هل يُمكِنُ للشرقِ الأوسط الإستفادة من مُبادرة بايدن؟

كابي طبراني*

قدّمت الرحلة الخارجية الرسمية الأولى للرئيس الأميركي جو بايدن قواعدَ طريقٍ واضحة للدول التي تَبحثُ عن كيفيّةِ عملِ السياسة الخارجية الأميركية خلال السنوات الثلاث المقبلة.

هناكَ عددٌ من الدول في الشرق الأوسط، على وجه الخصوص، حَذِرة من الطريقة التي ستلعب بها واشنطن دورها في ظل حكم بايدن.

لكن هذه الدول التي لم ولا تُحبّذ العودة إلى سياسات الوضع السابق الذي ساد في عهد الرئيس السابق باراك أوباما ما زالت تأمل في استمرار التعامل مع الولايات المتحدة. ومع أنها رحّبت بالتغيير الذي أحدثه بايدن فهي لا تزال غير مُتأكّدة من المستقبل: هل هذه هي فترة استراحة مدّتها أربع سنوات قبل عودة السياسات التي انتهجتها إدارة ترامب السابقة؟ أم أن مَيلَ إدارة بايدن نحو المُحيطَين الهندي والهادئ يعني أن الولايات المتحدة تُصبِحُ بحُكمِ الواقع لاعباً هامشياً في المنطقة؟

إذا كانت نتائج قمة مجموعة الدول السبع في “كورنويل” (بريطانيا) مَصدَراً ودليلاً، فإن فريق بايدن بدا أنه قد وَضَعَ أُطُراً من شأنها أن تؤثر بقوة في الشرق الأوسط. ومع ذلك، فإن اعتماده على الآليات العالمية يعني أنه لا يوجد الكثير من الحديث عن المنطقة في طرح السياسة. وبدا ذلك جليّاً عندما لم يذكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حتى سوريا أو إيران أو ليبيا أو لبنان في المؤتمر الصحافي الذي أعقب قمته مع بايدن في جنيف في الأسبوع الفائت. وحسب معلومات “أسواق العرب”، فقد ناقش بايدن مع الرئيس الروسي موضوع إيران وسوريا بإيجاز ولم يدخل بأيّ تفاصيل كبيرة، لكنه لم يتطرّق إلى موضوع لبنان كما كان متوقَّعاً لأنه كان ناقشه بالتفصيل مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال قمة “كورنويل” حيث أيّد المبادرة الفرنسية.

الواقع أنه ليس من اجتماع جنيف ولكن من قمة مجموعة الدول السبع التي عُقِدَت في المملكة المتحدة أصبحت لدينا فكرة أفضل عن وجهة الشرق الأوسط مع فريق بايدن.

لقد عيّنت الإدارة الجديدة العديد من الموظفين الذين كانوا يعملون في إدارة أوباما، لكن من المرجح أن تكافح الولايات المتحدة وتواجه صعوبات لقيادة زمام الأمور من حيث توقّف الفريق القديم.

تُعتَبَرُ عملية السلام في الشرق الأوسط، أو حلّ الدولتين بين فلسطين وإسرائيل، أولوِيّة رسمية. الأحداث على الأرض في الشهر الفائت كانت أول اختبار لإدارة بايدن. لكن العديد من الدول في المنطقة لا ترى حالياً أن أميركا تقوم بدور الوسيط النزيه الذي يدفع ويدعم الأطراف المختلفة للجلوس إلى طاولة المفاوضات. ومع ذلك، فهي ترى أن اهتمام واشنطن لا يعود إلى المنطقة إلّا كلّما اندلعت توترات واشتعل صراعٌ مفتوح، كما حدث في غزة في الشهر الماضي. على هذا النحو، هناك أصلاً نَمَطٌ أميركي لإدارة الوضع ولكن من دون العمل على تغييره أو تحويله.

من المرجح أن يَشعُرَ ما أُطلِقَ عليه حروب المنطقة التي لا نهاية لها – في العراق وسوريا واليمن، على سبيل المثال لا الحصر- بثقلِ بعض مقاربات السياسة العالمية التي وضعها فريق بايدن، وكذلك التحدّي المُستمر والمتزايد من إيران، خصوصاً مع وصول المُتشَدّد إبراهيم رئيسي إلى سدّة الرئاسة.

إن استعادة الاتفاق النووي ل”خطة العمل المشتركة الشاملة”، إذا حصلت، لا تضع سوى خطّ أساسٍ جديد للعلاقة. بمجرّد اكتمال هذه الإنطلاقة، سيتم فتح الكثير مما في الأجندة بين واشنطن وطهران.

دعمت مجموعة الدول السبع أجندة بايدن (B3W) لإعادة بناءِ عالمٍ أفضل. مهندسو هذه السياسة صاغوها على أنها مُبادرة مُنافِسة لمبادرة الحزام والطريق الصينية. لكن السرد الذي تم وضعه بهذه الطريقة يغفل أهمية هذه السياسة في الشرق الأوسط.

إن ضعف المنطقة في مواجهة تغيّر المناخ معروفٌ جيداً. وبصراحة، فإن الجهود المبذولة للتصدّي لهذه التهديدات وعَكسَ مسارها لم تبدأ في جميع البلدان باستثناء عدد قليل منها، مثل الإمارات العربية المتحدة.

على سبيل المثال، الجفاف الذي يجتاح سوريا والعراق والأردن ودولٌ أخرى يستدعي سياسات التنمية الخضراء. تتمتّع إدارة بايدن بإمكانات كبيرة للتعامل مع صانعي السياسات في هذه البلدان على هذا الأساس.

إذا كانت هناك مساعدة حقيقية لدولة مثل الأردن في كفاءة الموارد وتطويرِ اقتصادٍ دائري، بقيادة الولايات المتحدة وشركائها، فإن الحوافز المُتعلّقة بسياسة واشنطن الخارجية سوف تنمو بالتأكيد.

وهذا صحيح أيضاً في حالتَي العراق ولبنان، حيث يُمكن أن تساهم المساعدات في محاربة مشاكل مثل فقدان التنوّع البيولوجي وزيادة القدرة الإنشائية للتطوير في مجالات مثل الطاقة الخضراء. إذا أصبح النظام الاقتصادي في هذين البلدين أكثر عدلاً وخضرة ومرونة بالشراكة مع الولايات المتحدة، فيمكن تحقيق خطوة أخرى بعيداً من التكامل مع النموذج الإيراني الفاشل.

بعد كل شيء، إيران نفسها لديها القليل من السياسات المُتماسكة المعمول بها لحماية أراضيها وأنهارها من الخراب الطبيعي. لذلك ليس لدى طهران ما تُقدّمه لواشنطن كشريك، ومن المرجّح أن تزداد نقاط ضعفها من تغيّر المناخ.

في الوقت الذي يسير الاتحاد الأوروبي جنباً إلى جنب لدفع خطة نموٍّ أخضر بقيمة 1.8 تريليون يورو، تدرس المنطقة كيف يُمكن أن تكون مُوَرّداً ومَورِداً لهذا التطور. إن خطَّ أنابيب للهيدروجين يمرّ من المملكة العربية السعودية عبر الأردن، على سبيل المثال، سيُعزّز جميع الأطراف.

أحد أهم تعيينات بايدن هو تعيين سفيرة أوباما السابقة لدى الأمم المتحدة سامانتا باوَر رئيسةً للوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وهي وكالة تنموية لها مقعد في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض. وهذه إشارة قوية للضغط على استخدام المساعدات الإضافية كجزءٍ من الإستراتيجية الأميركية في سوريا، وربما اليمن. إن التأسيس لتخفيف المعاناة الإنسانية حيثما كان ذلك مُمكناً، وتخفيف تصعيد النزاع، يجب أن يسمحا بمتابعة جهود تحقيق الاستقرار الأساسية.

إن العملية الديبلوماسية المتوقّفة التي تقودها الأمم المتحدة في سوريا بحاجة ماسة إلى الدعم الروسي للمضي قُدُماً. من المرجح أن يوفّر التزامُ الولايات المتحدة بالموارد لسوريا، بما فيها حرية الشحنات الإنسانية، إشارةً قوية إلى موسكو.

تريد روسيا قيادة إعادة الإعمار في سوريا، وكذلك الحفاظ على المكاسب من تدخّلها في الصراع. لن يكون لتوفير الموارد الأميركية سوى تأثير تعبئة على استعداد روسيا للمشاركة والإنخراط. لا يوجد مكانٌ لإيران في هذه الديناميكية أو لا مكان لها على الإطلاق.

وكما لاحظ بايدن أخيراً، إن الدول تستثمر في الديبلوماسية لمصلحتها الذاتية، لذا لا يمكن إلّا للسياسة العالمية التي ينتهجها فريقه أن تقود مشاركة حقيقية مع الشرق الأوسط.

  • كابي طبراني هو ناشر ورئيس تحرير مجلة وموقع “أسواق العرب”. ألّف ستة كتب بالعربية والإنكليزية من بينها “الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني: من وعد بلفور إلى إعلان بوش” (2008)؛ “كيف تُخطّط إيران لمواجهة أميركا والهَيمَنة على الشرق الأوسط” (2008)؛ و”معاقل الجهاد الجديدة: لماذا فشل الغرب في احتواء الأصولية الإسلامية”، (2011). يُمكن متابعته عبر موقعه: gabrielgtabarani.com أو عبر تويتر على: @GabyTabarani

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى