هل يُمكِن؟!

راشد فايد*

هل يُمكِن إخافة عاهرة بفضيحة؟ منطق الحياة يقول لا، فهي أحرقت كل الجسور مع الحياء والأخلاق، و”ما لجرح بميت إيلام” كما قال أبو الطيب المتنبي يوماً.

تحضر هذه الصورة مع زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان للبنان، وما يُرافِقُها من كلامٍ على عقوباتٍ فرنسية بحقّ سياسيين لبنانيين لهم في الفساد باعٌ طويل، ويُمسِكون بمفاصل الأمور العامة، ويُخضِعونها لمصالحهم، ولم يشفع للشعب اللبناني لديهم ما ناله من تفكيكهم الدولة وتشظّي الوطن ومؤسساته. ويزيد من انكفاءِ التفاؤل بما ستأتي به الزيارة، أنّ لا ملامح واضحة لدعمٍ أميركي وأوروبي للمبادرة الفرنسية المُفتَرَضة، والتي أطلقتها باريس فور الانفجار المأسوي في مرفأ بيروت، يوم 4 آب/أغسطس من العام الفائت، وما استجرّ من اهتمامٍ فرنسي غير مسبوق تجلّى في زيارةٍ خاطفة للعاصمة قام بها الرئيس إيمانويل ماكرون، تجنّب خلالها لقاء المسؤولين، مُتقرِّباً من التحرّك الشعبي قبل أن يأخذ عليه لاحقاً أنه يفتقد قيادة تضفي وجهاً على الغضب الأهلي.

لكن ماذا تغيّر في الموقف الفرنسي، وكذا في المشهد اللبناني؟

لا يزال العويل الفرنسي نفسه، وعنوانه أن لبنان “يواجهُ خطر الزوال”، بسبب تقاعس النخبة السياسية عن تشكيل حكومة جديدة، بوزراء متخصصين، تُنفّذ إصلاحاتٍ عاجلة وحاسمة للبلاد، مع الإصرار على أن “المجتمع الدولي لن يُوقّع شيكاً على بياض، إذا لم تطبق (السلطات اللبنانية) الإصلاحات…وأن الخطر اليوم هو اختفاء لبنان”.

أمل الرئيس الفرنسي في زيارته بيروت، يوم 6 آب/أغسطس، وعاد إليها في أيلول من العام نفسه، تحت العناوين نفسها، استغلال تأثير المساعدات الدولية لإعادة الإعمار، من أجل إقناع الفرقاء اللبنانيين باختيار حكومة جديدة، يقودها أفراد غير مُرتبطين بالفساد، ويحظون بدعمِ المانحين الأجانب. لكن “لبنانية” ماكرون كانت أسرع تضعضعاً من صلابة الفساد الوطني المُعمَّم، فانكفأ أمام برودة التحقيق في انفجار المرفأ، و”تطنيش” التدقيق المالي في وزارة الطاقة، وغيرها، وتجاهل الإصلاح المنشود، وتجذّر إقطاعيات الطبقة السياسية، وأبرز تجلّياتها أن يتخطّى رئيس كتلة نيابية، كانت كبيرة، دور الحكومة، ولو كانت تُصرّف الأعمال، ليُملي “صفقته” لترسيم الخط البحري مع  فلسطين المحتلة بما يسترضي واشنطن وتل أبيب، ويُمهّد لرفع العقوبات الأميركية عنه، تحت صمت حليفه الذي يُهدّد لبنان بتحرير فلسطين.

قال ديغول يوماً: “أذهب إلى الشرق المُعقّد بأفكارٍ بسيطة”، لكن ما صحّ مع بطل تحرير فرنسا لا يبدو سهل المنال مع الوزير لو دريان. فمن السذاجة الرؤية إلى لبنان اليوم بهذا المنطق، وتوهُّم سهولة خلاصه من مرجل الأزمات بعدما تهاوت عناصر بنيته الثلاثة: لا الشعب يعيش انتماءه إلى الرابطة الوطنية، ولا الإقليم، أي الحيّز الجغرافي، مُصان، ولا السلطة السياسية تُوحي بوحدة الشعب والأرض، فكيف وقوى الأمر الواقع تُحوّل لبنان جبهةً إضافية لإيران في وجه العرب، متاريسها آلاف الأطنان من المخدرات تُسلّط عليهم، وعلى غيرهم من الشعوب “العدوّة”.

“إنفجارُ” شبكات المخدرات ليس مخطط أفراد!

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازياً مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى