أسلافُ التغييريين

راشد فايد*

ليست انتخابات 2022 المرّة الأولى في الحياة النيابية اللبنانية التي يدخل فيها “شبابٌ تجديديون” مبنى مجلس النواب. قبل ذلك بنحو 40 عامًا، وتحديدًا في انتخابات نيسان (إبريل) 1972، فاز المرشحون الشباب بأغلبية المقاعد، لكن معظمهم كانوا أعضاء في كُتَلٍ مُختلفة لم يخرجوا عن طوعها.

جرى ذلك في أجواءٍ سياسية تلهج بالرغبة الشعبية العارمة بضرورة التغيير، وفتح الباب أمام الجيل الشاب، خصوصًا أن التظاهرات الطالبية، والمطلبية، كانت تلح على الحياة العامة، وتُهدّدُ بانفجارٍ اجتماعي يدنو على وقع الأحداث الإقليمية المُتسارعة، وفي طليعتها تمدّد الوجود الفلسطيني المُسلّح  في البلاد.

هذا المشهد، بشقّه المحلّي، اضطر السياسيين للخضوع إليه فشهدت البلاد اختيار مُرَشَّحين “شباب” أصحاب كفاءات علمية، على لوائح السياسيين التقليديين لامتصاص نقمة الشباب بـ”تلوينها”، وكان من أبرز من فاز منهم رئيس مجلس النواب، لاحقًا، حسين الحسيني، وجميل كبي وبطرس حرب ونجاح واكيم وطلال المرعبي، وغيرهم بحيث بلغ العدد 37 نائبًا، من أصل 99 هم نصاب المجلس مكتملًا، لكنهم لم يُشكّلوا كتلةً ولم يحملوا مشروعًا مُشتَرَكًا، كون أغلبهم كان في كنف الزعماء التقليديين، حسب مناطق الترشّح. كذلك لم تكن لديهم رؤية سياسية تجمعهم وتُبرمج رغبة أغلبهم في تقدم الممارسة السياسية في اتجاه ديموقراطية جدّية ومُثمرة.

لم يغب مغزى هذا الحدث عن الرئيس صائب سلام المُكَلَّف بتشكيل الحكومة يومها، فكان أن وُلِدَت “حكومة الثورة من فوق” التي ضمّت وجوهاً شابة من النواب وغير النواب، بهدف الإلتفاف على الحركة الشعبية ولجم غلوائها، مُجانبًا الدور الفلسطيني المتعاظم في الحياة العامة والقرار الوطني الذي لم يلبث أن تشظّى في نيسان (إبريل) 1975.

يشهد مجلس النواب الحالي إقطاعًا سياسيًا مُختلفًا يتمثّل بديكتاتورية الثنائي الشيعي الذي شهد لبنان “فضائله” قبيل الانتخابات في الجنوب والبقاع، حيث أخرجت “السحاسيح” السياسية خصومه من المواجهة مع مرشّحيه، ليُمسِك بالقرار السياسي الشيعي ومن نتائجه غياب منافس للرئيس نبيه بري، ولو شكليًا، على رئاسة مجلس النواب. لكن الأمر ليس بعيدًا من الآخرين وإن لم يكن بالصفاقة نفسها.

المقارنة بين مجلس 1972 ومجلس 2022 ليست بالأمر السهل، لكنها تسمح بالقول إن المجلس الأول يُعذَرُ على عدم بلورة مشروع سياسي، وإن كان الجدد، يومها، ديناميين، لكن غير فاعلين، على عكس اليوم، حيث المرحلة لم تعد تحتمل التأويلات، ولا التنازلات ولا المجاملات السياسية. فالخصم لا يُهادِن ويتحيَّن للإنقضاض.

كان أمام التغييريين فرصةَ انتزاع نيابة رئاسة المجلس لولا محاباة مُبهَمة عند البعض، واستخدام الورقة البيضاء في غير موقعها، عند بعض آخر. ربما يكون التعويض في تكوين جبهة وطنية تعتمد نقاط التقارب مع الكتل والأحزاب، بحيث يتخلّى الأطراف عن النرجسية التنظيمية، وبعض الشخصانية، على عكس ما جرى في موسم الترشيحات.

كتلة التغييريين فرصة للبنان إن أحسنت تكتيكات المعركة وأعطت أمثولة في حسن الاختيارات، وإلّا كان حسابُها شعبيًا أقسى من محاسبة خصومها، وأمرّ.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى