها لانتخاب مُرشّحيها المُفضّلين، فهي تمتلك السلاح والمال والهياكل التنظيمية الإدارية المحلية التي تسعى من خلالها إلى إقناع أو إخافة الناخبين ودفعهم للتصويت لمرشحيها.

  • التزوير والتصويت الخاص والنازحون

ذَكَرَ عضو مجلس النواب هوشيار عبدالله “أن الانتخابات المقبلة سوف تتفوّق على الانتخابات السابقة من حيث التزوير، وستُنهَب أصوات الناخبين بعد أن قام البعض باختراع أساليب عبقرية”.  في المقابل سيكون للتصويت الخاص للحشد الشعبي والقوى المسلحة تأثيرٌ فعّال، إضافة إلى استغلال وضع النازحين العراقيين الذين لن يتمكنوا من التصويت. ووفقاً لمنظمة العفو الدولية، فإن آلاف النازحين العراقيين الذين يتمّ اتهامهم لمجرد الاشتباه في صِلاتهم بتنظيم “الدولة الإسلامية”.  تسعى القوى الموالية لإيران إلى استغلال آلاف الأصوات من النازحين من أجل التصويت لصالح جهة معينة أو مرشح معين مقابل إعادتهم إلى ديارهم، وقد باشر خميس الخنجر بإعطاء وعودٍ لبعض نازحي جرف الصخر وكذلك الحلبوسي في الموصل.

من جانب آخر، أدّت أساليب الاستعراض العسكري والاغتيالات، التي مارستها قوى مسلحة، إلى دفع أحزابٍ وكِتَلٍ عديدة للانسحاب من الانتخابات، مثل جبهة الحوار، والحزب الشيوعي، والمنبر العراقي، وهي كتل سياسية مدنية وليبرالية، إلّا أنها فقدت الثقة بالعملية الانتخابية وقررت المغادرة.

  • التحالف المُرجّحً

سيكونُ تحالف الفتح، المُتمثّل بالحشد الشعبي وقوى ما يُسمّى بالمقاومة، الذي يقوده هادي العامري مع حزب الدعوة برئاسة نوري المالكي جناحاً رئيساً في الانتخابات، يقابله جناح التيار الصدري الذي قد يحصد أصواتاً كثيرة لكنها لن تكون حاسمة، وبالتالي يمكن ترشيح رئيس وزراء صدري، إلّا أن هذا الترشيح لن يمرَّ من دون قبول تحالف الفتح. هذا توازنٌ هشٌّ بين الطرفين وسيجلب رئيس وزراء ضعيفاً، أما انقسامات السنّة والأكراد وعدم تبنّيهم استراتيجية مُوَحّدة فلن تفضي إلى أيِّ تغييرٍ في المعادلة السياسية.

هناك دعوات تسعى إلى تحويل العراق إلى نظامٍ رئاسي، وهذا يعني أنها مرحلة سعي إلى تحويل العراق إلى جمهورية ميليشياوية. ويعمل رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي للعودة الى الحكم من خلال توليه الرئاسة والاستفادة من قوى المقاومة والمليشيات الموالية له كبدر وغيرها لتكون الذراع المسلح في تنفيذ أجندته السياسية، مع اغتنام فرصة غياب منافس من القوى الليبرالية والمدنية والوطنية. لذا يبدو أن الانتخابات المقبلة تتميّز بنوعين من القوى، أولاها تمتلك أجنحة مسلحة في الجانب الشيعي، وثانيها تمثل العشائرية في الجانب السني، وهذا سيؤدي إلى وصول المليشيا والعشائر لحكم العراق وربطه بإيران باعتباره محمية عسكرية إيرانية، الأمر الذي يمكن أن يسمح بسيطرتها على 14 في المئة من واردات النفط العالمي. هذا يعني أن العراق مُتّجه نحو حكومة هشّة قابلة للسقوط السريع أمام الأزمات الكبرى. تتمثل هذه الهشاشة في اتجاهين للتصادم: الأول تصادم شيعي – شيعي بين التيار الصدري مع الفتح والمالكي، والتصادم الثاني المحتمل بين النظام السياسي مع الجماهير التشرينية والوطنية الغاضبة التي كانت تنتظر بديلا يلبي مطالبها، وهو بديل من غير المتوقع أن تُسفِر عنه نتائج الانتخابات التي ستجري في العاشر من تشرين الأول (أكتوبر) الجاري.

  • هيثم نعمان هو أستاذ العلاقات العامة في جامعة الخليج في البحرين، وهو مصمم استطلاعات رأي منهجية، يتمتع بخبرة طويلة في الرأي العام والإعلام السياسي، حاصل على الدكتوراه في الاتصال الجماهيري من جامعة بغداد. لمتابعته على تويتر @Haithamhnuman  

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى