لماذا لن يحلّ السلام قريباً في اليمن؟

بذلت المملكة العربية السعودية جهوداً حثيثة أخيراً للتوصل إلى اتفاق في اليمن بغية الإنسحاب من البلاد، لكن انعدام الثقة بين الأطراف المتصارعة لا يُبشر بالخير وقد يُعرقلها.

 

عبد ربه منصور هادي: وضعه صعب

ميساء شجاع الدين*

في 29  تموز (يوليو) الفائت، نجحت المملكة العربية السعودية في إنجاز جولة ثانية صعبة من المفاوضات بين الحكومة اليمنية المُعترَف بها دولياً التي تدعمها المملكة، وبين المجلس الإنتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً الذي يسعى إلى تحقيق انفصال اليمن الجنوبي عن باقي البلاد. وقد وقّعت الحكومة والمجلس الإنتقالي الجنوبي الجزء الثاني من اتفاق الرياض بعد الفشل في تطبيق الجزء الأول منه الذي جرى توقيعه في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019. الجانب الأهم في الإتفاق الثاني هو أن تطبيق البنود السياسية من اتفاق الرياض سيسبق على الأرجح تطبيق البنود العسكرية. فالمجلس الإنتقالي الجنوبي لم يكن راضياً عن الترتيب التسلسلي للإتفاق الأول، الذي نصّ على انسحاب قواته من عدن قبل تشكيل حكومة جديدة.

أُبرِمَ الإتفاقان بضغطٍ كبير من السعودية، نظراً إلى أن الطرفَين المُشاركين في المفاوضات لم يجتمعا حول الطاولة نفسها خلال جولتَي المفاوضات. وقد أماط ذلك اللثام عن فقدان الثقة الكبير بينهما وعدم استعدادهما للتوصّل إلى اتفاق بسبب الأجندات المُتناقضة. فلا يُمكن للحكومة اليمنية أن تُوجَد أو تَنوجد من دون شكلٍ من أشكال الوحدة في ظل دولة اتحادية تدعو إليها، فيما يسعى المجلس الإنتقالي إلى الإنفصال. غالب الظن أن تتمخّض هذه العوامل المُتضاربة عن فشلٍ آخر.

ميدانياً، يُسيطرُ المجلس الإنتقالي الجنوبي على عدن، وسقطرى، والأجزاء الغربية من محافظتي لحج والضالع الجنوبيتين، وجزء من محافظة أبين. أما القوات الحكومية فلا تزال تُحكِم سيطرتها على معظم المناطق الشرقية من الجنوب اليمني، فضلاً عن أجزاء من أبين، وشبوة، وحضرموت، والمهرة. غالبية المناطق المنتجة للنفط في حضرموت خاضعة إلى سيطرة الحكومة.

يُعتبَر هذا الإنقسام تجسيداً للعداء التاريخي العميق بين الضالع ولحج من جهة وبين شبوة وأبين من جهة أخرى. عندما كانت دولة اليمن الجنوبي قائمة  (1967-1990)، شهدت هذه المناطق نزاعات كثيرة، خصوصاً خلال الحرب الأهلية في العام 1986. وبعد توحيد اليمن في العام 1990، سيطر علي عبد الله صالح على عدن في حرب العام 1994  التي انتهت بانتصار حكومة صنعاء. الرئيس اليمني الحالي عبد ربه منصور هادي جنوبيٌّ يتحدّر من أبين، وهو قاد القوات الجنوبية التي حاربت جنباً إلى جنب مع صالح في العام في 1994.ويُهيمن على المجلس الإنتقالي الجنوبي أفراد من الضالع ولحج، الأمر الذي أجّج جذوة العداء القديم.

تناولت مفاوضات الرياض مسألة تشكيل حكومة جديدة تجمع تحت جناحيها ممثّلين من الشمال والجنوب. وقد حاول المجلس الإنتقالي الجنوبي تقديم نفسه على أنه الممثّل الوحيد للجنوب، الأمر الذي رفضه هادي. فما كان من المجلس الإنتقالي إلى أن ردّ عبر تنظيم تظاهرات في حضرموت لدعم فريقه، فيما دعا هادي إلى تظاهرات داعمة له في أبين. وشكّلت هذه التظاهرات جزءاً من تحرّكات عدة نظّمها الفريقان لاستعراض نفوذهما وشعبيتهما.

إضافةً، شجّع هادي هيئات ومنظمات جنوبية أخرى على المشاركة في التظاهرات، من ضمنها وفد مؤتمر حضرموت الجامع الذي يُمثّل محافظة حضرموت الجنوبية، وهي أكبر محافظات اليمن. دفع ذلك المجلس الانتقالي إلى التراجع عن مطلبه بالحصول على كل المقاعد المخصّصة للجنوب في الحكومة. مع ذلك، لم تتطرّق المفاوضات إلى الخلافات الحقيقية بين الأطراف الجنوبية أو مستقبل اليمن الجنوبي على ضوء الدفع المتنامي نحو الإنفصال.

يُعتبَر اتفاق 29 تموز (يوليو) حاسماً بالنسبة إلى السعوديين. فهم يريدون وضع حدّ لتدخلّهم العسكري في اليمن من خلال توحيد جميع معارضي أنصار الله، المعروفين بالحوثيين، كي يتمكّنوا من التوصل إلى إبرام اتفاق سلام معهم. كما أن هذا الإتفاق مهم بالنسبة إلى المملكة، إذ إنه يُثبت أن وجودها ونفوذها في اليمن لا يزالان قويين ومتينين، كما يهدف إلى تعزيز صورة السعودية كراعٍ للعمليات السياسية في البلاد. مع ذلك، عندما اقترح السعوديون سابقاً التوسّط في محادثات بين الأطراف اليمنية، قابل الحوثيون هذا الاقتراح بالرفض على اعتبار أن المملكة، بصفتها طرفاً في الصراع، لا يمكنها لعب دور الوسيط.

هذا وعمد عدد من القوى الإقليمية إلى تحدّي النفوذ السعودي في اليمن، بخاصة في الجنوب، حيث تتمتع دولة الإمارات بنفوذ كبير ولديها أجندة مختلفة عن الرياض. يتمثّل الخلاف الأساس بين الطرفين في علاقتهما بحزب الإصلاح، وهو جماعة” الإخوان المسلمين” اليمنية، الذي طالبت الإمارات باستبعاده بشكل كامل من الحياة السياسية. في المقابل، لا يستطيع السعوديون التخلي عن حزب الإصلاح، حليفهم السياسي والقبلي القديم، لأنهم يعتمدون عليه في الشمال. كما أن هادي لا يمكنه التخلي عن هذا الحزب الذي يُقدّم له دعماً إعلامياً وسياسياً مهماً، ولا سيما بعد انقسام حزب المؤتمر الذي ينتمي إليه منذ العام 2011. بدوره، يحتاج حزب الإصلاح إلى هادي كرئيس، إذ يمنحه غطاء سياسياً ويسمح له بالمحافظة على نفوذه.

لكن على عكس السعودية، أقامت الإمارات علاقات مع حلفاء سياسيين في اليمن هم أكثر التزاماً بسياساتها من حلفاء الرياض تجاه المملكة. وقد منح ذلك الإمارات امتيازاً على السعودية، على الرغم من انسحاب القوات الإماراتية من اليمن، لأن حلفاءها يشاطرونها العداء لحزب الإصلاح. أما من الجانب السعودي فالأمر مختلف، إذ أن قسماً كبيراً من حزب الإصلاح يُعتبَر تابعاً لقطر الآن، كما أن الفصيل الموالي للسعودية أقل تنظيماً. لذلك، ستبقى العلاقات مع حزب الإصلاح حجر عثرة كبيراً، حيث أن الحزب يُشكّل جزءاً حيوياً من الدائرة المقربة من هادي، على الرغم من أن المجلس الإنتقالي الجنوبي صنّف حزب الإصلاح جماعة إرهابية لا بدّ من القضاء عليها.

أعاد اتفاق 29 تموز (يوليو) التأكيد على النفوذ السعودي في اليمن. بيد أن المملكة تواجه واقع افتقارها إلى القدرة على متابعة الاتفاقات، فقد استغرق إعادة إحيائها المفاوضات لتنفيذ اتفاق الرياض المُبرَم في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019 ستة أشهر. علاوةً على ذلك، باتت السعودية راهناً واحدة من بين العديد من القوى الإقليمية المُتنافسة في اليمن. كما أن الخصومات القديمة في الجنوب لم تُطرح في المفاوضات، ما يُفسّر ارتفاع حدّة التوترات العسكرية أخيراً في أبين عقب الإتفاق.

كل هذا يشي بأن الصيغة الأخيرة من اتفاق الرياض قد تسير على خطى سابقتها. وحتى إن تمّ تشكيل حكومة، فمن الصعب الافتراض أنها ستكون ناجحة، نظراً إلى الثقة المفقودة بالكامل بين الأطراف.

  • ميساء شجاع الدين هي زميلة غير مقيمة في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية. وقد حصلت على ماجستير في الدراسات الإسلامية من الجامعة الأميركية في القاهرة، حيث ركزت أطروحتها على صعود التطرف الزيدي في اليمن. يمكن متابعتها عبر تويتر على: @maysaashujaa

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى