هل يكونُ عَزلُ روسيا عن نظام “سويفت” جُزئيًّا؟

البروفسور مارون خاطر*

شَهِدَت الساعات القليلة الماضية تَزخيمًا للاتصالات والمشاورات في محاولةٍ لانتزاع إجماعٍ أوروبي، بات وشيكًا، يَعزل روسيا عن نظام “جمعية الاتصالات الماليَّة العالميَّة بين المصارف” أو ما يعرف بـ “سويفت” كعقابٍ لها على غزوها أوكرانيا. كما بات معلومًا تَشهَدُ أوكرانيا منذ أيّام عدّة هجومًا روسيًا على اراضيها جَعَلَ مِنها ساحةً للاقتتال المُتًجَدِّد بين محاور الشرق والغرب.

في ظلِّ استبعاد التدخّل الأوروبي المباشر في الأزمة الروسيَّة-الأوكرانية، يَتَقدَّم خيار العقوبات الماليَّة كبديلٍ من التَدَخُّل العسكري. في هذا الإطار يُشَكِّل التهديد بفصل روسيا عن نظام “سويفت” المصرفي أحد أبرز هذه العقوبات وأشَدَّها لناحية تداعياتها على الاقتصاد الروسي. في حال التوافق عليه مع الأوروبيين، سَتَكون لهذا القرار تداعيات اقتصاديَّة كبيرة على شركاء روسيا الاقتصاديين وعلى رأسهم أوروبا نفسها. فالعُمقُ الأوروبي يَعتَمِد على الغاز الروسي بنسبة تَصِل إلى قرابة 41% من إجمالي احتياجاته في حين يُشَكِّل النفط الخام الروسي 26.9% من مجمل الإمدادات. الحال كذلك في أغلبية بلدان شرق المتوسط وشمال أفريقيا. فما تُصَدِّرُهُ روسيا من نفط وغاز ومن مواد أوليَّة وأغذية يُشَكِّل حاجةً استراتيجيةً للبلدان المستوردة مما سَيوسِّع دائرة الضَّرر لتَطالَ حتَّى مَن يُلوِّحون بهذا الفصل. لمواجهة هذا التهديد غير المستجِّد، قامت روسيا بإنشاء نظام دفع مصرفيّ خاص بها يُدعى “مير”، (راجع “أسواق العرب” 30/8/2021)، كما فَعَّلت استخدامها لنظام دفع صيني بالتوازي مع خفض تعاملاتها بالدولار بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة. إلَّا أنَّ هذه الخيارات لا تُشكِّل بديلًا من نظام “سويفت” الذي تَمُرُّ عَبرَه أكثر من ٨٠٪ من التعاملات التجارية الخارجية لروسيا.

بالعودة إلى تداعيات عَزل روسيا المتوَقَّع عن نظام “سويفت” على البلدان العربية، نُشدَّد على أنَّه سيؤدّي إلى إنهاء الجزء الأكبر من التعاملات الدولية لهذه البلدان معها. لا يَعود ذلك فقط إلى أهميَّة ومصداقيَّة هذا النِّظام في التعاملات المصرفية بل أيضًا الى الضغوطات السياسية التي قد تَحول دون استبداله ببدائل “شرقية المنشإِ”. عَمَليًا، ستكون لهذا القَطع، إن حَدَثَ، تأثيراتٌ أساسيَّةٌ على الأمن الغذائي إذ تُعَدُّ روسيا مصدرًا حَيَويًا للمواد الغذائية الأساسية التي تَرِد إلى هذه المنطقة عبر البحر الأسود في ظلِّ ضُعف الإنتاج المحلّي للحبوب في منطقة شمال أفريقيا وفي أكثرية البلدان العربية. بالإضافة إلى الغذاء، تُشَكِّل روسيا مصدرًا أساسيًا لتزويد بعض الدول العربية كالجزائر والعراق وسوريا بالذخائر والأسلحة في إطار استعادة النفوذ الروسي في المنطقة. من ناحية أخرى، قد يكون لفصل روسيا عن نظام “سويفت” نتائج إيجابية عل بعض البلدان العربية كقطر وليبيا ومصر والجزائر التي قد تُشَكِّل مصدرًا بديلًا لإمداد أوروبا بالطاقة بدون أن تتمكَّن من تعويض النَّقص الناتج عن التوقف المُحتَمَل للإمدادات الروسيَّة. في سياقٍ مُتَّصل نُشير إلى أن حجم الاستثمارات الروسيَّة في الدول العربيَّة لا يتعدّى 20 مليار دولار، ما يجعل تداعيات منعها من استعمال “سويفت” محدودة في هذا الإطار حصرًا. في قراءةٍ تَربُطُ الاقتصاد بالمعطيات الجيوسياسية، قد يُساهم هذا الفَصل بِلَجم التوسُّع الروسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والذي يَعود بالأساس إلى تراجع نفوذ الدول الأوروبية الاساسيَّة كفرنسا وإيطاليا.

قد تكون التداعيات على لبنان بسبب الفصل المُحتَمل لروسيا عن نظام “سويفت” محدودة بسبب عدم قدرة الاقتصاد اللبناني المُنهار على الاستيراد بالإضافة الى تعدُّد مصادر السلع المستوردة. يبقى التخوُّف من النتائج غير المباشرة لهذه الحرب على الأمن الغذائي في حال تَسَبُّبها بأزمةٍ غذائية عالمية تكون نتائجها وخيمةً على البلدان المكشوفة كَبَلَدِنا. بالإضافة إلى ما تَقَدَّم، لا بدَّ من الإشارة إلى أنَّه ستكون لهذا الفصل نتائج سلبيَّة على الصادرات اللبنانيَّة الى روسيا التي تبقى حاجةً ملحة في ظلِّ الانهيار الذي نَعيش على الرُّغم من تواضُعها.

في النهاية يبقى السؤال: هل تعتمد الدول الأوروبيَّة خيار عزل روسيا عزلًا تامًا عن نظام “سويفت” فتكون كَمَن يُطلِقُ رصاصةً على قدمه؟ أم أنها ستتخذ تدابير محدودة على غرار ما يُلَمِّح اليه المسؤولون الألمان فَيَتِمَّ استثناء التعاملات المتعلِّقة بالطاقة أو الغذاء أو الإثنين معًا عبر فرض العقوبات على عدد مُحدّدٍ من البنوك؟

إستطرادًا نسأل، ماذا سيكون الرَّد الروسي على هذا التَخَبُّط الذي يُظَهِّر تضاربًا في المصالح يصُبُّ حتمًا لمصلحة روسيا؟ المقبل من الأيام كفيلٌ بحمل الإجابة الشافية!

لِيُبعد الله الحروب عن جميع شعوب الأرض ولِيُحِلَّ سلامه في نفوس أهلِها…

  • البروفسور مارون خاطر هو أكاديمي لبناني، كاتب وباحث في الشؤون الماليَّة والاقتصاديَّة. يمكن متابعته عبر تويتر على: @ProfessorKhater
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” -(لندن) – توازيًا مع صدوره في صحيفة “الجمهورية” – (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى