مرحبا سيادة!

راشد فايد*

لم يعد مجدياً استغباء اللبنانيين بمحاولة إقناعهم بأن الأزمة السياسية، وهي أم أزماتهم، صناعة وطنية لا يد للخارج فيها، من ايران إلى فنزويلا، وأن طهران منشغلة بشؤونها، ولا تستخدم لبنان ورقة في الصراع مع أميركا والحلفاء، برغم أن الأمين العام “حزب الله”، السيد حسن نصرالله، لم يتوان يوماً في إشهاره أرض صراع مشرّعة أمام محور الممانعة (في ماذا؟) ضد العرب والغرب.

فلقد تغير المشهد اللبناني مع تقدم التفاهمات المستجدة بين أطراف الاتفاق النووي، وتقاسم المنافع على خريطة المنطقة، ومع ذلك على اللبنانيين أن يصدقوا أن خنقهم بالأزمات لا علاقة له البتة بتوقف مفاوضات 5 +1 وأن يسلّموا بأن ايران لم يكن لها ضلع، لا هذه المرة ولا قبلها، بأي تأخير في ولادة أي حكومة لبنانية.

دعك طبعاً من الالتباس المحيط بدور الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي جاء إلى بيروت بُعيد انفجارِ المرفإِ شاهراً سيف إبعاد الطبقة السياسية الفاسدة وضرورة فرض الإصلاحات ليختم سيرتها عند انتاج الكهرباء للعراق على حدود طهران بتسامح من واشنطن.

أنهى ماكرون صورة فرنسا القيم الكبرى، بأن جدّد بهذه الحكومة هيمنة الطبقة السياسية التي تبجح بزعم قرفه منها ومن فسادها فانتهى إلى تجديد التوكيل الحصري لأحزاب الطوائف، والأحرى طوائف الأحزاب.

لبنان، مرة اخرى، بيدق في شطرنج المنطقة، ومسار الوقائع بين باريس وطهران وواشنطن وبيروت يشي بما لا يمكن استمراراستغباء اللبنانيين في حقيقته، ما يفرض أن يصمت المتشدّقون بالسيادة اللبنانية من المُمانعين، ومن لا يزال يعتقد أن قرارَ اللبنانيين بأيديهم. فحتى الحزب الشهير، الذي يتمرجل علينا، لا يملك قراره، لا هو ولا حليفه “الأورونجي”. فبمجرد أن أقفلت سماعة رئيسي مع ماكرون، اُبلغ القائد حسن بفك الأصفاد عن التشكيلة الحكومية وإفهام عون وصغيره أن الأمور يجب أن تسلك.

ربما يراهن ماكرون على تفهم اللبنانيين لتهاونه مع القيم الفرنسية في لبنان، فهم يعرفون أنه مرشح لخلافة نفسه في قصر الأليزيه، في نيسان المقبل، وأن شعبيته تتهاوى، ولا ينقذه أو يساعده سوى دفق اقتصادي، لم يجد أفضل من استرضاء طهران في كهرباء العراق درباً إليه. لكن علام العتب؟ فصنوه اللبناني فعل مثله لمكسب شخصي حين عطل انتخاب رئيس غيره أكثر من سنتين حتى يأتي به “حزب الله” إلى بعبدا، وعطّل حتى الأسبوع الماضي ولسنة تشكيل حكومة جديدة، فإذا كان هذا سلوك رئيس لبنان، فلم نطلب من رئيس فرنسا أن يكون أكثر لبنانية منه؟

وظّف “حزب الله” عناد الجنرال ضد دستور الطائف لتمديد الفراغ السياسي وضرب حركة 17 تشرين الشعبية، وحلّ أزمة النظام السوري المعيشية بمعابر التهريب الشرعي وغير الشرعي، وأطعم اللبنانيين وعودا ايرانية، ولملم دولاراتهم من السوق السوداء، نافضاً يديه من مآسي الوقود والدواء والكهرباء والخبز، منتحلاً دور المايسترو الخفي لفرقة زجالي السياسة المحلية وهو مستحق له، مقارنة مع من لا يملكون استراتيجية أبعد من حلم بمقعد نيابي.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازياً مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى